فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعال

رؤوس المطالب:

استعمال اللفظ في المعنى المجازي.. 1

هل يكفي في استعمال اللفظ في المعنى المجازي استحسان الطبع له او يحتاج الى اذن الواضع. 1

الجهة الأولى: موضع هذا الاختلاف2

نظريتان فی المجاز. 2

1-نظریة السکاکی.. 2

عدة قرائن علی نفی مجاز الادعایی و المناقشه فیها 2

الظاهر تمامية نظرية السكاكي.. 4

قد یستعمل اللفظ في المجاز بلاعلم للمستعمل بالمعنى الحقيقي.. 5

استعمال المجاز الادعائي في بعض موارد المجاز المرسل.. 5

2-ان الاستعمال المجازي يكون من قبيل المجاز الادعائي دائما 5

الجهة الثانية: هل يكفي استحسان الطبع فی الاستعمال المجازي في غير المعنى الموضوع له؟. 6

الظاهر انه يكفي فيه استحسان الطبع. 6

استدلال البحوث فی کفایة استحسان الطبع. 7

الجهة الثالثة: السيد الخوئي “قده”: لامعنى لدعوى اعتبار اذن الواضع في الاستعمال المجازي.. 11

 

 

 

استعمال اللفظ في المعنى المجازي

هل يكفي في استعمال اللفظ في المعنى المجازي استحسان الطبع له او يحتاج الى اذن الواضع

وقع الكلام في انه هل يكفي في استعمال اللفظ في المعنى المجازي استحسان الطبع له كما هو مختار صاحب الكفاية “قده” او يحتاج الى اذن الواضع، والمراد منه هو أنه وضع بوضع نوعي كل لفظ للمعنى الذي يكون بينه وبين معناه الحقيقي علاقة معينة من العلاقات التي بيّنت في علم المعاني والبيان، وهذا ما حكي عن المشهور، وتنقيح الكلام في ضمن جهات:

الجهة الأولى: موضع هذا الاختلاف

الجهة الأولى: ان هذا الاختلاف يبتني على كون اللفظ في موارد المجاز مستعملا في غير ما وضع له كما هو المشهور، ولكن يوجد في قباله نظريتان:

نظريتان فی المجاز

1-نظریة السکاکی

1- ما عن السكاكي من ان المجاز على قسمين:

احدهما: المجاز المرسل أي ما كان المجاز فيه بغير علاقة المشابهة كعلاقة الجزء والكل او علاقة السبب والمسبب ونحو ذلك.

وثانيهما: مجاز الاستعارة أي ما كان المجاز فيه بعلاقة المشابهة.

ويختص استعمال اللفظ في غير ما وضع له بالقسم الأول، وأما القسم الثاني وهو مجاز الاستعارة فليس اللفظ مستعملا فيه في غير ما وضع له، بل هو مستعمل في نفس ذلك المعنى وانما يكون المجاز في تطبيق ذلك المعنى على المورد، فالمراد من الاسد في قولنا “زيد أسد” هو نفس معنى الحيوان المفترس، وانما يكون المجاز في تطبيقه على زيد فيكون هذا الاستعمال استعمالا حقيقيا لغة ومجازا عقليا من باب المجاز في الإسناد، وقد يسمى ذلك بالمجاز الادعائي أيضا.

عدة قرائن علی نفی مجاز الادعایی و المناقشه فیها

وقد ذكر في البحوث عدة قرائن على نفي هذه النظرية:

منها: انه لو فرض كون المراد الاستعمالي في قولنا زيد اسد هو معناه الحقيقي أي الحيوان المفترس فلايكون المجاز بلحاظ مرحلة الارادة الاستعمالية فلابد ان يكون المجاز بلحاظ مرحلة الارادة الجدية من جهة ادعاء ان زيدا اسد، ولكن ماذا يقال في فرض ما لو كان الغرض من هذا الكلام هو الهزل فلم تتحقق اية ارادة جدية فيه.

