فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

طریق معرفة نصف الليل.. 2

المراد من النصف اللیل.. 2

القول الاول: المشهور: ما بين غروب الشمس و بين طلوع الفجر. 2

القول الثانی: ما بين غروب الشمس و بين طلوعها 2

الوجوه للقول الثانی.. 2

الاول: المتفاهم العرفي من الليل.. 2

الثاني: بدلالة لفظ الغسق فی الایة. 2

تمامیة وجه الاول. 6

عدم ظهور “الغسق” في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها 6

الوجوه للقول المشهور. 7

الوجه الاول: الاستدلال بالمتفاهم العرفي.. 7

الوجه الثاني: التمسك بعدة من الآيات.. 8

الوجه الثالث: الاستدلال بالروايات.. 9

القول بأن مبدء النهار وان كان طلوع الشمس ولكن منتهى الليل طلوع الفجر. 13

روایات التی دلت علی أن بین الطلوعین لایکون من اللیل و لا من النهار. 14

کلام السيد الخوئي و الامام ره فی منتصف الليل للمبيت بمنى.. 15

تنبيه. 16

استدراك من ص191: 16

موارد الشك في معنى الليل والنهار. 19

المورد الاول: الشک فی منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء الموجب للشك في منتصف اللیل.. 19

المورد الثاني: في مثل وجوب المبيت بمنى في الحج من اول الليل الى منتصف الليل.. 20

المورد الثالث: مسألة التمام والقصر في حق المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر. 21

المورد الرابع: ما لو رأت المرأة الدم قبيل طلوع الشمس الى غروب الشمس من اليوم الثالث22

 

 

 

طریق معرفة نصف الليل

قال صاحب العروة: و يعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أول الغروب إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، و على هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها لكنه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب و طلوع الفجر كما عليه جماعة، و الأحوط مراعاة الاحتياط هنا و في صلاة الليل التي أوّل وقتها بعد نصف الليل.

المراد من النصف اللیل

اقول: وقع الخلاف في أن المراد من منتصف الليل المجعول غاية للعشاءين و مبدءاً لمشروعية صلاة الليل او افضليتها، هل هو نصف ما بين غروب الشمس و بين طلوع الفجر، ام نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، و حيث إن ما بين الطلوعين يعادل ساعة و نصف الساعة تقريباً، فالتفاوت بين القولين يكون حوالي ثلاثة أرباع الساعة.

القول الاول: المشهور: ما بين غروب الشمس و بين طلوع الفجر

ذهب المشهور الى الاول،

القول الثانی: ما بين غروب الشمس و بين طلوعها

و لكن ذهب جماعة الى الثاني، واستدل السيد الخوئي “قده” على القول الثاني بعد ما قواه بوجهين:

الوجوه للقول الثانی

الاول: المتفاهم العرفي من الليل

احدهما: المتفاهم العرفي من الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها في قبال النهار الذي هو من طلوع الشمس الى غروبها ويكون منتصف الليل والنهار ما بين ذلك.

الثاني: بدلالة لفظ الغسق فی الایة

ثانيهما: التعبير بالغسق في قوله تعالى “أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ” بضميمة الروايات المفسّرة له بمنتصف الليل، ففي صحيحة زرارة “و غسق الليل هو انتصافه[1]” و في صحيحة بكر بن محمد “و آخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل[2]” و ذلك لأن اشتداد ظلمة الليل و نهايتها إنما هو في المنتصف مما بين غروب الشمس و طلوعها، حيث يصل مكان المكلف الى وسط الظلمة اي الظل الحادث من جهة اشراق الشمس على الطرف الآخر.

ثم قال: و يتأيد ذلك بروايتين لولا ضعفهما لكانتا دليلين على المطلوب:

إحداهما: رواية الصدوق في الفقيه باسناده (المذكور في مشيخته بقوله “و ما كان فيه عن عمر بن حنظلة فقد رويته عن الحسين بن أحمد بن إدريس- رضي اللّه عنه- عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة[3]“) عن عمر بن حنظلة أنه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال: للّيل زوال كزوال الشمس، قال: فبأيّ شي‌ء نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت[4] حيث يستفاد منها أنه كما أن انحدار الشمس بعد ارتفاعها و نهاية صعودها يدل على الزوال و حلول نصف النهار، فكذلك انحدار النجوم الطالعة عند الغروب، فإنه يدل‌ على انتصاف الليل، أي النصف من غروب الشمس إلى طلوعها مثل نصف النهار.

و لا يخفى أن كون الانحدار المزبور علامة على الانتصاف موقوف على إرادة النجوم الطالعة أول الليل و عند الغروب، والتي تكون دائرة في مدار الشمس و متحدة معها في مدارتها، ضرورة أنها مختلفة، و من ثم قد يكون الليل أطول من النهار، و قد يكون أقصر، فإنه لو كانت النجوم طالعة قبل الغروب بأمتار أو بعده بزمان، فلا جرم تنحدر قبل الانتصاف في الأول و بعده في الثاني، فلا يكون انحدارها دليلاً على الانتصاف، كما أنه لو اختلف المدار و كان مسير الشمس و مدارها ليلاً أربع عشرة ساعة مثلًا و سير النجم أقل من ذلك أو بالعكس، فإنه ينحدر قبل الانتصاف أو بعده بطبيعة الحال و إن اتحد معها في الطلوع، فحينئذ كان انحدار النجوم علامة على الانتصاف، بشرط لحاظ المنتصف ما بين الغروب إلى طلوع الشمس، كما هو واضح.

ثانيتهما: رواية مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ الْقَرَوِيِّ عَنْ ابان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار[5].

فإنها ظاهرة الدلالة على تحقق الانتصاف عند ما تزول الشمس عن دائرة نصف الليل المحاذية لدائرة نصف‌ النهار، غير أن سند الاولى ضعيف بعدم ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة والثانية ضعيف بأحمد بن عبد اللّٰه القروي مضافاً إلى جهالة طريق السرائر إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، فلا تصلح إلا للتأييد[6].

اقول: أما رواية عمر بن حنظلة فالظاهر عندنا صحة سندها، لما مر من أن يزيد بن خليفة روى أنه قال لابي‌عبدالله ان عمر ‌بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال ابو عبد الله (عليه ‌السلام) اذاً لا يكذب علينا([7])، وهو ظاهر في وثاقة عمر‌بن حنظلة، وحيث ان صفوان يروى عن يزيد ‌بن ‌خليفة في عدة موارد([8]) فيثبت بذلك وثاقته.

وأما رواية ابي بصير فالاشكال في سندها منحصر بجهالة احمد القروي والا فلا اشكال في طريق صاحب السرائر الى كتاب محمد بن علي بن محبوب لما ذكر من أن هذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي “ره” فنقلت هذه الأحاديث من خطه[9].

يقع الكلام في دلالتهما:

أما دلالة رواية عمر بن حنظلة فنقول: لا اشكال في أن المراد من النجوم التي يكون انحدارها علامة ولو تقريبية على منتصف الليل ليست كل النجوم لانتشارها في جميع السماء شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، فدائما تنحدر بعض النجوم من فوق الرأس، الى جانب المغرب، وهذا ما تنبه اليه العلماء في تفسير هذه الرواية، كما أن اصل التفات السيد الخوئي الى اختلاف زمان غروب النجوم التي تطلع من المشرق في زمان واحد لاختلاف مدارتها، والذي يؤثر في زمان انحدارها تام جدا، فان حركة الارض الانتقالية حيث توجب أن تواجه الشمس فوق خط الاستواء بثلاث وعشرين درجة ونصف في اطول يوم من ايام الصيف وتواجه الشمس تحت خط الاستواء بثلاث وعشرين درجة ونصف في اطول ليلة من ليالي الشتاء، فكذلك تؤثر هذه الحركة بل نفس اختلاف مواقع النجوم واختلاف نسبة الأرض وبلد المكلف مع أي منها في اختلاف زمان غروب نجم عن نجم آخر وان اتحد وقت طلوعهما، ولذا ذكر في البحار أنه إذا اتفق طلوع كوكب عند غروب الشمس فربما وصل قبل ساعة من منتصف الليل إلى فوق رأس المكلف ككوكب يسمى بفرد الشجاع، و ربما وصل قبل ساعتين منه كالكوكب المسمى بالشعراء اليمانية، و ربما وصل اليه بعد ساعة ونصف تقريبا من منتصف الليل كالكواكب المسماة بسماك الرامح و رأس الجوزاء و فم الفرس، أو بعد ساعتين تقريبا كالنسر الطائر و العيوق و نير الفكة، أو بثلاث ساعات تقريبا كالنسر الواقع، أو أربع ساعات كالردف، ثم قال: و حمل كلام الإمام (عليه السلام) في بيان القاعدة التي تحتاج إليها عامة الخلق على معنى لا يعرفه إلا أوحدي الناس في هذا الفن في غاية البعد، و هذا يؤيد كون الرما ذكرنا أنه مبني على التقريب و التخمين لاستعلام أول صلاة الليل فيسقط الاستدلال به على ما توهموه كما عرفت.

