بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
المقام الثاني في ان وضع الحروف والهيئات من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص…. 1
البحوث: التفصيل بين وضع هيئة المشتق و بين وضع الهيئات والحروف… 3
الصحيح، كون الوضع للحروف والهيئات عاما والموضوع له خاصا 6
المحقق العراقي”قده”: وضع الحروف عاما والموضوع له عاما 6
مناقشه: كون الموضوع له في الحروف والهيئات خاصا حتى مع وجود حيثية مشتركة في ذاتها 8
الثمرة العملية للبحث عن معنى الحروف والهيئات.. 9
الثمرة الأولى- وهي العمدة – : استحالة التقیید لو کان معنى الهيئة حرفيا 9
وجه الاول لثمرة الاولی : لايعقل التقييد الا في المفهوم الموسع ؛ اماالمعنى الحرفي فهوجزئي لاسعة له. 9
فتحصل من جميع ما ذكرناه عدم امكان تقييدالهيئة. 17
وجه الثانی لثمرة الاولی: ان لحاظ معنى الهيئة والحروف یکون لحاظا آليا فلا یمکن التقیید. 18
الثمرة الثانية: ما في البحوث.. 19
الثمرة الثالثة: ما في البحوث ایضا 22
المقام الثاني في ان وضع الحروف والهيئات من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص
يقع الكلام في ان وضع الحروف والهيئات من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص كما عليه المشهور او انه من قبيل الوضع العام والموضوع له العام كما عليه صاحب الكفاية والمحقق العراقي” قدهما”.
ومقتضى التحقيق ان يقال انه بناء على مسلك صاحب الكفاية من كون معنى الأسماء ومعنى الحروف والهيئات واحدا وان الاختلاف بينها في شرط الواضع كون لحاظ معاني الأسماء استقلاليا وكون لحاظ معنى الحروف والهيئات آليا فمن الواضح ان الموضوع له في الحروف يكون عاما، فمفاد “من” في قوله “سر من البصرة ” هو الابتداء، وليس معنى جزئيا حيث يصدق على السير من ايّ جزء من أجزاء البصرة.
ولكن بناء على المسلك المشهور من تباين معاني الأسماء مع معاني الحروف فالصحيح هو كون الوضع في الحروف عاما والموضوع له خاصا، والوجه في ذلك ان ما يلحظه الواضع حين وضع الحروف والهيئات ليس هو الموضوع له بنفسه، وانما هو وضع اجمالي له، فحينما يريد الواضع ان يضع لفظة “في” لمعنى الظرفية فيتصور عنوان النسبة الظرفية، ولكن لايضع لفظة “في” بإزاء هذا العنوان الاسمي كي يكون مرادفا لكلمة “النسبة الظرفية “، فان المطلوب من المعنى الحرفي ان يكون رابطا بين المعاني الاسمية ومفهوم الظرفية لايصلح لذلك، فلامحالة يضع لفظة في بإزاء واقع النسبة الظرفية وافرادها بنحو يكون المستعمل فيه بالذات نسبة ذهنية بالحمل الشائع وتربط بين مفهوم الجالس ومفهوم الدار في قولنا “الجالس في الدار”.
وهكذا الأمر بالنسبة الى مثل لام التعريف فانه موضوع لواقع التعريف، دون مفهوم التعريف، وكذا حرف “ليت” مثلا موضوع لواقع ابراز التمني (او فقل على الأصح موضوع لصورة واقع إبرازه كما مر توضيحه سابقا) لالمفهوم كلمة “إبراز التمني”، فحينما يتصور الواضع مفهوم إبراز التمني فلايضع لفظ ليت بإزاءه كي يكون مرادفا لكلمة “إبراز التمني” وانما يضعه لواقعه ومصداقه.
وهكذا الأمر في الهيئات، فهيئة الجملة التامة الخبرية قد وضعت على واقع النسبة التصادقية او فقل على الاصح انها قد وضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية بين الموضوع والمحمول بنحو يكون المستعمل فيه بالعرض هو اتحادهما خارجا والمستعمل فيه بالذات هو واقع الحكم الذهني باتحادهما دون مفهوم الحكم بالاتحاد.
وأما هيئة المشتق كهيئة اسم الفاعل فحيث ان وضعها يكون نوعيا فلامحالة يكون الموضوع له خاصا حيث يلحظ الواضع ما كان على وزان الفاعل مثلا فيضعه لمن قام به المبدأ ومن الظاهر ان المراد واقع المبدأ لامفهوم لفظة المبدأ، وبذلك يضع هيئة الضارب على من يقوم به الضرب وهيئة العالم على من يقوم به العلم وهكذا، ومفهوم الضارب مثلا وان كان مفهوما اسميا بسيطا تصورا ويكون من المفاهيم الكلية كمفهوم الرجل بحيث لو وضع بوضع شخصي على معناه لكان من الوضع العام والموضوع له العام، لكن حيث ان وضع اسم الفاعل يكون نوعيا فصار من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص نظير ما لو قال “وضعت لفظ العين لكل صورة منقوشة في هذا الدفتر” والمفروض أنه قد نقشت في ذاك الدفتر صورة العين الباصرة والعين النابعة والفضة وما عدا ذلك، وعليه فيكون الوضع في الهيئات من الوضع العام والموضوع له الخاص على جميع المسالك.
البحوث: التفصيل بين وضع هيئة المشتق و بين وضع الهيئات والحروف
فما افاده في البحوث من التفصيل بين وضع هيئة المشتق حيث التزم بكون الوضع فيها عاما والموضوع له عاما وبين وضع الهيئات والحروف الدالتين على النسب الاولية والثانوية حيث التزم بكون الوضع فيها من الوضع العام والموضوع له الخاص ففي غير محله.
توضيح ذلك انه في البحوث قسَّم الهيئات والحروف على ثلاثة اقسام:
1- هيئة المشتق فافاد انه بناء على كون مدلولها مركبا يكون الوضع فيها عاما والموضوع له عاما.
