بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
اختلاف تلک الحالات فی الربط الی الدلالات الثلاث.. 2
النقل والاشتراك يرتبط بمرحلة الدلالة التصورية. 2
التجوز والإضمار والاستخدام يرتبط بمرحلة الارادة الاستعمالية. 5
التقييد والتخصيص يرتبط بمرحلة الارادة الجدية. 6
فی توقف ثبوت الحقيقة الشرعية علی ثبوت الوضع التعييني الاستعمالي.. 9
فتحصل: عدم احراز الوضع التعييني الاستعمالي.. 14
فی توقف ثبوت الحقيقة الشرعية علی ثبوت الوضع التعيني.. 16
المهم هو احراز الوضع التعيني في عصره (ص) ولو كان منشأه، كلامه و کلام اتباعه. 17
استدلال البحوث على ظهور تلك الالفاظ في معانيها الشرعية. 18
2- ثمرة القول بالحقيقة الشرعية. 19
تعارض الأحوال
ذكر صاحب الكفاية “قده” ان للفظ احوالا خمسة وهي التجوز، والاشتراك، والتخصيص، والنقل، والإضمار والتقدير، ولايحمل اللفظ على احدها فيما اذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي الا بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، وأما اذا علم بعدم ارادة المعنى الحقيقي ودار الأمر بين تلك الاحوال فالأصوليون وان ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها الا انها وجوه استحسانية لااعتبار بها الا اذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك.
اختلاف تلک الحالات فی الربط الی الدلالات الثلاث
اقول: ان هذه الحالات ليس لها مركز واحد، فان بعضها يرتبط بمرحلة الدلالة التصورية، وبعضها يرتبط بمرحلة الدلالة التصديقية الاولى اي الارادة الاستعمالية، وبعضها يرتبط بمرحلة الدلالة التصديقية الثانية اي الارادة الجدية.
النقل والاشتراك يرتبط بمرحلة الدلالة التصورية
أما ما يرتبط بمرحلة الدلالة التصورية فهو النقل والاشتراك، فلو دار الأمر بين بقاء اللفظ على معناه الحقيقي وبين نقله الى معنى آخر، فتارة يعلم معناه السابق على زمان صدور الخطاب وانما يحتمل نقله الى معنى آخر في زمان صدور الخطاب، كما في خطاب الأمر بأداء خمس المال الحلال المختلط بالحرام، حيث ان المعنى اللغوي للخمس يجتمع مع كونه صدقة على الفقراء، ولكن يحتمل نقله في زمان صدور هذا الخطاب الى معنى الخمس المصطلح الذي يكون نصفه سهم الإمام(عليهالسلام) ونصفه الآخر سهم السادة، وأخرى يعلم معناه الفعلي، ولكن يحتمل انه كان ظاهرا حين صدور الخطاب في معنى آخر فطرأ عليه النقل الى معناه الظاهر فعلا.
فقد يتمسك في الفرض الأول باستصحاب بقاء الظهور السابق الى زمان صدور الخطاب، هذا ولو علم بنقل اللفظ الى معنى آخر ولكن شك في ان الخطاب هل كان صادرا قبل النقل او بعده، فان فرض الجهل بتاريخ كل من صدور الخطاب والنقل فلايجري استصحاب عدم النقل الى زمان صدور الخطاب ولو لأجل معارضته مع استصحاب عدم صدور الخطاب الى زمان النقل، وهكذا لو فرض الجهل بتاريخ صدور الخطاب والعلم بتاريخ النقل، وأما لو علم تاريخ صدور الخطاب وجهل تاريخ النقل، كما لو علم بصدور هذا الخطاب في القرن الاول على اي تقدير ولكن احتمل تأخر النقل الى القرن الثاني فبناء على المسلك الصحيح في تعاقب الحادثين من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه فقد يقال بجريان استصحاب بقاء الظهور السابق وعدم حدوث النقل الى زمان صدور الخطاب.
ولكن يرد عليه ان استصحاب بقاء الظهور السابق وعدم النقل انما يثبت بقاء الظهور التصوري في حد ذاته لولا القرينة الصارفة في اللفظ، بينما ان الموضوع للحجية هو الظهور التصديقي الفعلي الذي يتأثر من القرائن الحالية ومنها زمان صدور الخطاب أيضا، وإثبات الظهور التصديقي الفعلي بذاك الاستصحاب من اوضح انحاء الأصل المثبت.
وأما استصحاب انه لو صدر هذا الخطاب سابقا لانعقد له ظهور تصديقي في هذا المعنى فهو من الاستصحاب التعليقي في الموضوعات الذي يكون من الاصل المثبت، نظير ما لو شككنا في بقاء زيد في الغرفة فلو هدم شخص تلك الغرفة فلايجدي استصحاب انه لو هدمها سابقا لقتل زيدا، فانه لايثبت وقوع القتل فعلا الا بنحو الاصل المثبت.