ومنها: انه في مثل قولنا” ان يوسف بدر” يكون ادعاء انه بدر بمعناه الحقيقي نقضا للغرض اذ الغرض هو بيان حسن وجهه مع ان كونه بدرا حقيقيا يعني كونه مستديرا وهذا ليس موجبا لحسنه كإنسان.

ومنها: أنه قد يكون المحمول في الاستعمال المجازي جزئيا كما في مثل قولنا “زيد قمر”، فانه لامجال فيه لادعاء كون زيد فردا من المعنى الحقيقي للقمر لان معناه ليس كليا حتى يتم فيه هذا الادعاء.

ثم ذكر أنه ان ما يحس من الفرق بين التعبير بان زيدا اسد وبين التعبير بانه رجل شجاع لايكون شاهدا على تمامية نظرية السكاكي فان نكتة هذا الفرق في دلالة التعبير الاول على المشابهة بين زيد وبين الحيوان المفترس ولاتوجد هذه الدلالة في التعبير الثاني، فالصحيح ما عليه المشهور من ان الاصل في المجاز كونه استعمالا للّفظ في غير معناه الموضوع له، وما ذكره السكاكي لايصلح ان يكون تفسيرا عاما للمجاز([1]).

والظاهر عدم تمامية هذه القرائن:

أما القرينة الأولى فلأن المراد من المجاز الادعائي هو الادعاء الانشائي، ولو كان الداعي اليه هو الهزل، فلو قال “ان زيدا اسد” فيكون المدلول الاستعمالي منه هو ادعاء أنه حيوان مفترس، فالمجاز الادعائي لايوجب ان يكون المجاز بلحاظ مرحلة الارادة الجدية فحسب.

وأما القرينة الثانية فلأن ادعاء كون يوسف بدرا ليس من جميع الجهات وانما هو من جهة حسن الوجه، كما ان قولنا “زيد اسد “لم يكن بغرض ادعاء انه اسد حتى بلحاظ بُخر فمه.

وأما القرينة الثالثة فلأنه يكفي في كون زيد قمرا ادعاء الهوهوية بينه وبين القمر، ولايلزم ان يكون القمر كليا، ونظيره التعبير بان زيدا حاتم، والالتزام باستعمال القمر والحاتم في مفهوم كلي وهو الجميل والجواد خلاف المرتكز جدّا.

وأما ما ذكره في بيان نكتة الفرق بين التعبير بان زيدا اسد وبين التعبير بانه رجل شجاع من ان مفاد الاول هو بيان مشابهة زيد للحيوان المفترس ففيه: انه يوجد فرق وجدانا بين التعبير بان زيدا اسد وانه مثل الاسد، ولأجل ذلك قد يقال زيد رجل شجاع بل اسد او يقال زيد مثل الاسد بل هو الاسد، كما يقال انه ليس مثل الاسد بل هو الاسد، وليس ذلك الا لأجل ان مفاد الأول ان زيدا فرد الأسد بما له من المعنى الحقيقي.

الظاهر تمامية نظرية السكاكي

فالظاهر تمامية نظرية السكاكي، ويشهد لها ان ما نحس به من اللطافة في مثل التعبير بان زيدا اسد لانحس به في مثل التعبير بانه رجل شجاع او انه مثل الأسد.

وان شئت فلاحظ قول الشاعر:

قامت تظللني ومن عجب شمس تظللني من الشمس

فان لفظ “الشمس” لو كان مستعملا في معنى “الحسن الوجه” فلايبقى مجال للتعجب من حجبه عن ضوء الشمس، وانما يصح التعجب من حجب الشمس عن ضوء نفسها.

قد یستعمل اللفظ في المجاز بلاعلم للمستعمل بالمعنى الحقيقي

وقد يستشهد على تمامية نظرية السكاكي بانه قد يستعمل اللفظ في المجاز بلاعلم للمستعمل بالمعنى الحقيقي، فاذاقلنا بان الاستعمال المجازي هو استعمال اللفظ في معني آخر لمشابهة بينه وبين المعنى الحقيقي لم‌يمكن توجيه هذاالفرض، ولكن يمكن توجيهه بأنه يمكن ان يكون استعمال الجاهل بتبع العالم بالعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المستعمل فيه والملاك لحاظ حال العالم.

