فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

رؤوس المطالب:

اقسام الدلالة وحقيقة الاستعمال. 1

اقسام الدلالة. 1

الارادة الجدية. 2

الإرادة التفهيمية. 2

الارادة الاستعمالية. 2

الفرق بين الإرادة الاستعمالية والتفهيمية في مورد التورية. 7

هل نسبة اللفظ الى المعنى نسبة المرآتية او نسبة العلامية. 7

المشهور: نسبة المرآتية. 7

وجوه تمامية مسلك المشهور. 8

سنخ ثالث لاستعمال اللفظ في المعنى.. 15

استعمال اللفظ وارادة شخصه. 17

استعمال اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله. 19

 

 

 

اقسام الدلالة وحقيقة الاستعمال

انه يوجد لعلاقة اللفظ بالمعنى جانبان احدهما: مرتبط بالسامع ويعبر عنها بالدلالة حيث يوجب سماع اللفظ انتقال ذهن السامع الى تصور المعنى ثانيهما: يرتبط بالمتكلم ويعبر عنها بالاستعمال، وقد تكلمنا سابقا عن مناشيء دلالة اللفظ على المعنى وحقيقة تلك الدلالة، والآن نتكلم عن حقيقة الاستعمال في ضمن عدة أمور:

اقسام الدلالة

الاول: انه يوجد في نفس المتكلم حين صدور اللفظ منه ثلاث ارادات:

1- الإرادة الاستعمالية.

2- الارادة التفهيمية.

3- الارادة الجدية.

الارادة الجدية

والمراد من الأخير واضح وهو ان يكون المراد الاستعمالي في الجملة التامة صادرا بداعي الجد لاالهزل او التقية ونحو ذلك

انما المهم تفسير حقيقة الارادة الاستعمالية والتفهيمية وبيان الفرق بينهما، فانه قد تتحقق الارادة التفهيمية دون الإرادة الاستعمالية كما في موارد التورية حيث يكون صدور اللفظ ناشئا عن ارادة اخطار المعنى في ذهن المخاطب ولكن المتكلم لايريد الحكاية عنه، فيقول مثلا “زيد عادل” ويريد به كونه عادلا ومنحرفا عن الحق مع ان المخاطب يفهم منه معنى آخر وهو كونه ورعا متقيا، كما انه قد تتحقق الإرادة الاستعمالية دون الارادة التفهيمية كما في موارد استعمال لفظ مجمل كاللفظ المشترك بلاأية قرينة تعين احد معانيه، فانه يوجد فيه الإرادة الاستعمالية دون الإرادة التفهيمية حيث لم‌يأت المتكلم بما يوجب تفهيم المعنى بالفعل، وقد يمثل له أيضا بما اذا كان المتكلم قاصدا للحكاية عن معنى ولكن لايريد ان يسمعه احد كمن غضب ويتكلم مع نفسه لأجل التشفي.

الإرادة التفهيمية

والمقصود من الإرادة التفهيمية هو ارادة تفهيم المخاطب للمعنى بالفعل، وذلك بالتلفظ بلفظ بغرض اخطار المعنى في ذهن المخاطب.

الارادة الاستعمالية

ولكن قد وقع الخلاف في حقيقة الارادة الاستعمالية، ويذكر في بيان المراد منها عدة وجوه:

1- ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من ان الارادة الاستعمالية هي ارادة الايجاد بالعرض والمجاز للمعنى بواسطة ايجاد اللفظ، فان اللفظ وجود ادعائي وتنزيلي للمعنى([1]).

ولكن لامنشأ لدعوى كون اللفظ وجودا ادعائيا للمعنى، عدا ما يقال من أن حقيقة الوضع هي إعتبار وجود اللفظ وجودا للمعنى تنزيلا وادعاء، وحيث أن الاستعمال يعني وجود اللفظ فبذلك يصير اعتبار كون وجود اللفظ وجود المعنى، فعليا بفعلية موضوعه، ولكن يرد عليه -مضافا الى انه خلاف مسلك المحقق الاصفهاني “قده” في تفسير حقيقة الوضع حيث يراه اعتبار وضع اللفظ على المعنى على وزان وضع العَلَم على المكان ليدل على انه رأس الفرسخ مثلا- انه لايلزم مطابقة حقيقة الوضع مع حقيقة الاستعمال فان الغرض من الوضع ليس هو تعيين كيفية استعمال اللفظ في معناه، بل الغرض منه ايجاد دلالة اللفظ على المعنى.

2- ما ذكره السيد الخوئي “قده” من انه بناء على المسلك الصحيح في حقيقة الوضع من انه التعهد والالتزام النفساني بان لايتلفظ باللفظ الفلاني الا اذا كان قاصدا تفهيم معنى معين، فلايكون الاستعمال الا فعلية ذلك التعهد اي جعل اللفظ مبرزا للمعنى الذي قصد المتكلم تفهيمه([2]).

ويلاحظ عليه: ان تفسيرحقيقة الوضع بالتعهد لايتكفل لبيان حقيقة الاستعمال، ويشهد على ذلك انه في موارد التورية يكون المتكلم قاصدا لتفهيم معنى آخر للمخاطب وإخطاره في ذهنه غير المعنى الذي استعمل اللفظ فيه، كما أنه قد لايكون المتكلم قاصدا تفهيم المعنى بالفعل، كما في استعمال اللفظ المشترك في احد معانيه بلاقرينة او استعمال اللفظ في المعنى المجازي مع انتفاء القرينة المتصلة، فان ظاهر حال المتكلم وان كان هو وفاءه بتعهده بان لايستعمل هذا اللفظ في غير معناه الحقيقي من دون نصب قرينة حسب ما التزم به “قده”، لكنه لايعني انتفاء حقيقة الاستعمال في مورد الاستعمال المجازي بلاقرينة.

