فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

 

نکات حول التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشبهات الحكمية و الموضوعية. 2

النكتة الاولى: ادعاء كون الاستصحاب في الشبهات الحكمية من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي.. 2

مناقشه. 2

النكتة الثانية: استثناء السید الخویی من عدم جريان الاستصحاب الوجودي في الشبهات الحكمية استصحاب الحلية والطهارة 2

مناقشه. 3

النكتة الثالثة: جريان المعارضة بين استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد في مورد استصحاب الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعية 3

مناقشه. 3

النكتة الرابعة: استصحاب الحالة السابقة في موارد الشك في صحة عقد او ايقاع بنحو الشبهة الحكمية. 7

اجوبة لجریان الاستصحاب في العقود او الايقاعات بنحو الشبهة الحكمية. 7

النكتة الخامسة: جریان الاستصحاب فی فرض اخذ الزمان قيدا لمتعلق الوجوب، لا ظرفا للوجوب فقط.. 8

مناقشه. 9

لاالزام فی تابعیة لحاظ الزمان من حيث الظرفية و القيدية حين الاستصحاب و حین جعل الشارع. 9

استصحاب بقاء كلي الوجوب بعد خروج الوقت10

النكتة السادسة: دعوی اختصاص جريان استصحاب بقاء المجعول بما اذا كان الحكم واحدا مستمرا 11

مناقشه. 11

القول الثاني: تفصيل الشيخ الاعظم “قده” بين الشك في المقتضي والشك في الرافع. 12

المراد من الشك في المقتضي.. 12

کلام محقق النائینی.. 13

مناقشه: اقسام الشك في الحكم الشرعي.. 13

 

موضوع: اقوال /استصحاب /اصول

خلاصه مباحث گذشته:

الى هنا تم الكلام حول التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشبهات الحكمية و الموضوعية، و قد تبين أن الظاهر القول بمعارضة استصحاب عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول في الشبهات الحكمية، خلافا للمشهور القائلين بجريان استصحاب بقاء المجعول بلا معارض.

 

 

ثم انه بقيت نكات ينبغي التعرض اليها:

نکات حول التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشبهات الحكمية و الموضوعية

النكتة الاولى: ادعاء كون الاستصحاب في الشبهات الحكمية من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي

النكتة الاولى: حكي عن بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه ادعى كون الاستصحاب في الشبهات الحكمية من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي، حيث يدور امر الحكم كنجاسة الماء المتغير بين الفرد القصير الذي يزول بزوال التغير او الفرد الطويل الذي يبقى بعد زوال التغير، و لكن حيث ان الاثر مترتب على الجامع بينهما فلا مانع من استصحاب الجامع،

مناقشه

و لكن سبق منّا ان الحكم الشرعي اذا لوحظ كوصف للموضوع الخارجي و يحدث بحدوثه و يبقى ببقاءه كما هو مقتضى استصحابه فطوله و قصره لا يوجبان تعدد الفرد المجعول عرفا، و انما يوجبان الاختلاف في حالات الفرد المجعول، و الا لأشكل الامر في استصحاب الحكم التكليفي حيث ان وجوب الطاعة عقلا من آثار كل فرد من افراد الحكم التكليفي بنحو الانحلال، لا صرف وجود طبيعي الحكم، فيكون استصحابه من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي وقع فيه الخلاف كما سيأتي الكلام فيه في التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب.

النكتة الثانية: استثناء السید الخویی من عدم جريان الاستصحاب الوجودي في الشبهات الحكمية استصحاب الحلية والطهارة

النكتة الثانية: قد مر أن السيد الخوئي “قده” استثنى من عدم جريان الاستصحاب الوجودي في الشبهات الحكمية استصحاب الحلية والطهارة بدعوى أن الاصل الاولي في كل الاشياء هو جعل الحلية والطهارة فيهما فلا مجال فيه لجريان استصحاب عدم الجعل،

مناقشه

وقد مر النقاش فيه، بناء على كونهما حكمين وجوديين، و من الغريب ما يظهر منه تعميم الحكم الى الطهارة من الحدث، لما ذكر من مثال الشك في بقاء الطهارة من الحدث بعد خروج المذي، فذكر أنه لا يعارض استصحاب بقاء الطهارة استصحاب عدم جعل الطهارة لما بعد المذي، لأن النقض هو المحتاج الى الجعل، و أما الطهارة المجعولة فهي باقية ما لم يصدر منا ما جعله الشارع ناقضا لها، نعم ذكر بعد ذلك و بعبارة أخرى انما الشك في ان الصلاة مشروطة بالطهارة الثانية اي الحاصلة بعد خروج المذي او مشروطة بالاعم منها و من الطهارة الاولى اي الحاصلة قبل المذي و الاصل عدم اشتراط بخصوص الطهارة الثانية، نعم لو شك في بقاء النجاسة بنحو الشبهة الحكمية فيتعارض استصحاب بقاء النجاسة مع استصحاب عدم الجعل الزائد.

النكتة الثالثة: جريان المعارضة بين استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد في مورد استصحاب الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعية

النكتة الثالثة: حكي عن السيد الخوئي “قده” أنه ادعى جريان المعارضة بين استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد في مورد استصحاب الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعية([1])، و قد أكد عليه شيخنا الاستاذ “قده”، و من الواضح أن مرادهما من الجعل عملية الجعل، حيث يقال بأن بقاء الحكم و لو كان جزئيا بحاجة الى الجعل كحدوثه، و الا فالجعل بمعنى الحكم الانشائي معلوم بحدّه، و لكن حكي في مصباح الاصول عنه وجه آخر للمنع عن جريانه و هو ابتلاءه بالشك في بقاء الموضوع دائما([2]).