استعمال المجاز الادعائي في بعض موارد المجاز المرسل

ثم لايخفى ان المجاز الادعائي لايختص بخصوص مجاز الاستعارة بل يأتي في بعض موارد المجاز المرسل، كما في قوله “أعصر خمرا” فانه مجاز ادعائي بعلاقة الأَول والمشارفة، وكذا في اطلاق اسم المسبب على السبب، وكذا في مثل مجاز المركب كقولك لمن يتردد في امر” اراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى”، فانه مستعمل في معناه الحقيقي، وانما المجاز في مرحلة التصديق ويكون مجازا ادعائيا.

2-ان الاستعمال المجازي يكون من قبيل المجاز الادعائي دائما

2- ما اختاره جملة من الأعلام -كالسيد البروجردي والمحقق الشيخ محمد رضا الاصفهاني والسيد الخوئي والسيد الامام “قدهم” وبعض السادة الاعلام “دام‌ظله”- من ان الاستعمال المجازي يكون من قبيل المجاز الادعائي دائما([2]).

مناقشه

ولكنه غير ظاهر في جميع موارد الاستعمالات المجازية، فاستعمال لفظ الرقبة مثلا في الانسان ليس باعتبار أنه عنق ادعاءا، وما يرى من عدم صحة استعمال الرقبة في غير مقام العتق والفكّ، حيث لايقال “جاء رقبة” وانما يقال “عتق رقبة” او يقال “اللهم فكّ رقبتي” فانما هو لأجل عدم أية مناسبة تقتضي حسن استعمال هذا اللفظ في معنى الانسان مجازا في غير مورد العتق والفكّ فلايقتضي كون استعمال الرقبة في مورد العتق والفكّ من باب المجاز الادعائي، ويشهد عليه انه لايصح ان يبدل قولنا ” عتق الرقبة المؤمنة “بجملة “عتق العنق المؤمن”.

الجهة الثانية: هل يكفي استحسان الطبع فی الاستعمال المجازي في غير المعنى الموضوع له؟

ان المجاز الادعائي وان كان بحاجة الى مصحح الادعاء عرفا فلايقال لأبخر الفم انه أسد بملاحظة ان الاسد أبخر الفم، ولكنه خارج عن محل الخلاف بين المشهور وصاحب الكفاية، حيث أنه ليس استعمالا في المعنى الذي لم‌يوضع له اللفظ حتى يأتي فيه قول المشهور من لزوم إذن الواضع، وأما الاستعمال المجازي في غير المعنى الموضوع له بناء على تحققه –ولو في الجملة كما هو المختار- فيقع فيه الكلام في أنه هل يكفي في هذا الاستعمال المجازي استحسان الطبع له او يحتاج الى اذن الواضع،

الظاهر انه يكفي فيه استحسان الطبع

والظاهر انه يكفي فيه استحسان الطبع، كما هو مسلك صاحب الكفاية “قده”.

استدلال البحوث فی کفایة استحسان الطبع

وقد استدل في البحوث على ذلك بان منشأ دعوى احتياج الاستعمال المجازي الى وضع الواضع كل لفظ بالوضع النوعي في المعنى الذي يكون بينه وبين المعنى الحقيقي علاقة معينة، إما ان يكون هو امكان تفسير صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي مع عدم وضعه له، او تصحيح الاستعمال المجازي بعد الفراغ عن مرحلة صلاحية اللفظ للدلالة على المعنى المجازي، ثم ذكر أن الصحيح عدم الحاجة الى وضع الواضع في أي منهما.

منشأ صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي

أما الأول– وهو تفسير صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي- فيمكن ان يكون ذلك بطريق آخر غير وضع اللفظ نوعا على معناه المجازي.

