فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

الاقوال فی الاستصحاب.. 1

التفصيل بين استصحاب الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية. 1

ما هی حقيقة الأحكام الوضعية. 2

شیخ الاعظم: لا حقیقة لاحکام الوضعیه الا كونها منتزعة عن الاحكام التكليفية. 2

صاحب الكفاية: أن الاحكام الوضعية على ثلاثة اقسام. 2

القسم الاول: ما لا يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا، لا استقلالا و لا تبعا 2

القسم الثاني: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف، كالجزئية. 3

القسم الثالث: ما يمكن فيه الجعل استقلالا و تبعا للتكليف، كالحجية. 4

وقع الکلام فی القسم الاول من الاحكام الوضعية. 4

وقع الکلام فی القسم الثاني من الاحكام الوضعية. 14

 

موضوع: قول چهارم /اقوال /استصحاب

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

الاقوال فی الاستصحاب

التفصيل بين استصحاب الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية

ذكر تفصيل آخر في جريان الاستصحاب، وهو التفصيل بين الاحكام الوضعية والتكليفية، فيمنع عن جريانه في الاول، وهذا التفصيل وان كان منقولا عن الفاضل التوني “ره”، فنقل عنه المحقق العراقي “ره” أنه منع من جريانه في الاحكام الوضعية باعتبار أنها امور انتزاعية وليست مجعولة شرعا ولا موضوعا لمجعول شرعي([1])، ولكن الصحيح عدم تمامية هذا النقل كما يظهر بمراجعة كتابه المسمى بالوافية([2])، لكن اختار المحقق الايرواني “ره” هذا التفصيل، فقال: حيث ان الصحيح عدم تعلق الجعل الاستقلالي بالاحكام الوضعية فلا يجري الاستصحاب في شيء منها، بل الاستصحاب يتوجّه إلى منشئها و هو الحكم التكليفي، و ذلك لأنّ قضيّة جريان الاستصحاب جعل المستصحب استقلالا بخطاب الاستصحاب([3])، كما منع السيد الامام “قده” عن جريان استصحاب الحجية، لنكتة خاصة بها([4]).

ما هی حقيقة الأحكام الوضعية

شیخ الاعظم: لا حقیقة لاحکام الوضعیه الا كونها منتزعة عن الاحكام التكليفية

وصار هذا التفصيل منشأ لبحث الاعلام في المقام ابتداءً عن حقيقة الأحكام الوضعية، فاختار الشيخ الاعظم “قده” كونها منتزعة عن الاحكام التكليفية، فلا واقع لها الا تلك الاحكام، فملكية المشتري للمبيع وملكية البايع للثمن مثلا منتزعتان عن جواز تصرف كل منهما في ما انتقل اليه وحرمة تصرف الآخرين -ومنهم هذا الذي انتقل عنه المال- فيه بدون اذنه.

صاحب الكفاية: أن الاحكام الوضعية على ثلاثة اقسام

لكن ذكر صاحب الكفاية أن الاحكام الوضعية على ثلاثة اقسام:

القسم الاول: ما لا يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا، لا استقلالا و لا تبعا

ما لا يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا، لا استقلالا و لا تبعا، و إن كان مجعولا تكوينا بالعرض بعين جعل موضوعه تكوينا، كالسببية لما هو سبب التكليف، كسببية زوال الشمس لوجوب صلاة الظهر، والشرطية لما هو شرط التكليف، والمانعية لما هو مانع عن التكليف، والرافعية لما هو رافع للتكليف، حيث إنه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا، حدوثا كما في السبب والشرط، أو ارتفاعا كما في المانع والرافع، كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل ما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكوينا، للزوم أن يكون في العلة خصوصية تكون بسببها مؤثرة في معلولها، و إلا لزم أن يكون كل شي‏ء مؤثرا في كل شي‏ء و تلك الخصوصية لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين، و بمثل قول دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاء لا إخبارا، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقدا لها و أن الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها و معه تكون واجبة لا محالة و إن لم ينشأ السببية للدلوك أصلا.

و منه انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة، نعم لا بأس باتصافه بها عناية و إطلاق السبب عليه مجازا كما لا بأس بأن يعبَّر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها فكنّي به عن الوجوب عنده.

فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية و سائر ما لأجزاء علة التكليف إلا ما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر.

القسم الثاني: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف، كالجزئية

ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف، كالجزئية و الشرطية و المانعية لما هو جزء المكلف به و شرطه و مانعه، حيث إن اتصاف شي‏ء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالأمر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي، و ما لم يتعلق بها الأمر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية و إن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية، و جعل الماهية و اختراعها ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها فتصورها بأجزائها و قيودها لا يوجب اتصاف شي‏ء منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به بلا حاجة إلى جعلها له و بدون الأمر به لا اتصاف بها أصلا و إن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصَوَّر أو لذي المصلحة كما لا يخفى.

القسم الثالث: ما يمكن فيه الجعل استقلالا و تبعا للتكليف، كالحجية

ما يمكن فيه الجعل استقلالا و تبعا للتكليف، كالحجية و القضاوة و الولاية و النيابة و الحرية و الرقية و الزوجية و الملكية، وان كان الظاهر عرفا جعلها استقلالا([5]).

خلاصة اشکال صاحب الکفایة علی الشیخ الاعظم: تبعیة الاحکام الوضعیه فقط فی قسم الثانی لاالاول والثالث

فحاصل كلامه الاشكال على الشيخ بأن كون الاحكام الوضعية مجعولة بالتبع انما تتم في القسم الثاني فقط دون القسم الاول والثالث، كما أنه على كلامه يكون عدّ القسم الاول من من اقسام الاحكام الوضعية مبنيا على التسامح، حيث انه من الامور التكوينية.

