فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

رؤوس المطالب:

التقسيم الثالث: الوضع الشخصي والنوعي.. 1

الوضع في المشتقات نوعي او شخصي؟. 2

3- في تشخيص الواضع. 3

المحقق النائيني “قده”: الواضع هو الله تعالی.. 3

ذكر في البحوث اربع مبعِّدات لكون الواضع هو البشر. 4

مناقشات.. 6

تبعية الدلالة للإرادة 7

دلالات ثلاثه للفظ.. 7

الدلالة الوضعية هل هي الدلالة التصورية او انها الدلالة التصديقية الأولى.. 8

تبعية الدلالة للإرادة بناء على كون الوضع هو الاقتران الأكيد. 9

الصحيح ، عدم تبعية الدلالة الوضعية للإرادة 11

الصحيح على مسلك القرن الاكيد استحالة تبعية الدلالة الوضعية للإرادة 16

بناء على مسلك التعهد تكون الدلالة الوضعية ،تصديقية لامحالة. 17

استدلال صاحب الكفاية “قده” على كون اللفظ موضوعا على ذات المعنى دون المعنى المقيد بإرادة تفهيمه. 17

ملاحظات.. 19

ان الصحيح هو عدم تبعية الدلالة الوضعية للارادة وكون الدلالة الوضعية تصورية. 22

 

 

 

التقسيم الثالث: الوضع الشخصي والنوعي

قد يقسم الوضع الى الوضع الشخصي والوضع النوعي بلحاظ ان الواضع قد يتصور لفظا بشخصه فيضعه على المعنى كما لو تصور لفظ الانسان ووضعه على المعنى، وقد يتصور لفظا لابنفسه بل من خلال تصور عنوان مشير اليه، كما هو الحال في وضع الهيئات كوضع هيئة الفاعل على من يقوم به الفعل، فان هذا الوضع لايختص بلفظة الفاعل وانما هذه اللفظة يشار بها الى كل ما كان على هيئة الفاعل، فاذا قال الواضع وضعت ما كان على هيئة الفاعل ليدل على من يقوم به الفعل وعلم به الآخرون فيحصل لهم الاقتران الأكيد بين كل ما كان على هيئة الفاعل وبين هذا المعنى بلاحاجة الى تكرر سماع مصاديقه، فلو سمعوا لاول مرة انه جاء عالم ينتقل ذهنه الى انه قد جاء من يقوم به العلم ويكون متلبسا به، فما ذكره في البحوث من لزوم تكرر سماع المصاديق فيه حتى يحصل في الذهن القرن الأكيد فغير متجه، كما مر نظيره في الوضع العام والموضوع له الخاص.

الوضع في المشتقات نوعي او شخصي؟

هذا، والمعروف ان وضع الهيئات في المشتقات نوعي ووضع المادة في المشتقات شخصي.

وقد استشكل في ذلك بعدم وجود فرق بينهما، لانه ان كان ملاك كون وضع الهيئة نوعيا عدم اختصاصها بمادة من المواد فمواد المشتقات ايضا كذلك، لعدم اختصاصها بهيئة من الهيئات، حيث يوضع مادة سيالة في ضمن هيئات مختلفة كمادة “ض ر ب” فانها وضعت على معنى معين وان طرأت على هذه المادة هيئات مختلفة، وان كان ملاك كون وضع الهيئات شخصيا امتياز كل مادة عن مادة أخرى فهيئات المشتقات ايضا كذلك، لامتياز بعضها عن بعض.

وأجاب عنه المحقق الاصفهاني “قده” بأن المادة امر قابل للحاظ الواضع بنفسه ففي وضع المادة ضرب يتصور الحروف الثلاثة وتوضع لمعنى، وهذا بخلاف الهيئة فانها لايمكن لحاظها الا في ضمن مادة مّا لتقومها بالمادة، حيث انها طور من اطوار المادة، فلابد من تصور الهيئة في ضمن مادة، فيقال مثلا كل ما كان على هيئة الفاعل فهو موضوع لمن يقوم به الفعل([1]).

وما افاده تام عرفا، فانه وان كان لايمكن لحاظ المادة الا في ضمن هيئة، لكن يمكن لحاظ ذات المادة عرفا بخلاف الهيئة، فانها طور من اطوار المادة، ولايمكن قصر النظر عليها من دون لحاظ المادة.

3- في تشخيص الواضع

وقع الخلاف بين الأعلام في تشخيص الواضع،

المحقق النائيني “قده”: الواضع هو الله تعالی

فذكر المحقق النائيني “قده” أنه تعالى هو الواضع الحكيم وأنه جعل لكل معنى لفظا بمناسبة مجهولة عندنا، وهذا الجعل يكون وسطا بين جعل التكوينيات التي لايحتاج ادراكها الى شيء آخر كإدراك العطش وبين جعل الاحكام الشرعية التي يحتاج إدراكها الى إرسال الرسل، فان الله سبحانه ألهم كل طائفة من عباده على اختلافهم بلغة خاصة، ومن المقطوع به بحسب التواريخ أنه لم‌يكن شخص او جماعة قد وضعوا الالفاظ على ما هي عليها من الكثرة في كل لغة، مضافا الى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها من شخص او أشخاص متعددين، ولو كان هناك واضع من البشر للغات لنقل ذلك في التاريخ مع انه لايوجد شيء من ذلك في التاريخ، ومما يؤكد ذلك أنا لو فرضنا جماعة أرادوا إحداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أيّة لغة لما تمكنوا من ذلك فما ظنّك بشخص واحد([2]).

