بسمه تعالی
ثلاث صور لدوران الامر بين المحذورين.. 1
الصورة الثالثة: فرض تعدد الواقعة. 1
اول: ما لو علم بأنه إما يجب عليه فعلان، او يحرمان عليه. 2
دوم: موارد اشتباه الواجب بالحرام. 2
کلام المحقق الأصفهاني “قده”: التخيير و جواز الإتيان بكلا الفعلين.. 3
السيد الخوئي “قده”: تعيّن الموافقة الاحتمالية لكلا التكليفين.. 3
لا وجه لدعوى لزوم ترجيح الموافقة القطعية للتكليف المحتمل الاهمية. 10
فصل: في الشك في المكلف به مع العلم باصل التكليف.. 10
الاول: دوران الامر بين المتباينين.. 10
حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.. 11
مسلک الاول: المشهور: عدم امكان ورود ترخيص شرعي في المخالفة القطعية. 11
مسلک الثانی: مسلك الاقتضاء، فلا مانع عقلا من ترخيص الشارع فيها 11
الفعلي من جميع الجهات و الفعلي من سائر الجهات.. 12
الصحيح هو كون منجزية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية على نحو الاقتضاء 12
التمسك بالروايات في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة 15
ثلاث صور لدوران الامر بين المحذورين
الصورة الثالثة: فرض تعدد الواقعة
أن تكون الواقعة متعددة، ويوجد لها موردان:
اول: ما لو علم بأنه إما يجب عليه فعلان، او يحرمان عليه
1- ما لو علم بأنه إما يجب عليه فعلان، كاكرام زيد واكرام عمرو، او يحرمان عليه، فيعلم بثبوت تكليفين واقعيين، احدهما متعلق باكرام زيد والآخر متعلق باكرام عمرو، ويتشكل بذلك علوم اجمالية اربعة، علم اجمالي بوجوب اكرام زيد او حرمته، وعلم اجمالي آخر بوجوب اكرام عمرو او حرمته، وعلم اجمالي ثالث بوجوب اكرام زيد او حرمة اكرام عمرو، وعلم اجمالي رابع بوجوب اكرام عمرو او حرمة اكرام زيد، فاذا اكرمهما او ترك اكرامهما فيكون موافقة احتمالية لكلا التكليفين الواقعيين، وان اكرم زيدا مثلا وترك اكرام عمرو، فقد تحقق منه الموافقة القطعية للعلم الاجمالي الثالث والمخالفة القطعية للعلم الاجمالي الرابع، كما أنه لو اكرام عمروا وترك اكرام زيد تحقق منه المخالفة القطعية للعلم الاجمالي الثالث والموافقة القطعية للعلم الاجمالي الرابع.
دوم: موارد اشتباه الواجب بالحرام
2- موارد اشتباه الواجب بالحرام، كما لو حلف على فعل شيء مباح وترك مباح آخر، فاشتبه احدهما بالآخر، او كان في مكانٍ لا يجد ماءا فوجب عليه التيمم، وكان عنده ترابان فقط واحدهما مباح والآخر مغصوب، فاشتبه احدهما بالآخر فانه يعلم اجمالا بوجوب تيممه باحدهما وحرمة تيممه بالآخر([1])، فانه يتشكل فيه علوم اجمالية أربعة.
فوقع الكلام في أنه هل يتعين موافقتهما الاحتمالية في المثال الثاني وهو اشتباه الواجب بالحرام، بفعل احدهما وترك الآخر، ام يتخير بين ذلك وبين الموافقة القطعية لأحد الحكمين المستلزمة للمخالفة القطعية للحكم الآخر، وذلك بأن يأتي بالفعلين معا او يتركهما معا، فيه قولان: حيث ذهب جماعة الى التخيير بدعوى ان كل فعلٍ من موارد دوران الأمر بين المحذورين، مع استحالة الموافقة القطعية والمخالفة القطعية في كل منهما، فيحكم بالتخيير، فجاز الإتيان بكلا الفعلين، كما جاز تركهما معا.
کلام المحقق الأصفهاني “قده”: التخيير و جواز الإتيان بكلا الفعلين
وممن اختار هذا القول المحقق الأصفهاني “قده”، فقال: ان علم اجمالي في كل فعل بأنه إما واجب او حرام علم اجمالي في مورد دوران الامر بين المحذورين ولا يكون قابلا للمنجزية، لامتناع موافقته القطعية وكذا مخالفته القطعية، واما العلم الاجمالي التدريجي بأن الفعل الاول واجب او الفعل الثاني حرام والعلم الاجمالي بأن الفعل الاول حرام او الفعل الثاني واجب، فهذان العلمان الاجماليان منتزعان من العلمين الإجماليين الدائرين بين المحذورين، وليسا علماً بتكليف جديد([2]).
السيد الخوئي “قده”: تعيّن الموافقة الاحتمالية لكلا التكليفين
وذهب جماعة آخرون منهم السيد الخوئي “قده” الى تعيّن الموافقة الاحتمالية لكلا التكليفين.
وقد ذكر في وجه ذلك أن العلم الإجمالي بوجوب كل فعل من الفعلين وحرمته في مورد اشتباه الواجب بالحرام وان لم يكن له أثر، لاستحالة الموافقة القطعية والمخالفة القطعية في كل منهما كما ذكر، إلا أنه يتولد في المقام علمان إجماليان آخران: أحدهما: العلم الإجمالي بوجوب أحد الفعلين، وثانيهما: العلم الإجمالي بحرمة أحدهما، والعلم الإجمالي بالوجوب يقتضي الإتيان بهما تحصيلا للموافقة القطعية، كما أن العلم الإجمالي بالحرمة يقتضي تركهما معا كذلك.
وحيث ان الجمع بين الفعلين والتركين معا مستحيل، يسقط العلمان عن التنجيز بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، ولكن يمكن مخالفتهما القطعية بإيجاد الفعلين أو بتركهما، فلا مانع من تنجيز كل منهما بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية، فانها المقدار الممكن على ما تقدم بيانه وعليه فاللازم هو اختيار أحد الفعلين وترك الآخر، تحصيلا للموافقة الاحتمالية وحذرا من المخالفة القطعية.
وهكذا لو كان الفعل الذي يعلم اجمالا بوجوبه او حرمته متكررا كما لو علم إجمالا بأنه حلف على الإتيان بفعل مباح أو على تركه كل ليلة جمعة مثلا، فقد يقال بأنه يلاحظ ذلك الفعل في كل ليلة من ليالي الجمعة واقعة مستقلة، فيحكم بالتخيير فيه، كونه من دوران الامر بين المحذورين، فيجوز للمكلف الإتيان به في ليلة وتركه في ليلة أخرى، فيكون التخيير استمراريا، باعتبار أن كل فرد من افراد ذلك الفعل له حكم مستقل، وقد دار الأمر فيه بين محذورين، فيحكم العقل بالتخيير لعدم إمكان الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية ولا يترتب على ذلك سوى أن المكلف إذا اختار الفعل في فرد والترك في فرد آخر يعلم إجمالا بمخالفة التكليف الواقعي في أحدهما، ولا بأس به، لعدم كون التكليف الواقعي منجزا على الفرض.