وقع الکلام فی القسم الاول من الاحكام الوضعية

محصل ما ذكره صاحب الكفاية حول القسم الاول وجهان:

احدهما: أن علاقة التكليف مع سببه او شرطه او مانعه علاقة تكوينية، وليست تشريعية اعتبارية، للزوم تبعية الاحكام للملاكات، فجعل وجوب صلاة الآيات على تقدير الزلزال تابع لتأثير الزلزال في اتصاف صلاة الآيات بالمصلحة الملزمة، وهذا التأثير الذي يسمى بسببية الزلزال لوجوب صلاة الآيات تكويني، وليس اعتباريا قابل للجعل الاعتباري بنحو الجعل المستقل، او بالتبع.

وثانيهما: ان جعل السببية لسبب التكليف بتبع جعل التكليف مستلزم للدور، كما صرح بذلك في حاشيته على الرسائل، لأن جعل التكليف على تقدير تحقق ذلك السبب موقوف على سببيته له في رتبة سابقة، لما مر آنفا من لزوم وجود العلاقة بين ذلك السبب و بين التكليف، فتحقق السبية بتبع جعل التكليف يكون من الدور المحال.

بیان ثلاث نكات في توضيح كلام صاحب الكفاية

وقبل أن نتعرض للايرادات عليه لا بأس أن نذكر في توضيح كلامه ثلاث نكات:

النكتة الاولى:

عبّر صاحب الكفاية في القسم الاول بكون سببية سبب التكليف مجعولة تكوينا عرَضا بعين جعل السبب تكوينا، اي ايجاد الزلزال مثلا الذي هو سبب وجوب صلاة الآيات، وعبّر في الفسم الثاني بكون الجزئية للمأمور به مثلا مجعولة تبعا، ولا يخفى وجود الفرق بين الجعل بالتبع والجعل بالعرض، فان الاول مثل جعل وجوب المقدمة شرعا بتبع جعل وجوب ذيها، فانه مجعول حقيقة وان كان تبعا، بخلاف الثاني فان الجعل بالعرض يعني عدم الجعل حقيقة وانما هو بالعرض والمجاز، والظاهر أن مقصود صاحب الكفاية من كون الجزئية للواجب مجعولة بالتبع هو جعلها حقيقة لكن بجعل منشأ انتزاعها، وهو الامر بالمركب، كما يقال بأن الفوقية مجعولة حقيقة بجعل منشأ انتزاعها وهو الفوق، ولذا يجري الاصل في الجزئية كالبراءة او الاستصحاب.

والصحيح أن القسم الاول ايضا على مبناه مجعول تكوينا بالتبع ولو بجعل منشأها وهو السبب، فالتفريق بينهما بالتعبير في الاول بالجعل عرضا وفي الثاني بالجعل بالتبع لا يخلو عن مسامحة.

والصحيح كما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” التعبير في كلا الموردين بالجعل الانتزاعي وهو غير الجعل بالتبع او الجعل بالعرض والمجاز، بل حد وسط بينهما، فيكون نظير جعل الفوقية بجعل الفوق، حيث يدعي الفلاسفة أن الفوقية موجودة حقيقة بوجود منشأ انتزاعها، وان كان الصحيح عندنا أنه لا يوجد في عالم الوجود الخارجي الا ذات الفوق والتحت، وفوقية الفوق تكون من الواقع الذي هو اوسع من عالم الوجود.

النكتة الثانية:

ذكر السيد الخوئي “قده” أنه لا فرق بين سبب الحكم وشرط الحكم الا في مجرد الاصطلاح، فانه جرت العادة على التعبير بقيد الحكم التكليفي بالشرط، فيقال “زوال الشمس شرط وجوب الصلاة” و التعبير بقيد الحكم الوضعي بالسبب، فيقال “البيع سبب للملكية وعقد النكاح سبب للزوجية”([6]).

وفيه أنا لم نشاهد جريان عادة الاصولين او الفقهاء بما ذكره، بل الظاهر أنهم يعبرون بسبب الحكم فيما لو كان القيد الدخيل في ثبوت الحكم موضوعا اصليا، فكأنه مقتضٍ للحكم، كاقتضاء النار لاحتراق القطنة، ويعبرون بشرط الحكم فيما لم يكن القيد موضوعا اصليا، فهو كاقتراب القطنة من النار يكون شرط التأثير عرفا، فالارث سبب ملكية الوارث، واسلامه شرط ملكيته، والزلزال سبب لوجوب صلاة الآيات والقدرة على تحصيل الطهارة شرط له وهكذا.

النكتة الثالثة:

قد يتوهم أن تعبير صاحب الكفاية لا يأتي في مانعية المانع، فان ما اختاره من كون المانعية للتكليف كمانعية الحيض عن وجوب الصلاة مجعولة تكوينا بالجعل التكويني للمانع، ليس في قبال القول بكونها مجعولة بتبع جعل التكليف، اذ مانعية الحيض عن وجوب الصلاة لا تنتزع من الوجوب وانما تنتزع من عدم وجوب الصلاة على الحائض، بل لا يأتي حينئذ شبهة الدور، لانتزاع المانعية عن عدم الوجوب، والمتأخر عن المانعية هو الوجوب.

ولكن يندفع هذا التوهم بأن المقصود كون تقيد جعل وجوب الصلاة بعدم الحيض في طول مانعية الحيض، لتبعية جعل الشارع للملاكات النفس الامرية، فلا يمكن انتزاع المانعية من هذا التقيد لاستلزامه الدور.

فلا حاجة الى ما ذكره المحقق المشكيني “ره” في حاشية الكفاية من أن مقصود صاحب الكفاية أنّ الرافعية متقدّمة على عدم التكليف بقاء، فتكون متقدّمة على بقاءه، فيكون التكليف في البقاء متأخّرا عن الرافعيّة([7]).