مناقشه

و يورد عليه بكون ما ذكره منافيا لصحيحتي زرارة الاولى و الثانية، حيث استصحب الامام في الاولى بقاء وضوءه اي طهارته، و لم يجر الاصل في الموضوع التكويني و هو عدم نومه، كما أنه في الصحيحة الثانية استصحب طهارة ثوبه من الخبث دون عدم اصابة النجس له، و قد أجاب عنه السيد الخوئي بأنه لابد من حمل الرواية على محمل آخر كالبيان المسامحي العرفي و الا فحتى لو جرى الاستصحاب في الحكم الجزئي فلا تصل النوبة اليه مع جريان الاصل السببي الموضوعي بلا معارض،

و من الواضح ان ما ذكره مصادرة محضة لامكان المنع ايضا من منع الاصل السببي الموافق عن جريان الاصل المسببي، لعدم دليل عليه كما سياتي في محله و يمكن جعل الرواية دليلا على جريانه، فكفى بالصحيحتين دليلا على جريان الاستصحاب في الحكم الجزئي و لو مع ابتلاء الاصل الموضوعي بمشكلة كالتعارض و نحوه، مثل ما لو شك في كون فسخ احد المتبايعين قبل افتراقهما عن مجلس البيع او بعده فتعارض استصحاب عدم الفسخ الى زمان التفرق مع استصحاب عدم التفرق الى زمان الفسخ فوصلت النوبة الى استصحاب ملكية كل منهما لما انتقل اليه.

و مع غمض العين عن صحيحتي زرارة نقول، انه لا يتم اي من الاشكالين المنقولين عن السيد الخوئي للمنع عن جريان استصحاب بقاء الحكم الجزئي:

أما الاشكال المذكور في مصباح الاصول فلأن المعتبر في جريان الاستصحاب كما سيأتي في محله بقاء الموضوع اي المعروض للحكم بالنظر العرفي، و ان شئت قلت أن المعتبر وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة بالنظر العرفي، و هذا متحقق في موارد اختلاف الحالات، و لا يعتبر فيه بقاء الموضوع في لسان الدليل، و لذا لا قصور للمقتضي لجريان استصحاب بقاء الحكم في الشبهات الحكمية مع أن تبدل حالات الموضوع فيها معلوم و انما يتمحض الشك في سعة الحكم لما بعده، بخلاف استصحاب بقاء الحكم في الشبهات الموضوعية فان اصل تبدل الحالات فيها قد يكون مشكوكا، نعم يتم هذا الاشكال بناء على انكار الحكم الجزئي وراء كبرى الجعل و تحقق موضوعه، لكن مضافا الى مخالفته للوجدان -كما صرح به في البحوث([3])– لازمه شمول الاشكال لاستصحاب عدم الحكم الجزئي ايضا.

أما الاشكال المذكور في مصباح الفقاهة و الذي تبناه شيخنا الاستاذ “قده” من جريان نكتة معارضة استصحاب عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول في استصحاب الحكم الجزئي فيقال في تقريبه أنه بعد ما مر من أن استصحاب عدم عملية الجعل لنفي المجعول ليس من الاصل المثبت، فبقاء الحكم الجزئي ايضا كأصل حدوثه لما كان مستندا الى جعل الشارع، و الا فمن دونه جعله لم يكن يوجد منه اثر، لا حدوثا و لا بقاء، فالشك في بقاءه مساوق للشك في جعله فيستصحب عدم جعله، و يتعارض مع استصحاب بقاء الحكم.

و من هنا تبين الجواب عما اشکل علیه السید الصدر “ره” من أن الشك فيها ليس في الجعل و حدوده، لنجري استصحاب عدم الجعل الزائد، و انما الشك في تحقق مصداقه خارجا و عدمه، كما إذا شك في بقاء تغير الماء أو زواله، و من الواضح ان الجعل لا يتسع و لا يتضيق بسعة مصاديقه و قلتها في الخارج، فجعل النجاسة للماء المتغير مادام متغيرا لا يزداد و لا ينقص بزوال تغير الماء و عدمه فلا شك في جعل زائد لكي يستصحب عدمه.

و دعوى (امكان إجراء الاستصحاب بعنوان إجمالي مشير إلى القضية المجعولة بأن يقال لا ندري هل جعل المولى الحكم على طبيعة يشمل هذا الفرد المشكوك خارجا أم لا و لو من باب الشك في شمول الجعل له موضوعا فنستصحب عدمه) غير متجهة، فانه وان امكن ان يقال بأنا نشك في جعل الحكم على طبيعة شاملة لهذا الفرد، لكن استصحاب عدم جعل الحكم عليها من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد، حيث انه ان كانت طبيعة هذا الفرد طبيعة الخمر مثلا فقد جعلت له الحرمة قطعا و ان كانت طبيعة الخل فلم تجعل له الحرمة قطعا([4]).

و كيف كان فيرد عليه أن مراد السيد الخوئي من الجعل في استصحاب عدم الجعل الزائد في الحكم الجزئي ليس هو الحكم الانشائي حتى يقال بأنه مما لا يتوسع بكثرة افراده، كما لا يتضيق بقلتها، و انما هو عملية الجعل المتعلق عرفا بالمجعول بالعرض، و قد ذكر في بحث اجراء استصحاب عدم الجعل بالنسبة الى ما يشك في كونه من افراد الحرام مثلا كما لو شك في خمرية مايع، أنه بعد كون الحكم المجعول متكثرا ومنحلا بعدد افراد الطبيعة، فيتكثر الجعل لا محالة، فيكون الشكّ في خمريته مستلزما للشك في جعل الحرمة له([5])، واورد عليه في البحوث بأنه مبني على قبول الانحلال في الجعل، مع أنه لا انحلال فيه، وانما الانحلال في المجعول بالعرض أي الحكم الفعلي الذي يكون وجوده بعد وجود الموضوع خارجا.