ولكن الصحيح أن يلاحظ المجموع واقعة واحدة، فيتخير بين الفعل في الجميع والترك في الجميع، وفلا يجوز له التفكيك بين الليالي بإيجاد الفعل مرة وتركه أخرى، لأنه يوجد مضافا الى العلم الاجمالي بوجوب الفعل في الليلة الاولى مثلا او حرمته والعلم الاجمالي بوجوب الفعل في الليلة الثانية وحرمته، علم اجمالي بوجوب الفعل في الليلة الاولى مثلا او حرمته في الليلة الثانية، وعلم اجمالي بحرمة الفعل في الليلة الاولى او وجوبه في الليلة الثانية، وهذان العلمان الاجماليان الأخيران وان لم يمكن موافقتهما القطعية ولكن يمكن الاجتناب عن مخالفتهما القطعية فيحكم العقل بحرمة مخالفتهما القطعية، فلو اتى بالفعل في الليلة الاولى فلابد أن ياتي به في الليلة الثانية ايضا، اذ لو تركه في الليلة الثانية فقد صدر منه المخالفة القطعية للعلم الاجمالي الأخير، فلا مناص من كون التخيير بدويا، حذرا من المخالفة القطعية([3]).
مناقشه
اقول: ما ذكره من منجزية العلم الاجمالي الثالث والرابع فهو متين، فان ما ادعاه المحقق الاصفهاني “قده” من كون هذين العلمين منتزعين من العلمين الاجماليين الدائرين بين المحذورين وليسا متعلقين بتكليف جديد، فمندفع بأن العلم الاجمالي الثالث والرابع في عرض العلم الاجمالي الاول والثاني، خصوصا في مورد اشتباه الواجب بالحرام، ولو فرض كونهما في طول ذاك العلمين الاجماليين فلا وجه للمنع عن منجزيتهما بعد تشكلهما وامكان الموافقة القطعية والمخالفة القطعية لكل منهما في حد ذاته، كما أنه في مورد اشتباه الواجب بالحرام يوجد علمان اجماليان منجزان: العلم الاجمالي بوجوب احدهما والعلم الاجمالي بحرمة احدهما.
الا ان الاشكال الذي يتوجه على السيد الخوئي أن الموافقة القطعية لكل من العلم الاجمالي الثالث والرابع في حد ذاته ممكن، لكن الموافقة القطعية لأي منهما مستلزم للمخالفة القطعية للآخر، فيوجد هنا اربعة احكام عقلية، حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي الثالث، ووجوب موافقته القطعية، وحرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي الرابع، ووجوب موافقته القطعية، ويقع التزاحم بين ملاك وجوب الموافقة القطعية لأحدهما وبين ملاك حرمة المخالفة القطعية للآخر او فقل وجوب موافقته الاحتمالية، فلابد من ابداء ما يقتضي بقاء حرمة مخالفتهما القطعية، وسقوط وجوب موافقتهما القطعية، ويمكن أن يذكر لذلك ثلاثة وجوه:
1- ما يقال من أن قبح المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال اشد من قبح مخالفته الاحتمالية، ولذا التزموا بكون حكم العقل بقبح مخالفته القطعية بنحو العلية فلا يمكن للشارع الترخيص فيها بخلاف مخالفته الاحتمالية، فان حكم العقل بقبحها بنحو الاقتضاء ويمكن الترخيص فيها، فلا يجوِّز العقل المخالفة القطعية لتكليف معلومٍ بالاجمال لأجل الموافقة القطعية وعدم المخالفة الاحتمالية لتكليف آخر معلومٍ بالاجمال.
وفيه أن ما نحسّه بالوجدان هو اشدية قبح مخالفة قطعية لا تكون مستتبعة لموافقة قطعية لتكليف آخر، دون اشدية قبح مخالفة قطعية تستتبع موافقة قطعية للتكليف الآخر، بينما أن الموافقة الاحتمالية للتكليفين المعلومين بالاجمال مساوقة لاحتمال المخالفة الواقعية لكلا التكليفين.
2- ما يقال من أن حرمة المخالفة القطعية حكم عقلي تنجيزي ووجوب الموافقة القطعية حكم عقلي تعليقي ولا معارضة بين الحكم التنجيزي والتعليقي.
وفيه أن عدم المعارضة بين الحكم التعليقي والتنجيزي انما هو فيما كان الحكم التعليقي معلقا على عدم ذلك الحكم التنجيزي بأن كان وجوب الموافقة القطعية لاحد الحكمين معلقا على عدم حرمة المخالفة القطعية للحكم الآخر، وهذا ليس معنى تعليقية حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية وانما معناها كون حكم العقل به معلقا على عدم وصول ترخيص شرعي في الخلاف، والمفروض عدم وصوله، فصار كالحكم التنجيزي، على أننا انكرنا في محله كون حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية بنحو العلية والتنجيز وقلنا انه مثل حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية بنحو الاقتضاء.
3- ان حكم العقل في المقام بحرمة المخالفة القطعية في اشتباه الواجب بالحرام مثلا يظهر بالتأمل في نظائره، فلو قال المولى لعبده “اكرم كل عالم” فعلم اجمالا بوجوب اكرام زيد وعمرو لكون احدهما عالما، وعلم اجمالا ايضا بوجوب اكرام بكر وخالد لكون احدهما عالما، ولكنه لم يتمكن الا من اكرام اثنين منهم لا على التعيين، فلا يقبل العقل أن يختار العبد اكرام زيد وعمرو مثلا، فيحصل له القطع بموافقة وجوب اكرام احدهما، ويترك اكرام بكر وخالد، وبذلك يحصل له القطع بمخالفة وجوب اكرام بكر وخالد اجمالا، وهكذا لو علم المكلف بنجاسة احد الاناءين الشرقيين اجمالا، وعلم ايضا بنجاسة احد الاناءين الغربيين، ثم اضطر الى شرب اناءين منهما لا على التعيين، فلا يقبل العقل جواز شرب كلا الاناءين الشرقيين مثلا لدفع الاضطرار، بعد كونه مستلزما للمخالفة القطعية للعلم الاجمالي الاول، بل يتعين أن يختار لدفع الاضطرار احد الاناءين الشرقيين واحد الاناءين الغربيين، ولا فرق في هذين المثالين بين الاضطرار العرفي او العقلي .
