بسمه تعالی
حكم مشكوك التذكية بلحاظ النجاسة. 1
الجهة الاولى: معنی المیتة المحرمه. 1
الجهة الثانية: موضوع النجاسة. 2
الكلام في امكان اثبات كون المشكوك ميتة باستصحاب عدم تذكيته. 2
کلام المحقق الهمداني “قده”.. 3
الجهة الثالثة: منشأ الحكم بطهارة مشكوك التذكية. 7
حكم مشكوك التذكية بلحاظ الصلاة فيه. 9
حكم مشكوك التذكية بلحاظ حرمة بيعه. 12
استصحاب عدم التذكية
حكم مشكوك التذكية بلحاظ النجاسة
هنا جهات من البحث:
الجهة الاولى: معنی المیتة المحرمه
ينبغي أن نشير اولاً الى أنه ذهب بعضهم الى أن النجس هو خصوص ما مات حتف انفه، دون مطلق ما مات بسبب غير شرعي، فلو ذبح كافر شاة من دون تسمية، حرم لحمها ولكنها لا يحكم بنجاسته، لأن الوارد في الروايات نجاسة الميتة، ولم يظهر نقل الميتة من معناها اللغوي الذي هو بمعنى الموت حتف الانف الى المعنى الشرعي، كما لم يثبت اجماع تعبدي على كون الميتة الشرعية محكومة بحكم الميتة اللغوية، وهذا ما ذكره بعض السادة الاعلام “دام ظله” في بعض ابحاثه السابقة، وان عدل عن ذلك والتزم بظهور الميتة في الروايات في الماهية الاعتبارية وهي زهوق روح الحيوان بكيفية غير مشروعة.
وبناء على هذا القول فما يعلم بعدم كونه مذكى يكون محكوما بالطهارة، فكيف بمشكوك التذكية، ولكن الانصاف أن الجزم بصيرورة الميتة في عصر الأئمة (عليهم السلام) حقيقة شرعية فيما زهق روحه بكيفية غير شرعية مشكل،
وقد ذكر السيد الخوئي “قده” أن الميتة وان كانت بمعنى ما مات حتف انفه، ولكن ورد الحكم في عدة من الروايات بنجاسة الجيفة، وعنوان الجيفة يشمل حتى المذكى، وانما يحكم بطهارته لأجل المخصص([1])،
وفيه أن الظاهر ولا اقل من كونه المحتمل انصراف الجيفة الى ما مات حتف انفه وقد انتن ريحه، فلا شاهد على شمولها لغير المذكى، لكن يمكن التمسك بموثقة سماعة قال سألته عن جلود السبع أ ينتفع بها فقال: اذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا([2])، فان ظاهر التقييد بقوله “و سميت” هو أنه لو لم يتحقق التذكية الشرعية فلا يتنفع بجلد السباع، ومن الواضح ان نكتته تنحصر في النجاسة، والا فلا أثر آخر لمذكى السباع غير الطهارة، حيث يحرم اكله والصلاة فيه، كما يمكن التمسك باطلاق التنزيل في معتبرة اسحاق بن عمار عن جعفر (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) كان يقول إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم- فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم([3]).
الجهة الثانية: موضوع النجاسة
الجهة الثانية: بناءا على ما هو المشهور الصحيح من الحكم بنجاسة ما ليس بمذكى، فان قلنا بكون موضوع النجاسة هو نفس هذا العنوان، كما هو مدعى صاحب الكفاية -تمسكا بالاجماع الذي مرت المناقشة فيه- فيجري فيه ما مرّ حول حرمة الاكل حرفا بحرف.