وقد يتمسك باستصحاب بقاء الظهور وعدم حدوث النقل في الفرض الثاني أيضا، وهو ما اذا احرز الظهور الفعلي وشك في ان الخطاب هل كان ظاهرا في زمان صدوره في هذا المعنى او كان ظاهرا في معنى آخر وانما طرأ عليه النقل فيقال ان مقتضى الاستصحاب هو بقاء الظهور السابق للفظ وعدم طرو حالة النقل عليه، فبضم ذلك الى احراز ظهوره فعلا في معنى معين يثبت انه كان ظاهرا سابقا في نفس هذا المعنى.
وفيه أنه من اوضح انحاء الأصل المثبت.
وأما ما يقال من بناء العقلاء على نفي احتمال النقل في اللفظ والذي قد يعبر عنه باصالة الثبات في اللغة -او يعبر عنه بالاستصحاب القهقرائي- فيما اذا أحرز الظهور الفعلي للفظ و لميعلم انه هل كان ظاهرا فيه حين صدور الخطاب ام لا.
ففيه انه لميثبت أي بناء من العقلاء على مثل ذلك بل يحتاج الى حصول الاطمئنان بذلك.
وماقديقال من انه لولاذلك فينسد باب العمل بعبارات الوقوف والوصايا القديمة بل باب الاستنباط، ففيه انه يحصل الوثوق والاطمئنان غالبا بعدم حدوث النقل، فلايوجب انكاراصالة عدم النقل انسداد باب الاستنباط والعمل بالعبارات القديمة.
ثم انه لو سلم بناء عقلائي من هذا القبيل فيختص بما اذا شك فى حدوث النقل، واما اذا علم بحدوث النقل وشك في تاخره عن زمان صدور الخطاب او تقدمه عليه فلم يثبت بناء العقلاء على تأخر النقل عن زمان صدور الخطاب كي يحكم بظهور الخطاب في المعنى السابق، كما لميثبت بناء العقلاء على تقدمه عليه كي يحكم بظهور الخطاب في المعنى الذي يكون اللفظ ظاهرا فيه فعلا.
هذا كله في فرض احتمال النقل، ونظيره فرض احتمال الاشتراك، فانه بناء على ما ذكرناه لابد من حصول الاطمئنان بعدم طرو حالة اشتراك اللفظ بين المعنى الذي كان ظاهرا فيه سابقا وبين معنى آخر، وأما العلم بعدم اشتراكه فعلا فلايجدي لنفي احتمال الاشتراك في زمان صدور الخطاب، لما مر من انه لميثبت بناء من العقلاء على جريان أصالة الثبات في اللغة، ما لميحصل الوثوق والاطمئنان بذلك.
التجوز والإضمار والاستخدام يرتبط بمرحلة الارادة الاستعمالية
وأما ما يرتبط بمرحلة الارادة الاستعمالية فهو التجوز والإضمار والاستخدام.
اما التجوز فهو المجاز في الكلمة كإرادة معنى الرجل الشجاع من لفظ الاسد.
وأما الإضمار فهو نظير قوله تعالى “واسئل القرية “([1])، حيث ذكر المفسرون انه من المجاز في الاضمار والتقدير اي واسئل اهل القرية، وان كان الصحيح كونه مجازا ادعائيا بلااي اضمار وتقدير.
واما الاستخدام الذي هو ايضا نحو من التجوز في ارجاع الضمير الى مرجعه، فهو نظير قوله تعالى”والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء وبعولتهن احق بردهن في ذلك”([2])، حيث قالوا ان الضمير في بعولتهن يرجع الى بعض المطلقات، وهي المطلقات الرجعية.
وحينئذ فلو لمنعلم بارادة المستعمل لتفهيم المعنى الحقيقي او المجازي فلاينبغي الاشكال في انعقاد الظهور التصديقي في ارادة المتكلم المعنى الحقيقي حيث ان ظاهر حال المتكلم بمقتضى الغلبة هو ارادة تفهيم المعنى الذي يكون مدلولا تصوريا للفظ اذا فرض انتفاء القرينة على الخلاف، وذلك لان ظاهر حال العقلاء هو عدم ارادتهم تفهيم معنى لايكون مدلولا تصوريا للفظ بدون نصب قرينة عليه.