والانصاف قرب هذا الوجه الأخير الى الوجدان، ولو شك في حكم العقل بجواز المخالفة القطعية لأحدهما من باب المقدمة العلمية للموافقة القطعية للآخر فيكون من موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير في كيفية الامتثال، كما لو علم اجمالا بوجوب احد الضدين وتعلق ظنّه بوجوب احدهما المعين فانه لا اشكال في تجويز العقل الموافقة الظنية باتيانه، ولكن لو احتمل كونه مخيرا عقلا بينها وبين الموافقة الوهمية باتيان الضد الآخر، فلا يبعد في مثله الرجوع الى البراءة العقلية او العقلائية في عدم تعين الموافقة الظنية، وهكذا الرجوع الى البراءة الشرعية عن اهتمام المولى بالطرف المظنون، في هذا الحال، فتأمل.
هذا كله في فرض عدم العلم باهمية احد الحكمين او احتمال اهميته بعينه.
فرض العلم بان احد الحكمين المعلومين بالاجمال في مورد اشتباه الواجب بالحرام معلوم الاهمية او محتمل الاهمية
وأما لو كان احد الحكمين المعلومين بالاجمال في مورد اشتباه الواجب بالحرام معلوم الاهمية او محتمل الاهمية بعينه
کلام المحقق النایینی ره
فقد ذكر المحقق النائيني “قده” أنه يتعين موافقته القطعية الملازمة للمخالفة القطعية للتكليف الآخر، فان كل تكليف مقتضٍ لامرين: امتثاله واحراز امتثاله، فكما انه اذا تزاحم التكليفان بلحاظ الامتثال يتعين اخذ الاهم فكذلك لو تزاحما بلحاظ احراز الامتثال، مع أنه حكم بتعين الموافقتين الاحتماليتين في فرض التساوي.
اشکال السید الخویی ره
واورد عليه السيد الخوئي “قده” أولا: بالنقض بما إذا علم تساوي الحكمين في الأهمية، فان لازم كونهما من المتزاحمين أن يحكم حينئذ بالتخيير، فللمكلف أن يختار الوجوب ويأتي بكلا الفعلين، وله ان يختار الحرمة ويتركهما معا، مع ان المحقق النائيني “ره” لم يلتزم بذلك، وذهب إلى لزوم الإتيان بأحد الفعلين وترك الآخر حذرا من المخالفة القطعية لأحد التكليفين.
وثانيا: انه لو سلمنا دخول المقام في باب التزاحم فلا دليل على لزوم الأخذ بمحتمل الأهمية في باب التزاحم مطلقا ليجب الأخذ به في المقام، انما الوجه في ذلك ما أشرنا إليه سابقا من أن الحكمين المتزاحمين لا مناص من الالتزام بسقوط الإطلاق في كليهما أو في أحدهما، ومن الظاهر أن ما لا يحتمل أهميته قد علم سقوط إطلاقه على كلا التقديرين، وأما ما احتمل أهميته فسقوط إطلاقه غير معلوم، فلا بد من الأخذ به، هذا فيما إذا كان لدليل كل من الحكمين إطلاق لفظي، واما إذا لم يكن لشيء من الدليلين إطلاق، فالوجه في تقديم محتمل الأهمية هو القطع بجواز تفويت ملاك غيره بتحصيل ملاكه، وأما تفويت ملاكه بتحصيل ملاك غيره فجوازه غير معلوم، فتصح العقوبة عليه بحكم العقل فلا مناص من الأخذ بمحتمل الأهمية، وهذان الوجهان لا يجريان في المقام، إذ المفروض بقاء الإطلاق في كلا الحكمين، لعدم التنافي بين الإطلاقين ليرفع اليد عن أحدهما وعدم ثبوت جواز تفويت الملاك في شيء منهما، إذ كل ذلك فرع عجز المكلف عن امتثال كلا التكليفين، والمفروض قدرته على امتثالهما لتغاير متعلق الوجوب والحرمة على ما تقدم، وأما ما ذكره من حكم العقل بلزوم إحراز الامتثال فهو مشترك فيه بين جميع التكاليف الإلزامية، من غير فرق بين ما كان في أعلى مراتب الأهمية، وما كان في أضعف مراتب الإلزام، فلا موجب لتقديم محتمل الأهمية على غيره، والحكم بلزوم موافقته القطعية وان استلزمت المخالفة القطعية للتكليف الآخر.
فالصحيح أن الحكمين المردد كل منهما بين الوجوب والحرمة وان لم يكونا من قبيل المتعارضين، إذ لا تنافي بينهما في مقام الجعل، بعد فرض أن متعلق كل منهما غير متعلق الآخر، إلّا انهما ليسا من قبيل المتزاحمين أيضا، إذ التزاحم بين التكليفين انما هو فيما إذا كان المكلف عاجزا من امتثال كليهما، والمفروض في المقام قدرته على امتثال كلا التكليفين، غاية الأمر كونه عاجزا عن إحراز الامتثال فيهما، لجهله بمتعلق كل منهما وعدم تمييزه الواجب عن الحرام، فينتقل إلى الامتثال الاحتمالي بإيجاد أحد الفعلين وترك الآخر، فلا وجه لإجراء حكم التزاحم، وتقديم محتمل الأهمية على غيره بإيجاد كلا الفعلين لو كان محتمل الأهمية هو الوجوب أو ترك كليهما لو كان محتمل الأهمية هي الحرمة([4]).
وقد اورد عليه في البحوث بالمنع من عدم تأثير أهمية التكليف المعلوم بالإجمال في حكم العقل بالإطاعة، لأن حكم العقل هذا انما يكون بملاك تحقيق ما يهمّ المولى من أغراضه ولهذا يعبر عنه بأن المكلف لا بد وان يتحرك وكأنه آلة بيد المولى يحركها حيث يريد وعند ما يكون أحد الغرضين أهم فلا محالة يكون التحريك نحو الغرض الأهم، فيما إذا كانت أهميته بدرجة كبيرة ولو أدى إلى المخالفة القطعية للغرض الآخر.
نعم في فرض عدم الأهمية بهذه الدرجة فلابد أن يرى أن العقل هل يحكم بتقديم الموافقة القطعية المساوق مع المخالفة القطعية للآخر على الموافقة الاحتمالية لهما أو بالعكس أو يحكم بالتخيير في مقام العمل، وهذا ما نؤجل تفصيله إلى بحوث العلم الإجمالي واشتباه الواجب بالحرام([5]).
