بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
الجهة الثانية: تشخيص معنى الجمل الإنشائية. 2
المقام الأول: معنى الجمل الإنشائية المختصة. 2
الوجه لأول: ما هو المشهور من كون هيئة الجملة الإنشائية موضوعة لإيجاد معناها 2
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق العراقي “قده”.. 3
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق الاصفهاني”قده”.. 5
الوجه الرابع: ما ذكره في البحوث.. 8
الوجه الخامس: ما ذكره السيد الخوئي “قده”. 10
الوجه السادس: ما هو المختار: ان المعنى الموضوع له للجمل الإنشائية صورة واقع ابراز امر نفساني.. 10
معنى حرف النداء صورة إبراز قصد النداء الأعم من النداء اللفظي والكتبي.. 13
البحوث: عدم وجود نسبة توقفية بين مضمون الجزاء ومضمون الشرط.. 13
المقام الثاني: الجمل المشتركة. 14
في معنى هيئة الفعل الماضي والمضارع. 21
الجهة الثانية: تشخيص معنى الجمل الإنشائية
الجهة الثانية: في تشخيص معنى الجمل الإنشائية، ويقع الكلام فيه في مقامين:
احدهما في الجمل الانشائية المختصة كجملة الاستفهام والتمني والترجي وصيغة الأمر ونحو ذلك، وثانيهما في الجمل المشتركة مثل “يعيد صلاته” او “بعت”.
المقام الأول: معنى الجمل الإنشائية المختصة
المقام الأول في تشخيص معنى الجمل الانشائية المختصة، وقد ذكر في معناها عدة وجوه:
الوجه لأول: ما هو المشهور من كون هيئة الجملة الإنشائية موضوعة لإيجاد معناها
فصيغة الأمر مثلا قد وضعت لإيجاد الطلب، والنسبة بينه وبين مفهوم الطلب نسبة المصداق الى المفهوم، وكذا جملة التمني مثل “ليت زيدا قائم” موضوعة لإيجاد التمني.
مناقشات
وفيه اولا: ما مر من ان الدلالة الوضعية تصورية دائما، حيث يستلزم تصور اللفظ تصور المعنى، والمعنى المتصور من الجملة الإنشائية عند تصورها ابتداءا من دون تلفظ بها او عند سماعها من متكلم غير ملتفت لايكون فيه أيّ ايجاد لشيء في غير عالم الذهن.
وثانيا: ما مر من ان مثل التمني او الترجي او التعجب من الأمور النفسانية، وانما تكون هذه الجمل الإنشائية مبرزة لها، وما اشتهر من ان هذه الجمل توجد فردا إنشائيا من معانيها، فجملة “ليت زيدا قائم” توجد تمنيّا إنشائيا فغير تامّ، حيث لايتصور معنى للتمني الإنشائي مثلا عدا استعمال جملته في معناه، والكلام فعلا في تشخيص هذا المعنى، واطلاق التمني عليه حيث يقال عرفا عند صدور جملة التمني من احد أنه تمنى الآن لايدلّ على كون هذا الاستعمال فردا من التمني، بل هذا الاطلاق لأجل تقارن الاستعمال لوجود التمني النفساني، ولذا لايصدق عرفا ان هذا التكلم تمنٍّ، وانما هو مبرز له.
وأما ما ذكره بعض الأعلام “قده” من انه يوجد التمني في عالم الاعتبار العقلائي واستشهد عليه بقولهم في الفارسية “آرزو كرد” مع انه لو كان التمني أمرا نفسانيا لكان المناسب ان يقال “آرزو شد”، ففيه أنّا لانتصور ايّ وجود اعتباري لمثل التمني والترجي والتعجب ونحو ذلك، وما استشهد عليه به من قولهم بالفارسية “آرزو كرد”([1]) ففيه -فمضافا الى عدم جريانه في مثل الترجي- أنه قد يقال عرفا “من سالها اين را در دلم آرزو مىكردم ولى به هيچكس نگفتم”، ولاريب في انه قد أطلق التمني في هذا المثال على الوصف النفساني.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق العراقي “قده”
من ان حروف التمني والترجي والاستفهام ونحوها في الجمل الإنشائية قد وضعت كسائر الحروف لإفادة النسبة، فحرف “ليت” دال على نسبة قائمة بين صورة مصداق التمني وبين النسبة التامّة التي تدل عليها الجملة المدخولةلحرف “ليت”، اي يدل حرف” ليت” على حيثية قيام صورة مصداق التمني بتلك النسبة التامة، فكأنها من شؤون تلك النسبة التامة الإيقاعية وموقعة بإيقاعها، والتقييد بقولنا “صورة مصداق التمني” لأجل أن جملة “ليت زيدا قائم “تدل على معناها حتى لو علم بعدم وجود مصداق التمني في نفس المتكلم كمالو كان في مقام الهزل.
وكذا أداة الاستفهام قد وضعت للدلالة على نسبة قائمة بين صورة مصداق الاستفهام وبين النسبة التامّة في الجملة المدخولة لأداة الاستفهام([2]).
مناقشه
ويلاحظ عليه: ان مفاد ليت مثلا ليس هو إيقاع النسبة بين صورة مصداق التمني وبين النسبة التامة في الجملة، والاّ لزم ان يكون احد طرفي النسبة غير مذكور في الكلام، ودعوى دلالته عليه عقلا لتقوم النسبة بالطرفين غير متجهة، حيث يصير الكلام نظير قولنا “زيد في”، فانه لاريب في عدم كونه كلاما تامّا مع دلالته عقلا على وجود طرف آخر للنسبة الظرفية.
هذا وقد حكى عنه في بدائع الأفكار ان مفاد حرف” ليت “مثلا النسبة القائمة بين المتمني والمتمنى’، ولكنه خلاف ما افاده المحقق العراقي بنفسه في المقالات.
ومن جهة أخرى فقد حكى في البحوث عن المحقق العراقي في المقالات ان أداة الاستفهام او هيئة الجملة الاستفهامية تدل على نسبة قائمة بين مفهوم الاستفهام وبين النسبة التامة في الجملة المدخولة لأداة الاستفهام، وهكذا سائر الجمل الإنشائية فصيغة الأمر تدل على نسبة مفهوم الطلب الى المادة.([3])
وفيه أن المذكور في المقالات هو ان مفاد حرف التمني حيثية قيام صورة مصداق التمني بالنسبة الإيقاعية في الجملة، ونظيره مفادحرف الترجي والاستفهام، و لميرد فيه كون مفهوم التمني او الترجي او الاستفهام طرفا للنسبة، كما صرح بان مفاد صيغة الأمر هو النسبة البعثية بين المادة وفاعلها.
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق الاصفهاني”قده”
في صيغة الأمر من انه حيث توجد في البعث الخارجي نسبة بعثية بين الباعث والمبعوث والمبعوث اليه، فقد ينتزع عنها مفهوم اسمي وهو مفهوم البعث والإرسال، وقد تلحظ بما هي مندكة في الأطراف، فينتزع عنها معنى صيغة الأمر، فالملحوظ حين إيقاع النسبة البعثية هو الفعل المنتسب الى فاعله، ولايصلح ذلك لتعلق قصد الحكاية به فيكون تقابله مع الجملة الخبرية تقابل السلب والإيجاب، وأما مفاد قولنا في مقام الإنشاء “أبعثك نحو الضرب” فهو البعث المنسوب الى المتكلم بالنسبة الصدورية، وهو قابل لتعلق قصد الحكاية به، فلو كان في مقام الإنشاء كان يعني ذلك عدم قصد الحكاية به مع قابليته له، فيكون من باب تقابل العدم والملكة([4]).
وحينئذ فقد نسب في البحوث الى المحقق الاصفهاني “قده”أنه قال بمثل هذا الوجه في سائر الجمل الإنشائية، فمثلا بعد ما يكون الشخص بصدد الاستفهام عن قضية فتتحقق بينه وبين تلك القضية نسبة استفهامية، وحينئذ فكما يمكن انتزاع مفهوم اسمي عن هذه النسبة، وهو مفهوم الاستفهام كما يمكن لحاظها مندكّة في الأطراف فيكون الدال عليه أداة الاستفهام، وهكذا الأمر في جمل التمني والترجي والنداء والتعجب ونحوها.([5])
مناقشه
ويلاحظ عليه: انه لو كان معنى اداة الاستفهام مثلا النسبة لكان يلزم ذكر طرفي النسبة في الكلام، مع انه لميذكر فيه الا طرف واحد لها وهو النسبة التامة في الجملة التي دخلت عليها اداة الاستفهام.