2- الهيئات والحروف الدالتين على نسبة واقعية وهي تكون في الجمل التامة والصحيح ان الموضوع له فيها خاص، حيث انه مر في المعنى الحرفي انه لايتصور جامع ذاتي بين افراد النسب باعتبار ان الجامع الذاتي انما يتعقل فيما لو انحفظ الذات مع تجريده عن الخصوصيات، وذات المعنى الحرفي حيث يكون واقع النسبة وهويتقوم بوجود طرفين فمع الغاءهما ينعدم ذات النسبة، واما مفهوم النسبة فليس معنىً حرفيا بل هو جامع عنواني وانتزاعي عن المعاني الحرفية، فالموضوع له هو نفس افراد النسب.
3- الهيئات والحروف الدالتين على النسبة الناقصة كلفظة “في” في قولنا “الجالس في الدار”، فانها تدل على نسبة تحليلية، كما مر بيانه في المعنى الحرفي، وهذا يعني ان الموجود في الذهن مفهوم بسيط تصوري، ويعبر عنه بالحصة وان كان ينحل بحسب التحليل العقلي الى ثلاثة اجزاء، وحيث ان المتصور موجود واحد فسببية تصور اللفظ لتصوره واحدة لامحالة وحيث لامعنى للعلقة الوضعية بناء على مسلك القرن الأكيد الاسببية تصور اللفظ لتصور المعنى فيكون جملة “الجالس في الدار” موضوعة بوضع واحد على حصة من الجالس، وهذا يعني ان لفظة في ليس لها وضع مستقل وانما يكون وضعها ضمنيا اي يكون الموضوع مجموع الجملة.
وحيئنذ فان فرض كون وضع جملة “الجالس في الدار” على معناها الذي يكون حصة من الجالس فيكون من الوضع العام والموضوع له العام، اذ يكون معناها من المعاني الكلية، وقد يوضع له اسم مفرد كما في وضع لفظ الفانوس على نار في الزجاج، ولكن حيث ان وضع الجملة المشتملة على حرف في لمعناها يكون من الوضع النوعي، فيكون من الوضع العام والموضوع له الخاص، حيث انه لايراد وضع تلك الجملة على مفهوم الحصة، بل على واقع الحصة، فيراد وضع جملة “الجالس في الدار” على حصة خاصة من الجالس وهكذا…([1]).
مناقشه
ويلاحظ عليه ان ما ذكره في جملة “الجالس في الدار” -من ان وضعها لما كان نوعيا فلزم من ذلك كونه بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص- ياتي بتمامه في وضع هيئة المشتق، فما افاده من ان الموضوع له في هيئة المشتق يكون عاما غير متجه ابدا، فان كون الموضوع له في هيئة المشتق عاما او خاصا يرتبط بكون وضعها شخصيا او نوعيا، فان كان وضعها نوعيا لزم منه كون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا كما مر وجهه، ولو فرض وضع هيئة الضارب مثلا بالوضع الشخصي على معناها كان من قبيل الوضع العام والموضوع له العام، ولايختلف في ذلك كون معناها مركبا او بسيطا.
واما ما ذكره من التفصيل بين مدلول الحروف والهيئات الدالة على النسب الأولية والحروف والهيئات الدالة على النسب الثانوية فقد مر الإشكال فيه في بحث المعاني الحرفية والهيئات، حيث ذكرنا هناك ان الظاهر وضع الحروف الدالة على النسبة الأولية لتحكي عن النسبة الخارجية بما هي عليها من الاندكاك والاندماج في اطرافها، ولامحذور في ان يكون المستعمل فيه بالذات هو سنخ مفهوم اندكاكي خاص يصلح ان يكون مرآة للحيثية المشتركة بين افراد تلك النسبة في الخارج، سميت تلك الحيثية المشتركة جامعا ذاتيا ام لا، وهذا المفهوم الاندكاكي الذي يحكي عن النسبة الخارجية يصلح في نفس الوقت لمكان اندماجه واندكاكه لأن يكون رابطا حقيقيا بين مفهومين اسميين في الذهن، فالمفهوم المتصور في قولنا “الجالس على المنبر” لايكون في الذهن مفهوما وحدانيا، وانما هو مركب من مفهومين اسميين ومن مفهوم اندكاكي خاص يكون مصداقه في الخارج هو النسبة الاستعلائية الخارجية، فهذا المفهوم الاندكاكي الموجود في الذهن ليس نسبة استعلائية بالحمل الشائع- كما ان مفهوم الماء في الذهن ليس ماءا بالحمل الشائع- وانما هو نحو مفهوم اندكاكي يصلح ان يكون حاكيا عن تلك النسبة الخارجية الاستعلائية، ويشهد على ذلك انه لو بدأ متكلم بالكلام فقال: على المنبر جلستُ، فبمجرد ان يصدر عنه لفظ “على” يلتفت السامع الى النسبة الاستعلائية الخارجية، ولما يسمع كلمة المنبر يلتفت الى المستعلى عليه، وهكذا….
والحاصل ان الحروف موضوعة لمعانيها بالوضع الشخصي لاالنوعي على وزان الوضع العام والموضوع له الخاص، فيقول الواضع مثلا وضعت لفظة “في” لواقع النسبة الظرفية، فلايتم دعوى وضع مجموع الجملة المشتملة على لفظة “في” لمعناها فراجع.
الصحيح، كون الوضع للحروف والهيئات عاما والموضوع له خاصا
وكيف كان فالصحيح ما عليه المشهور من كون الوضع للحروف والهيئات عاما والموضوع له خاصا.