مناقشه
اقول: ان كلام السيد الخوئي “قده”لم يكن في معلوم الأهمية، وانما كان في محتمل الاهمية، بل صرّح في الدراسات بأنه لو علم اهمية احد الحكمين كما لو اشتبه المؤمن الذي يحرم ذبحه بحيوان يجب ذبحه بسبب النذر مثلا، فمن اهمية ملاك حرمة قتل المؤمن نستكشف أن الشارع اوجب الاحتياط بترك ذبح كليهما، فتقع المزاحمة([6]) بين إيجاب الاحتياط والتكليف الآخر، فيقدّم إيجاب الاحتياط لأهمّيّة ملاكه([7])، والظاهر أن مقصوده من العلم باهمية احد الحكمين ليس مطلق العلم بالاهمية، اذ لا تزاحم بين واقع امتثاله وبين امتثال التكليف الآخر، حتى يقدَّم الاول لكونه اهم، وانما هو العلم باهميته بحدّ يكون التحرز عن فوته الاحتمالي ارجح لزوما بنظر المولى من الفوت القطعي للآخر، ومن الواضح أن نتيجته لزوم موافقته القطعية، وحيث انه يرى علية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فلابد أن يرفع المولى الحكم الواقعي في الطرف الآخر، وهذا الفرض لا كلام فيه ابدا، كما أنه لو علم اهميته بحد يكون التحرز عن فوته الاحتمالي مساويا بنظر المولى من الفوت القطعي للآخر انكشف رفع الشارع يده عن الالزام في الطرف الآخر، وأما ما في تعليقة مباحث الاصول من أن الحكم في المثال الّذي ذكره السيّد الخوئي بالمنع عن القتل ولو أدّى إلى المخالفة القطعيّة لوجوب ذبح الشاة واضح كلّ الوضوح، وهو من فضائح القول بكون وجوب الموافقة القطعيّة معلّقا على عدم الانصدام بالمخالفة القطعيّة([8])، ولست ادري كيف يكون وضوح هذا الحكم من فضائح ذاك القول، فان كشف ايجاب الشارع للاحتياط لاحراز اهمية ملاك حرمة ذبح المؤمن بالحد الذي مرّ ذكره آنفا يكشف بناءا على العليّة عن رفع الشارع يده عن وجوب ذبح ذلك الحيوان، فلا يبقى موضوع لحرمة مخالفته القطعية.
أما ما ذكره السيد الخوئي “قده” في المنع عن الترجيح بمجرد احتمال اهمية احد الحكمين بعينه (بحدّ يكون التحرز عن فوته الاحتمالي ارجح لزوما بنظر المولى من الفوت القطعي للآخر) فقد وافق عليه بعض الأعلام بتقريب أنه تارة نبني على مسلك العلية بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية، كما هو مبنى السيد الخوئي “قده” وأخرى على مسلك الاقتضاء، فأما القائل بالعلية فلا يعقل بنظره التفكيك بين العلم الاجمالي وحرمة مخالفته القطعية، حيث يكون من قبيل التفكيك بين العلة التامة ومعلولها، اذ يقال انها معصية قطعية ولا يعقل حكم الشرع او العقل بجوازها، ومجرد احتمال اهمية احد الحكمين لا يكشف عن ايجاب الاحتياط الملازم لرفع الشارع يده عن الحكم الآخر، وأما القائل الاقتضاء فهو يرى أن للمولى أن يتدخل ويجعل حكما ظاهريا ترخيصيا على خلاف الحكم المعلوم بالاجمال، ولا علاقة لذلك بالعقل، بل علاج مولوي لابد من كشفه، ومجرد احتمال اهمية احد الحكمين لا يكشف عن تدخل المولى وايجابه الاحتياط بالنسبة اليه، وحينئذ نقول ان المفروض قبول أن المدلول الالتزامي العرفي لكل خطاب تكليف بمقتضى ارتكاز العقلاء عدم رضى المكلف بمخالفته القطعية، ونتيجته عدم جواز المخالفة القطعية لهذين التكليفين([9]).
ويلاحظ عليه أن القائل بمسلك العلية انما يمنع من امكان الترخيص الشرعي الظاهري في المخالفة القطعية، وكون مقتضى هذا المسلك عدم تجويز العقل لها لأجل الموافقة القطعية لتكليف آخر مصادرة بالمطلوب، خصوصا اذا كان التكليف الآخرمحتمل الاهمية.
كما أنه على مسلك الاقتضاء ان فرض كون ارتكاز العقلاء موجبا لانعقاد ظهور التزامي لخطاب التكليف في عدم رضى المولى بمخالفته القطعية في مورد العلم الاجمالي، فلا يشمل ما اذا توقفت الموافقة القطعية لتكليف آخر على تلك المخالفة القطعية، خصوصا اذا كان ذلك التكليف محتمل الاهمية، حيث لا يوجد ارتكاز عقلائي واضح على عدم رضى المولى من المخالفة القطعية في مورده.
لا وجه لدعوى لزوم ترجيح الموافقة القطعية للتكليف المحتمل الاهمية
وكيف كان فنقول أنه لا وجه لدعوى لزوم ترجيح الموافقة القطعية للتكليف المحتمل الاهمية، ولا يقاس بمورد التزاحم الامتثالي، حيث ان وجه ذهاب المشهور الى لزوم الترجيح بمحتمل الاهمية فيه إما جريان أصالة الاطلاق في التكليف المحتمل الاهمية بضم العلم التفصيلي بسقوط التكليف الآخر في فرض الاشتعال بامتثال التكليف المحتمل الاهمية إما لكونه مساويا او مرجوحا، فمن الواضح أنه لا يجري هذا البيان في المقام مما يكون من التزاحم الاحرازي، لعدم المحذور في بقاء اطلاق التكليفين بعد عدم كونه مستلزما لطلب الضدين، وإما أن ترك امتثال التكليف الآخر لأجل صرف القدرة في امتثال التكليف المحتمل الاهمية موجب للعذر قطعا بنظر العقل والعقلاء، وأما العكس فغير معلوم ان لم يعلم بعدمه، وهذا ايضا لا يجري في المقام، لأن عذر المكلف في المخالفة القطعية للتكليف الآخر بسبب الموافقة القطعية للتكليف محتمل الاهمية غير معلوم.
وحينئذ فان كان جواز الموافقة الاحتمالية لكلا التكليفين معلوما وشك في جواز الموافقة القطعية للتكليف محتمل الاهمية، فيكون من موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير في كيفية الامتثال، وقد مر أنه لا يبعد في مثله الرجوع الى البراءة العقلية او العقلائية في عدم تعين القدر المتقين من الجواز، كما يرجع الى البراءة الشرعية عن اهتمام المولى به في هذا الحال، وان لم يكن جواز كل من الموافقة الاحتمالية لكلا التكليفين او الموافقة القطعية للتكليف في فرض احتمال اهمية احد الحكمين معلوما كما لا يبعد، فلا اشكال في التخيير بينهما حينئذ.