ويورد عليه كما ذكره السيد الخوئي “قده” بان وضع الالفاظ كان تدريجيا قد توسع بتوسعة اغراض البشر، وليس واضع جميع الفاظ اللغة شخصا واحدا او جماعة معينة، بل شارك في وضع اللغة الأجيال وفقا لتوسع حاجاتهم، وليس من صنع انسان معين كي يستبعد ذلك على اساس عدم نقل التاريخ مثله، فلامانع من ان يكون الواضع للّغات هو البشر([3]).

ذكر في البحوث اربع مبعِّدات لكون الواضع هو البشر

هذا، وقد ذكر في البحوث اربع مبعِّدات لكون الواضع هو البشر:

1- انه كيف التفت الانسان البدائي الى امكانية الاستفادة من أصوات معينة وألفاظ في إبراز مقاصده لولا الهام من الله تعالى، فان هذه النكتة وان كانت تبدو الآن واضحة لان كل انسان ينشأ في ضمن لغة ولكن الواضع الأول كيف التفت الى ذلك؟.

2- ان المسالك المعروفة للوضع كمسلك الاعتبار او التعهد تشتمل على نكات دقيقة تتطلب درجة من النضج الفكري، مع ان وصول الانسان الى هذه الدرجة كان متأخرا عن حياته الاجتماعية التي طلبت منه وضع لغة لإبراز مقاصده.

3- انه لو فرض ان الواضع ادرك تلك الدقائق فكيف تيسّر له ان ينقل تلك الافكار المعنوية الى الآخرين مع انها ليست محسوسة يمكن الاشارة اليها.

4- إنه كيف نفسر اتفاق مجموعة من الناس على لغة معينة، فان مجرد الصدفة بان ينقدح في أذهان جميعهم صدفة وضع لفظ الماء بإزاء المعنى المعين ولفظ الهواء بإزاء المعنى الآخر وهكذا… بعيد جدّا بحساب الاحتمالات، وكون ذلك قد حصل عند احدهم ثم تبعه فيه الآخرون غير متناسب مع وضع الانسان البدائي، فان حالة التبعية الجماعية لرئيس او شيخ عشيرة مثلا انما حصلت في تاريخ الانسان متأخرا عن ظاهرة اللغة بكثير.

ثم ذكر انه بناء على المسلك الصحيح من كون الوضع هو الاقتران الأكيد فلاتتجه هذه المبعِّدات، اذ بناء عليه لاتكون عملية الوضع الا عملية طبيعية ساذجة كانت مألوفة لدى الانسان في حياته الطبيعية، فان دلالة الأصوات من قبيل دلالة صوت الزئير على الأسد والنهيق على الحمار والصهيل على الفرس وخرير الماء على الماء وصوت تساقط ورق الأشجار على ذلك ونحوها، فلعلها هي التي ألفتت نظر الإنسان الى ان من الممكن ان يدل الصوت على معنى، فانفتح عليه باب الخيرفي وضع الالفاظ، ومن المعقول افتراض حصول الاتفاق التدريجي بين مجموعة متقاربة من الناس في استعمال لفظ معين على معنى بشكل بدائي ساذج ثم يتطور ذلك عندهم بمرور الزمان.

ولكن مع ذلك نحن لانملك برهانا قاطعا على نفي نظرية كون الواضع هو الله تعالى واختيار ان نشوء ظاهرة اللغة في حياة الانسان كان من صنع نفسه مئة بالمئة، بل من المحتمل ان تكون قد بدأت هذه الظاهرة في حياة الإنسان بتدخّل من الله سبحانه وتعالى بان يكون ألهم آدم وعلَّمه الالفاظ وتدل جملة من الروايات على ان آدم وزوجته (عليهما السلام) كانا يتكلمان قبل هبوطهما الى الارض، ومن المستبعد جدّا ان يحصل ذلك من دون إلهام الهي([4]).

مناقشات

أقول: أما ما ذكره “قده” من المبعدات ففيه: أن المبعِّد الاول لاوجه له أبدا، فان الإنسان بعد ما كان يحس بحاجته الى تفهيم مقاصده للآخرين فيتصدى لذلك بكل امكانياته، فأحس غريزيا بتمكنه من ايجاد أصوات فنشأ من ذلك تكوّن اللغات تدريجا، ومن الممكن ان تكون الأوضاع اللغوية للإنسان البدائي على نهج الوضع التعيني الذي ذكرنا سابقا أنه يشتمل على نتيجة الوضع وهو الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى، ولعل الانسان البدائي استعمل لفظا ساذجا على معنى وفهّمه للمخاطب بواسطة قرينة، ثم تكرر ذلك منه ومن غيره لأنس حصل اليهم الى ان بقي ذلك في أعقابهم، وهذا المقدار من التبعية الناشئة عن أنس ذهني حاصل من الاستعمالات السابقة ليس خلاف وضع الإنسان البدائي، ولعل اول ما صدر منه اسماء الأصوات التي تتناسب مع معانيها.

واما المبعدات الأخرى فيلاحظ عليها ان مااخترناه من نظرية كون الوضع هو جعل اللفظ علامة على المعنى لايشتمل على أية نكتة دقيقة، على ان مسلكه “قده” من كون حقيقة الوضع هو القرن الأكيد لاينافي ان يكون القرن الأكيد ناشئا عن عملية انشائية في الوضع التعييني فيقع الكلام في حقيقة القضية الانشائية في موارد الوضع التعييني الصادر من الانسان البدائي اذمن البعيد انحصار الوضع في الانسان البدائي بالوضع التعيني.