وان علمنا بعدم ارادة المعنى الحقيقي جزما ودار الأمر بين انحاء المجازات، كما اذا دار الأمر بين المجاز في الكلمة وبين المجاز في الاستخدام كما قد يدعى ذلك في قوله تعالى”والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء وبعولتهن احق بردهن في ذلك” حيث قيل انه يدور امر هذه الآية بين ان يراد من المطلقات خصوص المطلقات الرجعية فيكون من المجاز في الكلمة -حيث يقال بانه يكون من قبيل استعمال العام او المطلق وارادة الخاص والمقيد منهما- وبين ان يراد من الضمير في “وبعولتهن…” خصوص الرجعية منهن فيكون من المجاز في الاستخدام -حيث انه اريد من الضمير بعض مرجعه، لاكله- فان كانا في كلامين منفصلين، او كانا في كلام واحد ولكن علم بسبب القرينة المنفصلة عدم ارادة المعنى الحقيقي، وحيث انعقد الظهور التصديقي في انتفاء كلا نحوي المجاز فيقع التعارض بين الظهورين فيما اذا علم خارجا بارادة احد المجازين، وأما لو كانا في كلام واحد وعلم بعدم ارادة المعنى الحقيقي بسبب القرينة المتصلة فيصير الخطاب مجملا ما لميفترض وجود قرينة خاصة تعين احد المجازين.
التقييد والتخصيص يرتبط بمرحلة الارادة الجدية
واما ما يرتبط بمرحلة الارادة الجدية فهو التقييد والتخصيص، حيث ان الصحيح عدم استلزام ارادة المقيد من الخطاب أيّ تجوز في مرحلة الارادة الاستعمالية، فلم يستعمل المطلق في المقيد، وانما تكون ارادة المقيد نحو تصرف في المراد الجدي، وكذا ارادة الخاص ايضا من الخطاب العام لاتستلزم التجوز في مرحلة الارادة الاستعمالية، وانما يرتبط بمرحلة الارادة الجدية، وكيف كان فاذا دار الأمر بين الاطلاق والتقييد فيكون المرجع اصالة الاطلاق، كما انه اذا دار الأمر بين العموم والتخصيص فيكون المرجع فيه اصالة العموم.
هذا، وأما اذا دار الأمر بين التقييد وبين بعض ما يرتبط بمرحلة الدلالة الاستعمالية كما لو دار الأمر بين التقييد والاستخدام، فيكون مرجعه الى التعارض بين الظهور الوضعي المرتبط بمرحلة الدلالة الاستعمالية وبين مرحلة الظهور الاطلاقي المرتبط بمرحلة الدلالة الجدية فقد يقال بانه يلزم تقديم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي فيكون المقام نظير تعارض العام والاطلاق كما لو ورد في خطابٍ اكرم العالم وورد في خطاب آخر “لاتكرم اي فاسق”، حيث ذكروا انه يقدم الخطاب الثاني لأجل كونه عاما وضعيا على الخطاب الاول لكونه مطلقا.
ولايخفى ان ما ذكر انما يختص بفرض دوران الأمر بين التقييد وبين بعض ما يرتبط بمرحلة الدلالة الاستعمالية، وأما اذا دار الأمر بين التخصيص وبين بعض ما يرتبط بمرحلة الدلالة الاستعمالية فلامرجح لتقديم الحالة التي ترتبط بمرحلة الارادة الاستعمالية على اصالة العموم، فان التخصيص وان كان يرتبط بمرحلة الارادة الجدية ولايستلزم استعمال العام في معنى الخاص ولكن دلالة العام على العموم تكون دلالة وضعية، فلو دار الأمر في قوله تعالى “والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء وبعولتهن احق بردهن في ذلك” بين تخصيص العموم في الجمع المحلى باللام في قوله “المطلَّقات” بالمطلَّقات الرجعية وبين الاستخدام في الضمير في قوله “وبعولتهن” فلاوجه لتقديم اصالة عدم الاستخدام في الضمير على اصالة العموم في المطلَّقات، هذا ومن جهة اخري ان الصحيح في موارد تعارض الظهور الوضعي والظهور الاطلاقي هو استقرار التعارض بينهما وعدم ترجيح للظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي، وتفصيله موكول الى محله.
الحقيقة الشرعية
انه قد ورد في القرآن الكريم والروايات عدة الفاظ استعملت في معاني شرعية، كلفظة الصلاة حيث ان معناها في اللغة الميل والعطف، فالعطف من الله سبحانه هو الرحمة والمغفرة كما في قوله تعالى “هو الذي يصلي عليكم”([3])، والعطف من العباد هو طلب الرحمة والمغفرة كقوله تعالى “ياايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما([4])” وكذا قوله تعالى “خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم”([5])، ولكن استعملت لفظة الصلاة في المعنى الشرعي الذي يعبرعنه في الفارسية بـ (نماز)، ووقع الكلام في انها هل صارت حقيقة شرعية في هذا المعنى بان نقلت في الاسلام اليه بحيث لو استعملت في الكتاب والسنة بدون قرينة –كما في قوله تعالى “قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى”- لكانت ظاهرة فيه، فيصح الاستدلال به على استحباب الصلاة بمعناها المعهود الشرعي مطلقا، او انه يحكم ببقاء ظهورها في معناها اللغوي او يحكم بإجمالها.
والكلام يقع تارة في ثبوت الحقيقة الشرعية وأخرى في الثمرة العملية المترتبة عليها.