فصل: في الشك في المكلف به مع العلم باصل التكليف
اذا شك في المكلف به، مع العلم باصل التكليف، فإما يكون بنحو العلم الاجمالي بين المتباينين، او يكون بنحو العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر، فيقع الكلام فعلا في المورد الاول وهو دوران الامر بين المتباينين.
الاول: دوران الامر بين المتباينين
العلم الاجمالي بين المتباينين هو أن يشتمل كل من طرفي العلم الاجمالي بخصوصية تأبى عن الانطباق مع الآخر، إما ذاتا كالعلم الاجمالي بوجوب الوضوء او التيمم في مثل ما لو كان على مواضع التيمم حاجب لا يمكن ازالته، او عرضا كالعلم الاجمالي بوجوب القصر او التمام فان نسبة ذات صلاة القصر وهي صلاة ركعتين الى التمام نسبة الاقل والاكثر ولكن حيث ان زيادة الركعة مبطلة جزما فهذا يعني كون صلاة القصر صلاة ركعتين بشرط لا عن ضم ركعتين اليهما وصلاة التمام هي صلاة ركعتين بشرط ضم ركعتين اليهما والنسبة بين الطبيعة بشرط لا والطبيعة بشرط شيء تباين بالعرض.
ولا يخفى أن كون العلم الاجمالي بين المتباينين لا ينافي وجود قدر مشترك في مقام الامتثال، كما في العلم الاجمالي بوجوب قضاء صلاة الظهر او العصر، حيث لا يتنافى مع امكان الاحتياط باتيان صلاة واحدة بنية ما في الذمة، بل قد يقال في مثال القصر والتمام بأنه يمكن بعد تشهد الركعة الثانية من صلاة القصر أن يأتي بركعتين قبل السلام بقصد تعليقي وهو قصد ان يكون انحناءه ركوعا ان كان يجب عليه التمام، والا فيكون محض انحناء، وهكذا في السجود، فان الركوع والسجود عنوانان قصديان، وأما ما يأتي به من الاقوال احتياطا فكلها ذكر الله والرسول والدعاء، لكن هذا الاحتيال ممنوع على الاصح، لكفاية هذا المقدار من القصد في صدق الركوع والسجود بل الركعة مطلقا، وكذا العلم الاجمالي بوجوب كفارة حنث اليمين -و هي اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فان لم يجد فصوم ثلاثة ايام- او حنث العهد – وهي صوم ستين يوما او اطعام ستين مسكينا- فانه ان اطعم ستين مسكينا فقد امتثل التكليف جزما، لكنه لا ينافي كونه من قبيل العلم الاجمالي بين المتباينين، لأن مقتضى وجوب كفارة اليمين عدم كفاية الصوم للمختار ومقتضى كفارة العهد عدم كفاية اطعام عشرة مساكين، ونتيجة العلم الاجمالي للمختار عدم جواز اكتفاءه بالصوم او اطعام العشرة، وأما من لا يجد ما يطعم عشرة مساكين او يكسوهم فيجوز له الاكتفاء بصوم ثلاثة ايام.
حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي
قد تقدم في بحث العلم الاجمالي من مباحث القطع تفصيل الكلام في البحث عن حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي بين المتباينين وكذا وجوب موافقته القطعية
مسلک الاول: المشهور: عدم امكان ورود ترخيص شرعي في المخالفة القطعية
وقلنا بأنه يوجد مسلكان في حرمة مخالفته القطعية: احدهما: مسلك العلية أي عدم امكان ورود ترخيص شرعي في المخالفة القطعية، وثانيهما: مسلك الاقتضاء، فلا مانع عقلا من ترخيص الشارع فيها، فالمشهور هو الاول،
مسلک الثانی: مسلك الاقتضاء، فلا مانع عقلا من ترخيص الشارع فيها
وخالف في ذلك جماعة من المحققين، فذكر صاحب الكفاية أن التكليف المعلوم بالاجمال إن كان فعليا من جميع الجهات فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على رفع التكليف المجهول مما يعم أطراف العلم الاجمالي مخصصا عقلا، لأجل مناقضتها معه، وإن لميكن فعليا كذلك –و لو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته- لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للأطراف، ومن هنا انقدح أنه لا فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي إلا أنه لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الإجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لإمكان جعل الظاهري في أطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة([10]).
الفعلي من جميع الجهات و الفعلي من سائر الجهات
ومراده من الفعلي من جميع الجهات هو ما تعلقت الارادة اللزومية للمولى بامتثاله (أي بنحو لا يرضى بمخالفته) ومن الفعلي من سائر الجهات هو تحقق جميع شرائط تعلق ارادته اللزومية نحو امتثاله عدا شرط واحد، وهو العلم بالتكليف الانشائي، فان كان الشرط الأخير هو العلم التفصيلي به فمن الواضح أنه لا يكون التكليف المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات، فيجوز الترخيص في مخالفته القطعية، وان كان الشرط الأخير هو العلم به ولو اجمالا فيجوز الترخيص في مخالفة التكليف في الشبهة البدوية، لكن لو علم به اجمالا فحيث يصير التكليف المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات أي مما تعلقت الارادة اللزومية للمولى بامتثاله، فمن الواضح أنه لايجتمع الارادة اللزومية لامتثال تكليف مع الاذن في مخالفته.
الصحيح هو كون منجزية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية على نحو الاقتضاء
وكيف كان فالصحيح هو كون منجزية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية على نحو الاقتضاء، وغاية ما يستدل لصالح المشهور الذين ذهبوا الى علية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية وعدم امكان الترخيص الشرعي فيها هو احد وجهين:
الوجه الاول:
ما ذكره جماعة من أن المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال معصية يحكم العقل بقبحها، فالترخيص فيها ينافي حكم العقل بقبح المعصية، فان الترخيص في القبيح قبيح، فيمتنع في حقه تعالى.
وفيه أن حكم العقل بقبح المخالفة القطعية لتكليف المولى انما هو بملاك قبح الخروج عن زي عبوديته، ولا اشكال في أن المخالفة الصادرة باذنه ورضاه لا يكون خروجا عن زي عبوديته، فلا يحكم العقل بقبحها ابدا، ويختلف ذلك عما لو لميأذن في المخالفة وانما اراد اسقاط لزوم طاعته او وعد بعدم العقاب على المخالفة، فانه لا يرفع قبح مخالفة التكليف الواصل.
الوجه الثاني:
ما يقال من أنه يلزم منه نقض الغرض من جعل التكليف الواقعي، لأن الغرض من جعل التكليف هو باعثيته على تقدير الوصول، فمع فرض وصول التكليف بسبب العلم الاجمالي فالترخيص في مخالفته يكون نقضا للغرض، وهذا مما لا يصدر من الحكيم بل يستحيل من كل احد.