وأما ما استشهد به “قده” على إلهية الوضع من تكلم آدم وحوّاء “عليهما السلام “قبل الهبوط بلغة وكذا ما ورد من أنه تعالى علّم آدم الاسماء والالفاظ لاينافي نشوء سائر اللغات على ما هي عليها من الاختلاف والكثرة في أبناء البشر بصُنع منهم، وكون نشوء جميع اللغات -بما فيها اللغات التي نشاهدها في الجماعات التي تعيش في الغابات والأماكن البعيدة – عن تدخل إلهي مباشر بعيد جدّا.

تبعية الدلالة للإرادة

وقع الكلام في ان الدلالة الوضعية هل تتوقف على إرادة المتكلم لتفهيم المعنى بحيث لو صدر اللفظ من لافظ غير ذي شعور كالنائم لم‌يكن بينه وبين المعنى أية علقة وضعية او ان العلقة الوضعية لاتكون تابعة لهذه الإرادة، فذهب جمع من المحققين- منهم السيد الخوئي قده”- الى الأول ونسب ذلك الى الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي بينما ذهب المشهور الى الثاني، ولنذكر مقدمة لأجل توضيح البحث وهو أنه يوجد للفظ الموضوع على المعنى ثلاث دلالات:

دلالات ثلاثه للفظ

1- الدلالة التصورية، وهي سببية سماع اللفظ للانتقال الى المعنى، وهذه الدلالة لاتتوقف على إرادة تفهيم المعنى، فلو فرض صدور اللفظ عن لافظ بلاشعور كالنائم او من تموّج الهواء لانتقل ذهن السامع الى ذلك المعنى أيضا.

2- الدلالة التصديقية الأولى، وقد يعبر عنها بالدلالة التفهيمية وهي دلالة اللفظ على كون المتكلم بصدد تفهيم معناه، ومن الواضح ان هذه الدلالة مفقودة فيما لو صدر اللفظ من لافظ بلاشعور كالنائم او صدر ممن نصب قرينة متصلة على عدم كونه بصدد تفهيم معنى او على كونه بصدد تفهيم معنى آخر كموارد الاستعمال المجازي مع القرينة المتصلة.

3- الدلالة التصديقية الثانية، وهي دلالة اللفظ على وجود الإرادة الجدّية على طبق الإرادة الاستعمالية وهذه الدلالة ثابتة بحسب ظهور حالي نوعي في ان المتكلم لايتكلم الا على وفق ارادته الجدية، ولاريب في ان بناء العقلاء قد استقر على ان الدلالة التصديقية مطابقة للإرادة الجدية مالم تقم قرينة على الخلاف، كما لو قامت قرينة على كونه في مقام الهزل.

الدلالة الوضعية هل هي الدلالة التصورية او انها الدلالة التصديقية الأولى

وقد وقع الخلاف بين الاعلام في ان الدلالة الوضعية هل هي الدلالة التصورية او انها الدلالة التصديقية الأولى، فالمشهور هو الأول بتقريب ان الانتقال الى المعنى عند تصور اللفظ في موارد صدوره عن لافظ بلاشعور واختيار كالنائم لابد ان يستند الى سبب، وذلك السبب اما الوضع او القرينة، وحيث ان الثاني منتف لفرض حصول المعنى في الذهن بمجرد سماع اللفظ ولو من دون قرينة فيتعين الاول.

وخالف في ذلك جماعة من المحققين فاختاروا كون الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية الأولى، وممن أكّد على هذا القول هو السيد الخوئي “قده”، واستدل عليه بوجهين:

الاول: انه بناء على المسلك الصحيح في تفسير حقيقة الوضع من كونه هو التعهد والالتزام بان لايستعمل هذا اللفظ الا عند إرادة تفهيم المعنى فلايعقل شمول التعهد والالتزام لموارد عدم الاختيار كصدور اللفظ منه حال نومه، وعليه فدلالة اللفظ الصادر منه حال نومه على المعنى لاتكون دلالة وضعية جزما، نعم هي دلالة أنسية من جهة الانس الحاصل بين اللفظ والمعنى من كثرة الاستعمال او من أمر آخر.

الثاني: انه بناء على مسلك القوم في تفسير حقيقة الوضع من انها امر اعتباري فحيث ان الأمر الاعتباري يتبع الغرض الداعي اليه، فلو زاد على مقدار الغرض كان لغوا محضا، وعليه فلما كان الغرض الباعث على الوضع هو قصد تفهيم المعنى باللفظ فلاموجب لاعتبار العلقة الوضعية على الاطلاق حتى في اللفظ الصادر عن لافظ بلاشعور واختيار، حيث ان اعتبارها في مثل هذه الموارد لغو ظاهر، فالدلالة التصورية لاتكون دلالة وضعية على جميع المسالك في حقيقة الوضع([5]).

ويلاحظ على ما ذكره من الوجه الاول انه مبنيّ على تمامية مسلك التعهد وقد مرّ الاشكال فيه سابقا.

ويلاحظ على ما ذكره من الوجه الثاني ان اطلاق الوضع بناء على كونه امرا اعتباريا وان كان خاليا من الأثر بالنسبة الى اللفظ الصادر من لافظ بلاشعور او من تموّج الهواء، ولكن لايكون هذا الاطلاق لغوا عرفا بعد ان كان التقييد بحاجة الى مؤونة عرفية زائدة، ولو قلنا بان التقابل بين الاطلاق والتقييد هو تقابل السلب والإيجاب فبناء على ذلك يكون الاطلاق امرا عدميا ولامؤونة فيه لاعرفا ولاعقلا.

ومما يشهد على ذلك ما نراه في وضع اسمٍ لمولود، فان الواضع لايقيده بموارد صدور هذا اللفظ عن لافظ ملتفت.