الكلام في امكان اثبات كون المشكوك ميتة باستصحاب عدم تذكيته
لكن لو قلنا بكون موضوع النجاسة هو الميتة إما جزما او احتمالا، فيقع الكلام في امكان اثبات كون المشكوك ميتة باستصحاب عدم تذكيته، فقد منع عن ذلك جماعة، منهم السيد الخوئي “قده” حيث قال إنّ المترتب على أصالة عدم التذكية خصوص حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه دون النجاسة، لأنّ حرمة أكل اللحم مترتبة على عدم التذكية بمقتضى قوله تعالى “إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ” وهكذا عدم جواز الصلاة، بخلاف النجاسة، فانّها مترتبة على عنوان الميتة، والموت في عرف المتشرعة -على ما صرّح به مجمع البحرين([4])– زهاق النفس المستند إلى سبب غير شرعي، كخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب أو الشق ونحوها، فيكون أمراً وجودياً، ولا يمكن إثباته بأصالة عدم التذكية، وعليه فيجري استصحاب عدم تذكيته لاثبات حرمة اكله او الصلاة فيه، كما يجري استصحاب عدم كونه ميتة لنفي نجاسته، والعلم الاجمالي بمخالفة احد الاصلين للواقع ليس بقادح، ما دام لا يلزم من جريانهما الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال، فانّ التفكيك بين اللوازم في الاصول العملية غير عزيز، كما في المتوضئ بمائع مردد بين الماء والبول مثلاً، فانّه يجري في حقه استصحاب بقاء الطهارة من الخبث وبقاء الحدث.
کلام المحقق الهمداني “قده”
وأما ما استدل به المحقق الهمداني “قده” على كون النجاسة مترتبة على عدم التذكية، من ذيل مكاتبة قاسم الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها فكتب إلي اتخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب إلي كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس([5])، باعتبار أن مفهوم الجملة الشرطية في الذيل أنّه لو لم يكن ذكياً ففيه بأس، والمراد بالبأس النجاسة، لأنّها هي المسؤل عنها في المكاتبة.
وفيه أنه لا يظهر منه اکثر من التأکيد علی فرض السائل، لا تبين موضوع النجاسة، ولذا ذكر قيد الوحشي مع عدم دخله في الحكم قطعا، مضافا الى جهالة قاسم الصيقل.
فتحصّل أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية إذا جرت في مورد إنّما هي حرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة في جلده، وأمّا النجاسة فهي غير مترتبة على هذا الأصل، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة. وعلى هذا يحمل ما أفاده الشهيد “قده”([6]) من أنّ الأصل في اللحوم هي الحرمة والطهارة([7]).
اقول: ما ذكره من اختصاص موضوع النجاسة في الروايات بالميتة منافٍ لما نقلناه عنه آنفا من اشتمال عدة من الروايات على نجاسة الجيفة وهي تشمل حتى المذكى اذا انتن، وانما التزمنا بطهارته بالتخصيص، وان ناقشنا في كلامه.
وأما استشهاده على كون الميتة ما استند موته الى سبب غير شرعي([8])، بكلام مصباح المنير فغير متجه، لعدم حجية قول اللغويين، خاصة مع عدم كونهم في مقام بيان الدقائق التي هو بصدد اثباتها، الا اذا كان بصدد ابداء الاحتمال، ولكنه غير تامّ فقهيا، كما سيأتي، والمهم أنه بعد عدم دليل على كون موضوع النجاسة ما ليس بمذكى، واحتمال أن موضوعها الميتة، فحتى ولو كانت الميتة بمعنى ما مات ولم يستند موته الى السبب الشرعي، او ما مات ولم يقع عليه التذكية، لم يمكن احرازها باستصحاب عدم التذكية، حيث ان المحتمل كون معناها بسيطا منتزعا من هذين الجزءين، بل هذا هو الظاهر من الكلمات المفردة كالميتة، وعليه فيتم ما ذكر من أن استصحاب عدم التذكية لا يثبت النجاسة.
وينبغي ذكر ايرادين على كلام السيد الخوئي “قده” والجواب عنهما:
الايراد الاول: ما ذكره بعض الاعلام “قده” من أن النجاسة كما ترتبت في النصوص على عنوان الميتة، كذلك ترتبت على عنوان الميّت وعنوان ما مات ونحوهما، ومن الواضح ان عنوان الميت او ما مات عنوان مطلق يشمل كل غير ذي روح، سواء كان زهاق روحه حتف انفه أو بسبب شرعي أو غير شرعي، ومقتضاه نجاسة المذكّى كغير المذكّى، لكن قيام الدليل على اخراج المذكى عنه يستلزم تقييد موضوع الحكم بغير المذكى، ولازم ذلك أخذ عدم التذكية في موضوع النجاسة.