3- ما ذكره في البحوث من ان الإرادة الاستعمالية هي إرادة الاتيان بلفظٍ يصلح للحكاية عن المعنى من حيث انه كذلك لامن حيث انه صوت، ومنه الاتيان باللفظ المشترك بلاقرينة تعين احد معانيه، والإرادة التفهيمية هو ارادة الاتيان بما يحكي فعلا عن المعنى فلو جاء بلفظ مشترك فلابد ان يكون مصحوبا بالقرينة التي تعيِّن المعنى المستعمل فيه حتى تتم بذلك الارادة التفهيمية.([3])

ويلاحظ عليه اولا: انه في مورد التورية يريد المتكلم الاتيان بلفظ يصلح للحكاية عن المعنى من حيث انه كذلك، كما انه يوجد فيها ارادة الاتيان بما يحكي فعلا عن المعنى ولكنه مع ذلك يكون فاقدا لنكتة توجد في موارد الكذب مثلا، فلو قال شخص “ليس زيد موجودا ههنا” فان قصد به الحكاية عن عدم كونه في هذا المكان الذي قام فيه المتكلم ولكن اراد ان يفهم منه المخاطب انه ليس في هذا البلد فيكون ذلك تورية، واما لو قصد به الحكاية عن عدم كونه في البلد كان كذبا.

وثانيا: انه بناء عليه لايختلف الاتيان باللفظ المشترك –بلاقرينة معيِّنة لارادة معنى مخصوص من معانيه- بما انه يصلح للحكاية عن معانيه بين ان يكون قاصدا لواحد من تلك المعاني بخصوصه او لم‌يكن قاصدا لأيّ منها، مع وضوح الفرق بينهما في مرحلة الارادة الاستعمالية.

4- ما نسب الى المشهور من ان حقيقة استعمال اللفظ في المعنى هو إفناءه فيه، وقد ذكر صاحب الكفاية في تقريب ذلك: ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل حقيقته جعل اللفظ عنوانا للمعنى بنحو يكون المعنى كأنه هو الملقى الى المخاطب، واستشهد على ذلك بسريان قبح المعنى وحسنه الى اللفظ، فلحاظ اللفظ كذلك لايكون الا بتبع لحاظ المعنى وفناء اللفظ في المعنى فناء العنوان في المعنون، وبذلك يختلف اللفظ والمعنى عن العلامة وذي العلامة.

ويلاحظ عليه اولا: ان ما استشهد به على إفناء اللفظ في المعنى من سريان قبح المعنى او حسنه الى اللفظ فليس ذلك من لوازم الاستعمال، نعم قد توجب شدة الأنس الذهني بين اللفظ والمعنى ذلك أحيانا ولكنه لايختص باللفظ والمعنى، وقد يوجد في العلامة وذي العلامة أيضا، فان عَلَم مجلس عزاء الحسين (عليه‌السلام) حسن ومحبوب وعَلَم مجلس اللهو قبيح ويشمئزّه طباع المؤمنين.

وثانيا: ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان ما هو المشهور بين المتأخرين من ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة تفهيم المعنى، بل حقيقته ايجاد المعنى باللفظ وجعله فانيا فيه انما يبتني على بعض المسالك في الوضع وهو كون اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى، وأما بناء على مسلك التعهد او اعتبار الملازمة بين اللفظ والمعنى او اعتبار وضع اللفظ على المعنى على وزان وضع العَلَم على المكان ليدل على انه رأس الفرسخ مثلا فلايستدعي فناء اللفظ في المعنى في مقام الاستعمال([4]).

اقول: ان مسلك تنزيل اللفظ منزلة المعنى لايستدعي لحاظ اللفظ فانيا في المعنى في مقام الاستعمال، فان ادعاء كون اللفظ عين المعنى ووجودا تنزيليا له في مقام الوضع لايستلزم لحاظه فانيا فيه في مقام الاستعمال، فان النائب عن شخص مثلا وان كان وجودا تنزيليا للمنوب عنه ولكنه لايستلزم لحاظه فانيا في المنوب عنه.

وثالثا: ما في البحوث من ان كون لحاظ اللفظ في مقام الاستعمال آليا وفانيا في المعنى لايكفي في تفسير حقيقة الاستعمال، بل لايعدو عن كونه بيانا لشرط الاستعمال، وهو كون لحاظ اللفظ آليا لااستقلاليا.

5- ما ذكرناه في الدورة السابقة من ان الارادة الاستعمالية هي ارادة الحكاية عن المعنى باللفظ، فلو قال “ليس زيد موجودا ههنا” واراد به أنه ليس موجودا في هذا المكان الذي أنا قائم فيه، فيكون المراد الاستعمالي هو المعنى الذي قصد الحكاية عنه وهو عدم وجود زيد في هذا المكان الخاص، وان كان غرضه من هذا اللفظ هو اخطار معنى آخر في ذهن المخاطب وهو أنه ليس موجودا في هذا البلد.