توضيح ما ذكره أن عدم وجوب الصلاة متأخّر عن رافعية لحيض، و عدم وجوب الصلاة مع وجوب الصلاة نقيضان، و النقيضان في رتبة واحدة؛ فإذن وجوب الصلاة متأخّر عن رافعية الحيض، ولا يمكن انتزاع رافعيته عن وجوب الصلاة، كما يقال ان وجوب الصلاة حيث كان متأخّراً عن عدم الحيض باعتبار أنّ عدم مانع الوجوب شرط الوجوب، فيتأخر عنه الوجوب تأخر المشروط عن شرطه، فيكون وجوب الصلاة متأخرا عن الحيض ايضا، لكون النقيضين في رتبة واحدة، فالمتأخّر عن أحدهما متأخر عن الآخر ايضا، فوجوب الصلاة إذن متأخّر عن الحيض.

وانت ترى ابتناء كلامه على مبنى أن المتاخر عن احد المتساويين في الرتبة متاخر عن الآخر ايضا او أن المتقدم عليه متأخر على الآخر ايضا.

كما لا حاجة الى ما في تعليقة مباحث الاصول من كون المظنون أنّ مقصود صاحب الكفاية هو أنّ عدم وجوب الصلاة متأخّر عن الحيض؛ إذن لا يمكن أن تكون مانعيّة الحيض منتزعة عن عدم الوجوب([8]).

عدة ايرادات على كلام صاحب الكفاية

وكيف كان فقد اورد على كلام صاحب الكفاية في القسم الاول عدة ايرادات:

الايراد الاول: أن المسبب( التكليف) موقوف على وجود ذات السبب لا على سببيته

الايراد الاول: ما ذکره المحقق الاصفهاني “قده” من أن المسبب وهو التكليف موقوف على وجود ذات السبب لا على سببيته، كما أن المعلول متأخر عن ذات العلة، لا عن وصف عليته، فلا يلزم أي دور من انتزاع سببية السبب من جعل التكليف([9]).

مناقشه

وفيه أن مقصود صاحب الكفاية أن جعل التكليف على تقدير وجود شيء يتوقف على وجود خصوصية وعلاقة في هذا الشيء مع ذلك التكليف لعدم كون حكم الشارع جزافا، وقد سميت هذه الخصوصية بالسببية، كما أن ترتب الحرارة على وجود النار يتوقف على وجود خصوصية في النار تقتضي وجود الحرارة عند وجود النار، وليس المراد من السببية السببية الفعلية التي تنتزع عن صدور الحرارة بالفعل عن النار، فلعله لا توجد النار ولا الحرارة ابدا، وانما تنتزع عن تلك الخصوصية الثابتة للنار على تقدير وجودها.

الايراد الثاني: وقع الخلط في كلامه بين الجعل والمجعول

الايراد الثاني: ما ذكره المحقق النائيني والسيد الخوئي “قدهما” من أنه وقع الخلط في كلامه بين الجعل والمجعول، فان ما ذكره صحيح بالنسبة إلى دواعي الجعل، فان المصالح و المفاسد أمور واقعية باعثة لجعل المولى التكليف و مبادئ له، و ليست قابلة للجعل التشريعي، لكونها من الأمور الخارجية التي لا يعقل تعلق الجعل التشريعي بها، فهي خارجة عن محل الكلام، فان الكلام في الشرطية و السببية و المانعية بالنسبة إلى المجعول، فكون وجود الزلزال خارجا شرطا في ثبوت وجوب صلاة الآيات على المكلف منتزع عن جعل الشارع لوجوب صلاة الآيات مقيدا بتحقق الزلزال، فانه لولا هذا الجعل لم يتنزع شرطية الزلزال لوجوب صلاة الآيات، كما أنه لو لم يجعل الشارع وجوب الصلاة مقيدا بعدم الحيض لم ينتزع مانعية الحيض عن المجعول اي ثبوت وجوب الصلاة، فاذن تكون السببية والشرطية والمانعية للمجعول مجعولة تبعا، اي منتزعة عن كيفية جعل الشارع([10]).

وقد يعترض على هذا البيان بعدة وجوه:

الوجه الاول: ما ذكره بعض الاعلام “قده” من أن شرطية شرط التكليف الصادر من الحكيم بناء على ما هو الحق من تبعية الأحكام للمصالح و الأغراض العقلائية، منتزعة عن خصوصية تكوينية، لا عن مقام الجعل و التشريع، ولم يخلط صاحب الكفاية بين مقام الجعل و المجعول، فان نظره إلى نفس المجعول و شرائطه، و أن شرطية شرط المجعول غير مجعولة، بل هي عقلية، لامتناع صدور التكليف المطلق منه تعالى بعد كون الملاك مشروطا، و يزيدك وضوحا ملاحظة شرطية القدرة للتكليف، فانها شرط عقلي يمتنع التكليف بدونه، للغويته، و لم يخطر في ذهن أحد أن شرطية القدرة تابعة للجعل و كيفيته، إذ هي شرط مع كون الجعل مطلقا من ناحيتها، فكما تكون شرطية القدرة منتزعة عن جهة واقعية، فكذلك نقول في سائر الشرائط المذكورة في لسان الشارع، فإنها شرط واقعي للتكليف بملاحظة تقيد الشارع بمقتضى الحكمة و المصلحة و عدم خروجه عنهما([11]).

وفيه أن حكمة الشارع تعني رعايته للملاكات في جعله، فان كان الملاك مشروطا بشرط، فيأخذ هذا الشرط في موضوع جعله، لا أن يجعله مطلقا ويتحكم عليه العقل والعقلاء، فيقيِّدون حكمه، وهذا الذي ذكرناه هو معنى شرطيته الشرعية، والقول بامتناع صدور فعل منافٍ للحكمة منه تعالى -لا أنه قبيح عليه ونعلم بأنه لا يرتكبه مع قدرته على ارتكابه- كما يقال به بالنسبة الى صدور القبيح منه تعالى، لا ينافي ذلك ابدا.