المراد من الجعل عملية الجعل

ولكن ذكرنا في محله أن الظاهر تمامية ما ذكره السيد الخوئي “قده”، فان المراد من الجعل عملية الجعل، فيقال بأن حرمة هذا المايع المشكوك على تقدير كونه خمرا ليست مما توجد بلا ايجاد، فلا محالة جعل الشارع لها هو الموجد لها، فيستصحب عدم جعله، وقد مر أن نفي المجعول باستصحاب عدم عملية جعله ليس من الاصل المثبت، و ليس معنى الانحلال في الجعل تكثر عملية الجعل التي هي عملية تكوينية، وانما هو كون الجعل على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص، فالمقام نظير ما لو قال الزعيم في يوم الغدير “وضعت اسم عليّ على المولود في هذا اليوم في هذا البلد، وشككنا في أن ابن زيد كان مولودا في ذلك اليوم أم لا، فنستصحب عدم وضع اسم عليّ له، وقد ذكرنا في محله أن الفارق بين النهي عن صرف الوجود والنهي عن مطلق الوجود لا يكون جزافا وبدون منشأ في كيفية الجعل، فقد ينهى المولى عبده عن التكلم ويكون ملاكه هو كون تكلمه موجبا لمعرفة العدوّ مكانه بحيث لو تكلم مرة فسكت بعد ذلك لم‌ ينفع شيئا، وقد ينهى عنه ويكون ملاكه كون التكلم مضرّا بصحته بحيث يكون تركه بعد التكلم الاول مطلوبا ايضا، فانه لو لم‌ يوجد فرق بينهما في جعل المولى ولحاظه، فكيف تتحقق انحلالية المجعول بالعرض في الثاني دون الاول، من دون اختلاف في نحوي الجعل، وإرجاع الفرق بينهما في أن متعلق النهي في الاول هو اول وجود التكلم وفي الثاني هو وجود التكلم خلاف الوجدان العرفي.

نعم لو أريد من الجعل العملية التكوينية في الجعل فلا اشكال في كونها عملية واحدة، وانما المدعى انحلال ما تعلق به عملية الجعل حتى في لحاظ الجاعل، كما ان العملية التكوينية في الوضع العام والموضوع له الخاص واحدة، وانما الانحلال في متعلقها، ففي مثال وضع اسم علي للمولود في هذا اليوم يكون كل فرد بحياله هو الموضوع له لهذا الاسم بخلاف الوضع العام والموضوع له العام كلفظ النار، فان كل فرد من النار يكون مصداقا للمعنى الكلي الموضوع له لهذا اللفظ.

هذا مضافا الى أن انحلال المجعول بالعرض مما لا ريب فيه، وحيث ان عملية الجعل تتعلق به عرفا، فالمجعول الجزئي لا محالة يكون موجودا بجعله، فيستصحب عدم جعله.

نعم يمكن أن يجاب عن اشكال السيد الخوئي بأن الفرد الذي شمله الجعل كما لو لاقى الثوب دما فتنجس بنجاسة مغياة بعدم غسله بالماء، فالمبادرة الى غسله و عدم المبادرة اليه لا تغير عرفا في كيفية تعلق عملية الجعل بها، بل جعل له نجاسة مغياة بعدم غسله بالماء و انما يتمحض الشك في حصول الغاية، فلا يكون بقاء نجاسته بعدم غسله ناشئا عرفا عن جعل زائد، فيبقى استصحاب الحكم الجزئي بلا معارض.

دخول الاستصحاب الموضوعي في المعارضة

هذا و قد ذكر في البحوث أنه لو فرض جريان استصحاب عدم الجعل الزائد و معارضته مع استصحاب الحكم في الشبهة الموضوعية أدى ذلك إلى دخول الاستصحاب الموضوعي أيضا في المعارضة، و الوجه في ذلك أن الاستصحاب الموضوعي لا يكون حاكما على استصحاب عدم الجعل الزائد، و انما يكون حاكما -على القول بحكومة الأصل السببي على المسببي- على استصحاب المجعول، لأن ترتب عدم الجعل الزائد على الاستصحاب الموضوعي ليس شرعيا كما هو واضح، و هذا يعني ان شبهة المعارضة تؤدي إلى إنكار الاستصحاب رأسا([6]).

مناقشه

اقول: لنفرض المورد الذي يجري فيه الاستصحاب الموضوعي ما يتعلق به عملية الجعل عرفا كما في حرمة شرب الماء الملاقي للنجس، فانه اتضح مما ذكرنا أنه لو وصلت النوبة الى الاصل الحكمي فلا مانع من اجراء استصحاب عدم جعل النجاسة له، و لكن لو جرى الاصل الموضوعي كاستصحاب نجاسة الملاقى بالفتح، فيكون حاكما على استصحاب عدم جعل حرمة الشرب للماء الملاقي له، و ذلك لأن شمول عملية الجعل لكل فرد تابع لانطباق عنوان الطبيعة المجعول له الحكم عليه، فحيث يكون انطباقه عليه واقعا ناسخا لعدم شمول عملية الجعل له، فالعرف يرى أن الاصل الجاري في تلك الحالة الناسخة حاكما على الاصل الجاري في الحالة المنسوخة، بعد صلاحية ذلك الاصل لتنقيح حال هذه الحالة المنسوخة من دون أن يكون اصلا مثبتا.

النكتة الرابعة: استصحاب الحالة السابقة في موارد الشك في صحة عقد او ايقاع بنحو الشبهة الحكمية

النكتة الرابعة: انه بعد المنع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية إما لقصور المقتضي او للابتلاء بالمانع فيشكل استصحاب الحالة السابقة في موارد الشك في صحة عقد او ايقاع بنحو الشبهة الحكمية، فان كون الاصل العملي في المعاملات هو الفساد عبارة أخرى عن استصحاب عدم ترتب الاثر و بقاء الاثر السابق، فلو شككنا في مبطلية التعليق في البيع و لم يتم دليل لفظي او لبي على صحته او فساده، فكيف نستصحب بقاء ملكية البايع للمبيع و المشتري للثمن، و كيف نحكم بصحة البيع المنجز بعده لذلك المال من شخص آخر، و كذا لو شككنا في صحة طلاقٍ بنحو الشبهة الحكمية فكيف نستصحب بقاء الزوجية، و الامر في دعوى قصور المقتضي اشدّ، حيث يمنع من جريان استصحاب عدم الزوجية فيما اذا شك في صحة زواج بنحو الشبهة الحكمية، فيشكل الحكم بجواز زواج المرأة بعد ذلك مع رجل آخر، او شك في انعقاد الاحرام بنحو الشبهة الحكمية فيشكل الحكم بصحة الزواج لكونه شبهة مصداقية للزواج في حال الاحرام و هكذا.