ولكن يمكن ان يقال بان صدور اللفظ بقصد الحكاية عن المعنى ليس شيئا وراء صدوره بغرض دلالته عليه، وهذا عين صدوره بغرض اخطار المعنى في ذهن المخاطب، ففي مورد التورية أيضا يقصد المتكلم حكاية اللفظ عن المعنى الظاهر وسببيته لإخطار هذا المعنى في ذهن المخاطب مع ان المعنى المستعمل فيه غيره، فهذا المقدار من البيان لايكفي لتفسير حقيقة الإرادة الاستعمالية.

6- ما قد يقال من ان حقيقة الارادة الاستعمالية في الجملة الخبرية هو قصد الإخبار عن المعنى، وفي مورد الجملة الإنشائية هو قصد الإنشاء، وعليه فاذا كان المتكلم في مقام التورية فتكون الإرادة الاستعمالية على طبق ما قصد الإخبار عنه واقعا، وان كانت ارادته التفهيمية قد تعلقت بتفهيم معنى آخر للمخاطب وإخطاره في ذهنه، وهو المعنى الظاهر للكلام.

ويرد عليه اولا: انه قد يتكلم المتكلم بلفظ مفرد او جملة ناقصة بغرض اخطار معنى في ذهن المخاطب غير المعنى الذي استعمله فيه، كما لو صاح أمام جماعة وقال “حيّة ” بغرض ان يلقي في ذهن السامعين وجود حيّة في المكان ولكنه قصد من هذا المطلب معنى آخر وهو المرأة الحية بما انها مفهوم مفرد.

وثانيا: انه لايمكن بناء على هذا الوجه إبداء الفرق بين صدور الجملة الخبرية مثلا في مورد التورية كما لو قال”زيد عادل” وأراد به انه عادل ومنحرف عن الحقّ وبين صدورها في مورد الهزل مع استعماله في معناه الظاهر؛ بينما أنه يوجد فرق بينهما وجدانا.

7- ما يمكن ان يقال بان استعمال اللفظ في المعنى يكون بالتوجه النفساني التفصيلي الى المعنى ويكون الإتيان باللفظ كوجهٍ وقالبٍ لذلك المعنى، وان كان داعيه لإتيانه باللفظ هو إخطار معنى آخر في ذهن المخاطب، وهذا لاينافي التفات المتكلم الى ذلك المعنى الآخر أيضا، الا انه حين صدور اللفظ منه لايتوجه اليه تفصيلا وانما يلتفت اليه اجمالا.

الفرق بين الإرادة الاستعمالية والتفهيمية في مورد التورية

هذا تمام الكلام في بيان الفرق بين الإرادة الاستعمالية والتفهيمية، وقد ظهر انه في مورد التورية يكون المراد التفهيمي غير المراد الاستعمالي.

هل نسبة اللفظ الى المعنى نسبة المرآتية او نسبة العلامية

الثاني: وقع الخلاف في انه هل يكون استعمال اللفظ في المعنى من باب المرآتية او العلامية

المشهور: نسبة المرآتية

فذهب المشهور الى الأول وأن اللفظ حين الاستعمال يلحظ آلة ومرآة الى المعنى وفانيا فيه، وليست نسبته الى المعنى نسبة العلامة الى ذي العلامة –كالعَلَم المنصوب في مكان ليدل على انه رأس الفرسخ- فان العلامة تلحظ استقلالا كما يلحظ ذو العلامة أيضا كذلك.

وجوه تمامية مسلك المشهور

وقد ذكرت عدة وجوه على تمامية مسلك المشهور:

1- صاحب الكفاية “قده”: فناء اللفظ في المعنى

1-             ما مر عن صاحب الكفاية “قده” من ان استعمال اللفظ في المعنى هو جعل اللفظ وجها وعنوانا للمعنى، بل يجعل بوجهٍ نفس المعنى كأنه هو الملقى الى المخاطب، ولذا يسري الى اللفظ قبح المعنى وحسنه، فلايلحظ اللفظ حين الاستعمال الا فانيا في المعنى فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون([5]).

مناقشه: عدم كون فناء اللفظ في المعنى فناءا حقيقيا

اقول: ان فناء شيء في شيء إما فناء حقيقي كفناء الوجود الرابط والمعنى الحرفي في طرفيه حيث انه عين التعلق بهما، او فناء لحاظي كتصور مفهوم الانسان فانيا فيما هو انسان بالحمل الشائع، حيث ان مفهوم الانسان في الذهن وان كان كيفا نفسانيا بالحمل الشائع لكنه انسان بالحمل الأولي، فيلحظ فانيا في الإنسان بالحمل الشائع.

ومن الواضح عدم كون فناء اللفظ في المعنى فناءا حقيقيا حيث انه له وجودا مستقلا في قبال وجود المعنى، وانما الذي يمكن دعواه هو فناء اللفظ في المعنى فناءا لحاظيا كما هو ظاهر صاحب الكفاية، ولكن أورد عليه في البحوث بانه لاتتم فيه نكتة الفناء اللحاظي، اذ ليس بين اللفظ والمعنى اتحاد بالحمل الأولي، فان لفظ الماء مثلا ليس معنى الماء حتى بالحمل الأولي والنظر التصوري([6])، ولابأس بما افاده، نعم لو كان مقصود صاحب الكفاية ما مر في الوجه السابع من البحث السابق فهو لايستدعي عدم لحاظ اللفظ تفصيلا حين الاستعمال، كما يتضح وجهه قريبا.