ثم انه بعد ما نسب في البحوث هذاالوجه الثالث الى المحقق الاصفهاني، اورد عليه بان النسبة بين المستفهِم وبين القضية المستفهَم عنها وان كانت موجودة واقعا في صقع نفس المستفهِم، لكن الموجود في ذهنه حين استعماله لجملة “هل زيد قائم” هو الصورة المتحصلة من تلك النسبة الاستفهامية الواقعية، وهذا نظير الشوق الموجود في صقع النفس، فانه لايكون هو المستعمل فيه بالذات لكلمة الشوق، بل المستعمل فيه بالذات هو مفهوم الشوق، وان كان مصداق الشوق موجودا في صقع النفس.
وعليه فالصورة المتحصلة من النسبة الاستفهامية التي هي مدلول جملة الاستفهام ليست واقع النسبة الاستفهامية، كما لايمكن ان تكون واقع نسبة أخرى لعدم صلاحيتها للحكاية عن النسبة الاستفهامية، فلابد أن تكون هذه الصورة المتحصلة التي هي مدلول جملة الاستفهام نسبة استفهامية تحليلية، وقد مر سابقا في بحث المعنى الحرفي ان النسبة التحليلية تكون نسبة ناقصة دائما حيث انها مع طرفيها تكون مفهوما بسيطا تصورا، وان كان هذا المفهوم ينحلّ عقلا الى ثلاثة أجزاء: ذات وقيد وتقيد بينهما.
وحينئذ فان فرض كون الذات التي هي احد طرفي النسبة التحليلية الاستفهامية هي النسبة التامة التي يدل عليها الجملة المدخولة لأداة الاستفهام، فلوحظ تقيدها بمفهوم المستفهِم فهذا غير معقول، اذ لايعقل ان يصير مفهوم اسمي قيدا للنسبة التامة وجزء من حقيقتها حيث لايجتمع ذلك مع كونها وجودا رابطا اندكاكيا، مضافا الى ان مجرد تقيدهذه النسبة التامة -التي تدل عليها الجملة المدخول لأداة الاستفهام- بمفهوم المستفهِم مثلا لايمنع من صلاحية جملة الاستفهام للحكاية بها عن الخارج، اذ لايوجد اي مانع عن الاخبار عن نسبة تامة مقيدة.
وان فرض كون الذات (التي هي احد طرفي النسبة التحليلية الاستفهامية ) هي مفهوم المستفهِم (الذي هو مفهوم اسمي) ولوحظ تقيده بالنسبة التامة (التي كانت مدلول الجملة المدخولة لأداة الاستفهام) فتصير الجملة بذلك ناقصة، اذ يكون مفادها حصة خاصة من مفهوم المستفهِم وهو المستفهِم المقيَّد بالنسبة التامة، وهذا خلف كون جملة الاستفهام تامة.
هذا وقد ذكر انه يأتي نظير هذا الاشكال على ما ذكره المحقق العراقي “قده” من ان معنى اداة الاستفهام النسبة بين مفهوم الاستفهام وبين النسبة التامة في الجملة المستفهم عنها.([6])
ولكن يلاحظ على ما ذكره في البحوث اولا: انه لامانع من ان يكون مدلول جملة الاستفهام هو واقع النسبة الاستفهامية الموجودة في صقع نفس المتكلم بعد كون نفس القضية المستفهم عنهاالتي هي مدلول الجملة المدخولة لأداة الاستفهام طرفا لواقع النسبة الاستفهامية، والطرف الآخر وهو وجود المستفهم لميكن مدلولا مطابقيا لجملة الاستفهام، فيختلف عن مثل ابراز الشوق والحب بقول الشخص “اني أحب كذا” فانه لايعقل ان يكون المستعمل فيه للفظ الحب هو واقع الحب الموجود في نفس المتكلم بعد أن كان معناه المفهوم اسمي للحب.
وثانيا: انه بناء على ما مر سابقا من انه لامحذور في الالتزام بوجود واقع نسب ذهنية تصلح للحكاية عن نسب خارجية لمسانختها لها كمسانخة الظل مع ذي الظل، كما في قولنا “زيد في الدار” حيث ذكرنا ان مدلول هذه الجملة واقع نسبة تامّة ذهنية مسانخة للنسبة الظرفية الخارجية، وهي نسبة تامة، فيمكن ان تكون النسبة الاستفهامية التي يدل عليها جملة الاستفهام واقع نسبة ذهنية تامة مسانخة للنسبة الاستفهامية الموجودة في صقع النفس.
وثالثا: انه لايرى وجه للمنع عن تقيد النسبة التامة بقيد، كما يقال” هذا حجر في نظر زيد” وفي المقام ايضا تكون النسبة التامة في الجملة المدخولة لأداة الاستفهام مقيدة بخصوصية كونها مستفهما عنها.
ولايخفى ان المحقق الاصفهاني “قده” لايدعي ان طرف النسبة الاستفهامية هو المفهوم الإسمي للمستفهِم، وانما هو مصداق المستفهِم (او فقل: صورة مصداق المستفهم، كمايتضح وجهه ممامر في توضيح كلام المحقق العراقي “قده”)، كما ان المحقق العراقي”قده” ادعى أن طرف النسبة في جملة الاستفهام هو صورة مصداق الاستفهام، فمانسبه اليه في البحوث من أنه يرى أن طرف النسبة مفهوم الاستفهام في غير محله.
الوجه الرابع: ما ذكره في البحوث
من ان الصحيح في مفاد جمل التمني والترجي والاستفهام وصيغة الأمر ونحوها هو أنّ مفادها تعيين الوعاء والموطن الذي يرى بالنظر التصوري العرفي تصادق الموضوع والمحمول فيه، فانه لو قيل “زيد قائم” فمفاده النسبة التصادقية بينهما في عالم التحقق، واما قولنا “ليت زيدا قائم” فمفاده النسبة التصادقية بينهما في عالم التمني، وكذا مفاد اداة الاستفهام او هيئة جملة الاستفهام في قولنا “هل زيد قائم “هو النسبة التصادقية بينهما بنحو يرى تصادقهما في عالم الاستفهام، فاذا قيل في جوابه “نعم” مثلا فهو بمنزلة تكرار الجملة المدخولة لأداة الاستفهام بتمامها غير انها يبدل النسبة التصادقية عن وعاء الاستفهام الى وعاء التحقق، وهذا لاينافي ان ظاهر “نعم” هو تكرار معنى مدخول اداة الاستفهام بعينه، فان معناه ذات النسبة التصادقية، وانما استفيد وعاء الاستفهام من الأداة بنحو تعدد الدال والمدلول، وهكذا صيغة الأمر يكون مفادها النسبة التصادقية بين الفعل وبين المخاطب في عالم الطلب.
هذاويظهر منه “قده” انه لو كانت الجملة الإنشائية متعلقة بالعقود والإيقاعات- كما لو وضع تصفيق البائع يده بيد المشتري أداة لإنشاء البيع، كما ينقل عن العرب، وقد ورد في رواية عروة البارقي انه قال له النبي(صلىاللهعليهوآله) بارك الله في صفقة يمينك- فيكون مدلولها اعتبار النسبة التصادقية في وعاء التحقق، لان الاعتبار يتعلق بالنسبة التصادقية في عالم التحقق، دون النسبة التصادقية في عالم الاعتبار.
ولايخفى انه التزم بكون صيغة الأمر هو النسبة التصادقية بين الفعل وفاعله في عالم الطلب، بينما التزم في الجملة المشتركة التي تستعمل في مقام إنشاء الطلب كقوله “يعيد صلاته” ان مفادها النسبة التصادقية بين الفعل وفاعله في وعاء التحقق، فاذا استعملت في مقام انشاء الطلب كان بمعنى عروض الطلب على تلك النسبة التصادقية في وعاء التحقق([7]).
مناقشه
وفيه: أنه بناء على ما ذكره فيكون مآل قولنا” ليت زيدا قائم” الى قولنا” ان زيدا والقائم متصادقان ومتحدان في عالم التمني (زيد وقائم در عالم آرزوى من يكى هستند) وكذا يكون مآل جملة التعجب الى انهما متحدان في عالم التعجب مع انه خلاف الوجدان العرفي.