تبعية الدلالة للإرادة بناء على كون الوضع هو الاقتران الأكيد

هذا مضافا الى انه على كون الوضع هو الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى، فانه بناء عليه يكون الاقتران الأكيد بين طبيعي اللفظ –ولو صدر من لافظ غير ملتفت – وبين طبيعي المعنى، وقد يكون هذا الاقتران الأكيد ناشئا عن كثرة الاستعمال في مورد الوضع التعيني وليس فيه أيّ اعتبار من قبل أحد حتى يقال بان اطلاقه لمورد صدور اللفظ من لافظ غير ملتفت يكون لغوا.

بل يمكن ان يقال بانه بناء على كون الوضع امرا اعتباريا فمع ذلك حيث يكون الغرض منه هو تحقق القرن الأكيد فيلغو تقييد الوضع بحال ارادة تفهيم معنى، بعد عدم امكان التحفظ على هذا القيد في مرحلة القرن الأكيد الذي هو نتيجة الوضع.

ثم إن غاية ما يقتضيه هذا الدليل الذي استدل به السيد الخوئي “قده” هو تبعية الدلالة الوضعية للالتفات والاختيار، بمعنى ان الواضع قد تعهد بان لايتلفظ بلفظ معين مع الالتفات والاختيار الا عند إرادة تفهيم معناه، ولايقتضي تبعية الدلالة الوضعية لإرادة تفهيم المعنى، حيث ان مقتضى اطلاق تعهده أنه لو صدر منه اللفظ في حال التفاته واختياره فيكون بصدد إرادة تفهيم المعنى، ولايكون على سبيل لقلقة لسان، فانه لايترتب على شمول التعهد له أيّ محذور بعد كونه فعلا اختياريا له، فلاتكون الدلالة الوضعية حينئذ تابعة لإرادة تفهيم المعنى وانما تكون تابعة للالتفات والاختيار؛ نعم يصح ان يقال عندئذ بكون الدلالة الوضعية تصديقية، حيث أن صدور اللفظ في حال الالتفات والاختيار يكشف عن وجود إرادة تفهيم المعنى المعين كما سيأتي توضيحه.

هذا ومن جهة أخرى ان ما نقل عنه من كون تعهد الواضع مشروطا بما اذا كان قاصدا لتفهيم المعنى([6]) لابد ان يحمل على دعوى كون التعهد مشروطا بما لو قصد تفهيم معنى­مّا، لاخصوص قصد تفهيم هذا المعنى الموضوع له، حيث انه غير معقول فان مرجعه الى ان يكون تعهد الواضع بعدم تلفظه بلفظ الماء مثلا الا عند قصد تفهيم معنى الماء، معلقا على ما اذا كان قاصدا تفهيم معنى الماء، وهذا من تعليق الشيء على نفسه، فلابد ان يراد منه تعليق هذا التعهد على ما لو كان قاصدا تفهيم معنى­مّا بان لايكون صدوره منه على سبيل لقلقة لسان.

و مقتضى ذلك هو أنه من خلال الدلالة الوضعية الناشئة عن تعهد المتكلم لايمكن احراز كونه قاصدا لتفهيم معنى­مّا وانه لم‌يصدر منه الكلام على سبيل لقلقة لسان، حيث أن تعهده كان مشروطا بفرض كونه قاصدا لتفهيم معنى­مّا، ومن الواضح ان القضية الشرطية لاتتكفل لبيان وجود شرطها، فيلزم احراز كون المتكلم قاصدا لتفهيم معنى­مّا من طريق آخر وهو الظهور الحالي النوعي له بلحاظ ان الغالب في حال العاقل الملتفت عدم صدور لفظ منه على سبيل لقلقة لسان بل عند إرادة تفهيم معنى، وهذا يعني عدم الحاجة في تحقق الظهور الاستعمالي ولو في الجملة الى مسلك التعهد، ولعل هذا خلاف النكتة التي دعت اصحاب مسلك التعهد الى اختيارهم لهذا المسلك، حيث ان الظاهر انهم يرون أن الظهور الاستعمالي لكلام المتكلم يكون ناشئا من تعهده.

الصحيح ، عدم تبعية الدلالة الوضعية للإرادة

وكيف كان فالصحيح هو المسلك المشهور من عدم تبعية الدلالة الوضعية للإرادة وكون الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية بين اللفظ والمعنى ولو صدر هذا اللفظ من لافظ بلاشعور او من تموّج الهواء.

وهذا بناء على كون الوضع هو الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى واضح جدّا، حيث أنه لايعقل ان تكون الدلالة الوضعية بين لفظ ومعنى تابعة لإرادة تفهيم المعنى بل لايعقل ان تكون تابعة لصدور اللفظ عن التفات واختيار، كما لايعقل ان تكون الدلالة الوضعية دلالة تصديقية بان يكون اللفظ بمقتضى علقته الوضعية مع المعنى كاشفا عن وجود إرادة المتكلم لتفهيم المعنى، وانما تكون الدلالة تصورية لامحالة حيث ان تصور اللفظ يستلزم تصور المعنى بمقتضى الأنس الذهني الحاصل بينهما، فان الدلالة عبارة عن الانتقال من شيء الى شيء آخر وهو فرع الملازمة بينهما، فاذا كانت الملازمة بين وجودين كان الانتقال تصديقيا كالانتقال من وجود النار عند رؤيته الى وجود الحرارة، وان كانت الملازمة بين تصورين كان الانتقال تصوريا كالانتقال من تصور مفهوم الأبوّة الى تصور مفهوم البنوّة لتضايفهما، والاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى انما يوجد التلازم الذهني بينهما فيكون الانتقال تصوريا ولايعقل سوى ذلك، وهو معنى كون الدلالة الوضعية تصورية، وأما الدلالة التصديقية للكلام في ان المتكلم بصدد إرادة تفهيم المعنى فليست دلالة وضعية وانما هي ناشئة عن ظهور حالي نوعي بمتقضى الغلبة، فان الغالب في حال العاقل الملتفت ان لايأتي باللفظ على سبيل لقلقة اللسان، بل يقصد به تفهيم المعنى المرتبط به، وعليه فبناء على مسلك القرن الأكيد لايمكن ان يكون اللفظ دالا وضعا على وجود إرادة المتكلم لتفهيم المعنى.