على أن مفهوم موثقة “إذا رميت وسميت فانتفع بجلده” هو أنه اذا لم يتحقق التذكية فيحرم الانتقاع بجلده، وظاهره أن نكتة النهي هو نجاسته، فيدل على نجاسة ما ليس بمذكى.
نعم ذكر في آخر البحث أنه بعد اختلاف النصوص في موضوع النجاسة كاختلافها في موضوع الحرمة، فإما أن نجزم بأن العرف يحكم في مثل هذه الموارد بأن الموضوع هو الأمر الوجوديّ وهو الميتة، او لا اقل من أن نشكّ في الموضوع، فلا يمكننا إثبات النجاسة باستصحاب عدم التذكية([9]).
اقول: ما اشتمل على عنوان الميت ثلاث روايات فيما نعلم:
1- رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب([10]).
2- رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بئر يستقى منها ويتوضأ به وغسل منه الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال لا بأس ولا يغسل منه الثوب ولا تعاد منه الصلاة([11]).
3- صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس([12]).
أما الروايتان الاوليان فمن المحتمل أن يكون الميت فيهما بتشديد الياء، وهو ظاهر في الانسان الميت، على أنه لو كان بتخفيف الياء وتسكينه، وكان ظاهرا في الحيوان الميت، فالمتبادر منه عرفا ليس مطلق ما زهق روحه ولو بكيفية شرعية حتى يخرج منها المذكى بالمخصص المنفصل، فهو إما ما مات حتف انفه او غايته أن يكون بمعنى ما زهق روحه بغير كيفية شرعية.
وأما الرواية الثالثة فان ظاهرها وان كان هو نجاسة الحمار الميت على تأمل فيه، لكن لا ريب في انصرافه عن المذكى خصوصا أن موردها الحمار الذي لا يذكّى عادة.
وأما عنوان ما مات فقد ورد في بعض روايات نزح البئر أنه ان وقع فيه حيوان فمات فيه فينزح منه كذا او أنه ان مات فيه حيوان فينزح منه كذا، فلا ريب في انصرافه فيما مات بالوقوع في ماء البئر.
وأما موثقة سماعة فانه قوله “اذا رميت وسميت فانتفع بجلده” مذيل بقوله “و أما الميتة فلا” فلا يدرى هل موضوع النجاسة هو عنوان ما ليس بمذكّى، او عنوان الميتة، ودعوى كون الظاهر من سياق هذه الجمل أن الذيل تابع لمفهوم الجملة الشرطية المذكورة في الصدر ليس بواضح.
الايراد الثاني: ما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” ومحصله بتوضيح منا أن منشأ كلام السيد الخوئي “قده” أنه فرض كون المذكى ما استند زهوق روحه الى سبب شرعي، والميتة ما استند زهوق روحه الى سبب غير شرعي، فذكر أن استصحاب عدم استناد زهوق الروح الى السبب الشرعي لا يثبت استناده الى السبب غير الشرعي الا بنحو الاصل المثبت، ولكن لا يتمّ ذلك في الذبح وان تمّ في الصيد.
توضيح ذلك أن المستفاد من الروايات أن المذكى في مورد الذبح ما مات ووقع عليه الذبح حال الحياة، والميتة في قبال ذلك، فهي ما مات ولم يقع عليه الذبح حال الحياة، ولم يؤخذ في تذكية المذبوح استناد زهوق روحه الى السبب الشرعي أي الذبح، وبالتبع لم يؤخذ في كونه ميتة استناد زهوق روحه الى سبب غير شرعي أي غير الذبح، فيكفي في تذكية الحيوان وقوع الذبح عليه بشرائطه حال حياته، وان وقع بعد ذلك من شاهق او وقع في الماء فمات، وذلك اخذا باطلاقات الذبح، وخصوص صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: وإن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذبح فكل، ولا يعارضها رواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري عن أبيه عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أنه سأله عن الذبح فقال إن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح([13])، لضعف سندها بجهالة والد ابي هاشم الجعفري، وعلى فرض التعارض يكون المرجع هو الاطلاقات، وعليه فالمذكى في الذبيحة ما زهق روحه ووقع عليه الذبح مع الشرائط حال حياته، والميتة ما زهق روحه ولم يقع عليه الذبح مع الشرائط حال حياته، وحينئذ فبضم استصحاب عدم وقوع الذبح بشرائطه على الحيوان الى احراز زهوق روحه فعلا يثبت لنا كونه ميتة، فيحكم بنجاسته.