وفيه أنه ينكشف من خلال ترخيص المولى في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال ضيق غرضه اللزومي، أي ان داعيه لميكن هو الباعثية اللزومية للتكليف فيما لميعلم به تفصيلا، وهذا هو الحلّ لشبهة مناقضة الحكم الظاهري الترخيصي في الشبهة البدوية مع التكليف الواقعي، والا فلو كان للمولى غرض لزومي في مورد التكليف المشكوك لكان الترخيص في مخالفته في الشبهة البدوية ايضا نقضا للغرض وهو مستحيل، بل مقتضاه أن يوجب الاحتياط، كما فعل ذلك في الامور المهمة كالدماء، نعم الفرق بين الشبهة البدوية والعلم الاجمالي أن خطابات التكاليف لا تكون ظاهرة عرفا في كون داعي المولى من جعلها هو الباعثية اللزومية على تقدير احتمالها بدواً، وانما تكون ظاهرة في كون داعي المولى من جعلها هو الباعثية اللزومية على تقدير وصولها تفصيلا او اجمالا، ولكنه لا ينافي أن ينصّ المولى على كون داعيه في جعل تكليفٍ هو باعثيته اللزومية على تقدير الوصول التفصيلي.
المراد من منجزية العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء
ومعنى كون منجزية العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء هو أن ظاهر خطاب التكليف المعلوم بالاجمال عرفا هو نشوءه عن داعي الباعثية اللزومية على تقدير الوصول ولو اجمالا، ويكون هذا الظهور حجة ما لم يقم دليل اقوى على خلافه.
فتحصل من جميع ما ذكرناه امكان الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، وانما الكلام في وقوعه، فقد يتمسك لاثبات وقوع الترخيص في المخالفة القطعية تارة بعموم دليل الاستصحاب او اطلاق دليل البراءة كقوله “رفع ما لا يعلمون”، وأخرى بحديث الحل.
أما عموم دليل الاستصحاب فالظاهر انصرافه عن فرض العلم الاجمالي بالتكليف بنحو الشبهة المحصورة، لوجود ارتكاز عقلائي على كون الترخيص فيها نقضاً للغرض من التكليف المعلوم بالاجمال، قياسا للتكاليف الالزامية الشرعية بالتكاليف الالزامية العرفية حيث يتعلق الغرض اللزومي للموالي العرفية بعدم المخالفة القطعية للتكاليف الواصلة ولو اجمالاً الى العبيد، وهذا يكون قرينة لبية متصلة موجبة لانصراف دليل الاستصحاب عن الترخيص في جميع اطراف الشبهة المحصورة، وأما حديث الرفع فانصرافه عن الشبهة المحصورة اوضح، فانه مضافا الى ما مر من الارتكاز العقلائي، يقال عرفا: ان التكليف المعلوم بالاجمال مما يعلمون وليس مما لا يعلمون، فليس بمرفوع عن الأمة.
وبما ذكرناه تبين الجواب عن مثل التمسك بقاعدة الطهارة في مورد العلم الاجمالي بنجاسة احد انائين او قاعدة اليد في مورد العلم الاجمالي بغصبية احد المالين اللذين في يد شخص، ونحو ذلك، فان المرتكز العقلائي يوجب انصرافها عن اثبات ما يستلزم الترخيص في ارتكاب كلا طرفي العلم الاجمالي.
نعم لو اختص كل من طرفي العلم الاجمالي بخطاب أصل مؤمن، كما لو علم بنجاسة ماء او عدم تذكية سمك فالاول مجري قاعدة الطهارة، والثاني مجرى لخطاب التعبد بتذكية ما في سوق المسلمين، فانه قد يُمنع من الانصراف فيه، حيث لا يلزم من جريان كل خطاب في حد نفسه في احد الطرفين أكثر من الترخيص في المخالفة الاحتمالية للعلم الاجمالي، فلا مانع من انعقاد ظهوره فيه، ونحوه ما لو علم بعد اتيانه لصلاة الظهر أنه في هذا اليوم لم يأت بأكثر من اربع ركعات، فإما فاتت منه صلاة الصبح او أنه صلى الظهر ركعتين، والمفروض بقاء وقت صلاة الظهر، فان صلاة الصبح في حد نفسها مجري لقاعدة الحيلولة النافية لوجوب قضاءها، وصلاة الظهر مجرى لقاعدة الفراغ النافية لوجوب اعادتها.
ويمكن الجواب عنه ايضا إما بأن ندعي أن وضوح ارتكازية حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي لدى العقلاء اوجب تشكل مدلول التزامي لخطاب الاصل الجاري في كل طرف في أن ما يجب فيه الاحتياط هو الطرف الآخر فيتعارض بالمناقضة مع خطاب الاصل النافي للزوم الاحتياط في الطرف الآخر، او يقال بأن المرتكز العقلائي يكون قرينة لبية متصلة او ما يصلح للقرينة لتقييد خطاب الاصل المؤمن الجاري في كل طرف بعدم كون الطرف الآخر مجرىً لاصل مؤمن في عرضه، او فقل جريان الاصل مشروط بأن لا يكون في عرضه اصل مؤمن تم المقتضى لجريانه في الطرف الآخر، او يقال بأن الظهور بنحو العموم او الاطلاق حتى ولو انعقد على خلاف المرتكز العقلائي المستحكم فلا يكفي ذلك في الردع عن بناء العقلاء، حيث يحصل لهم الوثوق النوعي بعدم تعلق الارادة الجدية به، وهذا مانع عن حجية الظهور، ولا اقل من حصول الظن النوعي بالخلاف، فيقدح ذلك في حجية الظهور بناء على قادحية الظن النوعي بالخلاف في حجية الظهور.
وأما ما قد يقال من أن حجية هذا الظهور للخطابين حيث تكون مستلزمة للترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال فتكون على خلاف المرتكز العقلائي، فلا يمكن اثبات حجيته بالسيرة العقلائية، كما هو واضح، ولا بالخطاب اللفظي على فرض وجود خطاب لفظي مطلق على حجية الظهور، لكون هذا الارتكاز بمثابة قرينة متصلة مانعة عن اطلاقه للمقام، ففيه أنه بعد فرض انعقاد ظهور الخطابين في كشف ترخيص الشارع لارتكاب اطراف العلم الاجمالي فليست حجيته في كشف مراد الشارع خلاف المرتكز العقلائي، وانما المنكشف بهذا الظهور من ترخيص الشارع هو المخالف لمرتكز العقلاء، فالمقام نظير قيام خبر الثقة على ردع الشارع عن مرتكز عقلائي، فانه لا يعني كون حجية هذا الخبر في كشف ردع الشارع خلاف المرتكز.