وقد يتخيل أنه بناء على مسلك القرن الاكيد أيضا يمكن ان تكون الدلالة الوضعية تابعة لإرادة تفهيم معنى­مّا، وذلك بأخذ الإرادة قيدا في اللفظ بان يكون القرن الأكيد بين اللفظ المقرون بإرادة تفهيم معنى­مّا وبين معنى معين، فلو تجرّد اللفظ عن إرادة تفهيم معنى­مّا بان كان صدوره على سبيل لقلقة اللسان لم‌تكن أيّة علقة وضعية بينه وبين ذلك المعنى المعين، كما يمكن ان تكون الدلالة الوضعية بين اللفظ والمعنى دلالة تصديقية بان يكشف اللفظ عن وجود إرادة تفهيم المعنى بان يؤخذ هذه الإرادة قيدا في المعنى الموضوع له بان يوجد القرن الأكيد بين اللفظ وبين إرادة تفهيم المعنى، بحيث يوجب سماع اللفظ التصديق بوجود ارادة اللافظ تفهيم المعنى المعين.

توضيح ذلك: انه بناء على مسلك القرن الأكيد وان لم‌يمكن تقييد العلقة الوضعية بحال دون حال اذا افترض عدم تقييد في اللفظ الموضوع او في المعنى الموضوع له، فان القرن الأكيد علاقة واقعية بين اللفظ والمعنى وليست علاقة اعتبارية حتى تكون قابلة للاطلاق والتقييد، -وان كان عملية الانشاء في الوضع التعييني سببا تمهيديا لتحقق هذه العلقة الوضعية خارجا- فإما ان تكون هذه العلاقة الواقعية موجودة او معدومة، فلفظ الماء مثلا ان اوجب سماعه انتقال ذهن السامع الى المعنى فيكون هذا هو القرن الأكيد ولامعنى لان يختص سببيته للانتقال بحال دون حال، وهذا بخلاف ما لو اخترنا في تفسير حقيقة الوضع مسلك الاعتبار او التعهد، حيث يصح حينئذ تقييد العلقة الوضعية بحال دون حال، بان يكون اعتبار الواضع او تعهده والتزامه مختصا بحالة دون حالة، فهو يتعهد مثلا بانه في النهار فقط كلما جاء باللفظ الفلاني يكون قاصدا لمعناه، فبناء على مسلك القرن الأكيد لايمكن تقييد نفس العلقة الوضعية الا انه يمكن تقييد اللفظ الموضوع بان يحصل القرن الأكيد بين اللفظ المقيد كاللفظ المقيد بالتنوين وبين المعنى او تقييد المعنى الموضوع له بان يوضع اللفظ على معنى مقيد.

وعليه فيقال في المقام بان القرن الأكيد يمكن ان يحصل بين لفظ الماء مثلا مع تقيد هذا اللفظ باقترانه بإرادة تفهيم المعنى وبين معنى الماء فتكون الدلالة الوضعية تابعة للإرادة، بحيث لو تجرد اللفظ عنها صار مهملا، كما يمكن ان يحصل القرن الأكيد بين لفظ الماء وبين معنى الماء مع تقيد هذا المعنى بإرادة تفهيمه، فتكون الدلالة الوضعية تصديقية اي تكشف اللفظ عن إرادة تفهيم المعنى المعين، واذا أريد الجمع بين تبعية الدلالة للإرادة وبين كون الدلالة تصديقية –كما هو الظاهر من تعبير الاصحاب بتبعية الدلالة للإرادة حيث فسروها في كلماتهم بما يكون جامعا بين الأمرين- فيلزم تقييد اللفظ بإرادة تفهيم معنى­مّا وكذا يلزم تقييد المعنى بإرادة تفهيم نفس هذا المعنى المعين، فلو تجرد اللفظ عن إرادة اللافظ تفهيم معنى به بان كان صدوره على سبيل لقلقة لسان كان اللفظ مهملا و لم‌توجد ايّة علقة وضعية بينه وبين المعنى، ولو اقترن بإرادة تفهيم معنى به كان كاشفا عن كون اللافظ بصدد تفهيم هذا المعنى المعين، وأما تقييد اللفظ باقترانه بإرادة تفهيم هذا المعنى المعين وتقييد المعنى أيضا بإرادة تفهيمه، فهو غير معقول لاستلزامه التهافت، حيث أن مقتضى تقييد اللفظ بإرادة تفهيم هذا المعنى المعين هو توقف الدلالة على وجود ارادة تفهيم هذا المعنى المعين، فلابد من احراز وجود هذه الإرادة من طريق آخر كي يحرز فعلية الدلالة الوضعية للّفظ بينما يراد من تقييد المعنى بإرادة تفهيمه هو استكشاف وجود هذه الإرادة من نفس اللفظ، هذا غاية ما يمكن ان يقرب به امكان كون الدلالة الوضعية تابعة للإرادة وكونها دلالة تصديقية حتى بناء على مسلك القرن الأكيد.