فاتضح أن هذا الايراد على صاحب الكفاية من خلطه بين الجعل والمجعول متجه، فان الكلام ليس في اسباب جعل المولى اي دواعي جعله، وانما الكلام في اسباب المجعول، فعلم الشارع بوجود خصوصية في الزلزال مثلا بناء على لزوم تبعية التكاليف الشرعية للمصالح والمفاسد في متعلقاتها مما لابد منه في مقام الداعوية والباعثية للمولى تحو جعل التكليف كجعل وجوب صلاة الآيات على تقدير وجود الزلزال، ولكنه ليس محل الكلام في المقام، بل الكلام في سببية الوجود الخارحي للزلزال في ثبوت وجوب صلاة الآيات عند وجوده.

الوجه الثاني: ما قد يقال من أن هذا الايراد على صاحب الكفاية مبني على قبول وجود مرحلة الجعل والمجعول للأحكام، كما لو قلنا بما هو الصحيح من كون الوجوب مجرد ابراز لارادة المولى لفعل العبد ولكن يندفع هذا التوهم بأن المهم أن هناك امورا تتعلق بالعناوين قبل وجودها، فاذا وجد فرد من العنوان في الخارج شمله ذلك الامر عرفا من دون أن يحدث شيء في عالم التكوين حقيقة، فاذا اراد المولى أن يحج المستطيع، فما لم يصر الشخص مستطيعا لا يقال ان المولى اراد من هذا الشخص أن يحج، فتكون الطرفية لارادة المولى بديلا عما سمّي بمرحلة المجعول، فالسببية للتكليف في هذه المرحلة تنتزع عن مرحلة تعلق ارادة المولى بالحج في فرض الاستطاعة مثلا.

الوجه الثالث: ما في تعليقة مباحث الاصول من أنه قد يقال: أن السببية الحقيقية لا يمكن أن تنتزع من جعل، فان الجعل أمر اعتباري، و الأمر الاعتباري لا يؤثّر أثر التكوين، بل هي بحاجة إلى نكات تكوينية، فكيف تنتزع من جعل وجوب صلاة الآيات عند الزلزال السببية الحقيقية للزوال بالنسبة الى المجعول وهو وجوب صلاة الآيات.

وقد أجاب عنه بأنّ الجعل بما هو جعلٌ، امر تكويني صادر من المولى، و هذا يخلق مصداقاً للأسباب، و لا يخلق السببيّة، ففرقٌ بين خلق مصداق الأسباب، و بين خلق السببية، فالسببية لا تُخلَق بالجعل، و لكنّ الجعل يخلق المصداق، و هذا شبيه ما يقال في الجعول التكوينية أيضاً، كما يقول الفلاسفة: إنّ النار هي سبب للإحراق، و حتّى الخلق التكويني للنار ليس خلقاً للسببية، و إنّما هو خلق لمصداق السبب، أمّا السببيّة فهي ثابتة قبل خلق النار، و كذلك زوال الشمس في المقام سبب لفعلية كل وجوب مشروط بالزوال، وهذه السببية ثابتة قبل جعل الوجوب بنحو قضية كبروية شرطية، اي “كلما كان الوجوب مشروطا بالزوال فالزوال سبب لفعليته” وجعل وجوب الصلاة مشروطا بالزوال يكون محققا لمصداق الشرط في ه‍‍‍ذه القضية الشرطية، فان الجعل تكوين بالنسبة لنفس ما يجعل، و يكون محقّقاً للمصداق، و عندئذ نقول: هذه السببيّة منتزعة من هذا الجعل([12]).

اقول: كيف يصح التعبير بأن الشارع بجعله للوجوب المشروط بالزوال يخلق مصداق السبب فان ما هو مصداق السبب هو الزوال الذي هو امر تكويني تابع لاسبابه التكوينية، لا لذاك الجعل، الا أن يكون مقصوده أن الشارع بهذا الجعل يخلق المسبب وهو الوجوب المشروط بالزوال، والا فسببیة الزوال لتحقق الوجوب المشروط بالزوال ازلية.

و الحاصل أننا لا ننكر وجود قضية شرطية ازلية وهي أنه كل ما كان الوجوب مشروطا بالزوال فالزوال سبب لفعليته، وكذا كون نفس جعل وجوب الصلاة المشروط بالزوال ايجادا لمصداق الشرط، لكنه لايجدي شيئا ولا يوجب صحة قياسه بالاسباب التكوينية التي كانت السببية الواقعية بين النار والحرارة مثلا ازلية وانما الخالق يخلق ذات السبب وهو النار، وأما الزوال الذي هو سبب فعلية الوجوب المشروط بالزوال فهو مما لا ينجعل بجعل الوجوب المشروط بالزوال، فتعبيره بأن الجاعل لا يجعل السببية، وانما يخلق مصداق الاسباب خطأ.

المراد بالمجعول ليس هو المجعول بالذات بل هو المجعول بالعرض

والمهم أن المراد بالمجعول ليس هو المجعول بالذات، فانه امر تكويني قائم بنفس المولى ومتحد مع الجعل، وليس مسببا عن وجود الزوال خارجا، وانما المراد به المجعول بالعرض، وهو موجود وهمي، وليست علاقة عملية الجعل معه علاقة تكوينية، وانما هي علاقة وهمية اعتبارية، وعليه فسببیة الزوال لوجوب الصلاة لسیت سببية حقیقیه تكوينية، بل الزوال موضوع لوجوب الصلاة وعلاقة المجعول بموضوعه ليست علاقة تكوينية، بل الموضوع ظرف للوجود الوهمي للحكم، نظير موت الموصي فانه ظرف للوجود الوهمي لملكية الموصى له، وهذا هو المراد من سببية سبب الحكم او شرطية الشرط في ثبوت الحكم، ولا مانع من أن يكون الجعل الذي هو السبب للوجود الوهمي للمجعول عقيب تحقق الموضوع موجبا لانتزاع سببية الموضوع الذي هو السبب والشرط لوجود المجعول، وهذه السببية ليست سببية تكوينية لعدم كون طرفها امرا تكوينيا، فان اريد من كون السببية عنائية هذا المعنى فهو صحيح، ولكن كما أن لوجوب الصلاة وجودا وهميا استقلاليا عقيب وجود الزوال فلسببية الزوال ايضا وجود وهمي بالنسبة الى الوجوب ايضا وجود وهمي انتزاعي، اي وجود عرفي لا تكويني، فاذا لم يكن المسبب وهو فعلية الوجوب او فقل طرفية المكلَّف للجعل، امرا تكوينيا فسببية سببه ايضا لا تكون تكوينية.