والصحيح ان الوعاء الذي يلحظ تصادق الموضوع والمحمول فيه يكون دائما هو عالم التحقق والخارج، فانه قد يعرض عليه الإثبات وقد يعرض عليه النفي كما اعترف به “قده”([8])، وقد يعرضه خصوصية الاستفهام عنه او البعث اليه او تمنيه او ترجيه ونحو ذلك.
الوجه الخامس: ما ذكره السيد الخوئي “قده”
من وضع الجمل الإنشائية لإبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية،([9]) وقد مر توضيحه سابقا.
مناقشه
وما ذكره وان كان خاليا عن الاشكال بناء على مسلكه من كون الدلالة الوضعية تصديقية وتابعة للإرادة، لكنه بناء على المسلك الصحيح من كون الدلالة الوضعية تصورية فلابد ان يكون المعنى الموضوع له بنحو يمكن تصويره حتى على تقدير صدور الجملة الإنشائية من متكلم غيرملتفت او متكلم هازل او عند تصوره مباشرة من دون سماع من احد، فلايمكن ان يكون معناها هو إبراز الأمر النفساني، لعدم وجود ذلك في الجملة الإنشائية الا اذا فرض صدورها من متكلم ملتفت جادّ.
الوجه السادس: ما هو المختار: ان المعنى الموضوع له للجمل الإنشائية صورة واقع ابراز امر نفساني
من ان المعنى الموضوع له للجمل الإنشائية صورة واقع ابراز امر نفساني، فمعنى “ليت”هو صورة واقع ابرازالتمنى.
والتقييد بقولنا واقع ابراز التمني لاجل الاحتراز عن مفهوم ابراز التمني –الذي هو مفهوم اسمي -حيث ان من الواضح احساس الفرق بين قولنا “ليت”وقولنا “ابراز التمني “كما أن التقييد بقولنا صورة واقع ابراز التمني لتعميم الوضع لفرض صدور اللفظ من متكلم غيرملتفت كالنائم فلو صدر منه قوله “ليت زيدا قائم “فلايتحقق منه ابراز التمني لاحتياج ذلك الى القصد والارادة وحيث اننا التزمنا بعدم تبعية الدلالة الوضعية للارادة فيكون المعنى الموضوع له لكلمة “ليت “مايخطر ببالنا حينما نسمع ذلك من متكلم غير ملتفت او هازل، وليس ذلك الا صورة واقع ابراز التمني، فيختلف عما لو سمعنا منه كلمة “التمني” اوكلمة “ابراز التمني”، كالفرق الذي نحسّ به وجدانا بين ما لو سمعنا كلمة “التمني” او كلمة “ابراز التمني” وبين ما لو احسسنا بوجود التمني في نفس شخص وإبرازه له، وهكذا في سائر الجمل الإنشائية.
هذا ومن جهة أخرى ان معنى الجملة الإنشائية ليس هو النسبة التي تحتاج الى طرفين، بل يكون خصوصية قائمة بطرف واحد كخصوصية صورة واقع إبراز التمني، فيكون مثل لام التعريف التي تدل على خصوصية التعريف في مدخولها كالرجل.
وفي ختام البحث عن معنى الجمل الانشائية المختصة ينبغي الكلام حول جملة النداءوالجملة الشرطية.
جملة النداء
قد ذكر في البحوث ما محصله بتقريب منا ان جملة النداء حيث يشتمل على حرف النداء والمنادى، فتكون جملة النداء ناقصة -لابمعنى عدم كونها مما يصح السكوت عليها، فانه لااشكال في كونها مما يصح السكوت عليها لتحقق الغرض منها وهو النداء والتنبيه، فيكون كما لو صاح على زيد بغرض لفت نظره وتنبيهه بل بمعنى عدم كون مدلولها النسبة التصادقية بين مفهومين في وعاء مناسب- وحينئذ فإما أن نقول بانها في قوة جملة “ادعو زيدا” اذا استعملت في مقام الإنشاء او نقول بان حرف النداء لميستعمل في اي معنى وانما هو موجد للنداء تكوينا، نعم الفرق بين حرف النداء وغيره مما يكون صوتا تكوينيا ان هيئة جملة النداء قد وضعت للدلالة على كون مدخول حرف النداء هو المنادى، كما تختلف جملة النداء عن مثل جملة “نداء زيد” او “تنبيه زيد” التي تفيد حصة خاصة من المعنى الاسمي من النداء او التنبيه.
فجملة النداء ممتزجة من موجد تكويني ومن دالّ حكائي، ويوجد في مورد جملة النداء كقولنا “يا زيد” ثلاث نسب:
1- نسبة خارجية تنبيهية بين نفس حرف “يا ” وبين شخص زيد.
2- نسبة تحليلية تنبيهية موجودة في ذهن المتكلم، ووجه كونها تحليلية كونهامتحصلة من النسبة التنبيهية الخارجية، وهذه النسبة التحليلية تكون مع طرفيها موجودة بوجود ذهني واحد، وتنحلّ عقلا الى ثلاثة أجزاء احدها: صورة لفظة “يا” –لانفس تلك اللفظة الموجودة خارجا حيث لايمكن ان تكون طرفا للنسبة التحليلية – وثانيها: صورة زيد وثالثها: النسبة التنبيهية بينهما.
3- نسبة تحليلية تنبيهية موجودة في ذهن السامع فانه لما ابرز المتكلم جملة “يازيد” حصل في ذهن السامع ولنفرضه شخص زيد صورة مماثلة لتلك الصورة التي كانت في ذهن المتكلم، وبذلك يحصل تنبيهه تكوينا([10]).
و قد اختار بعض السادة الاعلام” دام ظله” أيضا ان حرف النداء موجد للنداء تكوينا وليس مستعملا في اي معنى.
ولكنه خلاف الوجدان العرفي، حيث ان المرتكز عرفا وضع حرف النداء لإبراز قصد النداء، وشاهده انه يفهم اهل اللغة الفارسية عند سماعهم حرف “اى” وحده ما يفهمونه من حرف “يا” وحده ولو لميستخدم في مجال النداء مضافا الى انه قد يستعمل حرف النداء في الكتابة، ولايكون ذلك موجدا للنداء والتصويت التكويني، وليس حرف النداء حرف تنبيه مثل “ألا” كي يتصور له معنى فيما لو ورد في الكتابة، فدعوى كون حرف النداء موجبا للنداء تكوينا بما انه تصويت خلاف الوجدان، ونظيرهادعوى ان جملة النداء في مثل” يازيد”تكون في قوة “أدعو زيدا”، كما ان النسبة التنبيهية الخارجية بين حرف النداء وبين المنادى لاتوجد في نداء الجماد والميت والغائب ولايحسّ بمجازيته وجدانا.
معنى حرف النداء صورة إبراز قصد النداء الأعم من النداء اللفظي والكتبي
فالظاهر ان معنى حرف النداء صورة إبراز قصد النداء الأعم من النداء اللفظي والكتبي.
الجملة الشرطية
يعتبر في الجملة الشرطية اشتمالها على جملتين تامّتين تكون احديهما شرطا والأخرى جزاءا، وتكون مفاد أداة الشرط هو تعليق مضمون جملة الجزاء على جملة الشرط، وهذا التعليق نسبة تامة،
البحوث: عدم وجود نسبة توقفية بين مضمون الجزاء ومضمون الشرط
وقد ذكر في البحوث في وجهه ان النسبة الشرطية نسبة ثانوية موطنها الذهن وليست متحصلة عن الخارج -كي يصير ما في الذهن نسبة تحليلية شرطية فتوجب كون الجملة ناقصة – فانه لايوجد في الخارج نسبة توقفية بين مضمون الجزاء ومضمون الشرط، حيث ان النسبة الخارجية تتوقف على وجود طرفي النسبة مع ان توقف الجزاء على الشرط ثابت ولو لميوجد الشرط والجزاء خارجا كما في قوله تعالى” لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا” فما هو الثابت واقعا هو التوقف والتعليق لاالنسبة التوقفية والتعليقية، فاذاً يكون موطن النسبة التعليقية هو الذهن، وكل نسبة يكون موطنها هو الذهن تكون نسبة تامة، بحيث لو أتي بطرفيها لكان الكلام مما يصح السكوت عليه، كما مر في محله([11]).