وهذا بخلاف ما يحتمل تذكيته بالصيد فانه استفيد من الروايات أنه يعتبر في تذكية الصيد استناد زهوق روحه الى الصيد، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت فقال كل منه وإن وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه([14])، فيتم فيه كلام السيد الخوئي “قده”.
وفيه أنه حتى لو قيل بأن الميتة ما مات ولم يقع عليه الذبح حال حياته فلم يثبت كونه بنحو التركيب، فلعله عنوان بسيط منتزع منهما، كعنوان العمى الذي هو عنوان بسيط منتزع من عدم البصر وقابلية المحل، فلا يجدي احراز القابلية للبصر فعلا مع استصحاب عدم البصر لاثبات عنوان العمى، وهذا هو المتناسب مع كون اللفظ مفردا لا جملة.
على أن التفصيل بين ما تكون تذكيته بالذبح وبين ما تكون تذكيته بالصيد فيما ذكره من كون الميتة في الاول مركبا من زهوق الروح ومن امر عدمي، أي عدم ذبحه حال حياته، وفي الثاني مركبا من زهوق الروح واستناده الى سبب غير شرعي، مما لا محصل له، اذ يرد عليه اولا: أنه يستلزم كون عنوان الميتة مشتركا لفظيا، فكان في ما لا يقبل الصيد كالشاة الاهلية بمعنى ما مات ولم يقع عليه الذبح حال حياته، وفيما يقبل الصيد فكان يمكن اثبات كون المشكوك التذكية منها ميتة باستصحاب عدم الذبح، مع أنه خلاف الظاهر، فان لفظ الميتة مشترك معنوي بينه وبين ما يقبل الصيد كالظبي، فتكون الميتة ما زهق روحه ولم يذكّ ، ولا ينافيه اختلاف كيفية التذكية في الحيوانات.
وثانيا: ما ذا يقال بالنسبة الى ما يقبل الصيد كالظبي، فانه قابل للذبح ايضا، ولو ذبح فلا يحتاج الى استناد موته الى الذبح، فلا يمكن أن يكون الميتة فيه ما استند موته الى سبب غير شرعي.
وعليه فلا يبعد التفصيل في مشكوك التذكية بالحكم بطهارته وان حرم اكله في موارد جريان استصحاب عدم التذكية -كما في الشبهة الموضوعية من الصورة الرابعة من الصور السابقة- وقد يتوهم أن نتيجة ذلك جواز شرب ماء اللحم المشكوك التذكية، لكنه ليس بصحيح، لعدم استهلاك دهن ذلك اللحم المنتشر في ماء اللحم.
الجهة الثالثة: منشأ الحكم بطهارة مشكوك التذكية
الجهة الثالثة: ان ما ذكرناه من الحكم بطهارة مشكوك التذكية كان ناشئا عن عدم احراز كون موضوع النجاسة هو ما ليس بمذكى او الميتة، لا ما قد يظهر من السيد الخوئي “قده” من كون موضوعها الميتة وأنها عنوان وجودي بشهادة المصباح المنير، وهذا ما يوجب وقوعنا في مشكلةٍ، وهي: أنه لو لاقى الجلد المشكوك التذكية مثلا للنجس، فيعلم بجامع نجاسته المرددة بين كونها نجاسة ذاتية تبقى بعد غسله بالماء، وذلك فيما اذا لم يكن مذكى واقعا، وبين كونها نجاسة عرضية ترتفع بغسله بالماء، فمقتضى استصحاب القسم الثاني من الكلي بقاء نجاسته بعد غسله بالماء، نعم لو كان النجس بالذات يتنجس بالملاقاة، كان استصحاب النجاسة من استصحاب القسم الثالث من الكلي، حيث انه يحتمل ان يكون مع النجاسة الزائلة بالغسل نجاسة ذاتية، لكن هذا الاحتمال غير عرفي.