اجوبة لجریان الاستصحاب في العقود او الايقاعات بنحو الشبهة الحكمية

و قد يجاب عن ذلك بعدة أجوبة:

الجواب الاول:

أن يقال بأن السبب السابق لملكية البايع للمبيع كالارث مثلا كان سببا للحكم بملكية مستمرة للوارث و كذا عقد الزواج كان سببا لزوجية مستمرة و يقتضي اطلاق دليلهما بقاء اثرهما حتى بعد طرو السبب المشكوك للنقل او الطلاق، كالبيع المشتمل على التعليق او الطلاق غير العربي.

و فيه أنه ليس دليل ارث الولد لمال ابيه مثلا ناظرا الى نفي سببية السبب الناقل بعده بحيث يكون ذلك الدليل مقيدا له حتى يؤخذ باطلاقه في موارد الشك، و انما هو ناظر الى حيث سببية الارث للملكية و هكذا في الزواج، بالنسبة الى الطلاق اللاحق.

الجواب الثاني:

أن يقال بكون مفاد دليل سببية الارث للملكية وسببية الزواج للزوجية جعل الملكية او الزوجية ما لم تزل بمزيل، فنستصحب عدم المزيل و هذا اصل موضوعي، و لا يكون مبتلىً باشكال المعارضة بين استصحاب عدم الجعل الزائد و بقاء المجعول، نعم لا يأتي هذا الوجه بناء على دعوى قصور المقتضي في دليل الاستصحاب لشمول الشبهات الحكمية، و قد يذكر هذا البيان في استصحاب النجاسة ايضا، بل في جميع موارد الشك في الرافع و لاجل ذلك اشكل الشيخ الاعظم على الفاضل النراقي “قدهما” بأن اشكال المعارضة لا يأتي في موارد الشك في الرافع للعلم بجعل الشارع للحكم ما لم يرفعه رافع.

وفيه أن الغاية لو كانت عنوان طرو الرافع و المزيل امكن استصحاب عدمه، لكن لم يثبت ذلك، بل الظاهر عرفا خلافه، و الغاية واقع المزيل، فنحتمل كون المجعول الزوجية ما لم يقع طبيعي الطلاق ولو كان غير عربي، فبعد تحقق الطلاق غير العربي نحتمل تحقق واقع المزيل للزوجية و كذا نحتمل كون المجعول نجاسة الثوب الملاقي للبول ما لم يغسل مرة، فبعد غسل الثوب المتنجس بالبول مرة واحدة، نحتمل واقع المزيل للنجاسة، و هكذا.

الجواب الثالث:

ما هو الظاهر من وجود أصل عقلائي في البناء على بقاء الحالة السابقة في الاموال و الحقوق مع الشك في بقاءها.

و قد ادعى ذلك بعض الاجلاء “دام ظله” كتعويض عن الاستصحاب الذي انكر جريانه في الشبهات الحكمية لقصور المقتضي.

كما رأيت في كلمات بعض الاعلام “قده” نظير ذلك، حيث قال: نصب المتولي أمر اعتباريّ يدوم عند العرف بنفسه من دون الاحتياج في البقاء إلى مؤثّر آخر، فبقاءه ليس من جهة الاستصحاب، بل من جهة بناء العقلاء على البقاء، كما في سائر الامور الاعتباريّة([7]).

النكتة الخامسة: جریان الاستصحاب فی فرض اخذ الزمان قيدا لمتعلق الوجوب، لا ظرفا للوجوب فقط

النكتة الخامسة: انه قد يؤخذ الزمان قيدا لمتعلق الوجوب، لا ظرفا للوجوب فقط، فيقول المولى “الوقوف بعرفات الى الغروب واجب” فلو شك في أن الغروب هل هو استتار القرص او زوال الحمرة المشرقية فشككنا في وجوب الجلوس ما بين استتار القرص الى زوال الحمرة المشرقية، فقد ذكر في البحوث أن العرف يرى الحكم تابعاً لمتعلّقه و عارضا عليه، و حيث يكون للمتعلق و هو الوقوف حدوث و بقاء، اي يكون الوقوف بعد استتار القرص بقاءا للوقوف قبله، فيكتسب الحكم بالحمل الاولي منه الحدوث و البقاء تبعا فيقال ان الوقوف كان واجبا قبل استتار القرص فنستصحب بقاء وجوبه الى ما بعد استتار القرص، و لا يتم عرفا دعوى أنه حيث لوحظ الزمان قيدا في المتعلق فوجوب الوقوف في الزمان الثاني يلحظ في عرض وجوب الوقوف في الزمان الاول، و لا يكون بقاء له([8]).

مناقشه

اقول: كون الحكم عارضا على متعلقه فيتبعه في الحدوث و البقاء و ان كان صحيحا في نفسه، لكن الاشكال أنه اذا استظهر العرف كون الزمان قيدا للمتعلق،كما لو قال المولى لعبده “القيام عند مجيء زيد الى الغرفة واجب عليك” و احتمل كون الواجب القيام من حين مجيئه الى أن يخرج من الغرفة، فلا يعلم بكون الوجوب عارضا للقيام المطلق، حتى يقال “كان القيام لدى مجيئ زيد واجبا فيحتمل كون هذا القيام واجبا الى زمان خروجه، بل لعله كان عارضا للقيام المقيد اي القيام لدى ورود زيد، فدعوى اليقين السابق بوجوب القيام خلف احتمال تعلق الوجوب بحصة من القيام، فانه مع احتمال كون الواجب هو القيام المقيد اي القيام لدى ورود زيد، فكيف يقول العرف بنظرة عرفية غير مسامحية: كان القيام واجبا لدى ورود زيد، مع أن الواجب عليه آنذاك لم يكن القيام بقول مطلق، و انما القيام لدى وروده، و استصحاب بقاء الوجوب يكون استصحابا للجامع بين ما يقبل التنجيز و ما لا يقبله، اذ لو كان متعلقه القيام لدى ورود زيد فلا يصلح للتنجز بعده، و اثبات كون متعلقه القيام المطلق يكون من الاصل المثبت، الوجوب، و هكذا لو قال المولى لعبده “الكون يوم السبت في الدار واجب” فشك في وجوب الكون فيها في يوم الاحد ايضا، فكيف يقول العرف بلا مسامحة “الكون في الدار وجب عليه يوم السبت”.