و ربما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب و كانوا يعرفون بالتجارب طلوعها و غروبها و وصولها إلى نصف النهار و يكون الغرض تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك بعد تحصيل التجربة و فيه‌ أيضا ما فيه، و ذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك في طول السنة علاماتٍ[10].

وكيف كان فلا يتم ما ذكره السيد الخوئي من لزوم وحدة مدار النجم والشمس، فان النجم الذي يكون انحداره مقارنا لمنتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها هو الذي يكون مقدار بقاءه في الافق في الليل بمقدار غيبوبة الشمس عن الافق في الليل، فيكون طلوعه من المشرق عند غروب الشمس مستلزما لغروبه في المغرب عند طلوع الشمس، وهذا ينافي فرض وحدة مدارهما، اذ لازم وحدة مدارهما أن يكون مقدار مكث النجم في الافق في الليل بمقدار مكث الشمس في الافق في النهار فلو كان النهار اربع عشر ساعة والليل عشر ساعات، كان مدة مكث النجم الذي يكون في مدار الشمس في الليل اربع عشر ساعة لا عشر ساعات كما هو واضح بالتأمل، فلو كانت الشمس في مدار رأس الجدي كما في اول الشتاء في بلادنا الواقعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية وكان النجم ايضا في هذا المدار في خط طولي يكون طلوعه في وقت غروب الشمس فلا محالة يكون زمان مكثه في الافق بمقدار زمان مكث الشمس في الافق والذي يكون بالنهار، وهذا كما اتضح ينتج خلف المقصود، وعليه فلو كانت الشمس في مدار رأس الجدي فلابد أن يكون مدار النجم في مدار رأس السرطان وكذا بالعكس، وهذا شيء لا يمكن ضبطه، بل لابد من التجربة طول السنة، بأن يلحظ في الأيام السابقة القريبة النجوم الطالعة من المشرق عند غروب الشمس والتي تغرب عند طلوع الشمس ويميِّزها عن بقية النجوم بعلامةٍ، فيجعل انحدارها في الليلة المتأخرة علامة منتصف الليل، والظاهر أن هذا كان مقصود السيد الخوئي وان كان تعبيره بوحدة المدار غير متناسب.

ولكن المشكلة ما ذكره المجلسي “ره” في البحار من أنه حيث يلزم تخصيصها بالكواكب التي تطلع عند غروب الشمس، -اذ الكواكب في الليل منتشرة في جميع السماء- فأكثر الكواكب لا تظهر للأبصار إلا بعد مضي زمان من غروب الشمس، والا فلو حملت على الكواكب التي كانت عند ظهورها على الأفق، فهي تصل إلى دائرة نصف النهار بعد مضي كثير من انتصاف الليل، و لو حملت على أن يقدَّر أنها كانت عند الغروب على الأفق فهذا مما لا يهتدي إليه أكثر العوام بل الخواص أيضا، فلابد من حملها على ما كانت ترى في البلدان في بدو ظهورها فوق الأبنية و الجدران و الظاهر في أمثالها أنها تصل إلى دائرة نصف النهار قبل انتصاف الليل المعهود عندهم.

فالظاهر أن التحديد في الرواية تقريبي، إذ تعيين كواكب مخصوصة كل ليلة لا يتيسر لأكثر الخلق مع أن الانحدار لا يتبين لهم إلا بعد مضي زمان من التجاوز عن دائرة نصف النهار، و في مثل ذلك لا يؤثر التقدم و التأخر بقدر نصف ساعة أو ثلثيها أو أكثر من ذلك بقليل، فلا ينافي أن يكون منتصف الليل ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر[11].

وان شئت قلت: بعد عدم امكان تشخيص نجم خاص يكون انحداره مقارنا لانتصاف الليل، ولزوم رعاية وقت غروب نجم عن الافق في آخر الليل، ولزوم رعاية طلوعه في الليالي السابقة القريبة في الافق اول الليل ولا يرى ذلك عادة حين الطلوع، فكما يمكن أن يكون المعتبر رعاية نجم يغرب عند طلوع الشمس ويطلع حين غروب الشمس فيوافق القول المخالف للمشهور فكذلك يمكن أن يكون المعتبر رعاية نجم يغرب عند طلوع الفجر ويطلع قبل غروب الشمس ساعة وربع تقريبا بمقدار ما بين الطلوعين، فيوافق قول المشهور، ويؤيد الأخير عدم امكان رؤية نجم يطلع من المشرق حين غروب الشمس الا بعد ما يلحظ فوق الأفق بعد مدة معتد بها، فلا تدل الرواية على من القولين بعد عدم اختلاف كثير بينهما في العلامة التقريبية لانحدار بعض النجوم والتي لم تحدد في الرواية، بل كانت الرواية مجرد مشير الى ما لعله كان متعارفا بين الناس.

ثم انه لا ينبغي التشكيك في أصل كون انحدار نجوم معينة تعرف بالتجربة في الليالي السابقة القريبة علامة تقريبية لمنتصف الليل، فان الظاهر أنه كان في الناس سابقا جمع معتد به يمكنهم التشخيص التقريبي لمنتصف الليل، حيث ورد في الروايات تحديد منتهى صلاة المغرب والعشاء بمنتصف الليل ومبدأ صلاة الليل به وكذا ورد في صحيحة محمّد بن مسلم أنه كان رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله) إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلىٰ فراشه، ثمَّ لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل، وفي رواية أخرى:‌ …حتّى يزول الليل، فإذا زال الليل صلّىٰ ثماني ركعات و أوتر في الركعة الأخيرة[12]، وفي رواية الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِذَا كَانَ لَيْلَةُ إِحْدَى [13]وَ عِشْرِينَ- وَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يَزُولَ اللَّيْلُ- فَإِذَا زَالَ اللَّيْلُ صَلَّى[14]، وفي معتبرة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَدَّمَ النِّسَاءُ إِذَا زَالَ اللَّيْلُ- فَيَقِفْنَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ سَاعَةً.

فاذاً لم تتم دلالة رواية عمر بن حنظلة على كون المراد من منتصف الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها.

وأما الرواية الثانية فلم يرد فيها الا أن غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار اي ان غسق الليل هو منتصفه كما أن منتصف النهار هو زواله، وهذا لا يعني ملاحظة كون منتهى الليل طلوع الشمس، حتى يكون منتصف الليل ما بينه وبين غروب الشمس، بل لعله لاحظ كون منتهاه طلوع الفجر ويكون منتصف الليل ما بينه و بين غروب الشمس.

تمامیة وجه الاول

فالمهم ملاحظة الوجوه التي استدل بها على مختاره، فنقول: أما الوجه الاول وهو أن المتفاهم العرفي من الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها في قبال النهار الذي هو من طلوع الشمس الى غروبها ويكون منتصف الليل والنهار ما بين ذلك، فتام جدا، فان العرف العام يرى بقاء الليل بعد طلوع الفجر مادام السماء مظلما، وان لم يتضح لنا كون منتهى الليل ومبدأ النهار هو طلوع الشمس فلعله قبيل ذلك اي حين تبيض السماء، الا انه لا ينافي امكان انعقاد ظهوره في العرف المتشرعي في كون منتهاه ومبدأ النهار بطلوع الفجر، فلابد من ملاحظة الوجوه الآتية التي استدل بها المشهور.