والحاصل أن المراد بالمجعول ليس هو المجعول بالذات، فانه امر تكويني قائم بنفس المولى ومتحد مع الجعل، وليس مسببا عن وجود الزوال خارجا، وانما المراد به المجعول بالعرض، وهو موجود وهمي وليست علاقة عملية الجعل معه علاقة تكوينية، وانما هي علاقة وهمية اعتبارية، فلسیت سببية الزوال لوجوب الصلاة حقیقیه تكوينية، وبذلك اتضح الجواب عن الاشكال.

الايراد الثالث: لزوم تبعية التكاليف للمصالح والمفاسد في متعلقاتها غیر مقبول فی نظر صاحب الكفاية

الايراد الثالث: ان ما ذكره صاحب الكفاية مبني على لزوم تبعية التكاليف للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، وهو غير مقبول بنظره، لكفاية كون المصلحة في الجعل، فقد يكون اخذ شيء قيدا في ثبوت حكمٍ ناشئا عن مصلحة في نفس الحكم، كما أنه ليس بمقبول عندنا، لكفاية كون المصلحة في امتثال امر المولى، وان لم يكن في ذات الفعل أي مصلحة، مضافا الى امكان كون ملاك الواجب مطلقا وانما لم يأمر به مطلقا لمصلحة التسهيل.

بیان المختار: عدم تمامية ما ذكره صاحب الكفاية في القسم الاول، وهو سببية سبب التكليف

فتحصل عدم تمامية ما ذكره صاحب الكفاية في القسم الاول، وهو سببية سبب التكليف وشرطية شرط التكليف ومانعية مانع التكليف، من عدم كونها مجعولة لا استقلالا ولا تبعا لجعل التكليف.

الخلاف في امكان جعل القسم الاول استقلالا وعدمه

ثم انه بعد اختيار كون القسم الاول مجعولا شرعا، وقع الخلاف في امكان جعله استقلالا وعدمه، فاختار جماعة امكانه، بل عن حقائق الاصول نسبته الى المشهور، وممن اختار هذا القول هو السيد الامام “قده”، فذكر أنه لا مانع من أن يقول الشارع “جعلت عقد النكاح سببا للزوجية” وبذلك يصير سببا تشريعيا للزوجية، فاذا وجد العقد فتترتب عليه الزوجية، نعم جعل المسبب على تقدير وجود السبب اقرب بالاعتبار في المجعولات القانونية([13]).

وهكذا ذكر السيد الداماد “قده” فيما حكي عنه أن التحقيق امكان تعلق الجعل الاستقلالي بالسببية و الشرطية للتكليف، توضيح ذلك أن المراد من التكليف ليس هو الارادة الموجودة فى نفس المولى، لانها امر تكوينى لا تناله يد الجعل التشريعى اصلا، بل المراد هو الوجوب الاعتباري الذي يوجد بالاعتبار، نعم انشاءه من حيث كونه فعلا صادرا من الحكيم ويكون لغرضٍ، يكشف عن وجود الارادة فى نفسه، فبعد ما كان نفس التكليف المنشأ امرا اعتباريا فلِمَ لا يصح اعتبار امر آخر سببا له، فكما كان هو اعتبارا محضا كانت سببية السبب له ايضا كذلك.

و لعل ما اوجب الاشتباه فى المقام توهم ان مورد البحث هو السببية الحقيقة للتكاليف الحقيقية غفلة عن ان مثل هذه التكاليف مما لا يصل اليه الجعل التشريعى بنفسها فضلا عن سببية اسبابها، و عليك بالتدبر التام‏([14]).

اعتبار السببیة زائدا على اعتبار الزوجية لغو محض

اقول: ان كان انشاء سببية عقد النكاح للزوجية كناية عن اعتبار الزوجية عقيب تحقق العقد كما هو الصحيح فلا كلام فيه، والا فلو صرح المولى بأني لم أعتبر الزوجية عقيب تحقق العقد وانما اعتبرت سببيته لها فلا يكفي ذلك في تحقق الزوجية، وأما اعتبارها زائدا على اعتبار الزوجية فهو لغو محض.

كما يرد على ما ذكره السيد الداماد حول ارادة المولى أن الصحيح -كما افاده المحقق الحائري في الدرر([15])– كون خطاب الامر موضوعا لابراز الارادة نحو فعل المأمور، ولا يشتمل على اي اعتبار، والمراد من سببية شيء لارادة المولى ما مر من سببيته لطرفية المكلف لارادته، فان ارادته تعلقت بصدور الحج من المستطيع، فتحقق استطاعة اي مكلف سبب لطرفيته لهذه الارادة فيقال بعد ذلك ان المولى يريد منه الحج.

هذا ومن الطرائف أنه “قده” اختار في القسم الاول امكان جعله استقلالا، وانكر ذلك في القسم الثاني وهو الجزئية الشرطية والمانعية في المكلف به.

سببية سبب التكليف منتزعة من جعل التكليف مقيدا به

وكيف كان فقد تحصل مما ذكرناه حول القسم الاول أن سببية سبب التكليف او شرطية شرطه منتزعة من جعل التكليف مقيدا به، ولو لم يصر التكليف فعليا ابدا لعدم تحقق سببه او شرطه.