ولكن هذا التخيل بمعزل عن الصواب، فان تقييد احد طرفي الاقتران الأكيد وهو اللفظ او المعنى وان كان معقولا بان يكون اللفظ المقرون بالتنوين مثلا موضوعا على معنى، او يقيد المعنى بقيد كأن يوضع لفظ” الرجل” على الانسان المذكّر مثلا، الا ان ما هو المعقول هو تقييد اللفظ او المعنى بقيد تصوري، فلفظ “زيد” حينما يراد قرنه بمعناه قد يقيد بالتنوين مثلا، ولكنه يعني أخذ صورة اللفظ المنوّن وجعلها تقترن بصورة معنى خاص، وكذا لو فرض وضع اللفظ الصادر في الليل مثلا على معنى معين فيستلزم تصور صدور هذا اللفظ في الليل انتقال الذهن الى تصور المعنى.

وأما تقييد اللفظ باقترانه خارجا بوجود إرادة تفهيم معنىً بحيث تكون الدلالة الوضعية تابعة للإرادة بحيث لو تجرد اللفظ عنها لبقي مهملا فهو غير معقول، لان المقصود ان كان هو جعل وجود الإرادة واقعا قيدا في اللفظ الموضوع بحيث يكون هو سببا لانتقال السامع الى صورة المعنى فهذا يعني ان إرادة المتكلم بوجودها الواقعي تكون مؤثرة في تصور السامع للمعنى، وهذا باطل جزما.

وان كان المقصود جعل علم السامع بإرادة المتكلم لتفهيم معنىً قيدا في اللفظ الموضوع بحيث يكون انتقال السامع الى صورة المعنى مسببا عن تصور اللفظ وعن علمه بإرادة المتكلم لتفهيم معنىً ففيه: أنه وان امكن حصول الاقتران المتكرر بين صدور لفظ الماء مثلا عن اللافظ في حال إرادته لتفهيم معنى­مّا، وبين إرادة هذا اللافظ تفهيم معنى الماء دون معنى آخر، وهذا الاقتران المتكرر يوجب حصول حالة في الذهن وهو انه اذا تصور الشخص هذا اللفظ وتصور صدوره في حال إرادة تفهيم معنى فينتقل ذهنه الى تصور معنى الماء، فلاتكون العلقة الوضعية التي هي القرن الأكيد حسب الفرض تابعة لوجود إرادة اللافظ لتفهيم معنى بهذا اللفظ، بل يكون تصور السامع لإرادة المتكلم لتفهيم معنى سببا للانتقال، فيكون انتقال السامع الى صورة المعنى مسببا عن تصور اللفظ وتصوره إرادة المتكلم بتفهيم معنىً، وهذا خروج عن فرض اخذ وجود إرادة المتكلم لتفهيم معنى قيدا في اللفظ.

وأما اخذ الإرادة قيدا في المعنى الموضوع له بان يحصل القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى المقيد بإرادة تفهيمه حتى تصير الدلالة الوضعية بذلك تصديقية، اي كون اللفظ كاشفا عن وجود ارادة تفهيم المعنى ففيه: انه ان اريد اخذ مفهوم إرادة تفهيم المعنى قيدا فمن الواضح انه انما يجعل اللفظ سببا لتصور مفهوم ارادة تفهيم المعنى، ولايكشف عن وجودها، فتبقى الدلالة الوضعية تصورية.

وان اريد اخذ وجود إرادة تفهيم المعنى قيدا في المعنى فهو غير معقول، لانه لايمكن ان يحصل التلازم بين وجود الإرادة خارجا وبين صدور اللفظ فلايمكن ان يتكفل لايجاده فيه الا بتعهد الشخص بان لايصدر منه اللفظ الا عند وجود إرادة تفهيم المعنى، فانه لولا هذا التعهد لم‌يكن أيّ تلازم بين صدور اللفظ وبين ارادة اللافظ لتفهيم المعنى اذ يمكن صدور اللفظ على سبيل لقلقة لسان ونحو ذلك، نعم يمكن ان يكون صدور اللفظ كاشفا ظنيا عن كون اللافظ بصدد تفهيم المعنى بمقتضى ظهوره الحالي النوعي الناشيء من غلبة ان العاقل المتلفت لايأتي باللفظ من دون قصد تفهيم المعنى المرتبط به، ولكنه غير القرن الأكيد المتحقق بين اللفظ والمعنى بحيث يوجب تصور اللفظ الانتقال الى تصور المعنى ولو صدر هذا اللفظ من لافظ بلاشعور او من تموج الهواء.

والمتحصل انه لايمكن حصول التلازم بين صدور اللفظ من العاقل الملتفت وبين وجود ارادة تفهيمه للمعنى الا بالالتزام بمسلك التعهد، وكلامنا الآن يبتني على مسلك القرن الأكيد.

الصحيح على مسلك القرن الاكيد استحالة تبعية الدلالة الوضعية للإرادة

فالصحيح على مسلك القرن الاكيد استحالة تبعية الدلالة الوضعية للإرادة وكذا استحالة كونها دلالة تصديقية اي كاشفة عن وجود ارادة تفهيم المعنى.