عدم ظهور “الغسق” في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها

وأما الوجه الثاني وهو أن غسق الليل -الذي جعل آخر وقت العشاء وفسر في مثل صحيحة زرارة بانتصاف الليل[15]، و ورد في صحيحة بكر بن محمد “و آخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل[16]“- هو اشتداد ظلمة الليل، وهذا يكون في المنتصف مما بين غروب الشمس و طلوعها، حيث يصل مكان المكلف الى وسط الظلمة اي الظل الحادث من جهة اشراق الشمس على الطرف الآخر ففيه أن كون الظلمة في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها اشد مما قبله وما بعده فليس محسوسا لدى العرف بل يساوي هو مع ما قبله وما بعده في شدة الظلمة، ولذا ذهب جماعة الى كون غسق الليل سقوط الشفق، كما ذهب آخرون الى كونه ما قبل طلوع الفجر، وعليه فلا يكون ظاهرا في منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها.

وقد استدل ايضا بالنصوص المتضمنة لإطلاق نصف النهار على الزوال، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه سأل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم، قال فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه[17].

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان[18]

و في صحيحة زرارة: … و قال تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ و هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلاها رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و هي وسط النهار[19].

فانّ توصيف الزوال بنصف النهار أو بوسطه إنما يستقيم بناءً على كون مبدءه طلوع الشمس، إذ لو كان طلوع الفجر لتحقق الانتصاف قبل الزوال بثلاثة أرباع الساعة تقريباً[20].

اقول: الانصاف تمامية هذا الوجه، ولكن لابد من الجواب عما استدل به المشهور على كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فانهم استدلوا لذلك بعدة وجوه:

الوجوه للقول المشهور

الوجه الاول: الاستدلال بالمتفاهم العرفي

فقد ذكر في البحار: انه لا يفهم في عرف الشرع و لا في العرف العام و لا بحسب اللغة من اليوم أو النهار إلا ما هو من ابتداء طلوع الفجر و لم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة قد انقرضوا، نعم بعض أهل الحرف و الصناعات لما كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس قد يطلقون اليوم عليه و بعض أهل اللغة لما رأوا هذا الإصلاح ذكروه في كتب اللغة و يحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة، و كذا المنجمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب و على ما بين الطلوع إلى الطلوع و على ما بين الغروب إلى الغروب و على ما بين الزوال إلى الزوال و كذا النهار على المعنى الأول و الليل على ما بين غروب الشمس إلى طلوعها، لكن لا ينبغي أن يستريب عارف بقواعد الشريعة و إطلاقاتها في أنه لا يتبادر فيها مع عدم القرينة من النهار إلا ما هو مبتدأ من طلوع الفجر، و قد يطلق اليوم على مجموع الليل و النهار، و لا يتبادر من الليل إلا ما ينتهي بطلوع الفجر[21].

وفيه ما مر من أنه لا ريب أنه يكون الليل في العرف العام باقيا بعد طلوع الفجر مادامت الظلمة باقية.

الوجه الثاني: التمسك بعدة من الآيات

منها: قوله تعالى: انا انزلناه في ليلة القدر…سلام هي حتى مطلع الفجر” فان ظاهره يأبى عن حمله على التخصيص بأن تكون ليلة القدر باقية بعد طلوع الفجر لكن لا تكون سلاما.

ومنها: قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر، وَ الصُّبْحِ إِذٰا أَسْفَرَ، فان ظاهر المقابلة هو كون الصبح الذي لا ريب في كونه من طلوع الفجر في قبال الليل.

ونحوها قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذٰا عَسْعَسَ، وَ الصُّبْحِ إِذٰا تَنَفَّسَ، وكذا قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ… إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، وقوله تعالى: وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ” و قوله تعالى: فٰالِقُ الْإِصْبٰاحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً”، وقوله تعالى: وَ الْفَجْرِ. وَ لَيٰالٍ عَشْرٍ. وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ، وقوله تعالى: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَ مِنَ اللَّيْلِ، فانه لا ريب في ظهوره في أن التسبيح قبل طلوع الشمس الذي يراد به صلاة الفجر في غير الليل.

ومنها: قوله تعالى: كتب عليكم الصيام…أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ، فانه لا يب في كون مبدأ الصوم من طلوع الفجر فقد قال تعالى: حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.

ومنها: قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلًا نِصْفَهُ او انقص منه قليلا او زد عليه… إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّيْلِ هي اشد وطئا واقوم قيلا.

فان من المعلوم أن الواجب على النبي (صلى الله عليه و آله) القيام إلى الفجر و أنه هو الذي يلاحظ نصفه و ثلثه و ثلثاه كما دلت عليه الأخبار.

ويمكن ان يجاب عن هذه الآيات أنه لا اشكال في صحة استعمال الليل في المعنى الأخص وهو ما يقابل الصبح ويكون القرينة عليه نفس المقابلة مع الصبح كما في هذه الآيات، ولكنه لا ينافي كون الظهور الاطلاقي للفظ الليل المقابل للنهار واليوم يشمل ما بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، والاستدلال بهذه الآيات على كونه حقيقة في ما يقابل الصبح غير صحيح، فان الاستعمال مع القرينة ولو كان كثيرا، لا ينافي الظهور الاطلاقي للفظ الليل في ما يشمل ما بعد طلوع الفجر.

ومنها: وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، وقد استدل به الشيخ الطوسي “ره” في الخلاف على كون آخر الليل واول النهار طلوع الفجر فقال: الفجر هو أول النهار و آخر الليل، و به قال عامة أهل العلم، و ذهبت طائفة الى أن ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس من الليل و لا من النهار، بل هو زمان منفصل بينهما، و ذهبت طائفة الى أن أول النهار هو طلوع الشمس، و ما قبل ذلك من الليل، فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، و لا يحرم الطعام و الشراب على الصائم إلى طلوع الشمس ذهب إليه الأعمش و غيره، و روي ذلك عن حذيفة، دليلنا: على فساد قول الفرقة الأولى: قوله تعالى “يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ” و هذا ينفي أن يكون بينهما فاصل، و يدل على فساد‌ قول الأعمش قوله تعالى “أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰار” و لم يختلفوا ان المراد بذلك صلاة الصبح و العصر، فلما كانت صلاة الصبح تقام بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس دل ذلك على أن هذا الوقت طرف النهار، و أيضا أجمعت الفرقة المحقة على تحريم الأكل و الشرب بعد طلوع الفجر، و قد بينا أن ذلك حجة على أن هذا الخلاف قد انقرض، و أجمع عليه المسلمون، فلو كان صحيحا لما انقرض[22].

كما ذكر القاضي ابن البراج في جواهر الفقه: صلاة الصبح من صلاة النهار، لقوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ” و لا خلاف في ان المراد بذلك، صلاة الفجر و العصر، و لما كانت صلاة الفجر تقام بعد طلوع الفجر الى قبل طلوع الشمس، و كان ذلك دالا على ان هذا الوقت طرف النهار، و لأن إجماع الطائفة عليه أيضا[23].

وقد تعرض السيد الخوئي “قده” للاستدلال بهذه الآية ولكن ذكر في تقريبه أن المراد بالصلاة طرفي النهار صلاة الغداة و المغرب كما فسّرت بذلك في صحيحة زرارة، حيث ورد فيها “وَ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وَ هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ[24]” و حيث إنّ طرف الشي‌ء داخل فيه، فيكون الغداة داخلاً في النهار، ثم اورد عليه بأن طرف الشي‌ء كما يطلق على ما هو داخل فيه كالجزء الأول و الأخير، كذلك يطلق على ما هو خارج عنه متصل به كحدّ له، و لا شبهة أن المراد من أحد الطرفين في الآية المباركة هو المعنى الثاني كما سمعت من تفسيره بالمغرب الذي هو خارج عن النهار قطعاً، فلابد بمقتضى اتحاد السياق أن يكون الطرف الآخر أيضاً كذلك، إذن فالآية المباركة على خلاف المطلوب أدلّ[25].

وانت ترى ان استدلال الشيخ “ره” في الخلاف كان مبنيا على دعوى الاجماع على كون المراد من طرفي النهار الغداة والعصر، فلا يرد عليه اشكاله، نعم الصحيح المنع من كون المراد به الغداة والعصر لمخالفته لصحيحة زرارة، فاذا اريد منه صلاة الغداة والمغرب، كان ظاهره خروج الغداة ايضا عن النهار، ولكن ليس بحيث يعارض بعض الروايات الصريحة في كون صلاة الغداة صلاة بالنهار.