المحقق العراقي”قده”: وضع الحروف عاما والموضوع له عاما
ولكن خالف في ذلك المحقق العراقي”قده” فادعى ما محصله: ان وضع الحروف يكون من قبيل الوضع العام والموضوع له العام، فان الموضوع له للفظة “من” مثلا هو الجامع الذاتي بين أفراد النسبة الابتدائية، وهذا الجامع الذاتي وان كان لايمكن وجوده في الخارج او الذهن مجردا عن الخصوصيات، ولكن يمكن ان يشار اليه بعنوان انتزاعي اجمالي وهو عنوان النسبة الابتدائية، فيوضع لفظة “من” بإزاء ذلك الجامع الذاتي بحيث لاتحكي الا عنه، ويستفاد الخصوصيات من الدوالّ الأخر، ومما يشهد على وجود هذا الجامع الذاتي بين أفراد النسبة الابتدائية هو ما يرى من الفرق بينها وبين أفراد النسبة الظرفية مثلا، وأنه يتبادر الحيثية المشتركة بين افراد النسبة الابتدائية من لفظة من مثلا في جميع موارد استعمالها، نعم الفرق بين وضع الحروف وبين وضع أسماء الأجناس هو أن المعنى الموضوع له في أسماء الأجناس يكون جامعا ذاتيا بين أفراد جنس واحد ويكون قابلا للوجود الذهني مستقلا عن الخصوصيات وان كان لايوجد في الخارج الا في ضمن تلك الخصوصيات كمفهوم الحيوان، وأما المعاني الحرفية فهي غير قابلة لأن توجد مستقلة عن الخصوصيات حتى في الذهن، الا ان ذلك لايوجب خروجها عن الوضع العام والموضوع له العام([2]).
وأجاب عنه في البحوث بما محصله: انه لااشكال في وجود حيثية مشتركة بين افراد النسبة الابتدائية لكنه لايعني كونها جامعا ذاتيا، فانه ان كان للذات تقرر ماهوي سابق على الوجود فالحيثية المشتركة بين الافراد تكشف عن وجود جامع ذاتي لها، وأما الحيثية المشتركة المنتزعة عن مرتبة وجود الأفراد فلايمكن ان تكون جامعا ذاتيا لها، الا ترى ان ما يحكي عن سنخ الوجود كمفهوم العرض يكون حاكيا عن حيثية مشتركة بين وجودات الأعراض ولكنه لايعني ان العرض جامع ذاتي لها، والحيثية المشتركة في أفراد النسبة الابتدائية مثلا حيث تنتزع عن مرتبة وجود تلك الأفراد فلاتصلح ان تصير جامعا ذاتيا بينها، وليس الوجه في ذلك هو عدم امكان تصوره في الذهن مستقلا عن افراده، فان الماهية اللابشرط المقسمي لاتوجد في الذهن الا في ضمن احد أقسامها الثلاثة مع كونها جامعا ذاتيا، بل النكتة في عدم وجود الجامع الذاتي بين افراد النسبة الابتدائية مثلا هو تقوم ذات النسبة الابتدائية في كل قضية مشتملة عليها تتقوم بطرفيها كما في قولنا” سرت من البصرة”، وإلغاء خصوصية الطرفين يوجب انهدام ذات المعنى الحرفي لتقومها بالطرفين، ويعتبر في الجامع الذاتي ان لايكون إلغاء خصوصية الفرد موجبا لانهدام الذات، نعم يمكن انتزاع مفهوم اسمي عن افراد النسبة الابتدائية مثلا كمفهوم” فرد النسبة الابتدائية”([3]) لكنه ليس معنى حرفيا بالنظر التصديقي، ولذا لايمكن ان يقال بدل “سرت من البصرة ” “سرت فرد النسبة الابتدائية البصرة “.
مناقشه: كون الموضوع له في الحروف والهيئات خاصا حتى مع وجود حيثية مشتركة في ذاتها
اقول: المهم في الجواب عن كلام المحقق العراقي “قده” هو ان يقال ان الحروف موضوعة لمعنى مندك في صورته الذهنية في مفهوم اسمي آخر وحيث ان مفهوم النسبة ليس مندكا ومندمجا في مفهوم آخر بالنظر التصديقي، ولذا لايمكن ان يربط بين المفاهيم الاسمية، فليس هو الموضوع له للحروف، وانما هو حاك تصوري عنه، وقد جعله الواضع وجها اجماليا الى واقع النسبة الذي هو الموضوع له، فلو لوحظت صورة جامعة من افراد النسبة الابتدائية فليست هي الموضوع لها لحرف “من”، وهذا هو المقصود من كون الموضوع فيها خاصا، وهذا لاينافي وجود حيثية مشتركة في حقيقة افراد النسبة الابتدائية مثلا حتى في مرتبة ذاتها غير المستقلة والمتقومة بذات الطرفين، فالفارق بين المعنى الاسمي والحرفي استقلال الاول في المفهومية دون الثاني حيث انه صورة مندمجة ومندكة في مفهوم اسمي آخر ولو بالنظر التصديقي، وبهذا البيان نثبت كون الموضوع له في الحروف والهيئات خاصا حتى مع وجود حيثية مشتركة في ذاتهاالتي هي غير مستقلة في المفهومية.
نعم لو تمّ ما قد يقال من ان المعنى الحرفي لايحتاج في وجوده الذهني الى وجود طرفيه وانما يحتاج اكتماله اليهما ويستشهد على ذلك بانه لما يسمع حرف “في” وحرف “در” فيحس بوحدة معناهما، بخلاف ما اذا سمع حرف “في” مع حرف “من”، كما يفرِّق الذهن بين الحروف المهملة وبين هذه الحروف ولو كانت وحدها، لزم اختيار كون الوضع في الحروف عاما والموضوع له عاما، ولكن مر سابقا الجواب عن ذلك.
الثمرة العملية للبحث عن معنى الحروف والهيئات
ويذكر له اربع ثمرات:
الثمرة الأولى- وهي العمدة – : استحالة التقیید لو کان معنى الهيئة حرفيا
ما يقال من انه حيث يكون معنى الهيئة حرفيا فيستحيل تقييده، وحينئذ فلو قال المولى “ان جاءك زيد فاكرمه” فيلزم ان يكون الشرط قيدا للمادة وهو اكرام زيد دون الهيئة وهو وجوب اكرامه، فيكون هذا المثال من قبيل الواجب المعلق، حيث يكون الوجوب فعليا ويكون الواجب هو اكرام زيد على تقدير مجيئه، لاان يكون واجبا مشروطا بان يصير وجوب اكرام زيد فعليا بعد مجيئه، وقد ذكر في وجه ذلك امران:
وجه الاول لثمرة الاولی : لايعقل التقييد الا في المفهوم الموسع ؛ اماالمعنى الحرفي فهوجزئي لاسعة له
الأمر الاول: ما نسب الى الشيخ الأعظم “قده” في مبحث الواجب المشروط من أنه وان كان ظاهر الخطاب عرفا وكذامقتضى القواعد الادبية رجوع القيد الى الهيئة فيكون مجيئ زيدفي قوله”ان جاءك زيدفأكرمه” شرطا لوجوب اكرامه، لكن المحذور الثبوتي يمنع من البناء عليه، فان مفاد الهيئة معنى حرفي وهو جزئي فلايمكن رجوع الشرط اليه-اذرجوع الشرط اليه يعني تقييده به ولايعقل التقييد الافي المفهوم الذي يكون له سعة واطلاق في حدذاته فيراد تقييده وتضييقه كمافي المفاهيم الاسمية واماالمعنى الحرفي فهوجزئي لاسعة ولااطلاق له حتى يمكن تقييده وتضييقه – فيتعين ان يكون قيدا في المادة وهوالاكرام فيكون واجبا معلقا اي يكون الوجوب فعليا وان كان الواجب هو اكرام زيد على تقدير مجيئه.