التمسك بالروايات في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة
ثم انه لو لم يتم أي من تلك الأجوبة فينحصر الجواب في التمسك بالروايات الواردة في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة، وسوف نذكر تلك الروايات.
1- حديث الحل
وأما حديث الحل فهو صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه([11])، وتقريب الاستدلال بها أن الظاهر من الرواية هو لحاظ الافراد الموجودة من شيء كأنها أجزاءه، فالأجبان الموجودة في السوق لوحظت كأنها شيء واحد، وبهذا اللحاظ يقال: ان الجبن شيء فيه حلال وحرام، فهذا الجبن حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه، والقرينة على ذلك ظهور “فيه حلال وحرام” وكلمتي “بعينه” و”منه” في قوله “تعرف الحرام منه بعينه” على احتواء ما يحكم بحليته الظاهرية على الحرام والحلال بالفعل، فتكون الرواية واردة في مورد العلم الاجمالي.
والظاهر أن ارتكاز العقلاء بكون الترخيص في جميع الاطراف نقضا للغرض من التكليف المعلوم بالاجمال، وان فرض عدم كونه بدرجة يوجب انصراف الصحيحة عن الشبهة المحصورة التي تكون اطرافها داخلة في محل الابتلاء بعد كون موردها العلم الاجمالي، لكنه يوجب انصراف الصحيحة عن فرض ارتكاب جميع الاطراف، فيكون مآلها الى أن كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ما لم تعرف الحرام منه بعينه، ما لم ترتكب جميعه.
هذا ولا يخفى أن صاحب الكفاية ذكر أن منجزية العلم الاجمالي موقوفة على عدم ترخيص شرعي وظاهر قوله “كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه” هو ثبوت الترخيص، ولكن لم نجد منه انه التزم فقهيا بجواز المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، ولعله هو ايضا يرى الانصراف.
وقد يورد كنقض على القول بظهور الصحيحة في الترخيص في ارتكاب جميع اطراف الشبهة المحصورة، بلزوم القول بجواز الارتكاب حتى مع تعمد مزج الحرام بالحلال، ولكنه غير متجه، لأن الصحيحة منصرفة عن فرض التعمد بلا اشكال، ولكنه لا يلازم انصرافها عن صورة الاشتباه من دون عمد، وهذا نظير أنه لو استهلك الدم في الماء بطبعه فيشمله اطلاق دليل اعتصام الماء الكر، ولو بال فيه الدواب ووقع فيه اوقية دم فيجوز شربه، لكن لا يبعد القول بأنه لو مزج الدم بالماء عمدا يشربه فيصدق أنه اكل الدم بهذه الحلية، وهكذا ربما يصدق الماء المطلق على الماء المخلوط بطبعه بالملح، كما في ماء بعض البحار كبحيرة قم وارومية، ولكن لو مزج ماءً بالملح بهذه النسبة عمدا او خطأ ونحو ذلك فلا يصدق عليه أنه ماء بقول مطلق.
على انه على فرض شمول دليل الاستصحاب والبراءة وصحيحة عبد الله بن سنان للترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، فمع ذلك لابد من اخراج الشبهة المحصورة عنها لاجل مخصص منفصل، كموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم([12])، وظاهر الامر بالاراقة عدم جواز الانتفاع بهما فيما يعتبر فيه الطهارة، فلا يجوز شرب أي منهما، وهذه الموثقة وان لم تشمل مثل العلم الاجمالي في التدريجيات او العلم الاجمالي بالتكليف بين اطراف مختلفة كالعلم الاجمالي بنجاسة الثوب او الماء، لكن هذا غير قادح، لأن صحيحة ابن سنان ايضا لا تشمل بمدلولها المطابقي هذه الموارد، حيث انها تختص بالجبن ونحوه، نعم تدلّ بالاولوية على جواز ارتكاب اطراف العلم الاجمالي في تلك الموارد، ولكن المفروض ان الموثقة قد خصصت المدلول المطابقي لصحيحة ابن سنان، وبذلك تسقط دلالتها الالتزامية عن الحجية ايضا، ويرجع فيها الى حكم العقل والعقلاء، فلا يختلف هذا المبنى عادة مع مبنى المشهور من عدم شمول الاصول المرخصة ومنها صحيحة ابن سنان لاطراف العلم الاجمالي، نعم قد يختلف عنه في مثل الشك في الخروج عن محل الابتلاء والشك في كون الشبهة محصورة.
صحيحة الحلبي
هذا ومن الروايات التي قد يظهر منها الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى رجل أبي فقال إني ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد أعرف أن فيه ربا وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا لا يحل أكله، فقال أبو جعفر (عليه السلام) إن كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي، فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا([13]) .
والرواية مختصة بمورد علم الوارث بوجود ربا في الارث من دون تمييزه، ولكن لم أر من الفقهاء المتقدمين من افتى بمضمونها عدا ابن الجنيد، بل تعدى من مورد الرواية الى كل من كان لديه مال يعلم اجمالا بأن فيه ربا([14])، ويمكن ان يكون منشأ عدم فتوى الاصحاب هو أن التعليل المذكور في ذيل الرواية (في قوله: فإن المال مالك، فإن رسول الله قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي، فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه) يناسب فرض جهل المورث بحرمة الربا، وهكذا ذكر هذه القضية في الوارث عقيب حكم اخذ الربا بجهالة في رواية ابي الربيع الشامي (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أربى بجهالة، ثم أراد أن يتركه قال أما ما مضى فله وليتركه فيما يستقبل، ثم قال إن رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال إني ورثت مالا… وكذا في رواية أبي المغراء قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة وقال لو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلال كان حلالا طيبا فليأكله وإن عرف منه شيئا أنه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا وأيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فأراد أن ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف([15]).
وقد يؤيِّد ذلك أنه لو كان المورث مرابيا فعادة ليست مشكلته وجود الربا في امواله فقط، بل كونه مدينا لما اتلفه من اموال الناس التي اخذها بعنوان الربا، فلو فرض كون المورث جاهلا، وأن من اخذ الربا بجهالة فما اخذه حلال له، ارتفع هذا الاشكال، وحينئذ فتكون الصحيحة مطابقة لما دل على أن من اخذ الربا بجهالة فما اخذه حلال له بشرط توبته اي عدم استمراره على اخذ الربا بعد علمه، -و يفرض أن المورث المرابي لم يعلم بحرمة الربا الى أن مات- ويحمل امر الوارث في الصحيحة برد ما عرف تفصيلا أنه ربا على الاستحباب.