هذا، وأما ما استشهد به صاحب الكفاية “قده”على ما ذكره بسريان حسن المعنى وقبحه الى اللفظ فقد مرّ أنه ليس من لوازم الاستعمال وان كان قد يحصل ذلك أحيانا في بعض الألفاظ كما قد يحدث ذلك في العلامات أيضا، فان بعض الطيور كالبوم مما يستقبحه الإنسان ويشمئز من رؤيته حيث يراه علامة على أمر سوء، كما يستقبح ويشمئز من عَلَم مجالس اللهو بينما يستحسن ويحب عَلَم مجالس الحسين (عليه‌السلام).

2-فناء اللفظ في المعنى لتنزيله منزلة المعنى

2- ما ذكره السيد الخوئي “قده” من أنه بناء على تفسير حقيقة الوضع بأنه هو تنزيل اللفظ منزلة المعنى فيكون اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى فيتم ما هو المشهور بين المتأخرين من أن اللفظ حين الاستعمال يكون فانيا في المعنى، ولكن سائر المسالك في الوضع كمسلك التعهد والالتزام النفساني بعدم استعمال اللفظ الا عند إرادة تفهيم معناه كما هو المختار، او كون الوضع هو اعتبار الملازمة بين اللفظ والمعنى، او كونه هو اعتبار وضع اللفظ على المعنى نظير وضع العَلَم على المكان كما هو مختار محقق الاصفهاني “قده”، فلايستدعي فناء اللفظ في المعنى حين الاستعمال([7]).

مناقشه

ويلاحظ عليه: ان مسلك تنزيل اللفظ منزلة المعنى ايضا لايستدعي لحاظ اللفظ فانيا في المعنى عند الاستعمال، فان مجرد اعتبار كون اللفظ عين المعنى ووجودا تنزيليا له لايستدعي ان يلحظه المستعمل فانيا في المعنى.

3- ان اللفظ یکون كرمز يعبِّر عن المفهوم الكلي

2-             ما قد يقال من ان اللفظ الذي وضع بإزاء مفهوم كلّي كلفظ الانسان فحيث ان المفهوم الكلي لايتصور في الذهن عادة الا في ضمن الخصوصيات فانه لو فرض كون تصوره بلاأية خصوصية ممكنا عقلا فمع ذلك يكون مشكلا عادة، فانه كيف نتصور انسانا بدون فرض طول خاص او لون خاص ونحو ذلك- ولايبقى بعد اسقاط كل هذه الخصوصيات الا نفس لفظ الانسان كرمز يعبِّر عن ذلك المفهوم الكلي فمن هنا يكون النظر الى اللفظ نظرا مرآتيا، وهذا بخلاف العلامات -كوضع العَلَم على مكان ليدل على انه رأس الفرسخ- فانها تدل على اشياء جزئية يمكن تصورها بصورة مستقلة عن تصور العلامة.

مناقشات

وفيه اولا: أنه لو فرض صحة هذه الدعوى في المفاهيم الكلية فلاتأتي في المعاني الجزئية التي يمكن تصورها بما هي عليها كمعاني أسماء الأعلام، وحيث ان الالفاظ الموضوعة بإزاء تلك المعاني الجزئية تلحظ حين استعمالها على وزان ما تلحظ الألفاظ الموضوعة للمعاني الكلية، فان ادعي كون لحاظ الالفاظ لحاظا آليا ومرآتيا الى معانيها فلايمكن ان يستند في ذلك الى هذا الوجه لعدم شموله لألفاظ الأعلام.

وثانيا: ان ما ذكر لايقتضي أكثر من عدم لحاظ المفهوم الكلي الا من خلال جعل اللفظ مشيرا اليه، ولكنه لايعني عدم امكان لحاظ هذا اللفظ المشير لحاظا استقلالا، والذي يشهد على ذلك دلالة إشارة الأخرس على المعنى، فانه يلحظ إشارته باللحاظ التفصيلي.

4- ما قد يقال من ان الانتقال الذهني الى المعنى المدلول للفظ يكون على نحوين:

احدهما: انتقال السامع او القارئ -من خلال سماعه للفظ او قرائته له- الى المعنى.

ثانيهما انتقال المتكلم الى المعنى، وهذا الانتقال سابق على تصور اللفظ، حيث ينقدح في نفس المتكلم اولا المعنى، ثم ينتقل الى اللفظ اذا قصد تفهيمه للمخاطب، ولهذا فان المتكلم الذي يعرف لغتين بصورة متساوية بعدما تصور المعنى وقصد تفهيمه قد يفكِّر في اختيار اللفظ من إحدى اللغتين، وقد يبقى المتكلم يفتِّش عن لفظ مناسب للمعنى المقصود له حتى يجدها، وهذا يعني ان انتقاله الى اللفظ في طول انتقاله الى المعنى.

كون اللفظ ملحوظا للسامع ارتكازا لكنه مغفول عنه طبعا

أما في الانتقال الأول فمقتضى حصول الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى بحيث يستلزم تصور اللفظ لتصور المعنى([8]) هو أن الاحساس باللفظ يقوم مقام تصوره، فكما ان تصور اللفظ كان مستتبعا لتصور المعنى نتيجة الاقتران الأكيد بينهما فكذلك يكون الإحساس باللفظ مستتبعا لتصور المعنى من دون ان يتصور اللفظ تفصيلا، فعلاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى تسري الى سببية الاحساس باللفظ لتصور المعنى مباشرة على اساس الربط الموجود بين الاحساس باللفظ وتصوره، وبذلك يصح ان يقال بان اللفظ مغفول عنه ومرآة ونحو ذلك من التعابير.