مناقشه
ويلاحظ عليه ان النسبة التوقفية ثابتة بين مضمون الجزاء والشرط في عالم الواقع ونفس الأمر، ولامعنى لثبوت التوقف في عالم الواقع من دون ان يكون له طرفان، فاذاً النسبة التوقفية ثابتة في عالم الواقع، والنسبة الذهنية التوقفية متحصلة عنها، وحينئذ فإما ان يلتزم بما ذكرنا سابقا من ان مجرد كون نسبة ذهنية متحصلة عن نسبة ثابتة في عالم الخارج او الواقع لايعني كونها تحليلية ناقصة بل يمكن ان تكون واقع نسبة مسانخة مع تلك النسبة الخارجية او الواقعية بحيث يصلح للحكاية عنها، او يدعى ان مفاد اداة الشرط هو التقدير والفرض او فقل النسبة التقديرية التي يعبر عنها في الفارسية “اگر” وموطن التقدير والفرض ليس الا الذهن.
المقام الثاني: الجمل المشتركة
المقام الثاني: في معنى الجمل المشتركة بين الاخبار والانشاء مثل “بعت” او “يعيد صلاته” فبناء على مسلك السيد الخوئي “قده” حيث يكون قصد الحكاية داخلا في المعنى الموضوع له لتلك الجملة بعد ان كانت جملة خبرية اولا وبالذات كان استعمالها في مقام الانشاء استعمالا في غير ما وضع له، ولكن مر سابقا ان الصحيح عدم كون قصد الحكاية داخلا في المعنى الموضوع له ولاقيدا للعلقة الوضعية.
كلام البحوث في المقام
هذا وقد ذكر في البحوث ان ما قلناه في الجمل الإنشائية المختصة –من دلالتهاعلى النسبة التصادقية في وعاء مناسب لهافتدل جملة “ليت زيداقائم “على النسبة التصادقية بين زيد والقائم في وعاء التمنى -لايجري في المقام.
فلايصح ان يقال ان جملة “بعت” اذا استعملت في مقام الإنشاء فتدل على النسبة التصادقية في وعاء الاعتبار، ولو استعملت في مقام الاخبار فتدل على النسبة التصادقية في وعاء التحقق، وكذا جملة “يعيد صلاته” لو استعملت في وعاء الانشاء فتدل على النسبة التصادقية بين الفعل وفاعله في وعاء الطلب، ولكن لو استعملت في مقام الاخبار فتدل على النسبة التصادقية بينهما في وعاء التحقق.
بل الصحيح ان النسبة التصادقية الملحوظة في الجملة المشتركة تكون بالقياس الى وعاء التحقق دائما، أما في جملة “بعت” فلأن الاعتبار يتعلق بالنسبة التصادقية في وعاء التحقق، فما هو المعتبر هو النسبة المحققة في وعاء الخارج لاالنسبة المحققة في وعاء الاعتبار، وانما تأتي الاعتبارية من تعلق الاعتبار بتلك النسبة المحققة في الخارج، وكذلك الطلب في جملة “يعيد صلاته” فان ابرازالطلب بمثل ذلك يكون بعناية افتراض تحقق اعادة الصلاة من المكلف وكونه مفروغا عنه، ولو بلحاظ افتراض كون المكلف منقادا وممتثلا للأمر ولازم ذلك كونها مطلوبة، ويؤيد ما ذكرناه انه اذا اختلف وعاء التصادق في جملتين كانت إحديهما مشتملة عادة على أداة تدل على هذا الاختلاف كما في الجمل الانشائية المختصة مثل” ليت زيدا قائم” فان حرف ليت يدل على كون النسبة التصادقية ملحوظة بلحاظ عالم التمني فتختلف عمّا اذا لمتشتمل الجملة على حرف “ليت”، واما في الجمل المشتركة فلاتوجد اي اداة تميِّز المعنى الإنشائي عن الاخباري.
ثم لايخفى انه ليس الفرق بين الجمل المشتركة المستعملة في مقام الإنشاء مع تلك الجملة اذا استعملت في مقام الإخبار في المدلول التصديقي فحسب، بل يكون الفرق بينهما في المدلول التصوري ايضا.
توضيح ذلك: ان الجملة المشتركة قد تلحظ فانية في معنى يُرى تصورا وجوده مع قطع النظر عن استعمال هذه الجملة، فتصير جملة خبرية، وقد تلحظ فانية في معنى يُرى تصورا وجوده في طول استعمال الجملة فتصير جملة إنشائية، وهذا الفرق بين الجملتين ثابت حتى في فرض صدورهما بداعي الهزل او استعمالهما للتأكد من معناهما.
ولامانع من اخذ الإيجادية التصورية في المستعمل فيه بالذات للجملة اذا استعملت في مقام الإنشاء وأخذ الحكائية التصورية فيها اذا استعملت في مقام الإخبار، والمراد من المستعمل فيه بالذات نفس الصورة الذهنية للمعنى والتي توجد في ذهن المتكلم، والوجدان العرفي يساعد على اخذ الإيجادية التصورية او الحكاية التصورية للمدلول التصوري، فان المدلول التصديقي لابد ان يكون مناسبا عرفا مع المدلول التصوري.
هذا وأما أخذ الإيجادية او الحكائية التصورية في ذات المعنى فباطل لأنها من خصوصيات لحاظ المعنى واخذ خصوصية لحاظ المعنى -من لحاظها الاستقلالي او الآلي او كيفية إفناءها في المعنون- في ذات المعنى إما خلاف الوجدان ان فرض تعدد الصورة الذهنية وإما موجب للخلف ان فرض وحدة الصورة الذهنية لمجموع المعنى في الذهن.
كما انه يمكن اخذ خصوصية الإيجادية التصورية او الحكائية التصورية في الموضوع له بالذات اي الصورة الذهنية للمعنى والتي توجد في ذهن السامع، فانها التي يكون سماع اللفظ سببا لها اولا وبالذات، وأما ذات المعنى بتجريده عن وجوده في ذهن السامع فهو الموضوع له بالعرض، وقد اتضح امكان اخذ خصوصية اللحاظ في الصورة الذهنية للمعنى فيكون القرن الأكيد بين اللفظ وبين الصورة الذهنية للمعنى بما لها من خصوصية لحاظ الإيجادية التصورية او الحكائية التصورية([12]).
توضيح المختار في المقام
اقول: الظاهر ان المدلول المطابقي التصوري لمعنى الجملة المشتركة يكون واحدا سواء كان استعمالها في مقام الإنشاء او الإخبار، وانما يكون الاختلاف بينهما في المدلول التصوري الالتزامي وهو الداعي من الاستعمال، فالمعنى المطابقي لجملة “يعيد صلاته” هو صدور إعادة الصلاة من المكلف، وانما الداعي من استعمالها هو الطلب، ولانعني من ذلك كونه مرتبطا بالمدلول التصديقي حتى يعترض عليه بانحفاظه في موارد الاستعمال بداعي الهزل، بل ندعي كونه مرتبطا بالوجود التصوري لداعي الاستعمال، فيكون نظير ما لو قال “زيد كثير الرماد” كناية عن جوده ولكن كان ذلك بداعي الهزل، وهكذا الأمر في جملة “بعت” فانها حتى لو استعملت في مقام الإنشاء فالمدلول المطابقي لها هو صدور البيع من المتكلم، لكن يكون الغرض منه هو إيجاده لهذا الاستعمال.
وبناء علة ما ذكرناه فالوجود التصوري للداعي مأخوذ في المعنى كمدلول التزامي له، فيوجد فرق بين جملة “بعت” المستعملة في مقام الإنشاء ولو بداعي الهزل، وبين هذه الجملة المستعملة في مقام الإخبار ولو بداعي الهزل، وكذا لو سمعنا من النائم هذه الجملة مقترنة تارة بالقرينة على الإنشاء وأخرى بالقرينة على الإخبار مع انتفاء الداعي للاستعمال في هذين الموردين.