وهذا من استصحاب الحكم الجزئي الجاري في الشبهة الموضوعية، والمختار جريانه، خلافا للسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ “قدهما”.
نعم لو احرز كون موضوع النجاسة الذاتية هو الميتة امكن نفيها باستصحاب عدم كونه ميتة، وينقح بذلك موضوع ما يطهر بالغسل، فان كل شيء جامد نجس يطهر بالغسل الا اذا كان كلبا او خنزيرا او ميتة ونحوها، وأما بناء على ما ذكرناه من احتمال كون موضوع النجاسة الذاتية هو ما ليس بمذكى دون الميتة فلا نحرز كون الاصل الموضوعي بصالح تنقيح موضوع ما يطهر بالغسل.
وينحصر حل المشكلة باحد وجهين:
1- أن نستظهر من مثل قوله (عليه السلام) في موثقة عمار “يغسل كل ما اصابه ذلك الماء” كونه بصدد بيان ما يطهر بالغسل لا مجرد الارشاد الى نجاسة ملاقي ذلك الماء القذر، ونستظهر ايضا انصرافه الى كون موضوعه كل جسم طاهر، وحينئذ يمكن تنقيح موضوعه باجراء قاعدة الطهارة او استصحاب الطهارة في مورد الجلد المشكوك قبل أن يلاقي النجس.
والا فلو احتمل كون موضوعه “كل جسم ليس بكلب او خنزير او ميتة..” فيشكل الامر، اذ لو احتملنا كون الميتة مركبا من الحيوان الزاهق الروح وعدم كونه مذكى او احتملنا أن الخارج من عموم الموثقة عنوان الحيوان الزاهق الروح وليس بمذكى، فلا يحرز كون استصحاب عدم كون المشكوك ميتة اصلا موضوعيا منقحا لموضوع العام، فلعل استصحاب عدم التذكية يكون اصلا موضوعيا منقحا لموضوع المخصص، فحينئذ تصل النوبة الى الاصل الحكمي وهو استصحاب بقاء النجاسة، والانصاف أن احتمال أن لا يكون الموضوع لما يطهر بالغسل كل جامد لا يكون من العناوين التفصيلية لاعيان النجاسة كالكلب والخنزير ونحوهما، احتمال غير عرفي، اذ بعد وجود عنوان جامع كعنوان الطاهر قبل اصابة النجس يكون لحاظ هذه العناوين التفصيلية خلاف الظاهر.
هذا وقد يورد على ما ذكرناه أنه موضوع ما يطهر بالغسل هو الطاهر بالذات، لا خصوص الطاهر بالفعل قبل اصابة النجس، فان النبات الذي ينبت في الماء النجس يطهر بالماء الطاهر، وان لم يسبق عليه حالة الطهارة ابدا، وقاعدة الطهارة انما تثبت الطهارة الفعلية، لا الطهارة الذاتية.
وقد اشكل السيد الخوئي “قده” بمثل ذلك في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك المردد كونه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه او من اجزاء ما يؤكل لحمه، حيث قال انه لا يمكن احراز كون الحيوان المتخذ منه هذا اللباس حلالا بالذات باجراء قاعدة الحل، فانها لا تثبت الا كونه حلالا بالفعل، وبين الحلال الذاتي والحلال بالفعل عموم من وجه، فتجوز الصلاة في اجزاء شاة يحرم لحمها لكونه مسموما مضرا بالبدن، كما تحرم الصلاة في اجزاء حيوان محرم بالذات وان اضطر الى اكل لحمه للعلاج ونحوه([15]).
لكن يمكن أن يجاب عنه بأنه يمكن في المقام استصحاب كونه طاهرا بالذات للعلم بكونه كذلك قبل زهوق روحه، نعم لو احتمل كونه من اجزاء حيوان نجس العين كالخنزير احتاج لاحراز كونه طاهرا بالذات الى استصحاب عدم كونه جزء الخنزير بنحو العدم الازلي.