الوجه الثالث: الاستدلال بالروايات

منها: ما ورد في استحباب الغلس بصلاة الفجر، أي الإتيان بها عند طلوع الفجر، ففي رواية رزيق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض و كان يقول و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كٰان مشهودا إن ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع‌ الفجر فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي[26].

و في معتبرة إسحاق بن عمار: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن أفضل المواقيت- في صلاة الفجر قال مع طلوع الفجر إن الله تعالى يقول إن قرآن الفجر كٰان مشهودا يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرتين تثبته ملائكة الليل و ملائكة النهار[27]، وأجاب عنه السيد الخوئي بأن شهود كل من ملائكة الليل وملائكة النهار لصلاة الفجر منوط بوقوعها لدى طلوع الفجر مباشرة، كي يشهدها كلتاهما، و من الضروري أن الوقوع في نفس ذاك الآن تحقيقاً مما لا يتيسر عادة، لعدم العلم به من غير المعصوم (عليه السلام)، بل لابد من التأخير شيئاً ما و لو من باب المقدمة العلمية، على أن نوعاً من التأخير مما لابدّ منه لأجل تحصيل المقدمات و لا أقل من الأذان و الإقامة.

و عليه فيتوقف شهودهما إما على تقدم نزول ملائكة النهار لو كان مبدء النهار طلوع الشمس، أو تأخر صعود ملائكة الليل لو كان المبدء طلوع الفجر، فارتكاب أحد التأويلين مما لا مناص منه بعد امتناع الجمود على ظاهر النص، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و معه تصبح الرواية من هذه الجهة مجملة[28].

وقد أجاب شيخنا الاستاذ “قده” -بعد ما اختار كون منتهي الليل طلوع الشمس- عن رواية اسحاق بن عمار اولا: بضعف سندها، لأجل أن في سندها عبد الرحمن بن سالم وهو ممن ضعفه النجاشي وغيره وأما نقل البزنطي عنه فلا يدل على وثاقته حيث ان شهادة الشيخ في العدة بأنه لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة اجتهادية، وأما رواية الصَّدُوقُ فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ هذه الرواية ففي سندها غِيَاثِ بْنِ كَلُّوبٍ ولم يثبت وثاقته.

وثانيا: لا ظهور لها في كون مبدأ النهار طلوع الفجر حيث يكفي في انتساب طائفة من الملائكة الى النهار بقاءهم ومكثهم في الارض طول النهار، وان كانوا متواجدين في الارض من طلوع الفجر وقبل النهار، ويحصون اعمال العباد من ذلك الوقت، والا لم يكن وجه لضبط ملائكة الليل اعمال العباد بعد طلوع الفجر قبل خروجهم عن الارض.

وثالثا: ان غاية مدلولها كون المعيار في صعود ملائكة الليل من الارض ونزول ملائكة النهار هو طلوع الفجر، ولا تدل على كون المراد من الليل والنهار في الاحكام الشرعية هو ما يكون منتهى الليل ومبدء النهار طلوع الفجر.

وبمثل ذلك اجاب عن رواية زريق[29].

صعودهم منها هو الرواية فيه أنه لا مجال عرفا لانكار ظهور هذه الروايتين في كون زمان صعود ملائكة الليل وزمان نزول ملائكة النهار حوالي طلوع الفجر، حين الاتيان بصلاة الفجر في اوائل طلوع الفجر يشهدها كلتا الملائكتين حال الصعود او النزول.

اقول: الظاهر كون رواية اسحاق بن عمار معتبرة، اذ مضافا الى عدم تضعيف النجاشي لعبد الرحمن بن سالم وانما نقل تضعيفه عن ابن الغضائري ولم يثبت كتابه فيرجع الى توثيقه بسبب رواية البزنطي عنه، وهذا مقبول عندنا، مضافا الى أن غياث بن كلوب ثقة لان الشيخ في كتاب العدة ذكره في جملة من رواة العامة الذين عملت الطائفة باخبارهم، والانصاف قوة دلالتها على كون طلوع الفجر ملتقى صعود ملائكة الليل وملائكة النهار، وهذا لا ينافي تأخر ملائكة الليل عن الصعود قليلا فيشاهدون صلاة الفجر في اول وقتها العرفي نعم لا بأس باشكاله الاخير مضافا الى معارضتها مع ما يدل على كون طلوع الشمس مبدء النهار فيكون المرجع الظهور الاولي للفظ الليل والنهار في كون ما بعد طلوع الفجر جزءا من الليل عرفا دون النهار.

و منها: ما رواه الصدوق في الفقيه مرفوعا عن يحيى بن أكثم القاضي أنه سأل أبا الحسن الأول عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات‌ النهار و إنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال: لأن النبي (صلى اللٰه عليه و آله) كان يغلس بها فقربها من الليل[30]، و روى في العلل عن ابيه قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن بشار عن موسى عن أخيه عن علي بن محمد (عليه السلام) أنه أجاب في مسائل يحيى بن أكثم القاضي أما صلاة الفجر و ما يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار و إنما يجهر في صلاة الليل قال جهر فيها بالقراءة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغلس فيها لقربها بالليل[31]

وسندها ايضا مشتمل على مجاهيل، ولكن اعترف السيد الخوئي بان دلالتها تامة، ولكن ناقش شيخنا الاستاذ “قده” في دلالتها بأن من المحتمل وجود محذور في الانكار على يحيى بن اكثم في ما اعتقده من كون صلاة الفجر من صلوات النهار[32].

ومنها: ما ورد في صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) “الصلٰاة الوسطى و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هي وسط النهار و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر[33].

وقد أجاب عنها السيد الخوئي بلزوم حملها على ضرب من التوسع و المجاز بعلاقة المجاورة و المشارفة، نظراً إلى امتداد الوقت إلى طلوع الشمس و جواز الإتيان بها قبيل ذلك، بل لعله هو الغالب لعامة الناس، فمن ثم صح إطلاق صلاة النهار عليها و إن لم تكن منها حقيقة، والقرينة على ذلك موجودة في نفس الصحيحة حيث ان الوارد فيها قبيل ذلك “قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وَ هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ”[34].

وقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أن حمل “وطرفاه المغرب و الغداة” على كون الطرف الاول داخلا والطرف الآخر خارجا عن النهار بعيد جدا، لكن حمل النهار في قوله “وسط صلاتين بالنهار” على معناه الالحاقي غير بعيد[35].

كما كان يخطر بالبال وجود تضارب في صدر الصحيحة وذيلها، حيث يظهر من صدرها اي قوله “طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ” كون صلاة الغداة كصلاة المغرب خارجة عن النهار، ويظهر من ذيلها وهو قوله “صلاتين بالنهار” كون صلاة الغداة في النهار، فلابد ممن كون احد الاستعمالين مبنيا على التجوز، فتصبح الصحيحة مجملة من هذه الجهة.

ولكن الظاهر عدم اجمال في الصحيحة، وانعقاد ظهورها في كون المراد من النهار هو ما يكون مبدأه طلوع الفجر، توضيح ذلك: أن الظاهر من قوله “أقم الصلاة طرفي النهار وطرفاه المغرب والغداة” هو وقت الغداة اي طلوع الفجر ووقت المغرب اي غروب الشمس، فيجب عند طلوع الفجر صلاة الصبح، كما يجب عند غروب الشمس صلاة المغرب، ولا محالة يقع صلاة الصبح داخل النهار وصلاة المغرب خارج النهار، ولا مخالفة فيه للسياق ابدا، فيتوافق مع قوله “صلاة الظهر وسط بين صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر”.

نعم لو كان المراد أن طرفي النهار نفس صلاة المغرب والصبح، فتكون صلاة المغرب طرفا خارجا عن النهار، فلو كان طلوع الفجر مبدأ النهار كانت صلاة الصبح طرفا داخلا للنهار، فيكون خلاف ظاهر وحدة السياق، فيكون دليلا على كون طلوع الشمس مبدأ النهار حتى تكون صلاة الصبح ايضا طرفا خارجا عن النهار فيتنافى مع ظهور الذيل، ويؤيده ما ورد في معاني الاخبار، من قوله “طرفي النهار وطرفاه صلاة المغرب والغداة[36].