1- ثبوت الحقيقة الشرعية
يتوقف ثبوت الحقيقة الشرعية –بمعنى صيرورة الالفاظ المستعملة في معانيها الشرعية في الكتاب والسنة حقائق في تلك المعاني- على ثبوت وضع تعييني او تعيني من قبل الشارع، وقد مر ان الوضع التعييني قد يكون بتصريح من قبل الواضع كقول الأب “سميت ولدي عليا” وقد يكون باستعماله كقوله “جئني بولدي علي” قاصدا به تحقق الوضع.
اما الوضع التعييني التصريحي من الشارع فهو غير محتمل، لعدم اثر منه في التاريخ، وهذا يكشف عن عدم تحققه، اذ لو صدر شيء من هذا القبيل عن النبي (صلىاللهعليهوآله) لكان ينبغي ان يكون بمرآى ومسمع من الناس كي يكون له فائدة عرفا ولو كان كذلك لكان ينتشر أمره، لعدم كونه مثل قضية نصوص الامامة مما تكون الدواعي على إخفائها.
فيبقى احتمال الوضع التعييني الاستعمالي او الوضع التعيني الناشيء من كثرة الاستعمال.
فی توقف ثبوت الحقيقة الشرعية علی ثبوت الوضع التعييني الاستعمالي
أما الوضع التعييني الاستعمالي فقد ذكر صاحب الكفاية “قده” ما محصله: انه لو ثبت كون المعاني الشرعية كالصلاة والصوم والزكاة ماهيات اخترعها الاسلام و لمتكن سابقة عليه فلايبعد دعوى الوضع التعييني الاستعمالي لتلك الالفاظ على معانيها الشرعية، اذ احتمال استعمال تلك الالفاظ في المعاني الشرعية مجازا موهوم، حيث انه لامناسبة لاستعمال كلمة الصلاة مثلا التي هي بمعنى الدعاء في الصلاة المعهودة، ومجرد كون الدعاء جزءا منه لايكفي في الاستعمال المجازي من باب علاقة الجزء والكل، لانه انما يصح استعمال اللفظ الموضوع على الجزء في الكل اذا كان جزءا رئيسيا، وليس الدعاء بالنسبة الى الصلاة من هذا القبيل.
ثم ذكر “قده”: ان ظاهر غير واحد من الآيات كون تلك المعاني الشرعية ثابتة في الشرايع السابقة أيضا، مثل قوله تعالى” كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم”([6])وكذا قوله تعالى مخاطبا ابراهيم (عليهالسلام)” وأذن في الناس بالحج”([7]) وكذا قوله تعالى حاكيا عن عيسى(عليهالسلام)” واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا”([8]) الى غير ذلك، وعليه فلايكون استعمال تلك الالفاظ في معانيها الشرعية ظاهرا في الوضع التعييني الاستعمالي، بل تكون حقائق لغوية لاشرعية، واختلاف الشرائع في أجزائهاوشرائطها لايوجب اختلافها في الحقيقة والماهية، اذ لعله من قبيل الاختلاف في المصاديق كاختلاف مصاديق الصلاة ونحوها بحسب حالات المكلفين في شرعنا([9])
اقول:هنا عدة ملاحظات:
1- ان ما ذكره “قده” من انه لو ثبت كون تلك المعاني الشرعية ماهيات مخترعة في الاسلام فلايبعد دعوى الوضع التعييني الاستعمالي لها في معانيها الشرعية، فقد ذكر المحقق العراقي “قده” في وجهه أن السيرة العقلائية قائمة على ان من اخترع شيئا يضع له اسما، وحينئذ فلو استعمل لفظا فيه فظاهره انه قد وضعه له([10]).
ويلاحظ عليه: انه لميظهر لنا وجود مثل هذه السيرة العقلائية، فان المخترع قد لايضع اسما على ما اخترعه، وانما يطلق عليه لفظا من باب تطبيق الكلي على فرده او من باب المجاز، فلعل الالفاظ المستعملة في المعاني الشرعية قد يكون من هذا القبيل، كما ذكر المحقق الاصفهاني “قده” ان الصلاة المعهودة عطف وميل من العبد الى المولى، فيكون من استعمال اللفظ في معناه الكلي مع تطبيقه على احد مصاديقه.
2- اورد المحقق الاصفهاني على صاحب الكفاية “قدهما” بانه لميتعلق أي اختراع من الشارع بالنسبة الى المعاني الشرعية، وانما الذي حدث له هو انه قد تعلق امره بها، فيختلف عن الماهيات المخترعة التي تعارف وضع المخترع اسما لما اخترعه.