ولايأتي هذا الاشكال فيما لو كان الوجوب مستفادا من الخطاب بنحو المعنى الاسمي كما لو قال “ان جاءك زيد فيجب اكرامه”، وان كانت توجد نكتة مشتركة ثبوتية تقتضي استحالة الواجب المشروط ولزوم إرجاعه الى الواجب المعلق، وسيأتي بيانها في محلها ان شاء الله تعالى.
مناقشات
ويرد عليه اولاالنقض بما لو قال: “هذا زيد ان كان اليوم يوم الجمعة ” اوقال “هذا زيد في اعتقادي”، فترى ان الموضوع والمحمول جزئيان وكذا النسبة بينهما، فبناء على مانسب الى الشيخ الاعظم “قده” من عدم امكان رجوع القيد الى المعنى الجزئي فلايمكن توجيه هذه الأمثلة.
وثانيا بالحل، وقد ذكرت في تقريب ذلك عدة وجوه:
الاول: معنى الموضوع له في الحروف والهيئات لیس جزئیا
الوجه الاول: ما ذكره صاحب الكفاية والمحقق العراقي” قدهما” من كون المعنى الموضوع له في الحروف والهيئات كليا كما في الأسماء، فيكون قابلا للتقييد، ولكن سبق في محله المناقشة في هذا المبنى وذكرنا أن الصحيح كون المعنى الموضوع له فيهما جزئيا.
الثاني: امکان التقیید قبل وجود الانشایی
الوجه الثاني:ما في الكفاية من انه على فرض قبول جزئية معنى هيئة الأمر، فحيث ان جزئيته تنشأ من وجوده الإنشائي فقبل وجوده الانشائي حيث لميخرج عن كونه مفهوما كليا فيمكن تقييده اولاً ثم انشاء المقيد لاإنشاءه مطلقا اولاً ثم تقييده بعد الإنشاء([4]).
وفيه ان تمامية جوابه موقوفة على ان تكون جزئية معنى هيئة الأمر ناشئة عن وجوده بالإنشاء، فيقال حينئذ إنه حيث يكون تصور المعنى سابقا على إنشاءه بلااشكال فلامحذور في تصور المعنى الكلي وتقييده بقيد في مرحلة تصوره ثم إنشاء المقيد، وأما بناء على كونها ناشئة عن كونه من قبيل المعنى الحرفي، والمعنى الحرفي يكون جزئيا ولو لميكن هناك أي إنشاء كما هو مسلك المشهور ومنهم الشيخ الأعظم “قده” فلايتم هذا الجواب.
والشاهد على ذلك أنه لو كان الإنشاء سببا للجزئية لميختص الاشكال بما لو كان انشاء الوجوب بهيئة الأمر بل شمل ما لو كان انشاء الوجوب بنحو المعنى الاسمي كقوله” ان جاءك زيد فيجب اكرامه” مع ان هذاالاشكال المنسوب الى الشيخ الأعظم “قده” خاصّ بصيغة الأمر، وكذا يلزم منه شمول الإشكال لمثل التعليق في الوصية اوالتدبير مع انه لااشكال في امكانهما بل وقوعهما شرعا.ففي مثل قوله “ان متُّ فداري ملك زيد” قد تعلق الانشاء بملكية زيد للدار على تقدير موت الموصي، وكذا الإنشاء في قوله لعبده “انت حرّ دبر وفاتي” قد تعلق بحرّية العبد بعد موت المولى، فيكون القيد راجعا الى الملكية والحرّية التي تستفاد من الجملة بنحو المفهوم الاسمي.
هذاوقدذكرفي البحوث ان تمامية جواب صاحب الكفاية تتوقف –مضافاالى مامر من كون جزئية معنى الهيئة ناشئة عن الانشاء-على ان يفرض وجود استعمالي للمعنى الحرفي قبل وجوده الانشائي فيمكن استعمال الجملة الإنشائية في المعنى بطريقة تعدد الدال والمدلول ثم انشاء المقيد، واما بناء على ان استعمال الجملة الإنشائية في معناها هو ايجاده فليس قبل مرحلة الإنشاء مرحلة الاستعمال حتى يعرض التقييد المعنى العام في هذه المرحلة، وحينئذ فان اريد استعمال الجملة الإنشائية في معناها حتى يكون الاستعمال حقيقيا فلايمكن عدا ايجاد المعنى العام.
نعم لو كانت جزئية المعنى الحرفي بمجرد تقييد معناه بقيد ذهني وهو كون لحاظه آليا فيمكن تقييده بلااشكال، حيث انه لايخرج بذلك عن قابليته للانطباق على الأفراد الخارجية فيكون بهذا الاعتبار معنى كليا قابلا للتقييد والتضييق([5]).
وفيه انه لو كانت جزئية معنى الهيئة لاجل كونه موجودا بالوجود الإنشائي فلاينبغي الاشكال في سبق تصور المعنى على إنشائه وحينئذ فلامحذور في تصور المعنى الكلي وتقييده بقيد في مرحلة تصوره ثم انشاء المقيد، واحتمال عدم سبق تصور المعنى الإنشائي على الإنشاء مما لاينبغي صدوره من احد.