بناء على مسلك التعهد تكون الدلالة الوضعية ،تصديقية لامحالة

نعم بناء على مسلك التعهد تكون الدلالة الوضعية تابعة لفرض صدور اللفظ في حال الالتفات والاختيار بمقتضى عدم شمول التعهد لغير هذا الفرض، كما انه تكون الدلالة الوضعية تصديقية لامحالة، فانه حيث يلتزم الواضع بان لايصدر منه اللفظ الفلاني الا عند وجود إرادة تفهيم المعنى المعين، فالعلم بصدور اللفظ منه يوجب العلم بوجود ارادته لتفهيم ذلك المعنى المعين بمقتضى تعهده، وهكذا بالنسبة الى ايّ متكلم آخر بعد كونه متعهدا ايضا بمقتضى كونه من اهل اللغة، هذا ولكن قد مرّ عدم تمامية مسلك التعهد في تفسير حقيقة الوضع.

هذا وأما بناء على كون الوضع هو الاعتبار الخاص بين اللفظ والمعنى فالظاهر هو أن الواضع ينشيء اعتبارا خاصا بين طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى من غير تقييده بفرض صدور اللفظ بحال الالتفات والاختيار فضلا عن تقييده بحال صدوره بقصد ارادة تفهيم معنى­مّا، فليست الدلالة الوضعية بناء عليه تابعة للإرادة كما انه لاتكون الدلالة الوضعية تصديقية، حيث ان الكاشف عن ارادة تفهيم المتكلم المعنى باللفظ لايكون الا الظهور الحالي النوعي للمتكلم دون مجرد العلقة الاعتبارية بين اللفظ والمعنى، فان هذه العلقة الاعتبارية تكون موجبة لتحقق ملازمة ذهنية تصورية بين اللفظ والمعنى فقط.

استدلال صاحب الكفاية “قده” على كون اللفظ موضوعا على ذات المعنى دون المعنى المقيد بإرادة تفهيمه

ثم انه استدل صاحب الكفاية “قده” على كون اللفظ موضوعا على ذات المعنى دون المعنى المقيد بإرادة تفهيمه بثلاثة وجوه:

1-انه لابد حين استعمال اللفظ من ارادة تفهيم المعنى فلو كان المعنى في ذاته مقيدا بنفس ارادة التفهيم لزم كون العارض على المعنى داخلا في نفس المعنى وهو خلف او دور.

2- انه يلزم المجاز في قولنا “زيد قائم”، اذ لايعقل حمل القيام المقيد بامر ذهني وهو ارادة تفهيمه على الخارج، لان المقيد بأمر ذهني يكون ذهنيا لامحالة فلايمكن حمله على الخارج، فيلزم استعمال القيام في هذا الكلام في ذات المعنى من دون لحاظ قيده فيكون مجازا.

3- ان المعنى لو فرض تقييده بمفهوم ارادة تفهيم المعنى فلايجدي لإثبات كون الدلالة الوضعية تصديقية، اي كاشفة عن وجود ارادة التفهيم، وان فرض تقييد المعنى بوجود ارادة تفهيمه فهذا يوجب كون الوضع عاما والموضوع له خاصّا.

ثم ذكر “قده” أن مثل الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي القائلين بتبعية الدلالة للإرادة لايقصدون كون الموضوع له هو المعنى بما هو مراد، وانما يقصدون ان الدلالة التصديقية -اي دلالة الالفاظ على كون معانيها مرادة لمن صدر منه تلك الالفاظ- تابعة لإرادة تلك المعاني من تلك الالفاظ تبعية المقام الإثبات لمقام الثبوت، فانه لولا مقام الثبوت لما وصلت النوبة الى مقام الإثبات، فلابد من احراز كون المتكلم بصدد تفهيم المعنى حتى يثبت كونه مريدا لما هو ظاهر كلامه، والا لم‌يتم لكلامه الا الدلالة التصورية اي كان سماع كلامه موجبا لانتقال السامع الى معناه فحسب([7]).

ملاحظات

اقول: يلاحظ على ما افاده اولا: ان القول بكون الوضع هو الدلالة التصديقية لايعني كون ارادة تفهيم المعنى داخلة في المعنى الموضوع له، بل يعني ذلك انها داخلة في حقيقة الوضع، كما ذكره السيد الخوئي “قده”، حيث ذكر ان الواضع يتعهد ان لايتلفظ باللفظ الفلاني الا عند استعماله في هذا المعنى المعين، فيكون الموضوع له والمستعمل فيه هو ذات المعنى دون ارادة تفهيمه.

وثانيا: ان ما ذكره في الإيراد الأول فيمكن ان يجاب عنه بان قيد المعنى هو ارادة تفهيم الجزء الاول من المعنى اي ذات مفهوم الماء مثلا، وحينئذ فيكون الجزء الثاني للمعنى وهو ارادة تفهيمه حاصلا قهرا.

وثالثا: ان ما ذكره من الايراد الثاني يبتني على ان قيد المعنى هو كونه مرادا بالذات للتفهيم، واما لو اريد منه كونه مرادا بالعرض للتفهيم فلايمنع من الحمل لان القيام الخارجي يكون مرادا بالعرض للتفهيم وهو الذي يحمل على زيد.

ورابعا: ان ما ذكره في الايراد الثالث وان كان متجها، ولكن الالتزام به غير ضائر.

وخامسا: ان ما ذكره من ان مقام الاثبات تابع لمقام الثبوت ليس له معنى محصل، لان مقام الاثبات ليس تابعا لمقام الثبوت بل هو كاشف عن مقام الثبوت، وعليه فصدور اللفظ ظاهر في ان المتكلم قاصد لتفهيم هذا المعنى ولو لم‌يكن قاصدا له واقعا، نعم يكون الخلاف في ان هذا الظهور ظهور وضعي كما هو مقتضى مسلك كون الدلالة الوضعية تصديقية او انه ظهور حالي عقلائي كما هو المختار.