وقد اجاب عنه في البحوث بان المقصود باختراع الشارع لتلك المعاني هو ان الشارع حيث يطلق لفظ الصلاة على مجموعة امور مختلفة تكون أجزاء الصلاة، فلابد ان يلحظ لها وحدة اعتبارية، ضرورة ان كل معنى يستعمل فيه اللفظ لابد ان يكون فيه جهة وحدة ليكون المستعمل فيه واحدا، وعليه فلفظ الصلاة مثلا يستعمل في العبادة الخاصة بما لها من وحدة اعتبارية مع قطع النظر عن تعلق الأمر بها،([11]) ولابأس بما افاده.
3- ان ما ذكره صاحب الكفاية “قده” من عدم مناسبة لاستعمال تلك الالفاظ في المعاني الشرعية مجازا فيلاحظ عليه: ان من المحتمل استعمالها في تلك المعاني من باب تطبيق المعنى الكلي على فرده، كما مر نقله عن المحقق الاصفهاني “قده” في لفظ الصلاة، حيث ذكر انها بمعنى العطف والميل، فيكون تطبيقها على الصلاة المعهودة من باب تطبيق المعنى الكلي على فرده.
4- ان ما ذكره صاحب الكفاية “قده” من ان ظاهر جملة من الآيات كون تلك المعاني الشرعية ثابتة في الشرائع السابقة، وعليه فتكون الالفاظ المستعملة في تلك المعاني حقائق لغوية فيها لاحقائق شرعية، فقد اشكل عليه في البحوث بانه لايمكن الاستدلال بتلك الآيات على ثبوت تلك المعاني الشرعية في الشرائع السابقة لاحتمال ان يكون الثابت في تلك الشرائع سنخا آخر من العبادات بحيث لايكون بينها وبين العبادة الثابتة في شريعة الاسلام أيّ جامع، فلعل الصلاة العيسوية مع الصلاة الاسلامية ليستا صنفين من مركب اعتباري واحد، فيكون اطلاق لفظ الصلاة على الصلاة العيسوية من باب المجاز، ولايمكن نفي هذا الاحتمال الا بعد اثبات كون لفظ الصلاة في قوله تعالى “واوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيّا” مستعملا في المعنى الشرعي المعهود، وهذا اول الكلام، فانه ما لميحرز كون لفظ الصلاة حقيقة في المعنى الشرعي المعهود لايمكن اجراء أصالة الحقيقة لاحراز استعماله في الآية الشريفة في هذا المعنى.
وأما ما يقال من ان ظاهر قوله تعالى “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم” هو اتحاد سنخ الصوم في الشريعة الاسلامية مع الشرائع السابقة، والا لزم الاستخدام في قوله “كما كتب على الذين من قبلكم” ففيه ان من الممكن حمل لفظ الصوم في الآية على معناه اللغوي وهو الامساك الجامع بين الصوم في الشريعة الاسلامية مع الصوم في الشرائع السابقة، فلاتكون هذه الآية دليلا على كون الصوم المعهود في الشريعة الاسلامية ثابتا في الشرائع السابقة فلم يقم دليل على قدم هذه المعاني الشرعية، نعم الصحيح انه يكفي لعدم احراز الوضع التعييني الاستعمالي مجرد احتمال ثبوت هذه المعاني الشرعية في الشرائع السابقة وعدم اختراعها في الاسلام([12]).
و يمكن ان يجاب عن هذا الاشكال بانه حيث يعلم على اي تقدير –بعد افتراض ظهور استعمال تلك الالفاظ في معانيها الشرعية على تقدير كونها مخترعة في الاسلام في الوضع التعييني الاستعمالي- بصيرورة هذه الالفاظ ظاهرة في معانيها الشرعية حين نزول هذه الآيات، إما لاختراعها في الاسلام فيكون وضعا تعيينيا استعماليا او لثبوتها في الشرائع السابقة فتكون حقيقة لغوية، وحينئذ فمقتضى اصالة الحقيقة استعمالها في نفس هذه المعاني الشرعية، فيثبت بذلك كون الأمم السابقة مكلفين بنفس هذه المعاني الشرعية المعهودة، وبذلك يحرز سبقها وبالتالي يثبت كونها حقائق لغوية لاشرعية.
5- اورد السيد الخوئي على صاحب الكفاية ” قدهما” أنه لايهمنا عدم كون هذه الالفاظ حقائق شرعية في معانيها الشرعية، بل يكفي كونها حقائق لغوية فيها، حيث ان المهم هو اثبات ظهور الآيات والروايات المشتملة على هذه الالفاظ في المعاني الشرعية سواء كانت حقائق لغوية او حقائق شرعية([13]).
وقد اورد عليه في البحوث بانه لو فرض احراز كونها مخترعة في الاسلام فيكون الظاهر نقل هذه الالفاظ الى هذه المعاني، كما هو ظاهر استعمال اي مخترع في انه لايستعمل اللفظ الذي وضعه على مااخترعه بالوضع التعييني الاستعمالي الا في مخترعه دون المعنى السابق، وأما على فرض كونها حقائق لغوية في تلك المعاني الشرعية فلادافع لاحتمال اشتراك تلك الالفاظ بين المعاني اللغوية الاصلية وبين تلك المعاني الشرعية فتكون مجملة،([14]) وما افاده تام جدا.