ان قلت: انه بعد الاحساس باللفظ توجد صورة ذهنية للفظ في ذهن السامع او القارئ، وهذه الصورة الذهنية حاضرة لدى النفس بذاتها، فما معنى كونها مغفولا عنها؟

قلت: ان وجود شيء في صقع النفس لايستلزم توجه النفس اليه تفصيلا، كما ان الانسان قد لايلتفت الى علمه بشيء مع وجود هذا العلم في صقع نفسه، وكذا تكون لديه نية ارتكازية ولكن لايتوجه اليه تفصيلا، وانما يكون بنحو لو سئل لأجاب بأني ناوٍ لصلاة الظهر مثلا.

وفي المقام أيضا الصورة الذهنية للفظ بوجودها في صقع الذهن قد لاتكون ملتفتا اليها، ولكن مع ذلك تكون هي السبب لتصور المعنى من غير حاجة الى الالتفات اليها والتوجه نحوها، فالاقتران الأكيد يكون بين الوجود الذهني للفظ والوجود الذهني للمعنى، فالوجود الذهني للفظ يستتبع الوجود الذهني للمعنى، وحينئذ يمكن للنفس ان تتوجه الى المعنى ابتداءا من غير توجهه الى اللفظ، كما ان الناظر في المرآة على الرغم من انه يرى المرآة ويرى الصورة في المرآة معا ولكنه يغفل عن رؤيته للمرآة ويتوجه الى رؤيته للصورة، فكذلك السامع للفظ فانه على الرغم من وجود اللفظ والمعنى في ذهنه معا لكنه لايتوجه الا الى المعنى ويغفل عن وجود اللفظ في ذهنه، فيترأى له حسب توجهه التفصيلي كأنه لايواجه الا المعنى.

وهذا هو المنشأ في اختلاف نسبة اللفظ مع المعنى مع نسبة العلامة مع ذي العلامة، حيث أن دلالة العلامة على ذي العلامة تكون دلالة تصديقية، ففي مثل العَلَم المنصوب على المكان ليدل على انه رأس الفرسخ لايكفي مجرد الإحساس به للتصديق بكون هذا المكان رأس الفرسخ، اذ مجرد الإحساس بالعَلَم لايقوم مقام التصديق بوجوده، حيث ان التصديق بوجود شيء يحتاج الى الالتفات والتوجه اليه تفصيلا، وأما في اللفظ فكان يقوم الإحساس به مقام تصوره فحسب، وعند ذلك كان يستتبع الاحساس باللفظ لتصور المعنى.

توجه المتکلم الی اللفظ لایکون الا تبعا للمعنی فیکون اللفظ مرآتا

وأما في الانتقال الثاني أي انتقال المتكلم الى المعنى الذي يستتبع الانتقال الى اللفظ فيكون توجه المتكلم منصبّا على المعنى وقصد تفهيمه، وأما أداة التفهيم التي هي اللفظ فلايتوجه اليها الا تبعا كما هو الشأن في كل أداة نشأت العادة على استعمالها لأغراض معينة على نحو أصبح استعمالها شبه عمل آلي يمارسه الإنسان بشكل تلقائي كأنه يصدر منه بلاتفسير مسبق، فمن اعتاد ان يكتب بالقلم فحين ما يكتب به فلايتوجه تفصيلا اليه وانما يكون توجهه منصبا على ما يكتب، وتكون الأداة ملتفتا اليها تبعا.

مناقشه

ويلاحظ عليه: أن ما ذكر من “كون اللفظ ملحوظا للسامع ارتكازا لكنه مغفول عنه طبعا، وكذلك يكون المتكلم غافلا تفصيلا عن اللفظ حيث يكون توجهه منصبّا على المعنى وقصد تفهيمه، وأما أداة التفهيم التي هي اللفظ فلايتوجه اليها الا تبعا”، ليس من مقومات الاستعمال، وانما هو نتيجة صيرورة الألفاظ كملكة راسخة قد اعتادها الإنسان الذي يسمع او يتكلم بلغة يحسنها، ومع ذلك فهو لايكون غافلا عن اللفظ بالمرة فلو أخطأ في تلفظه فيلتفت اليه فورا كما يلتفت اليه السامع، وأما اذا كان يسمع او يتكلم بلغة لايحسنها ويحتاج في انتقاله الى المعنى الى التأمل والدقة فهو يلحظ الألفاظ حين سماعها او التكلم بها لحاظا تفصيليا.

وما ذكر من ان الفرق بين اللفظ والعلامة في كون اللفظ مغفولا عنه عادة دون العلامة لأجل ان دلالة اللفظ تصورية بخلاف دلالة العلامة فغير تامّ، اذ الفارق بين اللفظ والعلامة هو كون الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى في ذهن أبناء كل لغة مترسخا جدّا بخلاف العلامة، فان العلامة حتى لو كانت تصورية كما في علامية إشارة الأخرس على معناها التصوري فحيث أن الانتقال منها بحاجة الى التأمل فلأجل ذلك تلحظ عادة باللحاظ الاستقلالي.