توضيحه:انه حينما يواجه الانسان سؤالا وهو انه من اين نشأت دلالة اللفظ على المعنى المجازي مع عدم وضعه له؟، فقد يجاب عنه بان هذه الدلالة نشأت من القرينة على المجاز، ولكن هذا الجواب غير تامّ، حيث أنه اولا: يكون اللفظ بحد ذاته واجدا لصلاحية اخطار المعنى المجازي وان كان بدرجة أضعف من اقتضاءه لإخطار المعنى الحقيقي ولولا ذلك لما صح استعمال اللفظ في المعنى المجازي بلاقرينة.

وثانيا: ان القرينة غالبا لاتصلح لإخطار المعنى المجازي وانما تصلح لصرف الذهن عن المعنى الحقيقي، ففي قولنا “رأيت أسدا يرمي” ليس في كلمة “يرمي” أية دلالة على الرجل الشجاع، بل فيها دلالة على كون المرئي انسانا، وأما كونه رجلا شجاعا فهو بدلالة نفس لفظ الاسد.

وقد يجاب عن هذا السؤال بجواب آخر وهو ان يقال بان صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي تكون ناشئة من وضع آخر نوعي للّفظ غير وضعه على معناه الحقيقي.

وهذا الجواب غير متجّه أيضا، والصحيح هو نشوء هذه الصلاحية لدلالة اللفظ على معناه المجازي من نفس الوضع الأول للّفظ بإزاء معناه الحقيقي فان اللفظ يكتسب بسبب وضعه للمعنى الحقيقي صلاحية الدلالة على كل معنى متناسب مع معناه الحقيقي، الا ان هذه الصلاحية تكون أضعف من صلاحية اللفظ للدلالة على معناه الحقيقي، لأن صلاحية دلالته على المعنى المجازي تكون نتيجة مجموع أمرين: احدهما اقتران اللفظ بنحو أكيد بمعناه الحقيقي، وثانيهما اقتران المعنى الحقيقي بالمعنى المجازي والتناسب الموجود بينهما، واذا كان اللفظ مصحوبا بالقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي فيصبح دالا على المعنى المجازي فعلا، وأما مع انتفاء القرينة فينعقد للّفظ دلالة فعلية على معناه الحقيقي بلاحاجة الى قرينة تقتضي ذلك، حيث أن دلالته عليه تكون ناشئة من اقتران واحد وهو اقتران هذا اللفظ مع هذا المعنى الحقيقي بمقتضى الوضع.

ولانقصد مما ذكرناه من استناد دلالة اللفظ على المعنى المجازي الى مجموع اقترانين وهو اقتران اللفظ بمعناه الحقيقي واقتران المعنى الحقيقي بالمعنى المجازي هو أنه يحتاج ذهن السامع ان ينتقل اولا من اللفظ الى المعنى الحقيقي ثم الى المعنى المجازي، فان الاقتران بين اللفظ والمعنى الحقيقي أي كون سماعه سببا لانتقال الذهن الى هذا المعنى يكون حيثية تعليلية لكون هذا اللفظ سببا لانتقال الذهن الى المعنى المجازي بدرجة اضعف من سببيته للانتقال الى المعنى الحقيقي، وليس حيثية تقييدية على نحو يكون انتقال ذهن السامع من سماع اللفظ الى المعنى المجازي في طول انتقال ذهنه الى المعنى الحقيقي.

أما من يفسّر نشوء صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي على اساس وضع آخر نوعي للفظ على كل معنى يناسب معناه الحقيقي فيصعب عليه حينئذ تفسير نكتة ان دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي لماذا صارت أقوى من دلالته على المعنى المجازي، بحيث يكون حمله على الثاني في طول تعذّر حمله على الأول.

فانه لايكفي في توجيه ذلك مجرد كون وضع اللفظ للمعنى المجازي في طول وضعه للمعنى الحقيقي -باعتبار ان اللفظ يكون موضوعا لما يشبه المعنى الموضوع له، فقد أخذ في موضوع الوضع المجازي وجود المعنى الموضوع له للّفظ كي يوضع اللفظ بوضع نوعي للمعنى المتناسب له- فان مجرد الطولية في الوضع لايقتضي اقوائية احدى الدلالتين على الأخرى.