کلام المحقق العراقي “قده”

هذا وقد حاول المحقق العراقي “قده” ان يجيب عن الإيراد الاول لصاحب الكفاية بانه وان كان وضع اللفظ بإزاء المعنى المقيد بكونه مرادا بالتفهيم محالا لاستلزامه الدور او الخلف، لكنه لامانع ثبوتا من وضع اللفظ للمعنى المقرون بارادة تفهيمه بنحو الحصة التوأمة، وذكر انه لو كان الغرض من الوضع خصوص تفهيم المعنى دون مطلق خطور المعنى عند سماع اللفظ فحيث ان التفهيم يلازم إرادة المعنى حين القاء اللفظ فلاجرم يقتضي ضيق الغرض من الوضع التضييق في دائرة الوضع وبتبعه يتضيق موضوع الوضع قهرا ويمتنع اطلاقه لغير فرض ارادة المعنى، الا انه اجاب عنه بمنع كون الغرض من الوضع هو تفهيم المعنى، بل الغرض سببية سماع اللفظ لتصور المعنى مطلقا([8]).

ويلاحظ عليه اولا: انه لو استحال وضع اللفظ على المعنى المقيد بكونه مرادا بالتفهيم كما هو المفروض في كلامه فلايمكن رفع غائلة استحالة التقييد بالتوصل الى اخذ الحصة التوأمة موضوعا للوضع، اذ لاتتحقق حصة توأمة في المفهوم الكلي الا بلحاظه مقيدا، وهذا ما أجيب به عما ذكره “قده” في بحث اخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم من أنه وان كان أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم مستحيلا لكنه يمكن اخذ الحصة التوأمة اي ذات المكلف العالم بالحكم موضوعا للحكم فان ذات المقيد تكون متضيقة قهرا في طول تقيدها بالقيد وان لم‌يلحظ قيدها، ولايكون لها اطلاق للذات الفاقدة للقيد، نظير ما يقال من ان الصادر من النار مثلا ليس هو الحرارة مع قيد صدورها عن هذه النار ولكنها ذات متضيقة لااطلاق لها للحرارة غير الصادرة من هذه النار، وعليه فيمكن الإشارة الى الذات المتضيقة للمكلف العالم بالحكم وأخذها في موضوع الحكم، فانه أورد عليه في محله بانه لايمكن لحاظ الذات المتضيقة في المفاهيم الكلية الا بلحاظها مقيدة، والا فلو اقتصر على لحاظ ذاتها لما تضيقت أبداً، نعم يمكن بالنسبة الى الموجودات الخارجية ان يشار الى ذاتها المتميزة والمتعينة واقعا من دون لحاظ تقيدها، ولكنه لايمكن ذلك في المفاهيم الكلية.

وثانيا: انه لو فرض وضع اللفظ بإزاء الحصة التوأمة للمعنى المراد تفهيمه فلاينطبق ذلك على المعنى الذي يتصوره المستعمل الا بعد تعلق ارادته بتفهيمه، وحيث فرض انه يلزم تعلق ارادة التفهيم بالمعنى فلابد من تعلقها بالحصة التوأمة التي فرض توقفها على نفس ارادة التفهيم المعنى الموضوع له، وحينئذ يكون تعلق ارادة التفهيم به من تعلق الارادة بعد فرض تعلق الارادة فيعود الاشكال.

نعم لوتمّ ما ذكره من أنه لو كان الغرض من وضع اللفظ لمعنى هو تفهيمه به فيوجب ذلك التضييق في دائرة الوضع فلااشكال حينئذ في انه بتبع تضيق الوضع وتقيده يتضيق المعنى الموضوع له، نظير ما يقال من ان تقييد الهيئة يوجب تضيق المادة قهرا، كما لو قال المولى ان استطعت فحجّ، فان تقييد وجوب الحج بفرض الاستطاعة يوجب عدم انطباق الحج الذي تعلق به الوجوب على الحج الصادر من غير المستطيع، فكذلك لو قيد الواضع وضعه اللفظ على معنى بفرض كون المتكلم في مقام ارادة تفهيم معنى مّا، فيوجب ذلك عدم انطباق المعنى الموضوع له على فرض ما لو كان المتكلم بهذا اللفظ غير قاصد تفهيم معنى به.

ولكن المهم عدم تمامية ما ذكره من ان ضيق الغرض من الوضع يوجب التضييق في دائرة الوضع قهرا، فانه ان كان مقصوده لغوية اطلاق الوضع لغير فرض إرادة تفهيم المعنى لاختصاص الداعي الى الوضع بفرض ارادة تفهيم المعنى ففيه انه لالغوية عرفا في اطلاق الوضع لفرض عدم ارادة تفهيم المعنى بعد ان كان في التقييد مؤونة زائدة عرفية، على انه لايجري هذا الاشكال بناء على مسلك القرن الأكيد الذي يرى الوضع اقترانا واقعيا بين اللفظ والمعنى.

ان الصحيح هو عدم تبعية الدلالة الوضعية للارادة وكون الدلالة الوضعية تصورية

وكيف كان فقد تحصل ان الصحيح هو عدم تبعية الدلالة الوضعية للارادة وكون الدلالة الوضعية تصورية.



[1]– نهاية الدراية ج1ص77

[2]– اجودالتقريرات ج1 ص11

[3]– محاضرات في اصول الفقه ج1ص34

[4] – بحوث في علم الاصول ج1ص85، مباحث الاصول ج1ص106

[5] – محاضرات في اصول الفقه ج1ص104

[6]– محاضرات في اصول الفقه ج1 ص 104

[7] – كفاية الاصول ص 16

[8] – نهاية الافكار ج1ص64