کلام محقق الایروانی

فما ذكره المحقق الايرواني “قده” من أنّ الشرطية الفعلية منتزعة من فعلية المشروط الذي ههنا عبارة عن التكليف، فهي مجعولة بالتبع كشرط الواجب، و أمّا اقتضاء الشرطية غير المجعول بشي‏ء من الجعلين فلا ينبغي عدّه من أقسام الحكم الوضعي([16]).فانه غير متجه،

مناقشه: شرطية الفعلية، منتزعة من الجعل، وان لم يكن المشروط فعليا

فان الشرطية الفعلية منتزعة من الجعل، وان لم يكن المشروط اي المجعول والحكم فعليا، فانه قد لا يتحقق شرط التكليف كالاستطاعة للحج ابدا، فلا يكون وجوب الحج فعليا، ولكن نفس جعل وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة كافٍ في انتزاع شرطية الاستطاعة لوجوب الحج، فان الشرطية تعني توقف المشروط على الشرط، وفعلية توقف شيء على شيء لا يستلزم وجودهما بالفعل، كما هو واضح.

هذا كله في القسم الاول من الاحكام الوضعية.

وقع الکلام فی القسم الثاني من الاحكام الوضعية

وأما ما ذكره صاحب الكفاية حول القسم الثاني وهو الجزئية والشرطية والمانعية للمكلف به من عدم امكان جعلها استقلالا، وانما تكون مجعولة بتبع جعل وجوب المركب من ذلك الشيء، فهو متين، اذ لولم يجعل هذا الوجوب فمجرد انشاء جزئية الشيء للواجب لا يوجب جزئيته له، كما أن شرطية شيء للواجب تنجعل بتبع جعل وجوب المقيد بذلك الشيء، ومانعية شيء في الواجب تنجعل بتبع جعل وجوب المقيد بعدم ذلك الشيء.

و قد وافق كثير من الاعلام على ذلك، ولكن يورد عليه عدة ايرادات:

الايراد الاول: امكان الجعل الاستقلالي للجزئية والشرطية والمانعية في المكلف به

الايراد الاول: ما ذكره السيد الامام “قده” من امكان الجعل الاستقلالي للجزئية والشرطية والمانعية في المكلف به، بدعوى أنه لا مانع من جعل الوجوب للطبيعة المطلقة بحسب الجعل الأولي، ثم يجعل شيئا شرطا لها او مانعا فيها بجعل مستقل، كما غيَّر اللَّه قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام، فهل كان قوله “فولّ وجهك شطر المسجد الحرام‏” من قبيل نسخ حكم الصلاة رأسا و إبداء حكم آخر، و مجرد كون المنتزعات التكوينية تابعة لمناشئ انتزاعها لا يوجب ان تكون الشرائط و الموانع التشريعية كذلك، و كذا الكلام في إسقاط شرط أو مانع، و بالجملة تلك الأمور الاعتبارية و الجعلية كما يمكن جعلها بتبع منشأ انتزاعها يمكن جعلها مستقلا بلا إشكال وريب كما يمكن إسقاطها كذلك.

نعم ان الإرادة الواقعية إذا تعلقت بطبيعة لا يمكن ان تنقلب عما هي عليه من زيادة جزء أو شرط أو مانع أو إسقاطها مع بقائها على ما هي عليه، لأن تشخصها بتشخص المراد، فلا يمكن بقاء الإرادة مع تغير المراد، بخلاف الأمور القانونية، فانها تابعة لكيفية تعلق الجعل بها.

وأما حال جعل الجزئية فتوضيحه ان الأوامر المتعلقة بالطبائع المركبة انما تتعلق بها في حال لحاظ الوحدة، و لا يكون الأمر بها متعلقا بالاجزاء بحيث ينحل الأمر إلى أوامر، و لا الأمر الّذي هو بسيط منبسطا على الاجزاء، بل لا يكون في البين الا امر واحد متعلق بنفس الطبيعة في حال الوحدة، و هذا لا ينافي كون الطبيعة هي نفس الاجزاء في لحاظ التفصيل، فإذا امر المولى بالصلاة لا يلاحظ إلا نفس طبيعتها و تكون الاجزاء مغفولا عنها، فحينئذ نقول ان الأمر بالطبيعة يدعو إلى نفس الطبيعة بالذات، و إلى الاجزاء بعين دعوته إلى الطبيعة، فإذا جعل المولى جزءا للطبيعة، فقال: لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو اقرأ في الصلاة أو جعلت الفاتحة جزءا لها يدعو الأمر المتعلق بالطبيعة إليها بنفس دعوته إلى الطبيعة، كما إذا أسقط جزءا منها يكون دعوة الأمر إلى الطبيعة دعوة إلى بقية الاجزاء، و بالجملة لا أرى وجها لامتناع تعلق الجزء الاستقلالي على ما ذكر الا توهم كون التشريع كالتكوين، و الا فلو لم يرد من المولى الا الأمر بطبيعة ثم صدر منه امر آخر يدل على اشتراطها بشي‏ء أو جعل شي‏ء جزءا منها، فهل يجوز للعبد ترك الشرط أو الجزء قائلا بأنه لابد من صدور امر متعلق بالطبيعة المتقيدة بالشرط أو المركبة من هذا الجزء و لم يصدر منه الا الأمر بالطبيعة، و الدليل الدال على الاشتراط أو الجزئية([17]).