2- يمكن أن يقال بأنه مع جريان قاعدة الطهارة فالغفلة النوعية تشكل دلالة التزامية للخطاب، في انه يترتب عليه جميع آثار الطهارة الواقعية، ومنها أنه لو اصابه النجس فيمكن تطهيره بالغسل.
حكم مشكوك التذكية بلحاظ الصلاة فيه
ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه يجوز الصلاة في مشكوك التذكية ايضا كما يحكم بطهارته، وانما لا يجوز اكله فقط (ولعله للروايات المتقدمة آنفا، والا فهو احتمل سابقا كون موضوع الحرمة هو الميتة لا ما ليس بمذكى) واستند في ذلك الى ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلي فيه ولا أعلم أنه ذكي، فكتب لا بأس به([16])، واسناده اليه ما في مشيخة الفقيه من أن ما رويته عن جعفر بن محمد بن يونس فقد رويته عن ابي عن سعد بن عبد الله عن ابراهيم بن هاشم عنه، فالرواية صحيحة، واطلاقها شامل لفرض عدم أمارة التذكية كما لو صنع الفرو او الخف في ارض ليس الغالب فيها المسلمين.
ولكن توجد روايتان مخالفتان لها:
1- صحيحة ابن ابي عمير عن ابن بكير قال سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب- والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله… فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز، إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح…([17])، حيث انها علقت جواز الصلاة في جميع أجزاء ما يحل لحمه على العلم بكونه مذكى، وان كان جواز الصلاة في اجزاءه التي لا تحلها الحياة غير مشروط بالتذكية.
2- معتبرة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام قلت فإن كان فيها غير أهل الإسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس([18])، فتكون هذه المعتبرة شاهدة جمع بين صحيحة ابن يونس ورواية ابن ابي عمير.
ولكن اجاب “دام ظله” عن رواية ابن ابي عمير بأن الحجة عندنا هو الخبر الموثوق صدور دون خبر الثقة، وبلحاظ متنها لا يحصل لنا الوثوق بصدورها، لغرابة تكرار الوبر في قوله “ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره…”، ولعله كان في الاصل “ان الصلاة في كل شيء وبِر حرام اكله”، وغرابة قوله “لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلي في غيرها” مع ان الصلاة في ما لا يؤكل لحمه لا تصير صحيحة بعد الصلاة في غيره، ومنشأ ذلك ان ابن ابي عمير بعد ما وقع المطر على كتبه فبلحاظ السند كثر مراسيله وبلحاظ المتن كان يحاول معرفة الكلمات الضايعة بالتصحيح القياسي، وكان يقع احيانا في الخطاء.
وأما بالنسبة الى معتبرة اسحاق بن عمار فذكر أنه لابد من حملها على الحكم التنزيهي، حيث ان صحيحة ابن يونس واردة في مقام الافتاء، وبيان الوظيفة الفعلية للسائل كي يعمل بها، دون تعليم الاحكام الكلية لفقهاء الاصحاب، فحملها على خصوص ما صنع في ارض يغلب فيها المسلمون بسبب معتبرة اسحاق بن عمار ليس مقبولا لدى العرف، لأن ارادة المقيد من الخطاب الترخيصي المطلق الوارد في مقام الافتاء، والاعتماد في بيان قيده على الخطاب المنفصل الظاهر في الالزام خارج عن الطريقة العرفية في المحاورات، وموجب لوقوع المخاطب في مفسدة خلاف الواقع، فلا يُسمَع من الطبيب اذا صدر منه خطاب مطلق ترخيصي في مقام علاج المريض في مركز العيادة أن يعتذر بانه ذكر قيده في مجلس آخر، بخلاف ما اذا كان يلقي الكليات على تلامذته في كلية الطب.