الثالث: المعنى الحرفي ليس من سنخ المفهوم بل من سنخ الوجود
3- ما حكي عن بعض الاعلام “قده” من ان المعنى الحرفي ليس من سنخ المفهوم حتى يقبل الاطلاق والتقييد، وانما هو من سنخ الوجود، حيث ان النسبة ومنها النسبة البعثية نحو وجود رابط، فلايقبل الاطلاق والتقييد.
ثم قال: ان مضمون الجزاء في القضية الشرطية وان كان هو النسبة البعثية في مثل قوله ان جاءك زيد فاكرمه، ولكن مفاد الجملة الشرطية هو تعليق ثبوت هذه النسبة على ثبوت الشرط، وجملة الجزاء لاتدل في حد ذاتها الا على ذات النسبة دون ثبوتها، وانما يستفاد ثبوتها من عدم اقتران الجملة بقيد آخر، وهكذا الجملة الخبرية كقولنا” زيد قائم” لاتدل الا على ذات النسبة، واما ثبوتها فيستفاد من ثبوت الاطلاق ولاجل ذلك لو اقترن هذه الجملة باداة النفي فلايستفاد منها حينئذ ثبوت النسبة.
وبناء على ذلك فمعنى هيئة الأمر هو ذات النسبة البعثية، وما يكون معلقا على الشرط هو ثبوتها، والثبوت معنى اسمي ولامانع من عروض التعليق او التقييد عليه([6]).
مناقشه: ان المعنى الحرفي من سنخ المفهوم وجدانا، لا من سنخ الوجود
ويلاحظ عليه اولا: ان الوجدان اصدق شاهد على ان المعنى الحرفي من سنخ المفهوم لاالوجود، ولاينافي ذلك افتراض كونه مفهوما غير مستقل، فمفهوم جملة “السير من البصرة ” لايتعدد بتعدد وجوده الذهني تارة في ذهن المتكلم واخرى في ذهن السامع بعد افتراض عدم تغير طرفي هذا المعنى الحرفي وهو مفهوم السير ومفهوم البصرة، ومما يؤيد ذلك استبعاد كون هذه الجملة خالية عما يربط بين مفرداتها في مرتبة تقررها المفهومي، بل الأمر كذلك في الحروف والهيئات الدالة على النسبة التامّة كحرف العطف والاستثناء واداة الشرط وهيئة الأمر وما شابه ذلك.
وثانيا: ان ما ذكره من ان المعلق على ثبوت الشرط هو ثبوت النسبة، وثبوت النسبة معنى اسمي فهو خلاف الوجدان ايضا، فانه لايلتفت العرف الى هذا المفهوم الاسمي حين استعمال الجملة الشرطية ابدا، بل ثبوت النسبة بمعناه الحرفي مدلول لنفس هيئة جملة الجزاء سواء كانت جملة خبرية كقولنا “اذا كان نهار شهر رمضان فزيد صائم”او كانت جملة إنشائية كقولنا “ان جاءك زيد فاكرمه”، فمفاد الجزاء في الجملة الخبرية هو ثبوت النسبة التصادقية بين الموضوع والمحمول في جملة الجزاء، وحيث يكون الملحوظ بالنظر التصوري هو عالم الخارج بحيث يرى انطباق الموضوع والمحمول على واقع معين في الخارج فيوقع النسبة التعليقية بينه وبين مضمون الشرط، ومفاد الجزاء في قولنا” ان جاءك زيد فاكرمه” هو ثبوت النسبة البعثية، ويكون مدلول الجملة الشرطية إيقاع النسبة التعليقية بينه وبين مضمون الشرط، وهو ثبوت مجيء زيد.
وما قد يقال من ان تعليق معنى على معنى آخر غير معقول وما يكون معقولا انما هو تعليق وجود معنى على وجود معنى آخر فيرد عليه انه لامحذور في تعليق معنى تصديقي بما هو فان في الخارج على معنى تصديقي آخر كذلك، كما هو الحال في الجملة الشرطية، نعم لايعقل تعليق معنى تصوري كمفهوم الماء على معنى تصوري آخر كمفهوم النار.
الرابع: ان ما يكون معلقا على الشرط ليس هو النسبة البعثية بل هو الوجوب
4- ما قد يقال من ان ما يكون معلقا على الشرط ليس هو النسبة البعثية المستفادة من صيغة الأمر وانما هو الوجوب الذي يكون مدلولا التزاميا لصيغة الأمر، وحيث يكون الوجوب مفهوما اسميا فلامانع من تعليقه او تقييده ابدا([7]).
وهذا لايخلو من غرابة، لشهادة الوجدان بان المعلق على الشرط انما هو نفس مضمون الجزاء لاالوجوب الذي هو معنى اسمي وقد لايلتفت اليه المتكلم في الجملة الشرطية ابدا.
الخامس: ان الجزئي قابل للتقييد الاحوالي
5- ما ذكره المحقق العراقي “قده”، ومحصله ان الجزئي وان لميكن قابلا للتقييد الأفرادي ولكنه قابل للتقييد الاحوالي، فنقول مثلا زيد في حال كونه في المسجد مؤدب، فلذا يصح ان نقيد ثبوت الوجوب الذي هو مدلول الهيئة بحالة خاصة وهي حالة حصول الشرط([8]).
وقد اورد عليه في البحوث بما محصله من انه لو اريد جعل حكم على الجزئي مقيدا باقترانه بحالة خاصة فلامانع منه كما في قوله زيد في حال كونه في المسجد مؤدب، واما تقييد نفس وجود الجزئي بحالة خاصة بعد ان كان موجودا فهو غير معقول، لان الفرد حين ما صار جزئيا حقيقيا صار له تشخص معين غير قابل للتوسعة والتضييق، فحينما وجد معنى الهيئة وقلنا بكونه جزئيا حقيقيا فله حدود متشخصة معينة غير قابلة لحدود مختلفة حتى يتضيق وجوده بحد خاص وحالة مخصوصة، والمفروض انه في المقام لايراد اثبات حكم آخر على معنى الهيئة بل يراد تقييد وجوده بحالة خاصة بعد صيرورته موجودا وجزئيا حقيقيا وهذا غير معقول([9]).