وكذا لايكفي دعوى وضع اللفظ للمعنى المجازي مشروطا بعدم ارادة المستعمل للمعنى الحقيقي، فانه لااشكال في اننا لو سمعنا اللفظ من شخص غير مريد لمعنى اصلا لانسبق ذهننا الى معناه الحقيقي فيسأل حينئذ عن نكتة هذا الانسباق، فان دلالة اللفظ على كل من المعنى الحقيقي والمجازي اذا كان بسبب الوضع فلماذا يتبادر المعنى الحقيقي في مقابل المعنى المجازي تصورا.

كما لايكفي في توجيهه دعوى كون الموضوع للمعنى المجازي هو اللفظ المقرون بالقرينة النافية للمعنى الحقيقي او دعوى ان الموضوع للمعنى المجازي هو اللفظ المقرون بالقرينة المثبتة للمعنى المجازي، حيث ان لازم ذلك عدم صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي بلاقرينة مع انه صحيح وجدانا.

نعم يمكن ان يقال في توجيهه بان وضع اللفظ للمعنى المجازي يكون مشروطا بفرض وجود احد أمرين إما القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي او كون غرض المستعمل اجمال اللفظ، وعليه فاذا قال المتكلم رأيت أسدا فحيث لاتوجد قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي وكذا يجري الاصل العقلائي لنفي احتمال كون غرض المستعمل هو الإجمال فلايتحقق شرط وضع اللفظ في المعنى المجازي فيكون ظاهرا في معناه الحقيقي، ولكن لايتم هذا التوجيه على مسلك من يرى ان الوضع هو الاقتران الاكيد اذ مر انه بناء عليه يستحيل تقييد العلقة الوضعية بأي قيد ومنه تقييد العلقة الوضعية في المقام بين اللفظ والمعنى المجازي بفرض كون غرض المستعمل اجمال اللفظ.

فلم يتم بناء على القول بوضع اللفظ نوعا على المعنى المتناسب للمعنى الحقيقي تفسير مناسب لنكتة اقوائية دلالة اللفظ على معناه الحقيقي من دلالته على معناه المجازي، وعليه فالتفسير الصحيح في نشوء صلاحية دلالة اللفظ على المعنى المجازي هو كونه على اساس وضع اللفظ لمعناه الحقيقي من غير حاجة الى وضع آخر للّفظ على معناه المجازي ولو بوضع نوعي.

هذا كله في منشأ صلاحية دلالة اللفظ على معناه المجازي.

في احتیاج الی اذن الواضع

وأما الثاني –وهو الحاجة في تصحيح استعمال اللفظ في المعنى المجازي الى وضع ذلك اللفظ بالوضع النوعي عليه كما هو مسلك المشهور، حيث ذكروا ان الاستعمال المجازي يحتاج الى اذن الواضع- فيرد عليه انه ان كان المقصود من هذا الوضع تحسين استعماله في هذا المعنى المجازي فالمفروض أن حسن الاستعمال حاصل بدون هذا الوضع، والا لم‌يكن أي جدوى في هذا الوضع، وان كان المقصود ترخيص الواضع في الاستعمال المجازي ففيه أنه لايكون الاستعمال المجازي بدون اذن الواضع غلطا حتى لو فرض مولويته ووجوب أطاعته.

وعليه فلانحتاج في الاستعمال المجازي الى اكثر من وضع اللفظ لمعناه الحقيقي واستحسان الطبع لاستعماله في المعنى الآخر لمناسبة بينهما([3]).