وعليه فما ذكر في البحوث والمنتقى -من ان نكتة الفرق بين اللفظ والعلامة هو كون دلالة اللفظ تصورية أي يستلزم تصور اللفظ تصور المعنى، فيقوم الإحساس باللفظ مقام تصوره في سببيته لتصور المعنى بخلاف العلامة، فان دلالتها تصديقية حيث يستلزم التصديق بوجود العلامة للتصديق بوجود ذيها، ويحتاج التصديق بوجود العلامة الى لحاظها استقلالا([9])– فلايظهر له وجه لما مر من انه قد تكون دلالة العلامة على ذيها دلالة تصورية.

فتحصل: لم‌يتم أي وجه على تمامية مسلك المشهور

وكيف كان فقد تحصل من جميع ما ذكرناه أنه لم‌يتم أي وجه على تمامية مسلك المشهور من تقوم الاستعمال بلحاظ اللفظ فانيا في المعنى، بل يمكن توجه النفس الى اللفظ استقلالا كما نشاهده في الخطيب الذي يريد ان يختار ألفاظا رشيقة وكلمات جميلة، كما ان الناظر الى المرآة يمكنه ان يلحظ كلا من المرآة والصورة التي فيها في آن واحد باللحاظ الاستقلالي.

سنخ ثالث لاستعمال اللفظ في المعنى

هذا وقد ذكر بعض الاعلام “قده” ان سنخ استعمال اللفظ في المعنى ليس كسنخ استعمال المرآة في رؤية الصورة ولاكسنخ الاستعمالات الكنائية التي يكون المستعمل فيها معنى ويراد منه لازمه، بل هو سنخ ثالث.

توضيح ذلك: ان استعمال المرآة لرؤية الصورة المرتسمة فيها يوجب ان يكون الملتفت اليه خصوص تلك الصورة، وأما نفس المرآة فهي مغفول عنها ولايلتفت اليها اصلا فلايلتفت الى لون المرآة وخصوصيتها في هذا المكان، ولو التفت الى المرآة صارت الصورة المرتسمة فيها مغفولا عنها وغير ملتفت اليها، ومن البديهي ان استعمال اللفظ في المعنى ليس من هذا القبيل، فانه يمكن الالتفات الى اللفظ وخصوصياته حال الاستعمال، ولذا يختار الخطيب الألفاظ الرشيقة في مقام أداء المعاني.

وهكذا الاستعمالات الكنائية التي يكون المستعمل فيها معنى ولكن المراد منها هو لازمه او ملزومه فاللازم والملزوم في هذا الاستعمال ملحوظان مستقلا وملتفت اليهما معا، ولذا يصح الحكم على كل منهما بحكم في آن واحد، وتتعلق بهما الإرادة والقصد في حين واحد، ومن الظاهر ان اللفظ حال الاستعمال لايكون ملتفتا اليه بالاستقلال وملحوظا في نفسه، لوضوح عدم امكان الحكم عليه بما انه لفظ في ذلك الحال، ولو كان ملحوظا استقلالا لصح الحكم عليه بلااشكال.

وعليه فاللفظ في حال استعماله في المعنى لايكون مغفولا عنه كالمرآة ولاملحوظا استقلالا كالاستعمال الكنائي وانما يكون ملحوظا باللحاظ الطريقي الآلي، فالاستعمال على هذا ليس إفناء اللفظ في المعنى وإلغاء اللفظ ولاذكر اللفظ مستقلا فينتقل منه الى المعنى كالكنايات بل هو ايجاد اللفظ في الخارج بداعي حصول الانتقال الى المعنى، فهو منظور طريقا وعبرة للمعنى لامستقلا ولامغفولا عنه([10]).

اقول: لم‌يتضح لنا نكتة الفرق بين استعمال اللفظ في المعنى وبين استعمال المرآة لرؤية الصورة المرتسمة فيها، فانه لاوجه للمنع عن لحاظ كل من المرآة والصورة المرتسمة فيها باللحاظ الاستقلالي، نعم يكون ذلك خلاف الطبع والطريقة الاعتيادية، كما ان ما ذكره في مقام ابداء الفرق بين استعمال اللفظ في المعنى وبين الاستعمالات الكنائية من عدم امكان الحكم على اللفظ في هذا الاستعمال غير تامّ، اذ لاوجه للمنع عن امكان لحاظ كل من اللفظ والمعنى مستقلا، كما قيل “قلب بهرام ما رهب” ويراد بذلك أن قلب لفظ “بهرام” يصير “ما رهب” كما يراد منه ايضا ان قلب الرجل الذي كان معروفا ببهرام گور لم‌يرهب و لم‌يدخل فيه خوف أبدا، وكذا يقال “قلب كل ساق قاس” حيث يراد به ان مقلوب لفظة ساق يكون قاس كما يراد ان قلب الشخص الساقي يكون قاسيا، او يقال “قلب ملوم مولم” ويراد به ان مقلوب لفظة ملوم يكون مو لم‌كما يراد به ان قلب الشخص الملوم يكون مولما ومتأذيا، فاتضح عدم تقوّم الاستعمال بكون اللفظ ملحوظا مرآة وفانيا في المعنى بحيث لايتوجه الى اللفظ تفصيلا، وسيظهر ثمرة هذا البحث في بحث استعمال اللفظ في اكثر من معنى، فانتظر.

استعمال اللفظ وارادة شخصه

الثالث: قد يستعمل اللفظ ويراد به شخصه كما في قولنا “زيد لفظ[s1] “، فمن الواضح انه ليس من قبيل استعمال اللفظ في المعنى، بل هو بنفسه ايجاد للمعنى ولايكون من قبيل الاتيان بالدالّ ليدل على شيئ، فانه يعتبر التعدد والتغاير في الدالّ والمدلول.