کلام السيد الخوئي “قده”
هذا وقد ذكر السيد الخوئي “قده” –في مقام الردّ على ما ذكره صاحب الكفاية – أنه لو كان الفرق بين الجملة الإنشائية والخبرية في مجرد الداعي الى الاستعمال لصح استعمال الجملة الإسمية في مقام الإنشاء، مع انه لايصح ان يقال “زيد قائم” بداعي الأمر بقيامه، نعم لو كان المحمول قابلا للاعتبار بنفسه صح ذلك، كما في جملة “انتِ طالق” او “هذا واجب”.
مناقشه
ويلاحظ عليه: انه ليس المدلول الاستعمالي للجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب الا نفس بيان صدور الفعل من المخاطب بداعي بعثه اليه، لشهادة الوجدان بانه لو قال الاب لابنه مثلا” انت تحفظ احترامي” او قال له “انا اعلم بانك تحفظ احترامي” فلايتغير مدلوله المطابقي عن معناه الاصلي، واما ما استشهد به من عدم صحة استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب فيرد عليه النقض بمسلكه ايضا بانه بعد كون استعمال جملة المضارع في مقام الطلب مجازيا بنظره فلم لايصح هذا المجاز في مورد الجملة الاسمية، وهل هذا الا لعلاقة بين معنى الطلب مع المضارع دون الجملة الاسمية، هذا مضافا الى انه لميعلم بعدم صحة استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب، فيصح ان يقول المولى لعبده في مقام الطلب “انت غدا معي في السفر” نعم لااشكال في ندرة هذا الاستعمال.
وأما الفعل الماضي فمنشأ عدم صحة استعماله في مقام الطلب انه يدل على مضي العمل فلايتناسب مع طلب ايجاد الفعل، نعم لامانع من استعماله في مقام الدعاء كما يقال: “غفر الله لك” حيث ان الظاهر استعماله في النسبة البعثية دون النسبة الصدورية، ولذا تكون ترجمته بالفارسية: “خدا شما را ببخشد” ولايتناسب ان يقال في ترجمته: “خدا شما را بخشيد”، ويبعد ان تختلف اللغات في ذلك.
ولو وُجد في كلامٍ استعمال الفعل الماضي في مقام الطلب فلابد من الالتزام باستعماله في صيغة الأمر مباشرة، نظير ما ورد في نهج البلاغة من قوله (عليهالسلام): أَجزأَ امرءٌ قِرنَه وآسى أخاه بنفسه و لميكِلْ قِرنَه الى أخيه فيجتمع عليه قرنُه وقرن أخيه([13]) فان المراد منه “لِيجزئ المرء من يقاتله فيغلب عليه بان يقتله او يهزمه فيواسي بذلك أخاه الذي هو مبتلى بشخص آخر يقاتله، فانه اذا هرب هذا المرء اواستسلم فينضمّ من يقاتله الى من يقاتل أخاه فيشاركان في قتال هذا الاخ” ولايتناسب ان يستعمل في نفس معنى الفعل الماضي ولذا لايصح ان يقال في ترجمته “كفايت كرد مرد حريفش را وكمك كرد به برادرش، وواگذار نكرد حريفش را به برادرش تا اين حريف با حريف آن برادر دست به دست هم داده وبا آن برادر بجنگند”، ويحتمل بعيدا ان يراد منه الإخبار الجدّي بانَّ من وجد فيه صفة المروءة و لميكن شبه مرء فهو كذلك، فانه حينئذ فلامانع من استعمال الفعل الماضي في معناه الحقيقي، فيكون في قوة ان يقال: أجزء الرجل الشجاع قِرنه، الا ان احتمال ارادة ذلك من لفظ “امرء” بعيد.
هذا ولايرد النقض على عدم استعمال فعل الماضي في مقام الطلب بانه يصح ان يقال في جواب السؤال عن رجل احدث في اثناء صلاته: “اعاد الصلاة”، والوجه في عدم ورود النقض هو أنه بمعنى انه اذا احدث في أثناء صلاته أعاد الصلاة، فيتحول معناه الى المضارع، والا فلايتناسب عرفا ان يقال “نماز را اعادة كرد”، وأما ما ورد من قوله (عليهالسلام): ما اعاد الصلاة فقيه قط([14])، فان مفاده الاخبار الحقيقي عن ان الفقيه ما اعاد صلاته قط، فيدل بالالتزام على كونه مطلوبا لأجل مطلوبية كون الانسان فقيها، فلاعلاقة له باستعمال الفعل الماضي في مقام الطلب، ولأجل ذلك لايصحّ ان يقال الرجل ما أعاد صلاته قط.
هيئة المفردات
المفردات اللغوية مع قطع النظر عن الهيئة الطارئة عليها منحصرة في الإسم والحرف، ولاشك في ان الاسم يصلح ان يحكم عليه كما يصلح ان يحكم به، والحرف لايصلح لأن يحكم عليه ولاأن يحكم به، وقد يتوهم جواز الحكم به ويستشهد له بمثل قولنا” زيد في الدار”، فيقال ان جملة الجار والمجرور وقعت محكوما بها، ولكن يرد عليه أنه إما يقال بما ذكره النحاة من ان الجار والمجرور متعلق بكائن او مستقر، او يقال بما اخترناه سابقا وفاقا للسيد الإمام “قده” من أن المحكوم به هو نفس المجرور اي الدار في هذا المثال، والنسبة الموقعة بينها وبين زيد تكون نسبة تامة ظرفية.
وأما اذا دخلت الهيئة على الإسم فهذا يؤدي في بعض الحالات الى ظهور قسم ثالث في اللغة لايصلح لأن يحكم عليه ولكن يصلح لان يحكم به، فيكون وسطا بين الإسم والحرف، وهذا هو الفعل، ويكون ملحقا بأسماء الأفعال التي هي من الجوامد.
ولكن ليست كل الهيئات التي تدخل على الإسم من هذا القبيل، فقد يصبح الإسم بطروّ الهيئة مصدرا اواسم فاعل اواسم مفعول، ويبقى صالحا لأن يحكم عليه فيختلف عن هيئة الفعل، وكذا يوجد اختلاف بين هيئة المصدر وهيئة اسم الفاعل والمفعول ونحوها في ان المصدر لايصح ان يحمل على الذات فلايقال” زيد ضربٌ”.
وتحقيق الحال في تفسير اختلاف هيئة المفردات يقع في جهات:
1- هيئة الفعل
في معنى هيئة الفعل الماضي والمضارع
اختلف الأعلام في معنى هيئة الماضي والمضارع على أقوال:
القول الأول: ما ذكره المحقق النائيني “قده”
ولعله المشهور من ان هيئة الفعل تدل على نسبة تامّة تحققية بين الحدث وفاعله، فهيئة “ضرب” في قولنا “ضرب زيد” مثلا وضعت لتدلّ على نسبة تامّة تحققية بين الضرب وبين زيد.
ولكن أشكل عليه في البحوث أنه ان اريد دلالة هيئة الفعل على مفهوم التحقق والصدور ففيه أنه عندئذ يكون “ضَرَبَ” في قوة قولنا “صدورُ الضرب” فلايوجب ذلك كون النسبة تامة.
وان أريد دلالتها على واقع الصدور خارجا، ففيه انه لايمكن وضع اللفظ بإزاء الموجود الخارجي، حيث ان المعنى الموضوع له لابد ان يكون صالحا للانتقال الى الذهن، على ان لازمه اهمال اللفظ في موارد الكذب لانتفاء واقع التحقق الخارجي فيها.
وان اريد كون معنى الفعل مما يلحظ فانيا في الخارج ففيه أنه لايختص ذلك بالفعل اذ جميع المعاني مما تلحظ فانية في معنونها في الخارج([15]).
وسيأتي الجواب عن هذا الإشكال قريبا.
القول الثاني: ما ذكره السيد الخوئي “قده”
من وضع هيئة الفعل لإبراز قصد الحكاية عن تحقق صدور الحدث عن فاعله.
وفيه ان مدلول هيئة الفعل هو ما يخطر في ذهن السامع عند سماعها ولو صدرت من متكلم غير ملتفت، ولايخطر من هيئة الفعل إبراز قصد الحكاية عن صدور الحدث من فاعله أبدا، وهذا الذي ذكرناه يتمّ حتى على مسلكه “قده” من تبعية الدلالة الوضعية للإرادة، فانه بناء على هذا المسلك ايضا ما يخطر في ذهن السامع عند سماع اللفظ من متكلم غير ملتفت وان كان مدلولا أنسيا للفظ لامدلولا وضعيا له لكنه يلزم ان يطابق المدلول الوضعي لعدم اقتضاء الأنس الذهني الا ذلك.