لاالزام فی تابعیة لحاظ الزمان من حيث الظرفية و القيدية حين الاستصحاب و حین جعل الشارع

فينحصر تصحيح جريان الاستصحاب بما مر منّا سابقا و لعله مراد البحوث هنا من أنه لا ملزم لكون كيفية لحاظ الزمان من حيث الظرفية و القيدية حين الاستصحاب تابعة للكيفية المأخوذة في جعل الشارع، فقد يكون الزمان مأخوذا في الخطاب ظرفا للحكم، و لكن حين اجراء الاستصحاب يلحظ قيدا للموضوع او المتعلق، فيقول الشارع مثلا “وطء الزوجة حرام حال حيضها” فيصدق عرفا أن يقال “الوطء الواقع حال حيض الزوجة حرام”، كما أن قد يقول الشارع “وطء الزوجة حال حيضها حرام” فيصدق عرفا أن يقال “وطء الزوجة حرام حال حيضها” حتى لو كان الزمان قيدا للمتعلق في حكم الشارع بحسب استظهار العرف، من دون أن يرجعه العرف حسب مناسبات الحكم والموضوع الى كونه مجرد تفنن في التعبير و أن الزمان ظرف للحكم في مقام ثبوت جعل الشارع، فكان ينبغي أن تذكر في البحوث هذه المصادرة العرفية، حتى يتم الاستصحاب.

نعم قد يخطر بالبال اختصاص ذلك بما اذا كان الواجب مستوعبا لتمام الوقت، كما في مثال الوقوف بعرفة، و أما لو كان الواجب موسعا اى كان صرف وجود الفعل في الوقت واجبا، كما لو أمر المولى عبده بالبقاء في الدار و تردد بين أن يكون الواجب عليه البقاء يوم السبت في الدار، او البقاء في احد ايام الاسبوع، فانه لو كان الواجب عليه البقاء في احد ايام الاسبوع، فلا يصح أن یقول “البقاء فی الدار كان واجبا عليّ يوم السبت” الا مع اهمال متعلقه من حيث الزمان، فيكون استصحاب وجوبه من قبيل استصحاب الجامع بين ما يقبل التنجيز و ما لا يقبله، وكذلك لو وجب غسل الجمعة، و احتمل كونه مقيدا بما قبل الزوال، فلا يجري استصحاب بقاء وجوب غسل الجمعة الى ما بعد الزوال، لاحتمال كون متعلق الوجوب الغسل قبل الزوال، و اثبات وجوب الغسل لما بعد الزوال يكون من الاصل المثبت، فاذا فرضنا عدم تنجزه على المكلف قبل الزوال لجهله به، فلا يتنجز عليه بعد الزوال بالاستصحاب.

استصحاب بقاء كلي الوجوب بعد خروج الوقت

لكن الانصاف أنه لا يبعد عرفا أن يصدق كون غسل الجمعة واجبا قبل الزوال، فيمكن اجراء الاستصحاب، وهذا ما اختاره صاحب الكفاية، حيث قال: اذا شك في كون الامر بالصلاة في النهار مثلا على نحو وحدة المطلوب بحيث يكون القضاء بامر جديد، او على نحو تعدد المطلوب، بحيث ينحل الى امر بطبيعي الصلاة وامر بالصلاة في النهار، فيكون القضاء بالامر الاول، فيجري استصحاب بقاء كلي الوجوب بعد خروج الوقت([9])، ووافقه السيد الخوئي “قده” في ذلك فقال: بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا مانع من جريان هذا الاستصحاب، و الوجه في ذلك أن تعلق طبيعي الوجوب بالجامع بين المطلق و المقيد معلوم على الفرض، و التردد إنما هو في أن الطلب متعلق بالمطلق و إيقاعه في الزمان الخاصّ مطلوب آخر ليكون الطلب باقياً بعد مضيه، أو أنه متعلق بالمقيد بالزمان الخاصّ ليكون مرتفعاً بمضيه؟، و عليه فيجري فيه الاستصحاب، و يكون من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

و من ثمرات جريان هذا الاستصحاب تبعية القضاء للأداء و عدم الاحتياج إلى أمر جديد. و ليكن هذا نقضاً على المشهور، حيث إنهم قائلون بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية([10]).

وان كان سيأتي أن في تطبيق ذلك على المثال الذي ذكراه اشكالا، حيث يعلم تفصيلا بوجوب الصلاة في الوقت، فيكون استصحاب بقاء الوجوب بعد خروج الوقت من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي حيث يعلم بارتفاع الفرد المتيقن حدوثه وهو وجوب الفعل في الوقت ويشك في حدوث فرد آخر من الوجوب وهو وجوب طبيعي الفعل او وجوب اتيان الفعل خارج الوقت والصحيح عدم جريانه، وانما يصح تطبيقه فيما اذا شك في تقيد الواجب بالوقت وعدمه.

النكتة السادسة: دعوی اختصاص جريان استصحاب بقاء المجعول بما اذا كان الحكم واحدا مستمرا

النكتة السادسة: مرّ أن السيد الخوئي “قده” منع من جريان استصحاب بقاء المجعول في ما كان الحكم انحلاليا بلحاظ الزمان كحرمة وطء الحائض، لأن الحرمة في الزمان الاول و هو زمان نزول دم الحيض غير الحرمة في الزمان الثاني و هو زمان انقطاع حيضها و قبل اغتسالها، و انما خص جريان استصحاب بقاء المجعول مع قطع النظر عن معارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد بما اذا كان الحكم واحدا مستمرا، كنجاسة الماء من زمان تغيره الى زمان زوال تغيره.

و لكن منع عنه في البحوث بدعوى أن معروض الحكم ليس هو افراد الوطء و انما هو طبيعي الوطء، فيكفي وحدة الجعل، و ان كان المجعول بالعرض متكثرا([11])، ويرد على ما ذكره في البحوث أن لازم كلامه التفصيل بين ما لو كان خطاب التكليف الانحلالي بنحو الاطلاق، و بين ما لو كان بنحو العموم، حيث ان مفاد العموم على ما صرح به في محله جعل الحكم على افراد الطبيعة([12]).