ولكن يرد عليه اولا: ان الظاهر كون طرف النهار من سنخ الزمان لا من سنخ الفعل فيكون الظاهر من قوله طرفي النهار المغرب والغداة وقت المغرب والغداة، فحتى لو كانت الرواية مطابقة لما في معاني الاخبار فيكون ظاهرها وقت صلاة المغرب والغداة.

وثانيا: انه لو فرض ظهورها في كون صلاة الغداة طرفا خارجا كصلاة المغرب فالذيل اقوى ظهورا في كون صلاة الغداة صلاة نهارية، فيوجب حملها على الطرف الداخل او ما مر من كون المراد به اول وقت صلاة المغرب والغداة.

وثالثا: لو فرض اباء حمل نقل معاني الأخبار على ما ذكرنا فحيث ان نقل الصدوق في الفقيه وعلل الشرايع هكذا “وطرفاه المغرب والغداة”، فيتعارض نقل الصدوق في حد ذاته ولا يوجد مانع عقلائي عن الرجوع الى نقل الكافي والتهذيب “طرفاه المغرب والغداة”.

وأما التعبير في ذيل الرواية عن صلاة الظهر بكونها وسط النهار، فلا اشكال في أن العرف حينما يراه مقترنا ببيان كونها وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر فيفهم منه الوسط المسامحي الذي لا ينافيه تأخره عن الوسط الحقيقي بين طلوع الفجر الى غروب الشمس بخمسة واربعين دقيقة، والحاصل أن الظاهر كون النهار في قوله “صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر مستعملا فيما يكون مبدأه طلوع الفجر، ومعه فيتعين كون المراد من الوسط الوسط المسامحي، وأما ما احتمله السيد الخوئي “قده” من كون المراد من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس وانما ادعي كون صلاة الغداة في النهار لعلاقة المشارفة خصوصا بعد اتيان عامة الناس لها قبيل طلوع الشمس فخلاف الظاهر جدا.

فالانصاف ظهور الصحيحة في كون النهار فيها مستعملا في ما يكون مبدأه طلوع الفجر.

نعم قد يقال بأن مجرد استعمال النهار في هذه الرواية في المعنى الاعم الذي يكون مبدأه طلوع الفجر، لا يكشف عن ظهور متشرعي للفظ النهار عند اطلاقه في ذلك، بعد كون الظهور الاولي العرفي للفظ النهار في عدم شروعه بمجرد طلوع الفجر، بل العرف يرى بقاء الليل، وقد يؤيد ذك ما ورد في الروايات من التعبير عن زوال الشمس بانتصاف النهار، ففی صحیحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ السَّفَرَ وَ هُوَ صَائِمٌ- قَالَ فَقَالَ إِنْ خَرَجَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ- فَلْيُفْطِرْ وَ لْيَقْضِ ذَلِكَ الْيَوْمَ- وَ إِنْ خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ[37]، وفي موثقة مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) قَالَ: الصَّائِمُ تَطَوُّعاً بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّوْمُ[38].

ولا اشكال في ظهور التعبير بانتصاف النهار في زوال الشمس، حيث يدل بوضوح على تساوي نصفي النهار، وينحصر بكون مبدء النهار طلوع الشمس، كما أن مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” ظاهرا في كون المراد من مبصرية آية النهار وجود الشمس في الافق، كما لا اشكال عندنا في أن العرف العام كان يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس او بياض السماء، ويفهم العرف هذا المعنى فعلا، لكن احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر مما لا محال لدفعه، بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خصوصا مع ما يوجب الظن بالخلاف كقول الشيخ “ره” في الخلاف من أن عامة اهل العلم على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر، فيتحقق الشك في المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة، فلا يترك مراعاة الاحتياط، وان كان مقتضى الصناعة في منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء عند الشك في الظهور الاستعمالي للفظ الليل الموجب للشك في منتصفه جريان البراءة عن تضيق وقتهما لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فيما اذا تنجزت الصلاتان قبل ذلك، والبراءة عن وجوب المبادرة اليهما في فرض عدم تنجزهما قبل ذلك كما لو كان نائما او ساهيا او حائضا، وقد يتشكل بذلك علم اجمالي تدريجي لمن علم بأنه سوف يبتلى في المستقبل بهذه الاعذار.

وفي بقية الاحكام كوجوب التمام على المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر، فيرجع الى العام الفوقاني ان كان، كوجوب القصر على المسافر، وان لم يكن عام فوقاني، فيرجع الى الاصل العملي، وهو استصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس، بناء على جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية، ويثبت به أن من نوى اقامة عشرة ايام قبيل طلوع الشمس الى غروب اليوم العاشر، أنه نوى اقامة عشرة ايام، نظیر ما لو استصحب عدم طلوع الفجر فنوى الاقامة الى غروب اليوم العاشر، حيث لا يشك احد في أنه يثبت به المدة التى نوى الاقامة فيها تكون عشرة ايام.

وبناء على عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فلابد من اجراء الاصول الحكمية التي تختلف باختلاف الموارد فيلزم الاحتياط في هذا المثال للعلم الاجمالي بوجوب القصر او التمام.

القول بأن مبدء النهار وان كان طلوع الشمس ولكن منتهى الليل طلوع الفجر

هذا وقد يقال بأن مبدء النهار وان كان طلوع الشمس ولكن منتهى الليل طلوع الفجر، فيكون منتصف الليل على هذا القول ايضا ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، وقد حكاه الشيخ في الخلاف عن جماعة، فلا يكون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من الليل و لا من النهار، وقد يستدل له بثلاث روايات:

روایات التی دلت علی أن بین الطلوعین لایکون من اللیل و لا من النهار

إحداها: رواية الصدوق في العلل عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن شمون عن أبي هاشم الخادم قال: قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) لم جعلت صلاة الفريضة- و السنة خمسين ركعة لا يزاد فيها و لا ينقص منها- قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة- و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة- فجعل الله لكل ساعة ركعتين و ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق- فجعل للغسق ركعة[39].

ثانيتها: رواية الكافي عن اسماعيل بن ابان عن عمر بن أبان الثقفي قال: سأل النصراني الشامي الباقر (عليه السلام) عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار، أيّ ساعة هي؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. قال النصراني: إذا لم يكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أيّ ساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): من ساعات الجنة و فيها تفيق مرضانا، فقال النصراني: أصبت[40].

ثالثتها: رواية السياري عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الخمسين و الواحدة ركعة فقال إن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة و ساعات الليل‌ اثنتا عشرة ساعة و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق، فلكل ساعة ركعتان و للغسق ركعة[41].

فيقال بأنه لأجلها يرفع اليد عن ظهور ما دل على أن ساعات الليل والنهار اربع وعشرون ساعة، كرواية جمال الأسبوع لابن طاووس عن محمد بن جعفر بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و عن عتبة بن الزبير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع- قال قال رسول الله: الليل و النهار أربع و عشرون ساعة[42]، و رواية أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن ليلة الجمعة و يوم الجمعة أربع و عشرون ساعة- لله عز و جل في كل ساعة- ستمائة ألف عتيق من النار[43]، حيث ان ظاهرها عدم ساعة غيرها.

ويرد عليها اولا: ضعف سندها، كما هو واضح، ولا يورث كونها ثلاث روايات الوثوق بالصدور خصوصا مع احتمال تداخل سند الثالثة مع الاولى او الثانية، وثانيا: انها ليست بحجة لكونها مخالفة للكتاب كقوله تعالى “وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنٰا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” و “وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً”‌ فان الخلفة تعني عدم الفصل بينهما، ‌و “يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ”، وأما قوله تعالى “وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ، فاذا هم مظلمون”، فهو مرتبط بسلخ النهار من الليل حين غروب الشمس، ولا اشكال في كون منتهى النهار مبدأ الليل، انما الاختلاف في الفاصل بين منتهى الليل ومبدأ النهار.