وما ذكره صاحب الكفاية “قده” من كفاية التغاير الحيثي فاللفظ بما هو لفظ صادر يكون دالا وبما هو مراد يكون مدلولا، نظير ان الشخص العالم بنفسه يكون عالما ومعلوما([11])، فيرد عليه: ان لزوم تغاير الدال والمدلول ليس لأجل تضايفهما حتى يقال بكفاية المغايرة الحيثية كما في العالم والمعلوم، وانما هو لأجل كون تصور الدال علة لتصور المدلول، فتكون النسبة بينهما نسبة العلة والمعلول ولاتكفي المغايرة الحيثية بين العلة والمعلول، بل يلزم تغايرهما وجودا[s2] ، وما ورد في دعاء ابي حمزة الثمالي من قوله (عليه‌السلام): “انت دللتني عليك” فقد يراد منه انه تعالى هو سبب الهداية الى معرفته، ويشهد له ما في ذيله من قوله (عليه‌السلام): “ولولا انت لم‌ادر ما انت”، اويراد منه انه تعالى لايحتاج الى دليل يدل عليه لفرط نوره وظهوره، كما ورد في ذيل دعاء عرفة: “أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك” وهو الظاهر من قوله في دعاء الصباح: “يا من دل على ذاته بذاته”.

وأما ما اورده المحقق الاصفهاني على صاحب الكفاية “قدهما” من ان دلالة اللفظ على الإرادة عقلي والكلام في الدلالة اللفظية، فما ذكره صاحب الكفاية من كفاية دلالة اللفظ على كونه مرادا غير متجه([12]).

ففيه: انه ليس مراد صاحب الكفاية دلالة اللفظ على ارادة ايجاده حتى يرد عليه ان دلالته عليها عقلية، بل مراده دلالة اللفظ على كونه مرادا بالتفهيم، فاللفظ بما انه اريد به التفهيم يكون دالا، وبما ان المراد هو تفهيم نفسه فيكون مدلولا، وهذا لايخرج عن الدلالة اللفظية.

هذا، وقد ذكر في الفصول: انه لايصح ارادة شخص اللفظ من قولنا “زيد لفظ” لأنه ان لوحظ دلالته على نفسه لزم اتحاد الدال والمدلول، وان لم‌تلحظ دلالته على نفسه لزم انتفاء الموضوع في الواقع الذي يحكي عنه هذه الجملة الخبرية([13]).

وفيه ان ايراده الأول- وهو لزوم اتحاد الدال والمدلول ان لوحظت دلالته على نفسه -وان كان تاما، ولكن لايتم ايراده الثاني، فانه يلزم منه بطلان مثل قولنا زيد لفظ صادر مني في هذه الساعة، مع شهادة الوجدان بعدم بطلانه، فان الموضوع للواقع الذي يكون مطابَقا لهذه الجملة الخبرية قد وجد بنفس التلفظ بلفظ “زيد”، ولاحاجة الى ان يكون الموضوع في الواقع الذي يحكي عنه هذه الجملة الخبرية مغايرا للفظ الذي صار موضوعا في نفس الجملة الخبرية، وعليه فيكفي في صحة هذه القضية الخبرية ايجاد الموضوع للواقع الذي يخبر عنه بدل الحكاية عنه.

وما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من انه لايكفي في صحة النسبة في القضية الحملية مجرد ايجاد الموضوع بدل الحكاية عنه، ألاترى انه لو ضرب بيده على الجدار ثم قال: “ضربٌ” كان غلطا([14]).

ففيه: ان نكتة عدم صحة الاكتفاء بإيجاد الموضوع بدل حكايته في مثال الضرب على الجدار ثم التعبير بقوله “ضربٌ” هو عدم وضع النسبة الحملية فيه، حيث تتقوم بالوجود اللفظي للموضوع، وهذا الاشكال لايأتي في مثل قولنا “زيد لفظ”، حيث وجد طرف النسبة الحملية في اللفظ.

وأما ماحكي عن المحقق العراقي “قده” من ان الفرق بينهما عدم حصول الاعتياد للإنسان من ان ينتقل من الفعل الى المعنى، وانما ينتقل من اللفظ اليه([15]).

ففيه ان المهم هو الاحساس بنفس الشيئ، ولافرق في ذلك بين الفعل واللفظ، فالعمدة في الفرق هو ما ذكر من تقوم النسبة الحملية في وضع الهيئة للكلام بالوجود اللفظي لكلا طرفيها، وهذا موجود في قولنا زيد لفظ دون النقض الذي ذكره المحقق الاصفهاني “قده”.

استعمال اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله

الرابع: قد يستعمل اللفظ ويراد به نوعه[s3]  كما يقال “ضَرَبَ كلمةٌ”، او يراد به صنفه كما يقال “زيد مبتدأ” وقد يستعمل ويراد به مثله كما يقال “ضَرَبَ فعل ماض” حيث ان لفظ ضرب في هذا المثال ليس فعلا ماضيا وانما هو كلمة واسم، نعم هو مماثل ومشابه لما هو فعل ماض، والظاهر ان اللفظ قد استعمل في هذه الموارد للحكاية عن المعنى الذي قد يكون نوعا او صنفا لهذا اللفظ كما في المثالين الأولين وقد يكون مثلا له كما في المثال الثالث، وهذا هو المحكي عن المشهور.