ويمكن ان يجاب عن هذا الايراد بان المستحيل هو ان يوجد الجزئي والفرد من الأول بشكل مطلق اي لايتقيد وجوده بحالة خاصة، ثم يقيد وجوده بتلك الحالة، بحيث لايكون له وجود في غير تلك الحالة، ولكن لامحذور في ان يوجد من الاول الجزئي متقيدا بحالة خاصة.
السادس: ان جزئية المعنى الحرفي بلحاظ كونه متقوما بطرفيه و ليس جزئيا حقيقيا
6 – ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من ان المعنى الحرفي ليس جزئيا حقيقيا، بل جزئيته بلحاظ كونه متقوما بطرفيه، فجزئية “من” في قولنا “السير من البصرة ” انما هي لأجل تعلقها بالسير والبصرة فحسب، وكذا جزئية النسبة البعثية تكون لأجل كونها متقومة بطرفيها اي المبعوث والمبعوث اليه، فانه اذا تصور المتصور مفهوم جملة” اكرم زيدا” فقد تحققت النسبة البعثية في ذهنه بما لها من طرفيها اي المادة والمخاطب، وحينئذ فقد تم ذاتها بعد الاحتفاظ على خصوصية الوجود الذهني لطرفيه والمعنى الحرفي بعد الاحتفاظ على اطرافها يتحقق له ذات ويكون بحكم المفهوم الاسمي المستقل في امكان تقييده بقيد آخر،([10]) ولابأس بما افاده.
السابع: امکان تعلیق المعنى الحرفي على وجود الشرط ولو قلنا بكونه جزئيا حقيقيا
7- ما ذكره جماعة – منهم المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ” قدهم”- من ان المعنى الحرفي ولو قلنا بكونه جزئيا حقيقيا لكنه يقبل التعليق فيمكن ان يعلق وجوده على وجود الشرط، وهذا لاينافي ان يمتنع تقييده وتضييقه لاجل ان التقييد والتضييق انما يعرض على المفهوم الكلي([11]).
وفيه انه ان سلمنا كون المعنى الحرفي جزئيا حقيقيا فمعني ذلك تشخصه من حيث سنخ وجوده المترشح من علته المعينة، والا فلايصير جزئيا حقيقيا، فكيف يطرأ عليه التعليق الذي هو بمعنى تقييد وجوده بصدوره عن بعضها اي الشرط المذكور في الخطاب، فالمهم في الجواب انكار جزئيته الحقيقية، ويترتب على ذلك انه لامانع من تقييد النسبة التامة التي تدل عليها الجملة كقولنا “هذا الخشب رماد غدا” كما لامانع من ان يقال “هذا الخشب رماد ان احترق بالنار”، فالالتزام بامكان تعليق المعنى الحرفي دون تقييده غير متجه.
ولكن يمكن ان يجاب عن هذا الايراد بانه لو كان مفاد الجزاء امرا اعتباريا فالأمر الاعتباري قابل للإيجاد التعليقي، وحينئذ فحين ما يقول المولى” ان استطعت فلله عليك الحج”فما هو المعلق ليس وجود المعنى الحرفي ذهنا بل وجوده الاعتباري الذي يسمى بالمعتبر بالعرض ويكون هو الملحوظ في مقام الإنشاء بالنظر العرفي، فكما يمكنه اعتبار وجوده بلاشرط كذلك يمكنه اعتبار وجوده بعد تحقق الشرط، اذ كيفية الوجود الاعتباري تابعة لكيفية الاعتبار، فان معنى الأمر لو كان اعتبار الفعل على ذمة المكلف ومعنى النهي اعتبار حرمان الشخص عن الفعل كما عليه السيد الخوئي “قده” كان امرا اعتباريا وصح وجوده التعليقي.
نعم يمكن ان يقال انه بناء على ان الأمر والنهي عملية تكوينية خاصة يوجدها الشخص للتوصل الى مراده، فليس الأمر عملية اعتبارية كي يصح اعتبار حصول مفادها عند حصول الشرط فلو قال المولى” ان استطعت فحج “فلايستفاد منه عرفا عدا الأمر الفعلي بالحج على تقدير حصول الاستطاعة اتفاقا، فيكون نظير ما لو قال “ان استطعت فهل تحج” فانه لامعنى لتعليق الاستفهام على الشرط لعدم كونه اعتباريا، -فيختلف عما لو قال “ان مِت فداري ملك زيد”- فيكون الاستفهام فعليا والمستفهم عنه هو الحج على تقدير الاستطاعة.
فتحصل من جميع ما ذكرناه عدم امكان تقييدالهيئة
فتحصل من جميع ما ذكرناه عدم تمامية الوجه الذي نسب الى الشيخ الاعظم “قده”، من عدم امكان تقييدالهيئة ولكن لميتبين لنا تمامية هذه النسبة كماسيأتي في بحث الواجب المشروط
وجه الثانی لثمرة الاولی: ان لحاظ معنى الهيئة والحروف یکون لحاظا آليا فلا یمکن التقیید
الأمر الثاني: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من انه حتى لو كان معنى الهيئات والحروف كليا لكن حيث يكون لحاظ معنى الهيئة والحروف لحاظا آليا فيمنع ذلك من تقييده، وتقريبه من وجهين:
1- بناءا على مسلك صاحب الكفاية “قده”من ان المعنى الحرفي متحد ذاتا مع المعنى الاسمي، ويكون الاختلاف في شرط الواضع ان يكون لحاظ ذلك المعنى آليا في موارد استعمال الحرف ويكون لحاظه استقلاليا في موارد استعمال الإسم، وحينئذ فيقال ان تقييد شيء في قوة الحكم عليه فيستدعي لحاظه استقلالا، وعليه فتقييد المعنى الحرفي مستلزم للحاظه استقلالا بمتقضى ارادة تقييده ولحاظه آليا بمقتضى حرفيته، واجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي في شيء واحد محال.