مناقشه

و الصحيح في الجواب عن دعوى السيد الخوئي أن يقال بكفاية وحدة عملية الجعل في الحكم الانحلالي بلحاظ الافراد الطولية الناشئة من اختلاف الزمان، و ان فرض تعلق الحرمة في الخطاب بافراد الوطء، كما هو مفاد العموم، فقيل “كل فرد من افراد وطء الزوجة حرام حال حيضها” فانه يقال باحتمال استمرار هذه الحرمة الى ما بعد انقطاع الدم و قبل اغتسالها.

وذلك لأنه عند وحدة عملية الجعل يكون الحكم بالنظر العرفي واحدا مستمرا بلحاظ الافراد الطولية الناشئة من اختلاف الزمان، وان كان بالنظر العقلي منحلا بعدد تلك الأفراد، كالأفراد العرضية، من غير فرق بين كون الخطاب بنحو الاطلاق او العموم، كما لو قيل “كل فرد من افراد وطء الزوجة حرام حال حيضها”.

القول الثاني: تفصيل الشيخ الاعظم “قده” بين الشك في المقتضي والشك في الرافع

اختار الشيخ الاعظم “قده” التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع، فخص جريان الاستصحاب بالثاني، وقال: في التمسك بعموم روايات الاستصحاب تأمل، اول من فتح باب التأمل فی شمول روایات الاستصحاب لموارد الشك فی المقتضي المحقق الخوانساری فی شرح الدروس([13])، ولم يذكر المحقق الحلي “ره” مع أنه كان قبله ونُسِب اليه ايضا هذا القول، لأنه لم يتكلم عن روايات الاستصحاب، واحتمل كون كلامه ناظرا الى قاعدة المقتضي والمانع، حيث قال في المعارج: إذا ثبت حكم في وقت، ثم جاء وقت آخر و لم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم، هل يحكم ببقائه على ما كان؟، أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دلالة، كما يفتقر نفيه إلى الدلالة؟، حكي عن المفيد: أنّه يحكم ببقاءه ما لم تقم دلالة على نفيه، و هو المختار، و قال المرتضى‏: لا يحكم بأحد الأمرين إلّا لدلالة، مثال ذلك: المتيمم إذا دخل في الصلاة، فقد أجمعوا على المضيّ فيها، فإذا رأى الماء في أثناء الصلاة، هل يستمرّ على فعلها استصحابا للحال الأوّل، أم يستأنف الصلاة بوضوء؟، فمن قال بالاستصحاب قال بالأوّل، و من اطّرحه قال بالثاني، لنا: أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت، فيثبت الحكم، و العارض‏ لا يصلح رافعا له، فيجب الحكم بثبوته في الثاني، أمّا أنّ مقتضي الحكم الأوّل ثابت، فلأنّا نتكلم على هذا التقدير، و أمّا أنّ العارض لا يصلح رافعا، فلأنّ العارض إنّما هو احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم، لكن احتمال ذلك يعارضه احتمال عدمه، فيكون كلّ واحد منهما مدفوعا بمقابله، فيبقى الحكم الثابت سليما عن رافع([14]).

وقد استظهر الشيخ من صاحب المعالم “ره” اختيار التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع([15])، وكيف كان فقد وافقه في هذا التفصيل المحقق الهمداني والمحقق النائيني وبعض الاعلام في المنتقى “قدهم”.

ويقع الكلام اولاً: في المراد من الشك في المقتضي والشك في الرافع، وثانيا: في وجه التفصيل بينهما، والتحقيق حول تماميته وعدمها:

المراد من الشك في المقتضي

أما الكلام حول المراد من الشك في المقتضي، فالظاهر أنه احتمال انعدام الشيء بنفس مضي الزمان عرفا من دون حاجة الى رافع، كما مثّل له بالشك في كون خيار الغبن على وجه الفور او التراخي، فانه لو كان فوريا فنفس مضي الزمان موجب لارتفاعه، و هكذا لو شك في كون وجوب الجلوس الى الزوال او الى الغروب، او شك في وجوبه الى ساعة او الى ساعتين، فاستصحاب بقاء الوجوب الى ما بعد الزوال او الى الساعة الثانية من قبيل الاستصحاب مع الشك في المقتضي، بينما أنه لو علم بكون الجلوس واجبا الى الزوال و شك في تحقق الزوال فيكون من الشك في الرافع، وكذا لو علم بوجوبه الى ساعة و شك في مضي ساعة فيعلم بوجود المقتضي الى ساعة، ويكون الرافع له انقضاء ساعة فيكون من الشك في الرافع.

کلام محقق النائینی

ولكن ذكر المحقق النائیني “ره” أن هذا التعريف للشك في المقتضي انما يتم في الامور التكوينية، فالشك في انطفاء السراج لاحتمال قلة النفط يكون من الشك في المقتضي، بخلاف الشك فيه لاحتمال هبوب الريح، فكلما احراز استعداد الشيء للبقاء لولا الرافع فهو من الشك في الرافع، وكلما شك في استعداده للبقاء فهو من الشك في المقتضي، وعليه فالشك في موت الشاب يكون من الشك في الرافع، بخلاف الشك في موت الشيخ لاحتمال استناده الى كبره فيكون من قصور المقتضي.

مناقشه: اقسام الشك في الحكم الشرعي

ولكن الشك في الحكم الشرعي له اقسام:

1- أن يكون الشك في بقاءه للجهل بموضوعه، فهذا من الشك في المقتضي، كما لم لم ندر أن موضوع النجاسة الماء المتغير حتى ترتفع نجاسته بعد زوال التغير او أنه الماء الذي حدث فيه التغير حتى تكون نجاسته باقية، فمن يرى جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي يمكنه اجراء استصحاب النجاسة لعدم كون التغير من العناوين المقومة عرفا.

2- الشك في بقاء الحکم للشك في ما هو غاية له مع كون الغاية زمانيا اي امرا غير نفس الزمان، كما لو شك في بقاء الزوجية بعد وقوع الطلاق الفارسي، او الشك في بقاء الطهارة بعد خروج المذي، فهذا من الشك في الرافع.