فتحصل أن ما اختاره جماعة من كون منتصف الليل هو ما بين غروب الشمس الى طلوع الشمس، كما أن منتهي الليل هو طلوع الشمس، لا يخلو من وجه بناء على قبول اصالة الثبات في اللغة، ولكن حيث لم يتم ذلك عندنا فلا يترك الاحتياط في المسألة برعاية كل من قول المشهور بكون منتهى الليل ومبدء النهار طلوع الفجر والقول المخالف له من كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الشمس.

کلام السيد الخوئي و الامام ره فی منتصف الليل للمبيت بمنى

هذا وقد استثنى السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” عن كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى غروبها[44] حكم المبيت بمنى فقالا بأن الملحوظ فيه منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر[45]، ولكنه لا يوجد لما ذكراه وجه واضح، عدا ورود الدليل على عدم وجوب المبيت بمنى بعد طلوع الفجر، وفيه أن التخيير في المبيت بمنى لم يرد بعنوان التخيير بين النصفين، وانما ورد في صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيارة من منى قال إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة[46]، كما ورد في صحيحة معاوية بن عمار “فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى…و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها” فاستفيد من ذلك جواز المبيت بمنى من منتصف الليل الى طلوع الفجر، فمن يرى أن منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها فلا وجه لرفع اليد عنه في المبيت بمنى.

هذا ولا يخفى أن السيد الامام “قده” وان اختار في وقت الصلاة أن المراد من الغروب ذهاب الحمرة المشرقية لكنه في بحث المبيت بمنى من مناسكه احتاط وجوبا في رعاية استتار القرص، کما احتاط وجوبا في المبيت بمنى في رعاية احتمال كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها[47]، مع أنه افتى في بحث الحیض من تحریر الوسیلة بكون النهار ما بين طلوع الفجر الى الغروب[48]، وهذا يعني أنه يرى كون منهى الليل طلوع الفجر، فيكون نصف الليل ما بين الغروب الى طلوع الفجر.

تنبيه

ذكر صاحب العروة أنه يعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أوّل الغروب إذا مالت عن‌ دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، و على هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، لكنّه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب و طلوع الفجر، كما عليه جماعة، و الأحوط مراعاة الاحتياط[49]، وقد یتراءى منه أنه احتاط استحبابي ولذا علق السيد الامام على قوله “الاحوط مراعاة الاحتياط” بقوله “لا يترك”.

من هنا

استدراك من ص191:

قد مر استدلال المشهور على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر بصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) “الصلٰاة الوسطى و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هي وسط النهار و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر.

وقد أجاب عنها السيد الخوئي بلزوم حملها على ضرب من التوسع و المجاز بعلاقة المجاورة و المشارفة، نظراً إلى امتداد الوقت إلى طلوع الشمس و جواز الإتيان بها قبيل ذلك، بل لعله هو الغالب لعامة الناس، فمن ثم صح إطلاق صلاة النهار عليها و إن لم تكن منها حقيقة، والقرينة على ذلك موجودة في نفس الصحيحة حيث ان الوارد فيها قبيل ذلك “قال تبارك و تعالى في ذلك: أقم الصلٰاة طرفي النهٰار و طرفاه المغرب و الغداة و زلفا من الليل و هي صلاة العشاء الآخرة”.

وقد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” أن حمل “وطرفاه المغرب و الغداة” على كون الطرف الاول داخلا والطرف الآخر خارجا عن النهار بعيد جدا، لكن حمل النهار في قوله “وسط صلاتين بالنهار” على معناه الالحاقي غير بعيد.

كما كان يخطر بالبال وجود تضارب في صدر الصحيحة وذيلها، حيث يظهر من صدرها اي قوله “طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ طَرَفَاهُ الْمَغْرِبُ وَ الْغَدَاةُ” كون صلاة الغداة كصلاة المغرب خارجة عن النهار، ويظهر من ذيلها وهو قوله “صلاتين بالنهار” كون صلاة الغداة في النهار، فلابد ممن كون احد الاستعمالين مبنيا على التجوز، فتصبح الصحيحة مجملة من هذه الجهة.

ولكن الظاهر عدم اجمال في الصحيحة، وانعقاد ظهورها في كون المراد من النهار هو ما يكون مبدأه طلوع الفجر، توضيح ذلك: أن الظاهر من قوله “أقم الصلاة طرفي النهار وطرفاه المغرب والغداة” هو وقت الغداة اي طلوع الفجر ووقت المغرب اي غروب الشمس، فيجب عند طلوع الفجر صلاة الصبح، كما يجب عند غروب الشمس صلاة المغرب، ولا محالة يقع صلاة الصبح داخل النهار وصلاة المغرب خارج النهار، ولا مخالفة فيه للسياق ابدا، فيتوافق مع قوله “صلاة الظهر وسط بين صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر”.

نعم لو كان المراد أن طرفي النهار نفس صلاة المغرب والصبح، فتكون صلاة المغرب طرفا خارجا عن النهار، فلو كان طلوع الفجر مبدأ النهار كانت صلاة الصبح طرفا داخلا للنهار، فيكون خلاف ظاهر وحدة السياق، فيكون دليلا على كون طلوع الشمس مبدأ النهار حتى تكون صلاة الصبح ايضا طرفا خارجا عن النهار فيتنافى مع ظهور الذيل، ويؤيده ما ورد في معاني الاخبار، من قوله “طرفي النهار وطرفاه صلاة المغرب والغداة.

ولكن يرد عليه اولا: ان الظاهر كون طرف النهار من سنخ الزمان لا من سنخ الفعل فيكون الظاهر من قوله طرفي النهار المغرب والغداة وقت المغرب والغداة، فحتى لو كانت الرواية مطابقة لما في معاني الاخبار فيكون ظاهرها وقت صلاة المغرب والغداة.

وثانيا: انه لو فرض ظهورها في كون صلاة الغداة طرفا خارجا كصلاة المغرب فالذيل اقوى ظهورا في كون صلاة الغداة صلاة نهارية، فيوجب حملها على الطرف الداخل او ما مر من كون المراد به اول وقت صلاة المغرب والغداة.

وثالثا: لو فرض اباء حمل نقل معاني الأخبار على ما ذكرنا فحيث ان نقل الصدوق في الفقيه وعلل الشرايع هكذا “وطرفاه المغرب والغداة”، فيتعارض نقل الصدوق في حد ذاته ولا يوجد مانع عقلائي عن الرجوع الى نقل الكافي والتهذيب “طرفاه المغرب والغداة”.

وأما التعبير في ذيل الرواية عن صلاة الظهر بكونها وسط النهار، فلا اشكال في أن العرف حينما يراه مقترنا ببيان كونها وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر فيفهم منه الوسط المسامحي الذي لا ينافيه تأخره عن الوسط الحقيقي بين طلوع الفجر الى غروب الشمس بخمسة واربعين دقيقة، والحاصل أن الظاهر كون النهار في قوله “صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر مستعملا فيما يكون مبدأه طلوع الفجر، ومعه فيتعين كون المراد من الوسط الوسط المسامحي، وأما ما احتمله السيد الخوئي “قده” من كون المراد من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس وانما ادعي كون صلاة الغداة في النهار لعلاقة المشارفة خصوصا بعد اتيان عامة الناس لها قبيل طلوع الشمس فخلاف الظاهر جدا.

فالانصاف ظهور الصحيحة في كون النهار فيها مستعملا في ما يكون مبدأه طلوع الفجر.

وهكذا ورد في كثير من الروايات التعبير عما قبل طلوع الفجر بآخر الليل، ففي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء[50].

وفي روايته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت لأي علة كان يصلي -رسول الله ص- صلاة الليل في آخر الليل[51]، وفي رواية أبي بصير أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل[52]، وفي رواية إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أقوم آخر الليل- و أخاف الصبح قال اقرأ الحمد و اعجل و اعجل[53].

وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح أ يبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها- حتى يكون الوتر آخر ذلك- قال بل يبدأ بالوتر و قال أنا كنت فاعلا ذلك[54].

وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا و أظنه إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام الرجل من الليل فظن أن الصبح قد ضاء فأوتر- ثم نظر فرأى أن عليه ليلا[55].