والجواب عنه ان مراد صاحب الكفاية من كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا هو لحاظه تبعا وحالة لمعنى آخر وهذا لاينافي التوجه التفصيلي اليه كما مر بيانه في بحث المعاني الحرفية، كيف والغرض في الجملة التامة مثلا هو إثبات اتحاد الموضوع والمحمول، وهذا مدلول هيئة الجملة الذي هو معنى حرفي فكيف يكون مغفولا عنه، فلايتم ما ذكره في البحوث من ان الجواب منحصر بانكار مبنى صاحب الكفاية، فانه ينافي ما مر منه في بحث المعاني الحرفية فراجع.
وقد اجاب السيد الخوئي “قده” عن هذا الوجه بجواب آخر وهو انه على فرض لزوم كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا فيمكن لحاظه قبل الاستعمال استقلالا وتقييده ثم لحاظ المقيد آليا في مرحلة الاستعمال.
واورد عليه في البحوث بانه وان تم في المعنى الحرفي الواقع طرفا لنسبة ناقصة تحليلية لكنه لايتم في المعنى الحرفي الواقع طرفا لنسبة تامة كما في وقوع مفاد هيئة الفعل في جملة الجزاء في قولنا ان جاء زيد فأكرمه طرفا للنسبة التامة الشرطية حيث انه لابد من لحاظ طرفي النسبة التامة في مرحلة الاستعمال مجردا عن الطرف الآخر ثم ايقاع نسبة تامة بينهما وهذا متين.
2- ان المعنى الحرفي في ذاته معنى اندكاكي ومعنى نسبي فذاته متقوم بطرفين كالوجود الرابط فلااستقلال له في ذاته فضلا عن وجوده، والتوجه الاستقلالي يعني ايجاده في الذهن مستقلا وهو محال.
والجواب عنه ان التوجه الاستقلالي لايعني وجود المعنى الحرفي مجردا عن طرفيه، وانما يعني عدم الغفلة التفصيلية عنه، نظير الالتفات التفصيلي الى الوجود الرابط بين النفس والكيف النفساني، فانه لايخرجه عن كونه وجودا رابطا ومتقوما ذاته ووجوده بالطرفين اندكاكيا.
نعم ذكر في البحوث ان الجملة المشتملة على الحروف الدالة على نسب خارجية كقولنا “السير من البصرة ” فحيث ان مدلولها يكون بسيطا تصورا ويكون حصة خاصة من السير وان كانت تنحل بالتعمل العقلي الى سير والبصرة والنسبة الابتدائية بينهما فتكون هذه النسبة نسبة ابتدائية تحليلية، فلاوجود لها في الذهن كي يلحظ تقييده، وانما يعرض التقييد على تلك الحصة والمفهوم البسيط التصوري كقولنا “السير من البصرة على الفرس” و”غلام زيد في السنة السابقة “.
وما ذكره تام عرفا، فان الملحوظ في الجملة الناقصة هو الحصة، والتقييد يرجع اليها، وان لمنوافقه في كون النسبة التي تدل عليها الجملة الناقصة تحليلية.
الثمرة الثانية: ما في البحوث
ما في البحوث من انه بناء على عدم امكان تقييد معنى هيئة الأمر لكونه جزئيا او ملحوظا آليا حسب ما تقدم تقريبه في بيان الثمرة السابقة، فلايمكن التمسك باطلاق هيئة الأمر لنفي كون الوجوب مشروطا، إما لما أفاده المحقق النائيني “قده” من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل العدم والملكة، فالاطلاق هو عدم التقييد في مورد قابل للتقييد فاذا استحال التقييد استحال الاطلاق، او لأن عدم امكان التقييد يمنع من انعقاد الاطلاق الإثباتي فانه لاريب في ان تقابل الاطلاق والتقييد الإثباتيين تقابل العدم والملكة، فان الاطلاق الإثباتي يتوقف على جريان مقدمات الحكمة التي منها امكان التقييد.
واما بناء على امكان تقييد معنى هيئة الأمر فيمكن التمسك باطلاق الهيئة لإثبات كون الوجوب مطلقا لامشروطا، بل يمكن التمسك باطلاقها لنفي الوجوب الكفائي والتخييري بناء على كون الوجوب الكفائي راجعا الى اشتراط وجوب الفعل على المكلف بعدم قيام غيره بذلك او كون الوجوب التخييري راجعا الى اشتراط وجوب فعل بعدم الإتيان بالعدل الآخر([12]).
اقول: انه بناء على ما تقدم من الشيخ الأعظم “قده” من امتناع تقييدالوجوب ثبوتاوفي مقام الجعل وكون القيد راجعا الى متعلق الوجوب، فلايحتمل تقييدالهيئة ثبوتا ولذا انكرالواجب المشروط، نعم قديشك في تقييدالمادة فلايدرى هل الواجب مثلااكرام زيدٍاواكرام زيدٍعلى تقديرمجيئه فلووردفي الخطاب “أكرم زيدا”فيمكن التمسك باطلاق المادة لاثبات ان الواجب هواكرام زيدمطلقاوكذايكون مرجع الوجوب الكفائي الى تقييدالمادة فلو قال المولى في الواجب الكفائي “ان لميكرم سائر المكلفين زيدا فاكرمه” فيكون مرجعه الى تقييد المادة على نحو الواجب المعلق، وعندئذ فلو ورد في الخطاب “اكرم زيدا” فيمكن التمسك باطلاق المادة لنفي تقيدها، وهكذا يمكن التمسك باطلاق المادة لنفي الوجوب التخييري.
واما لو كان المحذور مختصا باستحالة تقييد هيئة الأمر فيكون محذورا اثباتيا لايرتبط بعالم ثبوت الجعل كي تكون استحالة التقييد الثبوتي موجبة لاستحالة الاطلاق الثبوتي على مسلك المحقق النائيني “قده”، وحينئذ فيمكن ان يدعى انه يكفي في انعقاد الاطلاق لهيئة الأمر امكان التقييد في المقام باختيار ما يدل على الوجوب بنحو المعنى الاسمي ثم تقييده بقيد فيقال مثلا ان جاءك زيد فيجب اكرامه، فيختلف المقام عن مثل استحالة أخذ قصد امتثال الأمر ثبوتا في متعلق الأمر.