6- اورد المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي “قدهما”على صاحب الكفاية “قده” ان مجرد ثبوت تلك المعاني الشرعية في الشرائع السابقة لايعنى كون هذه الالفاظ العربية حقائق لغوية فيها، فان ما وضع لها في الشرائع السابقة كانت الفاظا غير عربية بمقتضى اختلاف لغات اهل تلك الشرائع، فثبوت المعنى الشرعي في الشرائع السابقة لايستلزم كونه مسمى في السابق بنفس هذا اللفظ الذي استعمل فيه في الاسلام، حتى يثبت كونه حقيقة لغوية([15]).
فتحصل: عدم احراز الوضع التعييني الاستعمالي
ونتيجة ماذكراه انه حيث لميحرز كون هذه المعاني الشرعية ماهيات مخترعة في الاسلام فلايظهر من استعمال الفاظ العبادات فيها وضع تلك الالفاظ في المعاني الشرعية بوضع تعييني استعمالي، كما انه حيث لايحرز تسمية تلك المعاني الشرعية بنفس هذه الالفاظ فلايحرز كونها حقائق لغوية لها فلعلها مستعملة فيها مجازا.
وقد اجاب في البحوث عن اشكال المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي “قدهما” بان هذه المعاني الشرعية كانت متداولة بين العرب قبل الاسلام بما فيهم اهل الكتاب وقد كانوا مختلطين بسائر الأقوام، فيوجب ذلك انتشار هذه الالفاظ المستعملة في المعاني الشرعية بينهم، بل كان للمشركين عبادات خاصة كالحج على ما هو مذكور في التاريخ، وكذا الصلاة كما يشهد له قوله تعالى: وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاء وتصدية،([16]) حيث انه يظهر منه ان الصلاة كانت معهودة عندهم لكن كانوا يطبقونها على مثل المكاء والتصدية، واحتمال استعمال الفاظ أخر لتلك المعاني في المجتمع العربي قبل الاسلام مندفع بانه لو كان كذلك لنقل في تاريخ الأدب العربي، وقد يقال ان “صلوت وزكوت” لفظتان عبريتان وقد كانتا بمعنى العبادتين المعهودتين، فعرّبتا وحفظت الواو الزائدة فيهما فهذان اللفظان كانا مستعملين في المعنى المعهود قبل الاسلام، ويؤيد ما ذكر من ان هذه الالفاظ كانت موضوعة قبل الاسلام في معانيها الشرعية في المجتمع العربي ان النبي (صلىاللهعليهوآله) في ابتداء امره كان مستضعفا لايتناسب حاله مع إبداع عرف لغوي جديد، وبذلك يندفع احتمال الوضع التعييني الاستعمالي في الاسلام([17]).
اقول: انه وان كان لايبعد في مثل لفظ الصلاة والحج كونهما موضوعين للمعنى الشرعي في المجتمع العربي قبل الاسلام لما ذكره “قده”، لكن لايسعنا احراز ذلك في جميع الالفاظ المستعملة في المعاني الشرعية، وعليه فاحراز كون جميع تلك الالفاظ ظاهرة في المجتمع العربي قبل الاسلام في معانيها الشرعية مشكل جدا، وما يقال من ان المخاطبين بالآيات لميكونوا جاهلين بمعانيها فهو رجم بالغيب، فلعل النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يفسرها لهم كما في آية التيمم، حيث لميكن المسلمون يعرفون حقيقة التيمم.
هذا ومن ناحية أخرى قد مر انه على تقدير كون تلك المعاني الشرعية مخترعة في الاسلام، فمع ذلك لايكون استعمال تلك الالفاظ في معانيها الشرعية ظاهرا في الوضع التعييني الاستعمالي، لعدم ظهور استعمال المخترع لفظا في وضعه لما اخترعه بالوضع التعييني الاستعمالي.