اقول: أما ما ذكره حول رواية ابن ابي عمير فمضافا الى أن الصحيح عندنا حجية خبر الثقة، انه لا يوجد شيء يمنع من حصول الوثوق بالصدور، فان التعبيرين عرفيان، على أنه لا علاقة لهما بالذيل، وهو قوله “ما جاز لك اكله فالصلاة في كل شيء منه جائز اذا علمت أنه ذكي” فتقع المعارضة بينه وبين صحيحة ابن يونس بالتباين، وحمل العلم بالتذكية في رواية ابن ابي عمير على كونه طريقا محضا الى الموضوع الواقعي فكأنه قال “اذا كان ذكيا” الغاء لعنوان العلم الظاهر في دخله في الحكم الظاهري، وأنه لا تجوز الصلاة فيه مع الشك في أنه ذكي.
نعم لو كنا نحن وهاتين الروايتين لأمكن حمل تقييد جواز الصلاة في معتبرة ابن ابي عمير بفرض العلم بالتذكية على الحكم التنزيهي بقرينة صحيحة ابن يونس، الا أن المهم كون معتبرة اسحاق المشتملة على التفصيل اخص مطلقا من كلتا الروايتين، وما ذكره من اباء صحيحة ابن يونس من التقييد بمقيد منفصل، ففيه -مع غمض العين عن البحث المبنائي حول تفصيله بين روايات مقام الافتاء والتعليم- ان من المحتمل كون الغالب في الفرو او الخف في المكان الذي كان يعيش فيه ابن يونس مما كان عليه أمارة التذكية كسوق المسلمين، فيكون هذا هو القدر المتيقن في مقام التخاطب، وقد ذكر في محله أن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن الاطلاق في روايات مقام الافتاء، ولو لم نقبل ذلك منه فندعي أنه لا يكون اخراج ما عداه من الاطلاق ولو بمقيد منفصل خارجا عن الطريقة العرفية في المحاورة، بعد ندرة ما يراد اخراجه.
على أنه حيث يكون عدم لبس الميتة في الصلاة شرط ذكري فلا تبطل الصلاة بالاخلال به عن جهل قصوري لشمول حديث لا تعاد له، فتاخير البيان بالنسبة اليه لا يكون موجبا للالقاء في مفسدة ابطال الصلاة، ولذا ذكرنا أنه لا مانع من اعطاء الثوب النجس لمن يجهل بنجاسته ليصلي فيه بخلاف اعطاء الماء النجس للجاهل ليتوضأ به، فانه من التسبيب الى الحرام، وعليه فلا يأبى العرف عن تقييد اطلاق مثل صحيحة ابن يونس بمقيد منفصل.
حكم مشكوك التذكية بلحاظ حرمة بيعه
ان قلنا بحرمة بيع الميتة تكليفا، فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت هذه الحرمة، ولكن لا نحتاج في اثبات حرمته الوضعية الى هذا الاستصحاب، بل هو مقتضى الاصل الحكمي وهو أصالة الفساد، نعم لو احرز كون موضوع الحرمة الوضعية بيع الميتة، واحرز أن الميتة امر وجودي فيمكن نفيها باستصحاب عدم كونه ميتة، ولكنه مشكل، كما تقدم نظيره في بحث النجاسة.
هذا ولو كان مشكوك التذكية هو اللحم الذي يكون محكوما بحرمة الاكل ظاهرا فلا يكون له منفعة محللة مقصودة فيبطل بيعه من هذه الجهة ايضا.
[4] مجمع البحرين ج 2 ص 223 وفيه: الموت ضدّ الحياة. وفي المصباح المنير: 584 الميتة في عرف الشرع ما مات حتف أنفه أو قتل على هيئة غير مشروعة
[8] – لابد أن يريد أن الميتة ما استند موته الى السبب غير الشرعي ولو بنحو جزء السبب، والمذكى ما استند موته الى السبب الشرعي وحده، وذلك لأن الصيد اذا استند موته الى مجموع السبب الشرعي وغير الشرعي، كما لو تقارن رمى مسلم سهما الى صيد مع تردّيه من شاهق فاستند موته الى مجموعهما، فلا اشكال في أن مقتضى روايات الصيد كونه ميتة، مع أنه لا يستند موته الى التردي فقط.