مناقشه

اقول: اذا امر المولى بالصلاة مثلا فإما أن يكون بشرط شيء من السورة او من الطهارة، فهو المطلوب، وينتزع من ذلك الجزئية والشرطية للواجب، وإما أن يكون لابشرط منهما فلابد أن يتحقق الامتثال ويسقط الامر بالاتيان بالصلاة بدونهما، وهذا لا يجتمع مع جزئية السورة وشرطية الطهارة، الا أن ينسخ ذلك الامر الذي كان لا بشرط، ويبدِّله الى الامر بشرط شيء، وما ذكر من عدم كون تبديل القبلة من بيت المقدس الى المسجد الحرام نسخا لأصل وجوب الصلاة، فهو لايعدو عن كونه نظرا عرفيا تسامحيا، حيث ينظر العرف الى مقام الاثبات فيرى بقاء طبيعي الامر بالصلاة، والا فلا يعقل بقاء شخص الامر السابق.

وعليه فلابد من انتزاع جزئية السورة للصلاة الواجبة من الامر بالصلاة مع السورة، نعم قد يكون الكاشف عن هذا الامر قول الشارع “جعلت السورة جزءا للصلاة الواجبة.

کلام السید البروجردی

هذا ولو قلنا بمقالة السيد البروجردي “قده” من كون الصلاة المأمور بها ماهية جعلية، ثم يجعل الشارع مصاديقها، فتنتزع الجزئية لمصداق الصلاة من اعتبار المركب من السورة مصداقا لتلك الماهية الجعلية، وفي هذا الفرض ايضا يكون جعل جزئية السورة لمصداق الصلاة منتزعا عن جعل مصداق الصلاة.

مناقشه

هذا وقد اورد بعض السادة الاعلام “دام ظله” على القول بامكان الجعل الاستقلالي بالجزئية ونحوها في المركب بأن يقول المولى بعد ما امر بالصلاة مثلا “جعلت السورة جزء في الصلاة الواجبة” أن التعبير بأني جعلت السورة جزءا” اعتبار ادبي يستعمل بنحو الكناية والاستعارة لتفهيم تعلق الامر بالمركب منه، وليس اعتبارا قانونيا، فان المفاهيم القانونية اختراع مفهوم، وهذا مما له سير خاص وشواهد خاصة، وانكار جعلها استقلالا منشأه أن هذا ليس من سنخ سائر المفردات القانونية، كالزوجية والملكية ونحوهما، ولم يصل في لسان الشارع والمتشرعة الى حد الاعتبار القانوني بحيث يكون موضوعا لاحكامٍ او مما ينشأه الأشخاص كالمتعاقدين([18]).

وفيه أن معنى كلامه امكان جعل الجزئية استقلالا، اذا صار اعتبارا قانونيا عقلائيا، بأن تعارف اعتبارها القانوني اي اعتبارها الثبوتي بين العقلاء، بينما أن الصحيح عدم امكانه عقلا.

الايراد الثاني: الجزئية ثابتة في رتبة سابقة على تعلق الوجوب

الايراد الثاني: ما يقال من أن المهم جزئية السورة مثلا في الصلاة، ومن الواضح أنها لا تنتزع عن وجوب الصلاة مع السورة، بل هذه الجزئية ثابتة في رتبة سابقة على تعلق الوجوب، وأما توقف جزئية السورة في الصلاة الواجبة، على تعلق الوجوب بالصلاة المشتملة على السورة فهو امر بديهي، فهو نظير أن يقال ان مقدمية نصب السلم للصعود الواجب الى السطح موقوف على وجوب الصعود، مع أن مقدميته لذات الصعود الى السطح وهو في رتبة سابقة على وجوب الصعود، وهكذا كون المسجد مثلا مكان الصلاة الواجبة موقوف على وجوب الصلاة، مع أنه كونه مكان الصلاة ليس موقوفا عليه، وفي المقام ايضا المهم جزئية السورة في ذات الموصوف وهو الصلاة، وقد اتضح عدم توقفها على الوجوب.

مناقشه

وفيه أنه لا ريب في أنه لو تصور الشارع هيئة اجتماعية من عدة امور، منها قراءة السورة، وسماها بالصلاة فتنتزع من هذا المتصوَّر للشارع جزئية السورة للصلاة من دون حاجة الى الامر بالصلاة مع السورة، لكن الذي يكون الفقيه بصدد اثباته او نفيه بأمارة او اصل هو الجزئية للواجب لا الجزئية للمسمى او المتصور، ولذا يقال ان جزئية السورة للواجب تنتزع من وجوب المركب من السورة.

الايراد الثالث: الجزئيّة منتزعة من التكليف، لكن الشرطيّة أو المانعيّة ثابتتان قبل التكليف

الايراد الثالث: ما ذكره المحقق العراقي “قده” من أنه لابد من التفصيل بين الجزئية وبين الشرطية والمانعية، فالجزئيّة منتزعة من التكليف، لكن الشرطيّة أو المانعيّة ثابتتان قبل التكليف.

و الوجه في ذلك أن المحقق العراقي “قده” يرى أن جزئية اجزاء الواجب تنتزع من وحدة الوجوب المتعلق بعدة امور متكثرة، من دون لحاظ وحدة بينها في متعلق الوجوب، لأن هذه الوحدة لأجزاء الواجب الارتباطي الناشئة من وحدة الوجوب تكون متأخرة عن الوجوب فيستحيل أخذها في متعلقه، فلم يتقيد في الرتبة السابقة كل جزء بسائر الأجزاء، حتى ينتزع من هذا التقيد عنوان الجزئية، فينحصر الامر في انتزاع جزئية اجزاء المركب من وجوب المركب.

بينما أنه في الشرط والمانع فحيث ان الامر يتعلق بالمقيد بالشرط وعدم المانع فلابد أن يلحظ المولى في رتبة سابقة من الامر الصلاة المقترنة بالطهارة ثم يأمر بها، فحصل تقيد الصلاة بالطهارة قبل الامر، ومنه انتزعت شرطية الطهارة في الصلاة، وهكذا المانعية، مثلا: مانعية القهقهة في الصلاة تنتزع عن لحاظ الصلاة متقيدة بعدم القهقهة، وفي هذه الرتبة تنتزع المانعية([19]).