3- الشك في بقاء الحکم للشك في ما هو غاية له مع كون الغاية الزمان، فان كانت الشبهة موضوعية كان من الشك في الرافع، كما في الشك في طلوع الشمس الذي هو غاية وجوب صلاة الفجر، بخلاف ما لو كانت الشبهة مفهومية، او حكمية، حيث يكون من الشك في المقتضي، مثال الشبهة المفهومية الشك في بقاء وجوب صلاة الظهر والعصر بعد استتار القرص وقبل زوال الحمرة المشرقية، مع العلم بكونه مغيى بالمغرب، لكن مفهوم المغرب مجمل، ومثال الشبهة الحكمية، الشك في بقاء وجوب صلاة المغرب والعشاء بعد منتصف الليل للشك في كون غايته منتصف الليل او طلوع الفجر.

وقد اورد عليه اولا: بأن ما ذكر في الموجود التكويني، كحياة الاشخاص من جريان الاستصحاب فيه فيما اذا كان له استعداد البقاء، فان كان المدار على احراز استعداد شخصه للبقاء فهذا ليس له ضابط معين، ويؤدي الى الهرج والمرج في اجراء الاستصحاب، حتى ذكر السيد الخوئي أن لازمه عدم جريان استصحاب بقاء عدالة الشخص، حيث لا نحرز مقدار استعداد عدالته للبقاء([16])، وجعل الضابط جنس الشيء او نوعه او صنفه مما لا دليل عليه، كما اورد الشيخ الاعظم على المحقق القمي حينما ادعى حجية الاستصحاب من باب افادة الظن بالبقاء، أن استعداد الاشياء للبقاء مختلف ولا ضابط له.

وثانيا: ان جعل مثال زوال التغير من موارد الشك في المقتضي خلاف صريح كلام الشيخ الاعظم في كتاب الطهارة حيث صرح بجريان الاستصحاب فيه([17]) وهذا بعني أنه يراه مصداقا للشك في الرافع.

وثالثا: ان لازم هذا التفسير عدم امكان الاستصحاب في موارد الشك في النسخ، لأن النسخ في الحكم الشرعي بمعنى انتهاء امد الحكم بأن يكون زمان معين غاية له، فيكون الشك في النسخ بمعنى الشك في كون الزمان غاية للحكم بنحو الشبهة الحكمية، وقد صرح بأنه من قبيل الشك في المقتضي، مع أن الشيخ ادعى الاجماع على جريانه.

ورابعا: ما يقال من أنه ما هو وجه الفرق بين كون الغاية زمانا او زمانيا، فانه لم يذكر في كلامه ذلك وانما مجرد دعوى.

وخامسا: ما هو وجه الفرق في كون الزمان غاية، بين الشبهة الحكمية والموضوعية، فأي فرق في استصحاب الوجوب بين فرض الشك في بقاء وجوب صلاة المغرب والعشاء لأجل الشك في كون غايته منتصف الليل او طوع الفجر، وبين فرض الشك في بقاء وجوب صلاة الصبح لأجل الشك في طلوع الشمس، نعم لو اريد اجراء الاصل الموضوعي في الفرض الثاني فهو مطلب آخر لا كلام لنا فيه.

وقد حاول بعض السادة الاعلام “دام ظله” أن يجيب عن هذه الاشكالات، فأجاب عن الاشكال الاول بأن الضابط صدق النقض، والنقض حيث يستعمل في موارد الوجود التقديري اي ما يكون باقيا لولا المانع، فقد يكون الوجود التقديري جليا كما في وجود الحكم لولا طرو العنوان الثانوي كالاكراه والاضطرار، فاذا شك في طرو ذلك فيكون من الشك في الرافع، وقد يكون الوجود التقديري خفيا، يستكشف من خطاب الشارع كما في نواقض الوضوء، حيث علمنا من خلال استعمال الشارع لكلمة الناقض الوجود التقديري للطهارة، وكذا التعبير بفسخ العقد، او قطع الصلاة([18]).

كما أجاب عن الاشكال الثاني بأن التغير لما كان من الحالات، دون العناوين المقومة، فيكون الموضوع ذات الماء الذي حدث فيه التغير، والموضوع مقتضٍ للحكم وبذلك يحرز وجود المقتضي للحكم بعد زوال التغير ايضا.

وأجاب عن الاشكال الثالث بأنه لم يعلم كون دليل الشيخ على استصحاب عدم النسخ هو عموم “لا تنقض اليقين بالشك” بل لعله الاجماع والتسالم.

وبما مر في الجواب عن الاشكال الاول يتبين أن الفارق هو صدق النقض.

وأما الاشكال الخامس فقد التزم به وادعى أن الشبهة الموضوعية لحصول الغاية الزمانية من موارد الشك في المقتضي، وأما رواية القاساني حيث طبقت الاستصحاب في قوله “صم للرؤية وأفطر للرؤية على الشك في ثبوت هلال شوال فلعلها من باب التعبد الخاص في موردها، لا على القاعدة([19]).

الصحيح، تفسير الشك في المقتضي مطلقا

اقول: الظاهر أن الصحيح تفسير الشك في المقتضي مطلقا بما مر من احتمال كون مضي الزمان عرفا هو الموجب لانعدام الشيء، فلو علم عادة باستعداد شخص هذا الموجود للبقاء لولا الرافع العرفي كان الشك في بقاءه من الشك في الرافع، وهذا الضابط اوضح مما ذكر من كون المدار على صدق النقض، فانه احالة الى المجهول، وأما الاشكال في استصحاب عدالة الشخص فغير متجه، لأن العدالة مما لا تزول عرفا الا بطرو حالة او فعل للمكلف ولو كان طروه لأجل ضعف عدالته، فالمهم أن نفس مضي الزمان لا توجب زوال العدالة، كما أن موت الاشخاص يكون عادة بالأحداث وان كان ضعف شخص موجبا لتأثير حدث في موته، دون موت شخص آخر.

نعم لو احتمل كون نفس مضي الزمان موجبا لموت شخص عرفا كان من قبيل الشك في المقتضي.

كما أن الامر في نجاسة الماء المتغير كذلك، فان زوال التغير لو كان كافيا في ارتفاع نجاسته فهو ايضا رافع عرفا للنجاسة، حيث ان نفس مضي الزمان لا يكون رافعا للنجاسة.