القول الثالث: ما ذكره في البحوث
من انه وان كانت تشتمل جملة “ضرب زيد” على نسبة صدورية بين الضرب وزيد، لكنها نسبة صدورية تحليلية لأجل كونها متحصلة عن النسبة الصدورية الخارجية، حيث انها لو كانت نسبة واقعية فلايمكن ان تكون نسبة صدورية لأن طرفيها -اي مفهوم الضرب ومفهوم زيد- موجودان نفسييان لايعقل صدور احدهما من الآخر، وان كانت نسبة واقعية أخرى كنسبة المقارنة -لمقارنة وجود هماالذهني -فكيف تحكي عن النسبة الصدورية الخارجية.
وعليه فيلزم ان تكون النسبة الصدورية التي تشتمل عليها هذه الجملة نسبة تحليلية، وقد مر في بحث المعنى الحرفي ان النسبة التحليلية بطرفيها مفهوم بسيط تصورا، ولايصح السكوت عليه.
وحيث ان جملة “ضرب زيد” مما يصح السكوت عليها، فلابد ان تشتمل على نسبة تامة فاذالم تكن هي هذه النسبة التحليلية الصدورية، فتكون نسبة أخرى وهي النسبة الذهنية التصادقية بين الحدث وفاعله ويعبر عنها بالنسبة الإسنادية (و معناها الحكم بانطباق الضرب وزيد على حادثة ومركز واحد يكون مركبا من العرض ومحله، قد مر توضيح ذلك سابقافي هيئة الجملة الفعلية ).
وحينئذ فتوجد فرضيتان في تفسير هيئة الفعل اي “ضرب” في جملة “ضرب زيد”:
الأولى: ان تكون هيئة الفعل موضوعة للدلالة على النسبة التحليلية الصدورية، وتكون هيئة الجملة موضوعة لإفادة النسبة التامة التصادقية بين الفعل وفاعله، ولذا لاتتم اطراف النسبة التامة بدون ذكر الفاعل.
ولكن توجد هنا مشكلة وهي ان كل نسبة تكون بحاجة الى طرفين، ويكون أحد طرفي النسبة الصدورية هو نفس الحدث الذي يكون مادة الفعل، وحينئذ فما هو الطرف الآخر؟ فان قيل ان الطرف الآخر نفس زيد الذي هو طرف للنسبة التامة التصادقية أيضا فيقال انه يلزم في طرف النسبة التامة وجوده في الذهن مستقلا كي يوقع النسبة الذهنية التامة بينه وبين الطرف الآخر، بينما ان طرف النسبة التحليلية موجود مع النسبة والطرف الآخر بوجود ذهني واحد، وعليه فلايمكن ان يكون شيء واحد طرفا للنسبة التامّة وللنسبة التحليلية معا، وان قيل ان الطرف الآخر للنسبة الصدورية هو الذات المبهمة المدلول عليها بنفس هيئة الفعل فهو خلاف الوجدان.([16])
ولكن الجواب عن هذه المشكلة ان التعبير بالنسبة الصدورية مبني على المسامحة، والمراد بها خصوصية الصدور المندكّة في الحدث الذي هو مادة الفعل، فان الحدث كالضرب يمكن ان يلحظ بما هو هو فيعبَّر عنه باسم المصدر، ويقال “كُتك” وقد يلحظ بما هو واقع على شخص، فيقال “ضُِربَ عمرو” وقد يلحظ بما هو صادر عن شخص فيقال “ضَرب زيد”، فتكون هيئة الفعل دالة على خصوصية اندكاكية قائمة بطرف واحد نظير لام التعريف الداخلة على الاسم للدلالة على خصوصية كونه معرفة.
ثم ان هيئة المصدر كالضرب ايضا حيث تدل على خصوصية الصدور كما يدل عليها هيئة الفعل فيقع السؤال عن منشأ الفرق بين الفعل والمصدر، -بعد افتراض وحدة معناهما- حيث يصلح المصدر لأن يحكم عليه او يحمل على مصداق الحدث فيقال هذا ضرب، ولكن لايصلح الفعل لأن يحكم عليه او يحمل على مصداق الحدث.
والجواب عن هذا السؤال أن اختلاف معنى الفعل والمصدر كاختلاف تصوير شيء واحد فيصور تارة بصورة تبتدأ من يساره وأخرى بصورة تبتدأ عن يمينه (وان شئت فمثِّل بلحاظ الكأس مرة قائمة على أصله وأخرى منكوسا) من غير ان يزيد مدلول احدهما عن الآخر، فكذلك الملحوظ في المصدر والفعل واحد، فان الضرب الملحوظ مع حيث صدوره عن الفاعل تارة يلحظ بنحو يبتدأ اللحاظ من حدث الضرب وينتهي الى حيث صدوره، فيكون الركن في هذه الصورة الملحوظة هو الحدث، وهذا معنى المصدر، وأخرى يتبدأ اللحاظ من حيث صدوره وينتهي الى الحدث فيكون الركن في الصورة الملحوظة هو معنى الهيئة وهذا معنى الفعل، ولذا لايصح حمله على نفس الحدث كما لايصح ان يخبر عنه.
ان قلت:كيف يمكن ان يكون معنى هيئة الفعل -اي حيثية صدور الحدث- الذي هو معنى حرفي ركنا في اللحاظ فانه يوجب لحاظه استقلالا، فيصير “ضَرَبَ” في قوة قولنا صدور الضرب، وهذا خلاف الوجدان.
قلت: ان هيئة الفعل لاتعطي معنى زائدا للمعنى الإسمي عدا أنها تدل على كيفية تنسيقه الذهني، فلاتشتمل الصورة التي تدل عليها هيئة الفعل على معنى زائد كي يوجب ركنية هذا المعنى الزائد في اللحاظ خروجه عن كونه معنى حرفيا.
الثانية: ان تكون هيئة الفعل موضوعة للدلالة على النسبة التامة التصادقية وتكون هيئة جملة “ضرب زيد” دالة على تعيين الطرف الآخر لهذه النسبة وهو الفاعل في قولنا “ضرب زيد” واما حيثية صدور الحدث عن فاعله فيلتزم بدخولها في مدلول المادة نفسها، ويمكن ان يبرهن عليه بان بعض الأفعال مثل “ضرب” تدل على حيثية الصدور وبعضها الآخر مثل “مات” تدل على حيثية الحلول، فلايمكن ان يكون الدال عليها هيئة الفعل لان وضع الهيئات نوعي لايلحظ فيه خصوصيات المادّة، فلابد ان تكون حيثية الصدور او الحلول داخلة في مدلول نفس المادة.
وبناء على هذه الفرضية الثانية تتبين ايضا نكتة عدم صحة الحكم على الفعل وكذا عدم صحة حمله على نفس الحدث، لانها موضوعة لنسبة تامة يكون احد طرفها نفس الحدث المستفاد من مادة الفعل والطرف الآخر هو فاعله([17]).
هذا تمام كلام البحوث في معنى هيئة الفعل الماضي والمضارع، والظاهر تبنّيه للفرضية الثانية بمقتضى البرهان الذي اقامه على كون خصوصية الصدور او الحلول داخلة في مدلول المادة.
مناقشات
وكيف كان فيرد على ما ذكره اولا: ان لازم ما ذكره في الفرضية الأولى كون مآل قولنا “ضَرَبَ” الى قولنا “صدور الضرب” مع انه خلاف الوجدان، حيث ان مدلوله هو صورة واقع صدور الضرب خارجا، فان من الواضح عدم وحدة معنى قولنا “زد” مع قولنا “زدن” بنحو يكون الاختلاف بينهما في مجرد كيفية لحاظ شيء واحد، فالظاهر انه هيئة الفعل تدل على النسبة الصدورية بين الحدث وفاعله، وهذا لاينافي كون دلالة هيئة الفعل تصورية بمعنى ان تصورها يستتبع تصور معناها ولو لمتصدر من متكلم ملتفت، لإمكان ان يقال بان الموضوع له هو صورة واقع صدور الضرب، وقد مر سابقا انه لامانع من وجود واقع نسبة ذهنية مسانخة للنسبة الخارجية، فيتحقق في الذهن واقع نسبة بين مفهوم الضرب ومفهوم زيد بنحو تصلح ان تكون حاكية عن النسبة الصدورية الخارجية لمسانختها له كمسانخة الظل مع ذي الظل.