هذا ومن جهة أخرى انه لو استحال تقييد الهيئة ثبوتا فبناء على مسلك السيد الخوئي “قده” من كون التقابل بينهما تقابل التضاد، حيث ذكر انه بعد استحالة الاهمال الثبوتي من الحاكم الملتفت فاستحالة التقييد توجب ضرورة الاطلاق، وكذا بناء على مسلك من يرى كون تقابل الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل السلب والإيجاب فيكون الاطلاق ضروريا، وحينئذ فيكون الاطلاق الثبوتي محرزا بالبرهان ولانحتاج الى مقدمات الحكمة لإثباته، نعم حيث يكون الاطلاق ضروريا فلايكشف عن اطلاق غرض المولى، ولعل هذا هو مقصودمافي البحوث حينما ذكر انه لو لمنقبل مبنى المحقق النائيني “قده” من ان استحالة التقييد توجب استحالة الاطلاق فمع ذلك لاتتم مقدمات الحكمة لتحقق الاطلاق الإثباتي.
هذاولايخفى أن صاحب الكفاية “قده”ذكرفي مفهوم الشرط أن مقدمات الحكمة لاتتم فيماهومفادالحروف والهيئات([13])ولعل منشأاشكاله شبهة عدم امكان تقييدمعنى الحروف والهيئات حيث أن لحاظه لابدأن يكون آلياوالتقييديحتاج الى اللحاظ الاستقلالي ولكن الظاهرعدم التزامه هذاالاشكال كمايطهرمن كلماته في بحث الواجب المشروط وبحث دوران امرالقيدبين رجوعه الى الهيئة اوالمادة.
الثمرة الثالثة: ما في البحوث ایضا
ما في البحوث ايضا ومحصله انه بناء على ان جزئية معنى الحرف والهيئة ليست جزئية حقيقة وانما هي جزئية طرفية فمع اكتمال الطرف الذي يتقوم به معنى الحرف والهيئة فيكون المعنى بحكم المعنى الاسمي في كونه كليا ودالا على الطبيعة لاالفرد، فيمكن التمسك باطلاق هيئة الأمر في جملة الجزاء لاثبات ان المعلق على الشرط هو طبيعي الوجوب لاشخص الوجوب المذكور في الجملة الشرطية، فيكون مآل قولنا “ان جاءك زيد فأكرمه” الى ان يقال “ان طبيعي وجوب اكرام زيد معلق على مجيئه”، وهذا يعني انه بانتفاء الشرط ينتفي سنخ الحكم لاشخصه فقط، وبذلك يتم المفهوم المطلق للجملة الشرطية، وأما لو قلنا بان معنى الهيئة جزئي حقيقي ولايدل على طبيعي الحكم فغاية ما تدل عليه الجملة الشرطية في مثل قولنا ان جاءك زيد فاكرمه هو ان شخص هذا الوجوب المنشأ في الخطاب معلق على مجيء زيد، ولاينفي ان يكون هناك وجوب آخر لإكرام زيد معلقا على شيء آخر([14]).
اقول: انه لايخفى ان مجرد الالتزام بكون معنى الهيئة كليا لايكفي لإثبات المفهوم المطلق للجملة الشرطية، حيث ان غايته صيرورة هيئة الأمر في جملة الجزاء مثل ما لو دلّت جملة الجزاء على الوجوب بنحو المفهوم الاسمي كما في قولنا “ان جاءك زيد فيجب اكرامه” فقد يقال انه لايستفاد منه اكثر من ثبوت الحكم على تقدير حصول الشرط، ولاينفى به ثبوت ذلك الحكم على تقدير حصول شرط آخر، نظير قوله: ان قتلت مؤمنا دخلت النار وان شربت السمّ تموت، فانه لايستفاد منهما انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط مطلقا، نعم الالتزام بجزئية معنى الهيئة مانع عن استفادة المفهوم المطلق من الجملة الشرطية جزما، ولعله “قده” لميرد اثبات اكثر من ذلك.
الثمرة الرابعة: التمسك باطلاق الموضوع الواقع طرفا للنسبة التامة و عدمه في الموضوع الواقع طرفا للنسبة الظرفية
ما في البحوث ايضا من ان ثمرة البحث عن كون النسبة ناقصة او تامة هو التمسك باطلاق الموضوع الواقع طرفا للنسبة التامة وعدم انعقاد الاطلاق في الموضوع الواقع طرفا للنسبة الظرفية، فلو قلنا بان اداة الشرط تدل على نسبة تامة فيكون مآل قولنا “ان جاءك زيد فأكرمه” الى “أن وجوب اكرام زيد معلق على مجيئه” فيثبت تعليق طبيعي وجوب اكرام زيد على مجيئه، وأما لو قلنا بان أداة الشرط تدل على نسبة ناقصة فيكون مآل تلك الجملة الشرطية الى قولنا “وجوب اكرام زيد المعلق على مجيئه ثابت”، فلايدل على ان طبيعي وجوب إكرام زيد معلق على مجيئه، فلايمكن نفي وجوب اكرام زيد معلقا على شيء آخر غير مجيئه([15]).
وما افاده متين جدا، فانه يوجد فرق بين قوله تعالى” وانزلنا من السماء ماء طهورا”و بين ما لو قيل “الماء النازل من السماء طهور” فلايستفاد من الاول ان كل ماء نازل من السماء طهوربخلاف الثاني، ووجهه ان مفاد النسبة التامة هوإثبات المحمول على الموضوع، فيقتضي ثبوت المحمول لكل ما انطبق عليه الموضوع، واما النسبة الناقصة الوصفية فليس مفادها الا تحصيص مفهوم وتضييقه، فلاتدل على الحكم بثبوت الوصف لطبيعي الموضوع.
ثم لايخفى ان ما ذكره -من ان مفاد أداة الشرط لو كان ثبوت النسبة التامة ثبت تعليق طبيعي الحكم على الشخص- يبتني على كون مفاد أداة الشرط النسبة التعليقية، وأما لو كان مفادها سببية الشرط للجزاء فلايظهر من مثل قولنا ان جاءك زيد فاكرمه اكثر من ان مجيئ زيد سبب لوجوب اكرامه، فلاينفي سببية شيء آخر لوجوب اكرامه أيضا، وتفصيل الكلام موكول الى محله.