كما ورد في رواية رسالة علل الفضل بن شاذان “اَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ- أَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَ النَّاسُ فِي كُلِّ عَمَلٍ أَوَّلًا بِطَاعَتِهِ وَ عِبَادَتِهِ- فَأَمَرَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْ يَبْدَءُوا بِعِبَادَتِهِ- ثُمَّ يَنْتَشِرُوا فِيمَا أَحَبُّوا مِنْ مَرَمَّةِ «1» دُنْيَاهُمْ- فَأَوْجَبَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ عَلَيْهِمْ[56]

وان ورد في بعض الروايات ما يخالف ذلك ففي رسالة محاسبة النفس لابن طاووس: قَالَ وَ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (عليه السلام) قَالَ: اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ- نَادَى مُنَادٍ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنِّي خَلْقٌ جَدِيدٌ إِنِّي عَلَى مَا فِيَّ شَهِيدٌ فَخُذْ مِنِّي- فَإِنِّي لَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إِلَى الدُّنْيَا- وَ لَمْ تَزْدَدْ فِيَّ مِنْ حَسَنَةٍ- وَ لَمْ تَسْتَعْتِبْ فِيَّ مِنْ سَيِّئَةٍ- وَ كَذَلِكَ يَقُولُ النَّهَارُ إِذَا أَدْبَرَ اللَّيْلُ[57].

وفي رواية دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- وَ إِنَّهُ لَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ مَسَاءٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ لَيْلَهُمْ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ- انْصَرَفُوا إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ص فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحَسَنِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَعْرُجُونَ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ- ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- فَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ نَهَارَهُمْ- حَتَّى إِذَا دَنَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ- انْصَرَفُوا إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحَسَنِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ- ثُمَّ يَعْرُجُونَ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ[58].

والانصاف أن الاستعمالات الكثيرة في الروايات لليل والنهار في ما يكون حده طلوع الفجر ان لم توجب الوثوق بظهور الليل في العرف المتشرعي فيما يكون منتهاه طلوع الفجر، فلا اقل من قوة احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر، خصوصا بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خاصة مع وجود ما يوجب الظن بالخلاف، فيبتلى المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة بالاجمال.

فلا يتم دعوى أن مجرد استعمال الليل في هذه الروايات في ما يكون منتهاه طلوع الفجر كاستعمال النهار في بعض الروايات فيما يكون مبدأه طلوع الفجر لا يكشف عن ظهور متشرعي للفظ الليل والنهار عند اطلاقه في ذلك، فيرجع الى الظهور الاولي العرفي للفظ الليل والنهار في بقاء الليل وعدم شروع النهار بعد طلوع الفجر، فان ما ذكر من ظهور الليل في العرف العام فعلا وسابقا في ما يعم ما بعد طلوع الفجر وان كان صحيحا، لكنه لا ينفي احتمال ظهوره في العرف المتشرعي في ما يكون منتهاه طلوع الفجر.

هذا وأما ما ورد في بعض الروايات من التعبير عن زوال الشمس بانتصاف النهار، كصحیحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم- قال فقال إن خرج من قبل أن ينتصف النهار- فليفطر و ليقض ذلك اليوم- و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه[1]، كموثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه أن عليا (عليه السلام) قال: الصائم تطوعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم[1]، حيث يقال بأنه يدل على مبدأ النهار طلوع الشمس والا لم يكن الزوال منتصف النهار، بل كان بعده بثلاثة ارباع ساعة، فلا يدل على اكثر من كون المعنى الاصلي للنهار في العرف العام كان من طلوع الشمس الى غروبها، لا على الظهور الفعلي المتشرعي للفظ الليل والنهار في ما يناسب هذا المعنى، كما يكفي في مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” وجود الشمس في معظم النهار.

ولا اشكال في ظهور التعبير بانتصاف النهار في زوال الشمس، حيث يدل بوضوح على تساوي نصفي النهار، وينحصر بكون مبدء النهار طلوع الشمس، كما أن مثل قوله تعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً” ظاهرا في كون المراد من مبصرية آية النهار وجود الشمس في الافق، كما لا اشكال عندنا في أن العرف العام كان يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الشمس او بياض السماء، ويفهم العرف هذا المعنى فعلا، لكن احتمال وجود عرف متشرعي يفهم من النهار ما يكون مبدأه طلوع الفجر مما لا محال لدفعه، بعد ما سمعت من الشيخ في الخلاف أن عليه عامة اهل العلم، وحيث لا نحرز بناء العقلاء على الاستصحاب القهقرائي او فقل اصالة الثبات في اللغة، خصوصا مع ما يوجب الظن بالخلاف كقول الشيخ “ره” في الخلاف من أن عامة اهل العلم على كون منتهى الليل ومبدأ النهار طلوع الفجر، وأنه انقرض القول بكون منتهى الليل طلوع الشمس[59]، فيتحقق الشك في المراد الاستعمالي من الليل والنهار في استعمالات الكتاب والسنة، فلا يترك مراعاة الاحتياط.

موارد الشك في معنى الليل والنهار

ثم ان عند الشك في معنى الليل والنهار يختلف مقتضى الصناعة باختلاف الموارد فنذكر اربعة موارد، ثم نقيس بعضها ببعض آخر:

المورد الاول: الشک فی منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء الموجب للشك في منتصف اللیل

المورد الاول: منتهى وقت صلاة المغرب والعشاء عند الشك في الظهور الاستعمالي للفظ الليل الموجب للشك في منتصفه فان قلنا بجريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فيجري استصحاب عدم منتصف الليل، وبناء على عدمه كما هو الصحيح فتجري البراءة عن تضيق وقتهما لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فيما اذا تنجزت الصلاتان قبل ذلك، والبراءة عن وجوب المبادرة اليهما في فرض عدم تنجزهما قبل ذلك كما لو كان نائما او ساهيا او حائضا، وقد يتشكل بذلك علم اجمالي تدريجي لمن علم بأنه سوف يبتلى في المستقبل بهذه الاعذار، كما أن من ابتلي بهذه الأعذار فيتشكل في حقه علم اجمالي بوجوب الاداء عليه تلك الليلة او وجوب المبادرة الى المغرب والعشاء قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر.

ب‍ل قد يقال بمعارضة تلك البراءة مع البراءة عن تقيد صلاة الليل بكونه بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، بناء على المشهور من عدم مشروعيتها في الحضر قبل منتصف الليل، وبناء على ما هو الصحيح من جريان البراءة في مورد الشك في شرطية شيء في المستحب، وعدم كون استصحاب عدم استحبابها قبله حاكما على تلك البراءة.

المورد الثاني: في مثل وجوب المبيت بمنى في الحج من اول الليل الى منتصف الليل

المورد الثاني: في مثل وجوب المبيت بمنى في الحج من اول الليل الى منتصف الليل، فمع جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية يجب المبيت الى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، وبناء على عدمه فقد يقال بجريان اصل البراءة عن وجوب المبيت بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر بناء على المسلك المختار -خلافا للمشهور- من عدم جريان استصحاب بقاء وجوب المبيت لكونه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ولكن تلك البراءة تتعارض مع البراءة عن وجوب كون المبيت في النصف الثاني من منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، الا اذا قلنا بعدم وجوب المبيت في تمام النصف الثاني لمن ترك المبيت في النصف الاول وكفاية الكون حين طلوع الفجر في منى، فالبراءة عن وجوب المبيت بعد منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر وان كانت تتخلص من هذه المعارضة الا أنها على اي حال تكون متعارضة مع البراءة الجارية في المورد الاول عن تضيق وقت صلاة المغرب والعشاء لما قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، ونتيجته أن من علم بوجوب الحج عليه ولو في المستقبل يجب عليه الاحتياط بملاحظة هذا العلم الاجمالي في وقت صلاة المغرب والعشاء ايضا.

هذا ولو قلنا بمقالة السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما” من كون منتصف الليل وان كان ما بين غروب الشمس الى طلوعها، لكن المعيار في المبيت بمنى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر[60]، فينحل الاشكال في المبيت بمنى، لكن لا يوجد لما ذكراه وجه واضح، عدا ورود الدليل على عدم وجوب المبيت بمنى بعد طلوع الفجر، الا أن التخيير في المبيت بمنى لم يرد بعنوان التخيير بين النصفين، وانما ورد في صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيارة من منى قال إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة[61]، كما ورد في صحيحة معاوية بن عمار “فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى…و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها” فاستفيد من ذلك جواز المبيت بمنى من منتصف الليل الى طلوع الفجر، فمن يرى أن منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوعها فلا وجه لرفع اليد عنه في المبيت بمنى.