هذا كله في الوضع التعييني الاستعمالي، وقد تحصل مما ذكرنا عدم احراز ذلك، كما لميحرز كون جميع تلك الالفاظ المستعملة في معانيها الشرعية حقائق لغوية فيها قبل الاسلام،
فی توقف ثبوت الحقيقة الشرعية علی ثبوت الوضع التعيني
فيقع الكلام في احراز الوضع التعيني لتلك الالفاظ على معانيها الشرعية، فلاينبغي الاشكال في تحقق الوضع التعيني في اواسط عصر النبي(صلىاللهعليهوآله) في الالفاظ المتداولة في الماهيات الشرعية المعروفة كالصلاة والصوم والزكاة والحج، فان احرز ان نزول آية مشتملة على تلك الالفاظ او صدور حديث مشتمل عليها عن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان في اواسط حياته فيحمل على المعنى الشرعي، وأما سائر الالفاظ التي لاتكون متداولة على درجة تداول الفاظ الماهيات الشرعية المعهودة كلفظ “البينة ” الذي يكون معناه اللغوي ما يبيّن الواقع –ومنه قوله تعالى “لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة”([18])، وكذا قوله تعالى “اني على بينة من ربي([19])“- ولكن قد يستعمل في معناها الشرعي اي شهادة العدلين، وكذا لفظ “الخُمس” حيث قد يستعمل في معناه الشرعي وهو الخمس المعهود الذي يكون نصفه للإمام ونصفه للسادة الفقراء، وكذا لفظ “الطهارة ” و”النجاسة ” حيث يستعملان في معناهما الشرعي المعهود، فاحراز انعقاد ظهورها في تلك المعاني في عصر النبي (صلىاللهعليهوآله) مشكل جدا، وعليه فيشكل حمل لفظ البينة على ارادة شهادة عدلين فيما ورد هذا اللفظ في كلام النبي (صلىاللهعليهوآله) كقوله “انما اقضي بينكم بالبينات والأيمان”، نعم قد يدعى ظهور هذا اللفظ في عهد الصادقين عليهما السلام في شهادة عدلين لكثرة استعمالها في ذلك، كما ورد في رواية مسعدة بن صدقة عن الصادق (عليهالسلام) كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه… والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة([20]) وان ذكر السيد الخوئي “قده” ظهورها في المعنى اللغوي ايضا، وهكذا يشكل حمل الخمس على الخمس المعهود فيما اذا تجرد عن القرينة، كما في خمس الحلال المختلط بالحرام، حيث يحتمل ان يكون الأمر بدفع خمسه بمعنى لزوم التصدق به على الفقراء، ولايظهر منه كونه بمعنى الخمس المعهود الذي يكون نصفه للإمام ونصفه للسادة الفقراء، وكذا يشكل الاستدلال بمثل قوله (عليهالسلام)” ان الله تبارك وتعالى لميخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا اهل البيت لانجس منه”([21]) على النجاسة الفقهية للناصب، فلعلها بمعنى القذارة المعنوية.
وقد يورد على ثبوت الوضع التعيني الشرعي بانه لميعلم كثرة استعمال تلك الالفاظ في معانيها الشرعية في كلام النبي (صلىاللهعليهوآله)، وانما المعلوم كثرة الاستعمال في كلامه وكلام أتباعه، وغاية ما يثبت بذلك الحقيقة المتشرعية.
المهم هو احراز الوضع التعيني في عصره (ص) ولو كان منشأه، كلامه و کلام اتباعه
وفيه: ان المهم هو احراز الوضع التعيني في عصره (صلىاللهعليهوآله) ولو كان منشأه كثرة الاستعمال في مجموع كلامه وكلام اتباعه، نعم لو لميحرز تحقق الوضعي التعيني في عصره بان احتمل عدم كثرة الاستعمال في زمانه بدرجة توجب الوضع التعيني وانما احرز ذلك بعده فيكون من الحقيقة المتشرعية.
هذا وأما ما حكي عن الباقلاني من انه يحتمل استعمال تلك الالفاظ في معانيها اللغوية ويكون تفهيم المعاني الشرعية التي تكون من مصاديق تلك المعاني اللغوية بنحو تعدد الدال والمدلول، فلاينافي تحقق الوضعي التعيني في المعاني الشرعية بعد ان كانت القرائن على ارادة تلك المعاني الشرعية مختلفة، وقد تكون قرينة حالية نوعية مع التحفظ على ذات اللفظ، فيتحقق بذلك القرن الأكيد بين ذات اللفظ وبين هذا المعنى الشرعي.
استدلال البحوث على ظهور تلك الالفاظ في معانيها الشرعية
ثم انه استدل في البحوث على ظهور تلك الالفاظ في معانيها الشرعية بان هناك احدى فرضيات ثلاث لايخلو الواقع من إحديها:
1-ان لاتكون هذه المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام، فلامحالة تكون مخترعة من ناحية الشارع، فيثبت عندئذ الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني الاستعمالي.
2- ان تكون تلك المعاني الشرعية بالفاظها ثابتة في المجتمع العربي قبل الاسلام بحيث لميصدر من قبل الشارع عدا تغيير في بعض التفاصيل والشروط غير مقومة لحقيقة ذلك المعنى السابق، فيثبت عندئذ ان المعاني الشرعية الجامعة بين ما جاء به الاسلام وما جاءت به الشرائع السابقة مع ما بينهما من الاختلاف في التفاصيل كانت حقائق لغوية لهذه الالفاظ.
3- ان يدَّعى ان المعاني الشرعية وان كانت ثابتة الا انه لايجزم باستعمال نفس تلك الالفاظ فيها بنحو تصبح حقائق لغوية فيها الابملاحظة مضي فترة من مجيئ الاسلام واستعمال تلك الالفاظ في معانيها الشرعية في غير واحد من كلمات الشارع، فبذلك تثبت الحقيقة الشرعية التعيّنية.