اقول: لا يخفى أن ما ذكره في الجزئية مبني على مسلكه في المركب الارتباطي، من أنها تنتزع من وحدة الوجوب المتعلق بعدة امور متكثرة، من دون لحاظ وحدة بينها في رتبة سابقة، ولكن يوجد في قباله مسلكان آخران:

احدهما: ما اختاره جماعة منهم السيد الخوئي “قده” من كون المركب الارتباطي هو ما لوحظ تقيد كل جزء بانضمام بقية الأجزاء اليه، بدعوى أنه لا يمكن اطلاق بعض اجزاء الواجب الارتباطي و لا بشرطيته بالنسبة الى فرض وجود الأجزاء الأخر، و عدمه، و الا لزم أن يسقط الامر به و لو اتى به وحده، و هذا خلف ضمنيته، و الاهمال غير معقول، فيتعين تقييده بوجود سائر الأجزاء.

ثانيهما: ما في البحوث من أنّ روح الوجوب حيث تكون هي حب المولى و شوقه بفعل العبد، فلابد أن يكون المتعلق بالذات للوجوب الارتباطي عنوانا وحدانيا ذهنيا، لامتناع تعلق حب واحد بمحبوب بالذات متكثر([20]).

وقد تقدم الكلام حول هذه المسالك في بحث الاقل والاكثر الارتباطي، وهذا التفصيل الذي ذكره المحقق العراقي في المقام وارتضاه بعض الاعلام “قده”([21])، انما يكون له مجال بناء على مسلكه دون هذين المسلكين.

على أنه قد مرّ أن المهم للفقيه تشخيص الشرطية والمانعية في الواجب، لا في المسمى او المتصور، والشرطية تنتزع من كون الواجب بشرط شيء من الشرط، كما أن المانعية في الواجب تنتزع من كونه بشرط لا من شيء، لا من تصور صلاة خالية عن القهقهة.

الحاصل: ما قاله صاحب الكفاية في القسم الثاني هو الصحيح

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن ما قاله صاحب الكفاية في القسم الثاني هو الصحيح.

هذا وقد ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن کون الجزئية والشرطية والمانعية في المکلف به منتزعة من الامر بالمركب، مختص بما اذا كانت مطلقة، وأما لو كانت مختصة بغير حال العذر، بأن كانت من السنن اي غير الاركان، فإما أن تنتزع من وجود اوامر استقلالية متعلقة بالسنن، ويكون اصل المركب متقيدا بعدم مخالفة تلك الاوامر بلا عذر، او يكون المركب لا بشرط من تلك السنن ولكن يوجد امر جزائي باعادة العمل عند الاخلال بها بلا عذر، والا استحق العقاب، فتنتج نتيجة الجزئية، وهكذا كما في الامر باعادة الصلاة اذا وقعت في النجس نسيانا ناشئا عن التقصير والاهمال، فان الامر باعادة الصلاة امر عقوبتي، والا فتلك الصلاة الاولى صحيحة ومسقطة للامر على الرأي الفقهي الصحيح، فالجزئية ونحوها في السنن وان كانت منتزعة ايضا، لكنها ليست على وزان جزئية الاركان التي تنتزع عن اصل الامر بالمركب([22]).

اقول: ان جزئية السنن المقيدة بحال عدم العذر منتزعة عن الامر بالجامع بين الصلاة المشتملة عليها او اللا بشرط منها في حال العذر، والا فلازم تعلق الاوامر الاستقلالية بالسنن أن تارك السنن في الصلاة في اول الوقت متعمدا يكون مرتكبا لمعاصي متعددة، لمخالفته للأوامر الصادرة من النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) بتلك السنن، وان اعاد الصلاة بعد ذلك، اللهم الا ان يقال بان الأمر تعلق باتيان السنن في طبيعي الصلاة في الوقت، فلو اتى بها في صلاة واحدة في الوقت كفى في الامتثال، وحينئذ فيشكل التخريج الصناعي لجريان حديث لاتعاد في أثناء الوقت، حيث لم يتحقق منه مخالفة السنن بعد كون المأمور به فيها الإتيان بالسنن في طبيعي الصلاة في الوقت.

وكيف كان فلازم ما ذكره أن يكون من أتى بالفريضة تاركا لجميع السنن مرتكبا لمعاصي متعددة بعدد السنن التي يتمكن من الإتيان بها، فلو كان متمكنا من اتيان جميعها فيكون عصيانه اكثر وعقابه اشدّ ممن كان مضطرا الى ترك بعضها ولكنه ترك البعض الآخر متعمدا، والالتزام بذلك غريب جدّا.

هذا كله في القسم الثاني من الاحكام الوضعية

 



[1] – نهاية الافكار ج4ق1ص 87

[2] – الوافية في اصول الفقه ص 201

[3] – الاصول في علم الاصول ج2ص383

[4] – الرسائل 2ص 154

[5] -كفاية الاصول ص 400

[6] – مصباح الاصول ج3ص 80

[7] – كفاية الاصول مع حواشي المشكيني ج 4ص 475

[8] – مباحث الاصول ج 5ص 346

[9] – نهاية الدراية ج5 ص 105

[10] – فوائد الاصول ج 4ص 386مصباح الاصول ج3ص 80

[11] – منتقى الاصول ج6ص 140

[12] – مباحث الاصول ج5ص 255

[13] – الرسائل ج1ص 118

[14] – المحاضرات اصول الفقه ج 3ص50

[15] – درر الفوائد ج1ص 43

[16] – الاصول في علم الاصول ج 2ص383

[17] – الرسائل ج1ص116

[18] – الاستصحاب ص 216

[19] – نهاية الافكار ج 3ص377 وج 4 ق 1 ص 90

[20] – بحوث ج5ص333

[21] – منتقى الاصول ج 6ص 143

[22] – الاستصحاب ص 216