وثانيا: ان ما أقامه من البرهان على عدم دلالة هيئة الفعل على النسبة الصدورية -من اختلاف الأفعال من حيث كون نسبتها الى فاعلها صدورية او حلولية، فحيث ان الوضع في هيئة الفعل نوعي فلايمكن ان تكون هي موضوعة على النسبة الصدورية او الحلولية – ففيه: انه يمكن ان يلتزم بوضع هيئة الفعل لإفادة حيث قيام الحدث بفاعله، وتكون خصوصية قيام الحدث بفاعله بنحو جامع بين الصدور والحلول، وتكون خصوصية الصدور او الحلول مستفادة من دالّ آخر، على أنه لابرهان على كون وضع هيئة الفعل نوعيا بمرتبة لايختلف معناها في جميع الأفعال، خاصة بعد كون الأوضاع اللغوية تعينية عادة، ولذا نلتزم بان هيئة التاجر قد وضعت على خصوصية مهنة التجارة بخلاف هيئة الشارب والآكل ونحوهما.
فالمتحصل انه كما افاد المحقق النائيني”قده” تدل هيئة الفعل الماضي والمضارع على النسبة التامة التحققية بين الحدث وفاعله، وقد يطرأ عليها النفي كما في قولنا “ما ضرب” او” لميضرب “او” لايضرب” او” لن يضرب”.
ثم انه ذكر المحقق النائيني “قده” في بحث وضع المركبات ان هيئة الجملة الإسمية قد وضعت لإفادة النسبة التامة لعدم وضع مفرداتها على ذلك، وأما هيئة الجملة الفعلية فلم توضع لإفادة النسبة التامة، وانما هيئة الفعل قد وضعت على ذلك، وتدل لفظة زيد على طرفها الآخر، فيلغو وضع هيئة الجملة على إفادة تلك النسبة التامة، حيث يلزم تعدد الدال على مدلول واحد، فهيئة الجملة الفعلية لمتوضع لأي معنى([18]).
وحكي عن المحقق العراقي “قده”أنه اورد عليه اولا: بالنقض بقولنا” زيد ضَربَ” فانه جملة اسمية، وقد التزم فيها بوضع هيئة الجملة لإفادة النسبة التامة مع ورود اشكاله فيه ايضا.
وثانيا بان هيئة الفعل تدل على النسبة التحققية بين الحدث والذات المبهمة، واما تعيين كون المذكور في الجملة هو الفاعل فلابد ان يستفاد من هيئة الجملة.
ويمكن الجواب عن نقضه بانه إما يلتزم في مثل قولنا” زيد ضَربَ “بكون الفاعل فيه هو الضمير المستتر فيحتاج لإفادة حمل الجملة الصغرى على المبتدأ الى دالّ وهو هيئة الجملة، او يلتزم بان الفاعل نفس المبتدأ، فلايختلف عن الجملة الفعلية التي يدعي المحقق النائيني “قده” عدم وضع هيئتها لمعنى.
واماماذكره ثانيا ففيه ان الظاهر ان هيئة الفعل موضوعة لافادة النسبة التامة من دون دلالتها على فاعلها ابدا، وانما الدال على كون فاعلها هو المذكور بعد الفعل يكون هيئة الجملة، وبذلك يتبين الجواب عما ذكره المحقق النائيني “قده”.
هيئة فعل الأمر
اختلف الاعلام في المعنى الموضوع له لهيئة الأمرعلى اقوال:
1-النسبة التامة البعثية
ما لعله المشهور من وضع صيغة الأمر لإنشاء البعث وإيجاده، او فقل لإيجاد النسبة التامة البعثية، فقد يوجدها المولى بالاشارة باليد مثلا وقد يوجدها بصيغة افعل.
وهذا هو الظاهر، فان الظاهر من صيغة الأمر انها تدل على ايجاد نسبة تامة بعثية، وهيئة الجملة تدل على تعيين الفاعل، كما في قولنا “ليضرب زيد” او “اضرب انت”، فالمعنى الذي يخظر بالذهن عند سماع صيغة الأمر من متكلم غير ملتفت هو صورة مندمجة من ايجاد البعث.
هذا ولايخفى أن المراد من النسبة البعثية ليس كونها مجرد نسبة، بل هو نسبة البعث الى فاعله او مفعوله، حيث ان البعث كالضرب معنى حدثي، فالمراد من النسبة هو الصورة الاندماجية من ايجاد البعث، والتي تكون متقومة بالباعث والمبعوث والمبعوث اليه، فمدلول صيغة الأمر يختلف عن المفهوم الاسمي لكلمة البعث او ايجاد البعث، فيكون مفاد صيغة الأمر ايجاد هذا المعنى الاندماجي، نعم حيث ان المدلول التصوري لصيغة الامر محفوظ في موارد صدورها من متكلم غير ملتفت اوهازل، فلأجل ذلك لم ندعِّ وضعها لايجاد البعث وانما ادعينا وضعها لصورة ايجاد البعث.
2- موضوعة لمفهوم الطلب
ما ذكره صاحب الكفاية “قده” من انها موضوعة لمفهوم الطلب، والفارق بينه وبين كلمة الطلب هو ان شرط وضع صيغة الأمر على هذا المفهوم ان يكون استعمالها فيه بداعي الإنشاء دون الإخبار، وقد مرت المناقشة في هذا المبنى في بحث الإنشاء والإخبار.
3- موضوعة للدلالة على الإرادة النفسانية
ما ذكره المحقق الحائري “قده” في الدرر من ان صيغة الأمر موضوعة للدلالة على الإرادة النفسانية.
فان قلت: ان لازمه عدم وجود المستعمل فيه في موارد الامتحان والتعجيز ونحو ذلك مما لايوجد فيها الإرادة النفسانية نحو فعل العبد.
قلت: انا نلتزم بتحقق الارادة في هذه الموارد ايضا وان كانت هذه الإرادة ناشئة عن مصلحة في نفسها، نظير ارادة اقامة عشرة ايام لمصلحة في نفس هذه الارادة حيث يتوقف اتمام الصلاة والصوم عليها، فاذا صح ذلك في الارادة التكوينية صح في الارادة التشريعية ايضا لانها ليست بازيد مؤونة منها([19]).
وفيه انه لامجال لتوهم انقداح الارادة نحو الفعل في موارد التهديد كقوله تعالى: اعملوا ما شئتم([20])، فانه كيف تتعلق ارادة المولى بهذا الفعل مع كونه مبغوضا له جدّا، وكذا في موارد التعجيز كيف تتعلق ارادة المولى بالفعل مع علمه بعجز المكلف عنه، بل في الأوامر الامتحانية ايضا قد يكون الفعل مبغوضا لديه فكيف تتعلق ارادة المولى به، نعم قد تعلقت ارادته بحركة العبد نحو الفعل، هذا مضافا الى ان لازم كلامه عدم وجود المستعمل فيه في موارد استعمال خطاب الأمر هزلا، فلايمكن الالتزام بوضع صيغة الأمر للدلالة على الإرادة النفسانية، لان المفروض كون المستعمل فيه في مورد الأمر الحقيقي والأمر الامتحاني ونحوه واحدا.
نعم كان بامكانه دعوى وضع صيغة الأمر لإبراز الارادة النفسانية ويكون الجواب عن اشكال انتفاء الإرادة النفسانية في موارد الامتحان والتهديد ونحوهما بانه لايعتبر في استعمال اللفظ لإبراز الصفة النفسانية وجود تلك الصفة.
ولكن المهم ان المدلول التصوري لصيغة الأمر ليس هو إبراز الإرادة النفسانية عرفا وانما هو البعث نحو الفعل.