وانكار جميع هذه الفرضيات وادعاء ان هذه الالفاظ لمتكن حقيقة في المعاني الشرعية قبل الاسلام و لميبلغ استعمالها فيها مرتبة الحقيقة التعينية بعد الاسلام بعيد جدا، مع تلك المرتبة من شيوع الاستعمالات المذكورة قبل الاسلام وبعده([22]).
اقول: ما ذكره “قده” وان كان تاما في الماهيات الشرعية المعروفة مثل الصلاة والحج، لكن لايمكن الجزم به في جميع الالفاظ المستعملة في المعاني الشرعية في الكتاب والسنة، كما مر بيانه سابقا، وعليه فالانصاف ان احراز الحقيقة الشرعية في جميع الالفاظ المستعملة في الكتاب والسنة في المعاني الشرعية مشكل جدّا.
2- ثمرة القول بالحقيقة الشرعية
ذكروا انه تظهر ثمرة القول بالحقيقة الشرعية في الخطابات الشرعية التي ورد فيها هذه الالفاظ، فانه على تقدير ثبوت وضع شرعي لها فيكون مقتضى اصالة الحقيقة حملها على ارادة المعنى الشرعي، ولكن ذكر المحقق النائيني والسيد الخوئي “قدهما” انه لاتوجد ثمرة عملية في المقام، لعدم الشك في المراد الاستعمالي من هذه الالفاظ، سواء قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية او لمنقل، فهي على كلا التقديرين استعملت في عرف المتشرعة في المعاني الشرعية، فان الفاظ الكتاب والسنة قد وصلت الينا من النبي الأكرم(صلىاللهعليهوآله) بواسطة الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)، ومن الواضح جدا ان الحقيقة الشرعية وان فرض انها لمتثبت الاانه لاشبهة في ثبوت الحقيقة المتشرعية في زمان الأئمة (عليهم السلام)، نعم لو فرض وصول كلام من النبي (صلىاللهعليهوآله) بلاوساطة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فيمكن ان تظهر الثمرة فيه، لكنه مجرد فرض([23]).
ويلاحظ عليه اولا: انه قد وصل الينا ولو بواسطة الأئمة عليهم السلام احاديث نبوية بنفس اللفظ الصادر عنه (صلىاللهعليهوآله)، فيقع الكلام حينئذ في ظهوره في المعنى الشرعي.
وثانيا: انه قد ورد في القرآن الكريم عدة آيات مشتملة على تلك الاالفاظ، كقوله تعالى” فذكر اسم ربه فصلى”([24])، فبناء على ثبوت الحقيقة الشرعية فتكون الآية ظاهرة في استحباب الصلاة لمعناها المعهود مطلقا، وان كنا لانحتاج اليها لوضوح هذا القول في الفقه، وكذا قوله تعالى: انما المشركون نجس،([25]) ولانعلم ان المراد به هل هو القذارة المعنوية او النجاسة الشرعية، فبناء على ثبوت الحقيقة الشرعية ستكون الآية ظاهرة في النجاسة الشرعية، وكذا ورد في قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا([26])، ولاندري هل هو بمعنى الطهارة الشرعية ام لا، فلو تمت كبرى الحقيقة الشرعية افادتنا في هذه المجالات بلااشكال.
وعليه فان ثبتت الحقيقة الشرعية بنحو يوجب النقل اي ظهور اللفظ في المعنى الشرعي وهجر المعنى السابق، كما هو مقتضى القول بثبوت الوضع التعييني الاستقلالي، تعين الحمل على المعنى الشرعي، وان ثبتت الحقيقة الشرعية بنحو يوجب الاشتراك بين المعنى الشرعي والمعنى السابق، كما لو كانت حاصلة بمجرد كثرة الاستعمال من دون ان يصير المعنى السابق مهجورا، فيكون الخطاب مجملا، وان احتمل كونها مستعملة في معانيها الشرعية في لسان الشارع مجازا، تعين الحمل على المعنى اللغوي في موارد عدم القرينة مالم يصر من المجاز المشهور، فان وصل الى المجاز المشهور فيكون الخطاب مجملا، وان علم بالحقيقة الشرعية وطرو حالة النقل الى المعنى الشرعي ولكن شك في زمان صدور الكلام من الشارع في انه هل كان قبل النقل كي يجب حمل كلامه على المعنى اللغوي او كان بعد النقل كي يجب حمل كلامه على المعنى الشرعي، فقد مر انه يبقى الكلام مجملا، ولايوجد اصل عقلائي او عملي لإحراز تأخر النقل او تأخر الاستعمال، بل مر ان الاحتمال العقلائي لطرو حالة النقل كاف في عدم امكان حمل كلام الشارع على معناه اللغوي، فيكون الكلام مجملا.