وأما الدفاع عن الشيخ في مورد استصحاب عدم النسخ بما ذكر فهو خلاف صريح كلامه من كونه من موارد الشك في الرافع([20])، فالانصاف أن هذا النقض متوجه عليه، ولعله كان يرى أن كيفية جعل الحكم الشرعي المنسوخ هو جعله مغيى بعدم الغاءه، لا مغيى بزمان معين، فيكون الشك في الغاءه من الشك في الرافع، او أنه كان يرى اطلاق الجعل وان كان الشارع بانيا من الاول على الغاءه في المستقبل، فيكون نسخه من النسخ الحقيقي بلحاظ الجعل، دون مبادئ الجعل من ارادة المولى وعلمه بالملاك، كما سيأتي في بحث الشك في النسخ دعوى امكان ذلك.

الفرق بين الشك في كون الغاية الزمان او الزماني

وأما الفرق بين الشك في كون الغاية الزمان او الزماني فقد ظهرت نكتته مما ذكرناه من كون الشك في المقتضي بمعنى احتمال كون نفس مضي الزمان موجبا لانتفاء الشيء، وهذا يصدق في مورد الشك في غائية الزمان.

كما أن التفصيل في غائية الزمان بين الشبهة الموضوعية وغيرها في محله، فانه اذا علم بأن الشارع اوجب الصلاة الى طلوع الفجر مثلا، فيكون طلوع الفجر رافعا للوجوب عرفا، حيث يحرز اقتضاءه للبقاء ما لم يطلع الفجر، وان كان مضي الزمان موجبا لانتفاء الوجوب بالنظر الدقي، كما ذكره السيد الخوئي “قده”([21]).

وقد ذكر المحقق الهمداني “ره” في ذيل قول الشيخ “الشك فی بقاء اللیل و النهار من الشك فی المقتضی” أنه لابد من التفصيل بين فرض الشك في طول النهار والليل وقصرهما، فانه من الشك في المقتضي، وبين فرض الشك في طلوع الشمس وغروبها فانه من الشك في الرافع([22]).

وان كان الظاهر عندنا أنه حتى في فرض الشك في طول الليل والنهار وقصرهما، لو كان مفاد الخطاب الشرعي جعل غاية الوجوب طلوع الفجر او طلوع الشمس او زوالها او غروبها، فيكون من موارد الشك في الرافع عرفا، فيختلف عما لو كان المأخوذ في الخطاب الشرعي نفس النهار او الليل وشك في بقاءهما لأجل الشك في طولهما وقصرهما، ولأجل ذلك لا يصح النقض بما في رواية القاساني من قوله “صم للرؤية وأفطر للرؤية” فان الشك في بقاء وجوب صوم شهر رمضان لأجل الشك في ثبوت هلال شوال، من الشك في الرافع عرفا.

فقد تحصل من جميع ما ذكرناه أن المراد من الشك في المقتضي احتمال كون مضي الزمان من دون طروّ اي شيء موجبا لانتفاء الحادث، ومثاله الواضح الشك في بقاء خيار الغين بعد مضي زمان الفورية.

ومن هنا اتضح أن ما حكى عن السيد اليزدي “قده” من أنه اشکل علی الشیخ الاعظم “ره” حينما تمسك باستصحاب بقاء ملكية المشتري للمبيع بعد فسخ البايع للبيع المعاطاتي، بأنه من قبيل الشك في المقتضي([23]).

ففي غير محله، اذ ليس نفس مضي الزمان موجبا لانتفاء الملكية في العقد الجائز، لكن لم يثبت لنا صحة هذا النقل، بل رأينا في حاشيته على المكاسب خلافه([24]).

 



[1] – مصباح الفقاهة ج 6 ص 54

[2] – مصباح الاصول ج 3ص 232

[3] – بحوث في علم الاصول ج6ص 147

[4] – مباحث الاصول ج 5ص 212 و ما في البحوث ج 6 ص 146 (من أنه ان أريد استصحاب عدم جعل الحكم على العنوان فهو مقطوع به، و ان أريد استصحاب عدم شمول العنوان المجعول عليه الحكم للفرد المشكوك -و لو بنحو العدم الأزلي- فشمول الجعل ليس ملاكا للتنجيز و انما المنجز اما الحكم بمعنى المجعول أو الحكم بمعنى الجعل مع إحراز موضوعه) فهو خطأ و الصحيح ما اثبتناه في المتن نقلا عن المباحث، اذ الكلام في ابداء معارض لاستصحاب شمول الحكم لهذا الفرد، باجراء استصحاب عدم جعل النجاسة مثلا للطبيعة الشاملة فعلا للفرد المشكوك.

[5] مصباح الاصول ج2ص290

[6] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 146

[7] – شرح العروة الوثقى ج‌1 ص 142

[8] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 147

[9] – كفاية الاصول ص 410

[10] – مصباح الاصول ج3ص 134

[11] – بحوث في علم الاصول ج 6ص 149

[12] – راجع: بحوث في علم الاصول ص 3ص 253

[13] – فرائد الاصول ج 2ص574

[14] – معارج الاصول ص 286

[15] – فرائد الاصول ج2ص 560

[16] – مصباح الاصول ج 3ص 22

[17] – كتاب الطهارة ج1ص 180

[18] – نقل عنه في تقريرات الدورة الثانية من اصوله أن المدار على استعداد الصنف للبقاء، ولكنه غير متجه، فانه لا دليل عليه فقد يعلم بتخلف هذا الفرد عن صنفه في الاستعداد للبقاء.

[19] – الاستصحاب ص ؟؟

[20] – فرائد الاصول ج2ص 621

[21] – مصباح الاصول ج3ص 25 وان ذكر في ص 29 خلافه حيث قال: ان الشك في هلال شوال او طلوع الشمس من قبيل الشك في المقتضي، لأن الشك فيهما في الحقيقة شك في أن شهر رمضان كان تسعة وعشرين يوما ام لا او أن ما بين الطلوعين ساعة ونصف او اكثر فلم يحرز المقتضي، اقول: قد لا يكون الشك في طلوع الفجر لأجل الشك في مقدار ما بين الطلوعين، بل في مضي المقدار المعلوم.

[22] – الفوائد الرضوية ج2 ص 76

[23] – نقله عنه في مصباح الاصول ج3ص 24

[24] – راجع حاشية المكاسب ج1ص 81