4- موضوعة للنسبة الإيقاعية
ما ذكره المحقق النائيني “قده” من انها موضوعة للنسبة الإيقاعية اي ايقاع الفعل على ذمة المكلف([21])، ونظيره ما ذكره السيد الخوئي “قده” من انها موضوعة لإبراز اعتبار الفعل على ذمة المكلف([22])،
وفيه ان مفاد صيغة الأمر وضعا هو البعث، فانه حينما يقال “اللهم اغفر لنا” لاتستعمل صيغة الأمر للنسبة الايقاعية اذ لامعنى لان نخاطب اللهتعالى “انا نوقع على ذمتك ان تغفر لنا”، ومن الظاهر ان المدلول الاستعمالي في هذا الكلام لايختلف عن سائر موارد استعمال صيغة الأمر، وهكذا الظاهر هو وحدة المدلول الاستعمالي في صيغة الأمر سواء صدرت من العالي الى السافل او من السافل الى العالي او من المساوي الى المساوي، مع انه لايوجد اعتبار الفعل في ذمة المخاطب في موارد صدور صيغة الأمر من السافل او المساوي، وعليه فيكون مفاد صيغة الأمر هو البعث.
5- في معنى صيغة الأمر احتمالين
ما ذكره في البحوث في بحث وضع الحروف والهيئات من ان في معنى صيغة الأمر احتمالين:
احدهما: ان تكون صيغة الأمر موضوعة للنسبة الناقصة البعثية، والوجه في كونها نسبة ناقصة انها من النسب الأولية اي النسب التي يكون موطن وجودها في الخارج، حيث توجد في الخارج عند تحقق البعث التكويني نسبة بين الباعث والمبعوث والمبعوث اليه، كمافي بعث الكلب المعلم وارساله الى الصيد، وقد مرّ في بحث الحروف ان النسبة المتحصلة من النسبة الخارجية لاتكون الا نسبة ناقصة دائما، فالموضوع له للفظة “في” مثلا وهو النسبة الظرفية حيث يكون موجودا في الذهن فلايمكن ان يكون واقع نسبة ظرفية، اذ لايوجد واقع نسبة ظرفية بين مفهوم الجالس ومفهوم الدار في قولنا الجالس في الدار، وأما واقع نسبة أخرى بين المفهومين كنسبة المقارنة بينهما في الذهن فلايمكن ان يكون حاكيا عن واقع النسبة الظرفية الخارجية، فلابد ان يكون ما في الذهن نسبة ظرفية تحليلية وهذا يعنى ان الموجود في الذهن في قولنا الجالس في الدار مفهوم تصوري واحد يكون حصة من الجالس، ويمكن ان يوضع له لفظ مفرد كما وضع لفظ الفانوس بإزاء نارٍ في زجاج، نعم يمكن تجزئة هذا الحصة بحسب التحليل العقلي الى مفهومين ونسبة بينهما، ولكنه ليس بالفعل كذلك، فاذا كان الموجود في الذهن مفهوما تصوريا واحدا فلامحالة لايمكن ان يشتمل على نسبة تامّة، لان النسبة التامّة هي واقع نسبة ذهنية بين مفهومين مستقلين في الذهن.
وبذلك ثبت ان النسبة البعثية التي يدل عليها صيغة الأمر تكون نسبة ناقصة لأنها ليست واقع نسبة بعثية بل هي نسبة بعثية تحليلية، لان موطن واقع النسبة البعثية هو الخارج.
وحيث ان الجملة المشتملة على صيغة الأمر تشتمل على نسبة تامة لكونها مما يصح السكوت عليها، فلابد ان تكون هيئة هذه الجملة كقولنا “اضرب انت” او “ليضرب زيد” دالة إما على النسبة التصادقية بين الضرب مثلا وفاعله في عالم الطلب او على النسبة التصادقية بين البعث نحو الضرب وبين المبعوث، وهو فاعل الضرب في عالم الخارج.
توضيح ذلك ان النسبة التصادقية قد تكون حملية كما في الجملة الاسمية كجملة “زيد ضارب” حيث ان معناها الحكم بانطباق الموضوع والمحمول على ذات واحدة، وقد تكون النسبة التصادقية اسنادية كما في الجملة الفعلية كجملة “ضرب زيد”، فان معناها الحكم بانطباق الضرب وزيد على حادثة ومركز واحد يكون مركبا من العرض ومحله، فالتصادق دائما انما يكون بافتراض نحو وحدة في المشار اليه بالمفهومين، فان كانت الوحدة ذاتية كان من باب الحمل كما في الجملة الاسمية، وان كانت وحدة في الحادثة كان من باب الإسناد كما في الجملة الفعلية، هذا والملحوظ في النسبة التصادقية قد يكون تصادق المفهومين وانطباقهما في عالم الخارج كما في الجملة الخبرية، وقد يكون في عالم آخر كعالم الاستفهام في الجملة الاستفهامية وعالم التمني في جملة التمني وهكذا.
وحينئذ فيقال بان الملحوظ في الجملة المشتملة على صيغة الأمر كقولنا ليضرب زيد، اما ان يكون هو تصادق البعث نحو الضرب وزيد في عالم الخارج بنحو انطباقهما على حادثة واحدة مركبة من الفعل وهو البعث نحو الضرب ومفعوله وهو المبعوث اي زيد، فيكون وزانه وزان قولنا “اَبعثُ زيدا نحو الضرب” او يكون الملحوظ هو تصادق الضرب وزيد بنحو انطباقهما على حادثة واحدة مركبة من الفعل وهو الضرب وفاعله وهو زيد، لكن يكون الانطباق بلحاظ عالم الطلب والبعث.
وثانيهما: ان تكون صيغة الأمر مثل “اضرب” موضوعة لنسبة تامة تصادقية بين الضرب وفاعله في عالم الطلب او بين البعث نحو الضرب والمبعوث -وهو فاعل الضرب- في عالم الخارج، وبناء على الثاني تكون خصوصية البعث مأخوذة في مدلول المادة، وحينئذ فتكون هيئة الجملة المشتملة على صيغة الأمر موضوعة على تعيين الطرف الآخر للنسبة التصادقية([23]).
لكنه في بحث الاوامر ذكر الاحتمال الاول فقط وهووضع صيغة الأمرعلى النسبة الناقصة البعثية والارسالية والدفعية والالقائية وماشابه هذاالتعبير.([24])
اقول:الصحيح عدم تمامية أيّ من الاحتمالين
اما الاحتمال الأول فلأن مرجعه الى كون مفاد صيغة الأمر مفهوما تصوريا مشتملا على نسبة بعثية تحليلية، فيكون “إضرب” مثلا مساوقا لقولنا ” “الضرب المبعوث اليه” او “البعث الى الضرب”، مع انه خلاف الوجدان، حيث يفهم من “إضرب” او “ليضرب” إنشاء البعث الى الضرب.
وأما الاحتمال الثاني فهو خلاف الوجدان العرفي ايضا، لعدم تبادر النسبة التصادقية بين البعث الى الضرب وبين زيد في مثل قولنا “ليضرب زيد” في عالم الخارج، خاصة وانه يلزم منه لحاظ البعث نحو الضرب بلحاظ استقلالي، حتى يصح جعله طرفا للنسبة التصادقية، كما اننا لانتعقل معنى واضحا للنسبة التصادقية بين الضرب وبين زيد في عالم الطلب، وما يتبادر الى الذهن من صيغة الأمر ليس هو الا إنشاء البعث نحو الفعل، على ما مرّ في الوجه الاول.
واماماذكره من ان النسبه البعثية لماكانت متحصلة من النسبة البعثية الخارجية فلابدان تكون نسبة ناقصة، ففيه أن نكتة كون مدلول صيغة الأمرنسبة تامة بعثية هي ان صيغة الأمروضعت لايجادالبعث الاندماجي.
[16]– ذكرفي البحوث ج2ص48انه قد تقدم في بحث معاني الحروف والهيئات أن الجملة الفعلية مثل “ضرب زيد”تشتمل على نسبة ناقصة بين الحدث- وهوالضرب في هذاالمثال- وبين ذات مبهمة وهذه النسبة نسبة صدورية في الفعل الماضي والمضارع كماتشتمل الجملة الفعلية على نسبة أخرى وهي نسبة تامة تصادقية بين الفاعل وهو زيد في المثال وبين تلك الذات المبهمة الواقعة طرفا لتلك النسبة الناقصة فكأنه قيل” الذات التي صدر منها الضرب زيد”.
ولكنك ترى أنه لميسبق منه دعوى دلالة الفعل على الذات المبهمة وانما ادعى دلالته على خصوصية الصدوراضافة الي دلالته على الحدث كماادعى ان النسبة التصادقية في الجملة الفعلية اسنادية لاحملية فليس قولنا”ضرب زيد”في قوة أن يقال “الذات التي صدرمنها الضرب زيد.