ولكن ذكر السيد الخوئي “قده” انه ليس ذلك من باب الحكاية عن المعنى بل من ايجاده بنفسه، فقولك “ضرب فعل ماض” يكون من ايجاد الكلي والنوع بوجود فرده وكذا قولك “زيد في ضرب زيد فاعل” يكون من ايجاد لفظ زيد مع تضييقه في كونه فاعلا بواسطة استخدام حرف “في”، فكلمة “في” تدل على تخصيص طبيعي لفظ زيد بخصوصية مّا من الصنف او المثل([16]).

وفيه ما لايخفي، أما بالنسبة الى استعمال اللفظ وارادة نوعه او صنفه فحيث أن إيجاد الفرد ليس ايجادا للكلي لابشرط، حيث لايمكن للسامع ان يحسّ مباشرة بالكلي لابشرط فلابد ان يكون الفرد حاكيا عن نوعه او صنفه، ولايستلزم ذلك اتحاد الدال والمدلول، حيث ان الدال هو الفرد والمدلول هو الكلي لابشرط، ويصير تصور الفرد فيه موجبا لانتقال الذهن الى الكلي، وليس فيه أي محذور.

وأما مثال “ضرب فعل ماض” فليس إيجادا للكلي بوجود فرده، حيث ان لفظ ضرب في هذه القضية ليس فعل ماض وانما هو مشابه ومماثل لما هو فعل ماض، فهو من قبيل استعمال اللفظ وارادة مثله لامن قبيل استعمال اللفظ وارادة نوعه كما هو ظاهر كلامه “قده”.

وكذا قولنا “زيد في ضرب زيد فاعل” لايراد به كون “زيد” الذي وقع مبتدأ في هذه الجملة هو الفاعل وانما هو مشابه ومماثل لما هو فاعل، ومن الواضح ان استعمال اللفظ وارادة مثله لايكون من ايجاد الشيء بايجاد فرده، بل يكون من باب الحكاية والدلالة على المعنى، وعليه فلايعقل ان يكون حرف “في” موجبا لتضييق لفظ “زيد” الذي وقع مبتدأ في هذه الجملة بان يضيِّقه ويجعله فاعلا، فانه غير معقول، نعم لفظ “زيد” الذي وقع مبتدأ استعمل ليدل على معنى وهو طبيعي لفظ زيد، وحينئذ فيتضيق هذا المعنى –بواسطة استخدام حرف “في”- بما يقع فاعل فعل كما في قولنا” ضرب زيد”.

فاتضح ان استعمال اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله يكون من باب حكايته ودلالته عليه لا من باب ايجاد الكلي بايجاد فرده، نعم هذا الاستعمال استعمال مجازي، وقد مر انه يكفي فيه استحسان الطبع ولايحتاج الى وجود علائق المجاز، بل قد لايكون اللفظ موضوعا على معنى أبدا كما يقال” ديز مهمل”، وما ذكره السيد الخوئي “قده” من انه لامانع من الالتزام بتعهد الشخص بانه اذا اراد الحكاية عن نوع اللفظ مثلا أتى بلفظه، وحيث ان حقيقة الوضع هو التعهد والالتزام النفساني فلامانع من الالتزام بوضع اللفظ للحكاية عن نوعه او صنفه او مثله ولو بوضع نوعي، ففيه: ان ما افاده خلاف المرتكز جدّا حتى لو سلمنا مسلكه في حقيقة الوضع.



[1] – نهاية الدراية ج1ص152

[2] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص208

[3] – بحوث في علم الاصول ج1ص132

[4] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص207

[5] – كفاية الاصول ص36

[6] – بحوث في علم الاصول ج1ص141

[7] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص207

[8] – سواء قلنا بان الوضع هو نفس هذا الاقتران الأكيد ام قلنا بانه أمر اعتباري تكون نتيجته الاقتران الأكيد.

[9] -بحوث في علم الاصول ج1ص 140، منتقى الاصول ج1ص69

[10] – منتقى الاصول ج1ص70

[11] -كفاية الاصول ص14

[12] – نهاية الدراية ج1ص65

[13] الفصول الغروية ص22

[14] نهاية الدراية ج1ص67

[15] -بدايع الافكار ج 1ص91

[16] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص100


 [s1]المقرر: يمكن ان يقال انه في جميع موارد توضيح المعنى في كتب اللغة، يكون المستعمل فيه نفس اللفظ، فلو قيل سعدانة نبت، يكون المستعمل فيه للفظة سعدانة نفس هذه اللفظة،

 [s2]المقرر: بل الصحيح انه لايمكن التغاير في الاعتبار، حيث ان الدال نفس المدلول

 [s3]المقرر: المقصود من هذا البحث تشخيص المستعمل فيه حيث يدعى انه في هذه الموارد اللفظ لاالمعنى، ففي استعمال اللفظ في نوعه يكون المقصود استعمال اللفظ في جميع موارد استعماله، فقوله ضرب كلمة، اي في كل مورد استعمل ضرب فهو كلمة، فالمستعمل فيه ضرب في تمام موارد استعمل فيها، ولكن في المثال الثاني يكون المستعمل فيه خصوص ما كان مبتدا، وفي المثال الثالث قد استعمل ضرب في مثله، فلابد من تكرار ضرب، بان يقال ضرب في ضرب زيد فعل ماض