المورد الثالث: مسألة التمام والقصر في حق المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر

المورد الثالث: مسألة التمام والقصر في حق المسافر فيما اذا نوى الاقامة ما بين الطلوعين الى غروب اليوم العاشر، فبناء على جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية فيجري استصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس، ويثبت به أن من نوى اقامة عشرة ايام قبيل طلوع الشمس الى غروب اليوم العاشر، أنه نوى اقامة عشرة ايام، نظیر ما لو استصحب عدم طلوع الفجر فنوى الاقامة الى غروب اليوم العاشر، حيث لا يشك احد في أنه يثبت به المدة التى نوى الاقامة فيها تكون عشرة ايام.

وبناء على ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية، فبناء على كون السفر و الحضر قيدين لمتعلق التكليف وأنه يجب على مكلفٍ الجامع بين القصر في السفر او التمام في الحضر فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وبناء على كونهما قيدين في موضوع التكليف وأن المسافر يجب عليه القصر والحاضر يجب عليه التمام، فيحصل علم اجمالي بوجوب القصر او التمام، فتتعارض البراءة عن وجوب القصر عليه مع البراءة عن وجوب التمام، وحينئذ فتدخل البراءة في وقت صلاة المغرب والعشاء في طرفية المعارضة مع البراءة عن وجوب التمام عليه، اذ لو تم قول المشهور من كون منتهى الليل طلوع الفجر فيجب عليه المبادرة الى صلاة المغرب والعشاء قبل منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، وان تم القول المخالف للمشهور فيجب عليه التمام في هذا الفرض.

وبلحاظ المقايسة بين هذه الموارد فيكون مقتضى الاصل عند الشك في حد الليل والنهار هو الاحتياط قضاء للعلم الاجمالي.

ثم لا يخفى أنا غمضنا العين في المورد الثاني والثالث اللذين يوجد فيهما عام فوقاني عن الرجوع اليه، فلم نقل في المورد الثاني بالرجوع الى اطلاق دليل وجوب المبيت بمنى الظاهر في المبيت تمام الليل، في الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل الدال على جواز الاكتفاء بالمبيت في النصف الاول، والذي تكون نتيجته موافقة لقول غير المشهور من لزوم الاستمرار في المبيت الى منتصف ما بين غروب الشمس الى طلوعها، كما لم نقل في المورد الثاني بالرجوع الى اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر، بعد كون المورد من الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل، والذي تكون نتيجته لقول المشهور من كون منتهى الليل طلوع الفجر، وذلك للمعارضة بين هذين الاطلاقين، للعلم الاجمالي بكذب احدهما، الا أن نقول بمقالة السيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قده” من كون منتصف الليل في المبيت بمنى هو ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر، فحينئذ يصير الاطلاق الثاني بلا معارض، فلو قلنا بحجية مثبتات الاطلاق والعموم بعرضها العريض فيثبت بذلك كون منتصف الليل ما بين غروب الشمس الى طلوع الفجر مطلقا حتى بلحاظ حكم صلاة المغرب والعشاء، لكنه مشكل جدا،

المورد الرابع: ما لو رأت المرأة الدم قبيل طلوع الشمس الى غروب الشمس من اليوم الثالث

المورد الرابع: ما لو رأت المرأة الدم قبيل طلوع الشمس الى غروب الشمس من اليوم الثالث، فان قلنا بمقالة المشهور كان الدم اقل من ثلاثة ايام وكان استحاضة، بخلاف ما لو قلنا بمقالة غير المشهور، فان قلنا بجريان الاصل الموضوعي في الشبهات المفهومية ثبت باستصحاب بقاء الليل وعدم النهار الى طلوع الشمس كونه حيضا لأنها رأت الدم في مدة حكم بأنها ثلاثة ايام، وان لم نقل به كما هو الصحيح فاستصحاب عدم الحيض يتعارض مع استصحاب عدم الاستحاضة ومقتضى العلم الاجمالي بحرمة محرمات الحائض عليها او وجوب صلاة المستحاضة عليها هو الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة.

وقد يقال فيه بالرجوع الى اطلاقات التكاليف وتكون نتيجته موافقة لقول المشهور، فيتعارض مع اطلاق دليل المبيت بمنى في المورد الاول والذي كانت نتيجته القول المخالف للمشهور، ولكن الصحيح مرجعية ما دل في الكتاب على احكام الحيض كاعتزال النساء في المحيض حيث ان ظاهره الحيض العرفي المعلوم انطباقه على المقام، وتكون نتيجته القول المخالف للمشهور من كون مبدأ النهار طلوع الشمس فيتعارض مع اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر في المورد الثالث، حيث كانت نتيجته موافقة لقول المشهور.

ولا يخفى أن عد المورد الرابع من موارد الشبهة مبنى على مسلك المشهور، وأما على ما اخترناه وفاقا لبعض الاجلاء “دام ظله” من كون المراد من ثلاثة ايام في الحيض مجموع الليل والنهار اي “72” ساعة، لا خصوص بياض النهار فلا اثر للخلاف في معنى الليل والنهار فيه.

 



[1] – وسائل الشيعة ج4ص 10

[2] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[3]من لا يحضره الفقيه ج‌4 ص 443

[4] – وسائل الشيعة ج4ص 273

[5] – وسائل الشيعة ج4ص 273

[6] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص190

[7] فروع الكافي ج4باب كفارة الصوم ص 144

[8]منها: الكافي ج4ص144، الكافي ج2ص76، الفقيه ج2ص410، التهذيب ج5ص 134 وج7 ص137

[9] – السرائر ج 3ص601

[10] – بحار الانوار ج80 ص 139

[11] – بحار الانوار ج80 ص 138

[12] – وسائل الشيعة ج4ص

[13] – وسائل الشيعة؛ ج‌14، ص: 30

[14] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 356

[15] – وسائل الشيعة ج4ص 10

[16] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[17] – وسائل الشيعة ج 10ص 185

[18] – وسائل الشيعة ج 10ص 185

[19] – وسائل الشيعة ج 4ص10

[20] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص

[21] – بحار الانوار ج80ص 74

[22] – الخلاف ج‌1 ص 266

[23] – جواهر الفقه ص 19

[24] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 11

[25] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص

[26] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 213

[27] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 212

[28] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص

[29] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 171

[30] – من لا يحضره الفقيه ج1ص309

[31] – علل الشرائع؛ ج‌2، ص: 323

[32] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 173

[33] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 10

[34] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص بتوضيح منا

[35] – تنقيح مباني العروة كتاب الصلاة ج1ص 173

[36] – معاني الاخبار ص 332 بحار الانوار ج79ص 383

[37] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 185

[38] – وسائل الشيعة؛ ج‌10، ص: 19

[39] – وسائل الشيعة ج4ص52

[40] – الكافي ط دار الحديث ج15ص 296

[41] – وسائل الشيعة ج 4 ص 48

[42] – بحار الانوار ج 86 ص 371

[43] – وسائل الشيعة ج 7ص 380

[44] طلوعها” صحیح است نه غروبها (ویراستار)

[45] – صراط النجاة ج1 ص238

[46] – وسائل الشيعة ج 14 ص 252

[47]مناسك حج (محشى) ص: 557) نيمۀ شب را بايد بنابر احتياط واجب از اول غروب تا طلوع آفتاب حساب كنند؛ و احتياط آن است كه از مغرب شرعى، حساب كنند.

[48] – تحرير الوسيلة؛ ج‌1، ص: 47

[49] – العروة الوثقى (المحشى)؛ ج‌2، ص: 252

[50] – وسائل الشيعة؛ ج‌2، ص: 364

[51] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 53

[52] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 59

[53] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 257

[54] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 258

[55] – وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 258

[56]وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 160

 

[57]وسائل الشيعة؛ ج‌16، ص: 99

 

[58]وسائل الشيعة؛ ج‌14، ص: 420

 

[59] – الخلاف ج 1ص267

[60] – صراط النجاة ج1 ص238

[61] – وسائل الشيعة ج 14 ص 252