ولكن الانصاف أن حمل صحيحة الحلبي على فرض جهل المورث -الذي قال الوارث عنه أنه كان يرابي وهذا يدل على استمراره على ذلك- بعيد جدا بعد وضوح حكم الربا في ذلك الزمان، وحمله على الربا المعاوضي خلاف الظاهر، فتكون هذه الفقرة كالنص في كون المورث عالما، فاتصالها بما يرتبط باكل الربا بجهالة لا يوجب اجمالها.
وأما حل الاشكال بحمل الجهالة على السفاهة، دون عدم المعرفة بالحكم فهو وان لم يتناف مع الروايتين الأخيرتين، لكن يتنافى مع صحيحة الحلبي، حيث ورد فيه “فمن جهل وسع له جهله فاذا عرف تحريمه حرم عليه”، كما أن كون المورث مدينا لم يفرض في كلام السائل، وليس فرضه واضحا، حتى يلزم أن يكون الجواب ناظرا الى هذه الحيثية ايضا، كما أن ما في روضة المتقين من حمل الصحيحة على فرض احتمال عدم اشتمال الارث على الربا وان كان المورث مرابيا خلاف نص الصحيحة، حيث ورد فيها “ورثت مالا واعرف ان فيه ربا” وكذا “وان كان مختلطا”.
فالانصاف أن دلالة الصحيحة على كون المال المختلط بالربا ملك الوارث تامة، وقد افتى بذلك السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” وبعض السادة الاعلام “دام ظله” في المنهاج، ولابد أن يحمل السيد الخوئي هذا الحكم على الحكم الواقعي، لأنه يرى امتناع الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، فالوارث يملك جميع المال واقعا او لا أقل من أنه يجوز له التصرف واقعا قبل علمه التفصيلي بالمال الربوي، ولا مانع من اخذ العلم التفصيلي بالموضوع في الحكم، وهذا قد يكون خلاف الظاهر من جهةٍ، وموافق للظاهر من جهة أخرى، فمخالفته للظاهر من جهة أن لازمه جواز تصرف الآخرين في الربا برضى الوارث مع علمهم تفصيلا بكونه ربا، وهو لا يخلو من بعد، وابعد منه كون الجهل التفصيلي للوراث بالربا سببا لملكيته الواقعية ما دام جهله باقيا، وموافقته للظاهر من جهة أنه لو اشترى الوراث بشخص الارث بكامله شيئا فيعلم بأن بعض ذلك الشيء باقٍ على ملك بايعه، فيعلم تفصيلا بحرمة تصرفه فيه بدون اذنه، كما أنه لو اتلف الارث فيعلم باشتغال ذمته بمن أعطي الربا الى مورثه، ووجب أن يعمل بمقتضى القاعدة من حرمة التصرف في العين المشتراة ووجوب اداء عوض ما اتلفه من مال معطي الربا اليه ان امكنه معرفته او كان مشتبها في عدد محصور، والتصدق عنه ان كان مشتبها في عدد غير محصور، وهذا خلاف الاطلاق المقامي للرواية، كما أن الحكم الظاهري لا يناسب الحكم المذكور في تلك الروايات في آكل الربا بجهالة.
وكيف كان فبناء على عدم امكان الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي فيتعين القول بثبوت الملكية الواقعية للوارث مادام لم يعرف الربا بعينه، وبناء على امكان ذلك -كما هو المختار- فان قلنا بظهور الصحيحة في الملكية الظاهرية للوارث فنلتزم به، لكن الجزم به مشكل، كالجزم بظهورها في ملكيته الواقعية، الا أنه يمكن اثبات ملكيته الظاهرية بعد اجمال الصحيحة من حيث كون الحكم بملكية الوارث واقعية او ظاهرية بالتمسك باطلاق خطاب الحكم الواقعي المقتضي لبقاء الملكية الواقعية لمعطي الربا، ولازمه نفي الملكية الواقعية للوارث بالنسبة اليه، فتكون ملكيته له ظاهرية، ولكن موردها مختص بالوارث الذي يعلم بوجود ربا في مال المورث.
هذا تمام الكلام في حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.
[1] – انما ذكرنا هذا المثال دون مثال العلم الاجمالي بغصبية احد المائين مع عدم وجود ماء مباح آخر، فانه وان حصل له العلم الاجمالي ابتداءا بوجوب الوضوء من احدهما وحرمة الوضوء من الآخر، ولكن الصحيح فقهيا كما عليه الاعلام انتقال وظيفته الى التيمم، وذلك لوجهين:
احدهما: انه قد ورد في موثقة عمار الأمر بالتيمم في من كان عنده ماءان مشتبهان، فلم يوجب عليه ضم الوضوء باحدهما الى التيمم، كما لم يوجب عليه الاحتياط اذا تمكن من ذلك ولو بان يتوضأ من احدهما ثم يصلي ثم يغسل بالماء الثاني ما اصيب من جسده بالماء الأول فيتوضأ منه ثم يعيد تلك الصلاة، بل اكتفى بالتيمم، فمنه يعلم انه في مورد العلم الإجمالي بحرمة التصرف في احد المائين تكليفا كما لو علم اجمالا بكون احدهما غصبا يكون التيمم مشروعا في حقه، وحينئذ فتكون مقتضى منجزية العلم الاجمالي بحرمة التصرف في احدهما هو وجوب الاجتناب عن كليهما عقلا فيتعين عليه التيمم.
ثانيهما: ما قد يقال من ان المستفاد من قوله تعالى “و ان كنتم مرضى…فلم تجدوا ماءا فتيمموا” أن موضوع وجوب الوضوء واجد الماء، والمتفاهم منه عرفا ولو بقرينة كلمة المرضى كون المراد منه القدره على الوضوء، وحينئذ يقال بأنه كما يكفي -بنظر المشهور- لرفع للقدرة الماخوذة في الخطاب عرفا وجود تكليف آخر لم يؤخذ القدرة في موضوع خطابه كذلك يكفي في رفعها عرفا تنجز هذا التكليف بسبب العلم الإجمالي او وجود أي منجز آخر، فان الإلزام العقلي بمناط حق المولى يشارك الإلزام الشرعي في هذه الحيثية، وقد ذكرنا نظيره في العقد او الشرط الذي يكون الوفاء به مخالفا للوظيفة العقلية، كارتكاب احد طرفي العلم الإجمالي، حيث قلنا ان دليل نفوذه منصرف عرفا عن مثله، لأن الارتكاز العرفي قائم على كون رتبة حق المولى مقدمة على تعهدات العبيد فيما بينهم، وقد ورد ان شرط الله قبل شرطكم، وتفصيل الكلام في محله.
[5] – بحوث في علم الأصول ج5 ص 165، لم نجد منه “قده” أنه تعرض لهذا البحث في مكان، ولكن حكى بعض الاعلام من تلامذته في كتاب الاضواء والآراء أنه كان يرى تعين الموافقتين الاحتماليتين في فرض التساوي بين الحكمين.