اقول: ما أفاده من عدم الحاجة في الاستعمال المجازي الى وضع الواضع زائدا على وضعه الاول اللفظ لمعناه الحقيقي فهو وان كان تامّا جدّا، الا ان ما ذكره من كون الدال على المعنى المجازي هو نفس اللفظ -فان له صلاحية الدلالة على المعنى المجازي وتكون القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي حيثية تعليلية لفعلية دلالة اللفظ على المعنى المجازي- قابل للنقاش، اذ يمكن ان يقال بان الدال على المعنى المجازي هو مجموع القرينة واللفظ –كما افاده السيد الخوئي خلافا لاستاذه المحقق الاصفهاني” قدهما”- نعم لاريب في ان المنكشف بهما هو استعمال اللفظ بنفسه في هذا المعنى، ولكنه لاينافي كون الدال على هذا الاستعمال مجموع اللفظ والقرينة؛ وأما استشهاده “قده” بصحة الاستعمال المجازي بلاقرينة على صلاحية اللفظ لدلالته على المعنى المجازي ففيه: ان صحة الاستعمال لاتساوق صلاحية الدلالة حيث ان المقصود من صلاحية الدلالة انه لو وجدت القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي لصار اللفظ بنفسه دالا فعليا على المعنى المجازي، فان الظاهر ان صحة الاستعمال المجازي تابعة لاستحسان الطبع لالصلاحية اللفظ للدلالة، وان شئت قلت: ان صحة الاستعمال تابعة لصلاحية مجموع اللفظ والقرينة للدلالة على المعنى المجازي.

الجهة الثالثة: السيد الخوئي “قده”: لامعنى لدعوى اعتبار اذن الواضع في الاستعمال المجازي

ذكر السيد الخوئي “قده” انه بناء على المسلك المختار في تفسير حقيقة الوضع وهو مسلك التعهد وأن كل مستعمل واضع حقيقة ولايختص الوضع بشخص دون شخص، فلامعنى لدعوى اعتبار اذن الواضع في الاستعمال المجازي، فالتعهد والالتزام كما هو موجود بالقياس الى تفهيم المعنى الحقيقي حيث يتعهد المتكلم بانه متى ما قصد المعنى الحقيقي يتكلم بهذا اللفظ المخصوص مجردا عن القرينة فكذلك هذا التعهد والالتزام موجود بالقياس الى تفهيم المعنى المجازي فيتعهد بانه متى ما قصد تفهيم معنى مناسب للمعنى الموضوع له يتكلم بذلك اللفظ مصحوبا بالقرينة ليكون المجموع مبرزا له، غايته ان الوضع على المعنى الحقيقي شخصي والوضع على المعنى المجازي نوعي باعتبار ان العلائق والقرائن غير منحصرة بواحدة([4]).

واورد عليه في البحوث بان اللفظ المقرون بالقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي بعد ما كان يدل على ارادة المتكلم للمعنى المجازي حيث ان مقتضى ظهور حاله نوعا وعقلاء انه لايقصد به المعاني التي لايدل عليها اللفظ ولو شأنا، فحينئذ يلغو تعهد المتكلم بانه متى ما قصد تفهيم معنى مناسب للمعنى الموضوع له فيتكلم بهذا اللفظ المقرون بالقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي.

وفيه انه لالغوية عرفا في تعهد كل مستعمل بان لايصدر منه اللفظ الظاهر في معنى –بنفسه كما في المعنى الحقيقي او بقرينة كما في المعنى المجازي- الا في معناه الظاهر فيه، وان لم‌يحتج انعقاد الظهور الاستعمالي الى تحقق هذا التعهد منه، ولو تم اشكاله “قده” من لغوية التعهد فيسري هذا الاشكال في غير الوضع التعييني الصادر من الواضع الاول، فانه يقال حينئذ بعدم الحاجة في انعقاد الظهور الاستعمالي الى تعهد المستعمل بعد انعقاد الدلالة التصورية -وان شئت فعبِّر عنها بالدلالة الأنسية – بين اللفظ والمعنى، بسبب تعهد الواضع الاول او بسبب كثرة الاستعمال، وان كان الصحيح هو خلوّ اذهان العرف وارتكازاتهم عن مثل هذه التعهدات والالتزامات، كما مر بيانه عند الاشكال على مسلك التعهد.



[1] – بحوث في علم الاصول ج1 ص118

[2] -نهاية الاصول ص29، وقاية الاذهان ص 103، محاضرات في اصول الفقه ج1ص93، تهذيب الاصول ج1ص 31

[3] – بحوث في علم الاصول ج1ص120

[4] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص93