فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

وقت فضيلة الظهر. 1

فی طریق معرفة الزوال. 2

علامات زوال الشمس2

قال صاحب العروة الدائرة الهندية امتن العلامات واضبطها لتشخیص الزوال. 3

مناقشة صاحب الجواهر في الاعتماد على الدائرة الهندية. 3

فی تعیین الغروب: استتار الشمس او زوال الحمرة المشرقية. 4

قول الاول. 4

القول الثاني: هو المشهور. 5

روايات تدل على كفاية استتار القرص…. 6

الروايات التي استدل بها على قول المشهور. 15

حل التعارض بین الطائفتین من الروایات.. 18

کلام السيد الخوئي “قده”.. 20

الكلام الثالث: ما ذكره السيد البروجردي “قده”.. 23

الكلام الرابع: ما ذكره المحقق الحائري “قده”.. 24

الكلام الخامس: ما ذكره المحقق النائيني “قده”.. 25

المختار في المسألة. 27

روايات الترجيح بمخالفة العامة 30

 

 

 

وقت فضيلة الظهر

ذكر صاحب العروة: و وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظل الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور، و لكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما، ووقت فضيلة المغرب من المغرب الى سقوط الشفق اي الحمرة المغربية ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق الى ثلث الليل فيكون لها وقتا إجزاءٍ: قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث الى النصف، ووقت فضية الصبح الى حدوث الحمرة في المشرق[1].

اقول: تقدم في اثناء الأبحاث السابقة ما يرتبط بالمقام فراجع.

فی طریق معرفة الزوال

مسألة 1- يعرف الزوال بحدوث ظل الشاخص المنصوب معتدلا في أرض مسطحة بعد انعدامه‌، كما في البلدان التي تمر الشمس على سمت الرأس كمكة في بعض الأوقات أو زيادته بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلدان و مكة في غالب الأوقات، و يعرف أيضا بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب و هذا التحديد تقريبي كما لا يخفى، و يعرف أيضا بالدائرة الهندية، و هي أضبط و أمتن.

اقول[2]: يقع الكلام في عدة جهات:

علامات زوال الشمس

الجهة الاولى: المراد بزوال الشمس ميلها و انحرافها عن دائرة نصف النهار من الشرق إلى الغرب، و قد ذكر صاحب العروة تبعا للفقهاء لمعرفة الزوال ثلاث أمارات، اولها: زيادة ظل الشاخص الى الشرق، وثانيها: ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن عند مواجهة نقطة الجنوب، و ذلك لأن هذه المواجهة تستلزم أن يكون الخط الموهوم المارّ من نقطة الشمال إلى الجنوب الذي هو خط نصف النهار واقعاً على قمة الرأس، فإذا كانت الشمس بين العينين و الحاجبين فهي على دائرة نصف النهار تماماً، و عليه فاذا مالت إلى الحاجب الأيمن فقد زالت عن الدائرة، وقد جعل المحقق الحلي العبرة بمواجهة القبلة، وهذا إنما يتم فيما إذا اتحدت القبلة مع نقطة الجنوب، دون ما إذا انحرفت عنه، كما هو الغالب.

والوجه فيما ذكره من كون هذه العلامة تقريبية أن احراز المواجهة الدقيقة للجنوب مشكل، مضافا الى أن إحراز الميل إلى الحاجب الايمن في أول زمان تحققه صعب جدّاً و الغالب إحساسه بعد مضي زمان و لو قليلًا.

قال صاحب العروة الدائرة الهندية امتن العلامات واضبطها لتشخیص الزوال

وأما العلامة الثالثة التي قال صاحب العروة انها امتن العلامات واضبطها فهي الدائرة الهندية، وقد ذكرها المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية، و طريقتها أن تسوَّى الأرض أوّلاً تسوية دقيقة خالية عن أيّ انخفاض أو ارتفاع، ثم ترسم عليها دائرة كلما كانت أوسع كانت المعرفة أسهل، ثم ينصب في مركزها شاخص محدّد الرأس بحيث تكون نسبته إلى محيط الدائرة متساوية من كل جانب، و لا يلزم أن يكون مخروطي الشكل و إن ذكره بعضهم، و إنما المهم أن يكون محدّد الرأس، ولابد أن يكون الشاخص مقداراً يدخل ظله في الدائرة قبل الزوال، فعند طلوع الشمس يحدث ظل طويل للشاخص إلى جانب المغرب، و كلّما ترتفع الشمس ينقص الظل إلى أن يصيب الدائرة و يدخل فيها، فيعلّم حينئذ نقطة الإصابة بعلامة معيّنة، ثم ينتظر موقع الخروج عن نقطة أُخرى من المحيط، فيعلّم أيضاً بعلامة أُخرى، ثم يوصل خط مستقيم بين النقطتين و بعدئذ ينصّف ذلك الخط و يوصل ما بين مركز الدائرة و منتصف الخط بخط آخر و هذا هو خط نصف النهار، فمتى وقع ظل الشاخص على هذا الخط في الأيام الآتية كشف عن بلوغ الشمس وسط النهار تحقيقاً، و متى تجاوز عن هذا الخط و مال رأس الظل إلى طرف المشرق كشف عن تحقق الزوال و التجاوز عن دائرة نصف النهار.

مناقشة صاحب الجواهر في الاعتماد على الدائرة الهندية

وقد ناقش في الجواهر في الاعتماد على الدائرة الهندية، فقال ان الوارد في الروايات هو تبين زيادة ظل الشاخص، ففي‌ رواية احمد بن محمد بن عيسى رفعه عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا و شمالا كأنه يطلب شيئا، فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت: هذا تطلب، قال، نعم، فأخذ العود فنصب بحيال الشمس ثم قال: إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا، ثم لا يزال ينقص حتى تزول، فإذا زالت زاد، فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر، وفي رواية علي بن أبي حمزة قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) زوال الشمس قال- فقال أبو عبد الله (عليه السلام) تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار- و إن زاد فهو أبين- فيقام فما دام ترى الظل يتقصر فلم تزل- فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت[3]، و هذه العلامة مع أنها لا خلاف فيها بين الأصحاب، و دلت عليها الروايات، و يشهد بها الاعتبار، تامة النفع يتساوى فيها العامي و العالم، إذ ليس هي إلا‌ وضع مقياس في الأرض بأي طور كان، لكن من المعلوم ان الزوال ليس عبارة عن هذه الزيادة، إذ هو ميل الشمس عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب، فإطلاق الزوال عليها توسع باعتبار دلالتها عليه و استلزامها له التي لا ينبغي الشك فيها، ضرورة العلم بتحققه بتحققها، أما أنها تدل على ابتدائية الزوال بحيث لم يتحقق قبل ذلك فقد يناقش فيها، بل في المقاصد العلية أن تحقق الزيادة بعد انتهاء النقصان لا يظهر إلا بعد مضي نحو ساعة من أول الوقت، و من هنا قيل: إن الأولى من ذلك في معرفته استخراج خط نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهندية التي نص عليها غير واحد من الأصحاب، فإذا وصل ظل الشاخص اليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل بعد، فإذا خرج الظل عنه إلى جهة المشرق فقد تحقق زوالها، و هو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب، و قال الكاشاني في الوافي: ربما لا يستقيم هذا الطريق في بعض الأحيان، بل يحتاج إلى تعديل حتى يستقيم، إلا أن الأمر فيه سهل[4]، انما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علقه الشارع على الزوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتى انه أخذ فيه استبانته كما سمعته في الخبر السابق، و أناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتبة على بعض الأمور الخفية بالأمور الجلية كي لا يوقع عباده في شبهة كما سمعته في خبر الفجر، فلعل الأحوط مراعاة تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال و إن تأخر تحققها عن ميل الشمس عن خط نصف النهار بزمان، خصوصا و أن الاستصحاب و شغل الذمة و غيرهما موافق لها[5].

وفيه أن الظاهر من استبانة الزيادة هو العلم بالزوال العرفي الذي جعل موضوعا لوجوب صلاة الظهر والعصر في غير واحد من الأخبار، والدائرة الهندية طريق آخر الى العلم بذلك، فلا موجب للتشكيك فيه.

 

فی تعیین الغروب: استتار الشمس او زوال الحمرة المشرقية

الجهة الثانية: وقع الخلاف في أن الغروب هل هو استتار قرص الشمس عن العين في الافق مع عدم الحائل، او زوال الحمرة المشرقية، فيمتد وقت الظهرين ووجوب الصوم الى زوال الحمرة ولا يجوز الشروع في صلاة المغرب الا بعده،

قول الاول

فحكي اختيار القول الاول عن غير واحد من القدماء كالصدوق في العلل و ظاهر‌ الفقيه، و ابن أبي عقيل و المرتضى و الشيخ في مبسوطه، وممن ذهب الى ذلك صاحب المدارك، والسيد الخوئي “قده” في بحثه الاستدلالي، وان احتاط لزوما في مقام الفتوى،

القول الثاني: هو المشهور

والمشهور على القول الثاني، فذكر المحقق في المعتبر: ان عليه عمل الأصحاب، ثم نقل مرسلة ابن اشيم وقال هذه مطابقة لأحاديث كثيرة يعضدها عمل الأصحاب و الاعتبار[6]، مع أنه ذكر في الشرايع: ويعلم الغروب باستتار القرص وقيل بذهاب الحمرة من المشرق و هو الأشهر[7]، والتعبير بالاشهر ظاهر في كون القول الاول ايضا مشهورا، الا أن الثاني اشهر، وممن دافع بقوة عن نظر المشهور هو المحقق العظيم الهمداني “قده” في مصباح الفقيه، وذكر صاحب العروة أنه يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية عن سمت الرأس، و الأحوط زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق، وهذا يعني وجود ثلاثة اقوال في المسألة، اولها القول بأن الغروب يتحقق باستتار القرص و غيبوبته عن النظر، وثانيها: تحققه بذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس، و هذا هو أشهر الأقوال، وثالثها تحققه بذهاب الحمرة المشرقية عن تمام ربع الفلك أعني عن نقطة الشرق إلى دائرة نصف النهار بتمام نواحيها و جوانبها و ذكر السيد الخوئي “قده” أنه يتأخر ذلك عن الذهاب عن خصوص القمة ببضع دقائق، والقائل بذلك قليل جدّاً، بل لم نعثر على قائل به صريحاً[8].

وحكي عن السيد البروجردي “قده” أنه قال: المحسوس بالعيان رفع الحمرة من المشرق تدريجا و أسواد الافق و اذا تمّ الرفع يصير لونها ضعيفا الى ان لا ترى العين من الحمرة أثرا فعند ذلك توجد حمرة ضعيفة في جانب المغرب فوق الافق تنخفض بالتدريج مع الاشتداد الى أن غابت عن النظر بتمامها.

نعم الظاهر من مرسلة ابن ابى عمير حركة الحمرة من المشرق الى المغرب تدريجا بعد تجاوزه عن قمة الرأس، فأن أمكن حملها على ما ذكرنا من حدوث الحمرة في جهة المغرب و زوال الحمرة الّتي في جهة المشرق بعد تجاوزها عن قمة الرأس فالمستفاد منها ما دلّت عليه‌ ساير الروايات، كما أنّ المراد من غيبوبة الشّمس زوالها من جهة المشرق بالكليّة بحيث نظر الشخص الى تلك الجهة و لم ير الحمرة الّتي كانت موجودة فيها[9].

و علق السيد الامام “قده” على كلام صاحب العروة “ويعرف بذهاب الحمرة المشرقية عن سمت الرأس” ما نصه: بل يعرف بزوال الحمرة المشرقيّة، و أمّا الذهاب عن سمت الرأس فلا، لأنّها لا تمرّ عن سمت الرأس بل تزول عن جانب المشرق بعد ارتفاعها مقداراً و تحدث حمرة اخرى مغربيّة محاذية لمكان ارتفاع المشرقيّة تقريباً، و لا تزال تنخفض عكس المشرقيّة، فالحمرة المشرقيّة لا تزول عن سمت الرأس إلى المغرب[10].

و كيف كان، فقد عرفت أن منشأ الاختلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام، وما يدل على كفاية استتار القرص عدة روايات:

روايات تدل على كفاية استتار القرص

الرواية الاولى: موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها[11].

الرواية الثانية: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها[12].

الرواية الثالثة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان: الظهر و العصر، و إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء[13].

الرواية الرابعة: موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر- ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب- ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء- ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح- ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة- فأمره فصلى الظهر- ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر- ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب- ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء- ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح- ثم قال ما بينهما وقت[14].

الرواية الخامسة: معتبرة ذريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال صل الفجر حين ينشق الفجر- و صل الأولى إذا زالت الشمس- و صل العصر بعيدها- و صل المغرب إذا سقط القرص- و صل العتمة إذا غاب الشفق- ثم أتاه من الغد فقال أسفر بالفجر فأسفر، ثم أخر الظهر، حين كان الوقت الذي صلى فيه العصر- و صلى العصر بعيدها- و صلى المغرب قبل سقوط الشفق، و صلى العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثم قال ما بين هذين الوقتين وقت.

الرواية السادسة: رواية محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ عمر بن حنظلة‌ أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) إذا لا يكذب علينا قلت: قال: وقت المغرب إذا غاب القرص إلّا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جدّ به السير أخّر المغرب و يجمع بينها و بين العشاء، فقال: صدق[15]، والرواية معتبرة عندنا كما مر سابقا.

الرواية السابعة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت، و مضى صومك، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا[16].

الرواية الثامنة: موثّقة زيد الشحّام، قال: قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أؤخّر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال: خطّابيّة؟، إنّ جبرئيل نزل بها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله حين سقط القرص[17].

الرواية التاسعة: موثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن وقت المغرب، قال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق[18].

الرواية العاشرة: صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): إن معي شبه الكرش المنشور فأُؤخر صلاة المغرب حتى عند غيبوبة الشفق ثم أُصليهما جميعاً يكون ذلك أرفق بي، فقال: إذا غاب القرص فصل المغرب فإنما أنت و مالك للّٰه[19].

الرواية الحادية عشر: مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: وقت المغرب إذا غاب القرص، و قال أيضا: و قال الصادق عليه السّلام: إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة، و إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف‌ الليل[20].

الرواية الثانية عشر: رواية داود بن فرقد عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله (عليه السّلام) إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب[21].

الرواية الثالثة عشر: رواية جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة عن أبيه[22] عن جده عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن بكير عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: صحبني رجل كان يمسّي بالمغرب و يغلس بالفجر، و كنت أنا اصلّي المغرب إذا غربت الشمس و اصلّي الفجر إذا استبان الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع، فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا و تغرب عنّا و هي طالعة على قوم آخرين بعد؟ فقلت: إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، و إذا طلع الفجر عندنا، و على اولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم[23]، وسندها ضعيف بجهالة حفيد عبد الله بن المغيرة وحفيد حفيده وان ترضى عليه الصدوق، لكنه ليس بكثرة تورث الوثوق بحسن ظاهره عنده.

الرواية الرابعة عشر: رواية علي بن الحكم عمّن حدّثه عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سئل عن وقت المغرب، فقال: إذا غاب كرسيّها قلت: و ما كرسيّها؟ قال: قرصها قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره[24]، وهذه الرواية وان كانت مرسلة، ولكن روى الصدوق في الأمالي عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقَ (عليه السلام) مَتَى يَدْخُلُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَقَالَ إِذَا غَابَ كُرْسِيُّهَا قَالَ وَ مَا كُرْسِيُّهَا قَالَ قُرْصُهَا قَالَ مَتَى تَغِيبُ قُرْصُهَا قَالَ إِذَا نَظَرْتَ فَلَمْ تَرَهُ[25] وسند الرواية صحيح، ولا يضر عدم ثبوت وثاقة والد داود ب‍ فرقد، حيث شهد داود بن فرقد بأنه سمع سؤال ابيه ابا عبد الله (عليه السلام).

الرواية الخامسة عشر: ما في امالي الصدوق عن أبان بن تغلب و الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم، قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟، فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت[26].

والرواية ضعيفة لاشتمال سندها على مجاهيل.

الرواية السادسة عشر: ما في كتاب الامالي أيضا، حدثنا محمد بن الحسن رحمه الله قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول‏ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب و يصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف‏ ميل فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع نبلهم[27].

الرواية السابعة عشر: موثقة سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في المغرب إنا ربما صلينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، قال: فقال: ليس عليكم صعود الجبل[28]، واسناد الصدوق الى سماعة معتبر.

وناقش في الحدائق فيها بأنها لا تنطبق على شي‌ء من القولين في الغروب، فلابد أن تحمل على التقية، ولكن حكي عن السيد الخوئي “قده” انه قال لا يبعد حمل الرواية على صورة وجود أمارة معتبرة على الغروب كذهاب الحمرة عن المطلع الحقيقي للشمس، حيث يقال بأنه ملازم لسقوط القرص و استتاره في الأُفق، فيحتمل أن سماعة قد دخل في الصلاة اعتماداً على تلك الأمارة، و بعد أن دخل غفل عن الملازمة فعرضه الشك، و قد نهاه (عليه السلام) عن الصعود اكتفاءً بتلك الأمارة. فلا مقتضي للحمل على التقية بعد انطباق الرواية على القول المشهور من تحقق الغروب بغيبوبة الشمس.

نعم توجد رواية أخرى لا يأتي فيها هذا التوجيه وهي رواية ابي اسامة او غيره قال: صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب فرأيت الشمس لم تغب، إنّما توارت خلف الجبل من الناس، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بذلك، فقال لي: و لم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يجلّلها سحاب أو ظلمة، و إنّما عليك مشرقك و مغربك، و ليس على الناس أن يبحثوا[29].

فان مفادها أن من لم يرها جاز له صلاة المغرب و إن علم بكونها موجودة خلف الجبل، و هذا مما لم يقل به أحد من الأصحاب و مخالف لجميع نصوص الباب التي لا يبعد فيها دعوى التواتر الإجمالي فهي مطروحة لا محالة، و الذي يسهّل الخطب أنها ضعيفة السند للإرسال على طريق الشيخ، حيث رواها عن أبي أُسامة أو غيره. و أما الصدوق فهو و إن رواها عن أبي أُسامة زيد الشحام و قد وثقه الشيخ إلا أن طريقه إليه ضعيف بأبي جميلة مفضل بن صالح[30].

الروايات التي استدل بها على قول المشهور بتقريب أن الكوكب لا يرى عادة إلا عند ذهاب الحمرة، و لا يمكن رؤيته بمجرد استتار قرص الشمس.

الرواية العاشرة: رواية محمد بن علي قال: صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد[31].

بتقريب أن اقبال الفحمة إنما تكون بتجاوز الحمرة عن قمة الرأس.

الرواية الحادية عشر: رواية سليمان بن داود عن عبد الله بن وضاح قال: كتبت الى العبد الصالح (عليه السلام) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الليل (هكذا في الاستبصار وفي الوسائل، ولكن في التهذيب: فوق الجبل) حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل (هكذا في الاستبصار وفي الوسائل، ولكن في التهذيب: فوق الجبل)، فكتب إلي أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك([32]).

وليس في السند من يتأمل فيه عدا سليمان بن داود المنقري، فانه وان وثقه النجاشي، لكن نقل العلامة الحلي في رجاله عن ابن الغضائري أنه قال انه ضعيف جدا لا يلتفت اليه، يوضع كثيرا على المهمات، فمن يرى اعتبار نقل العلامة لكلام ابن الغضائري ويرى حجية تضعيفات ابن الغضائري فيتعارض مع توثيق النجاشي، الا أنه يبدو في الذهن عدم اعتبار نقل العلامة، حيث ان احتمال وصول كتاب ابن الغضائري الى العلامة بطريق حسي، بنحو تجري أصالة الحس في نقله بأن نحتمل كونه من الكتب المشهورة، موهوم جدا، لا لأجل عدم ذكر العلامة لهذا الكتاب في اجازاته الكبيرة المحكية عنه في اجازات البحار، لعدم قرينة على كونه في مقام حصر ما وجده من الكتب، بل لأجل ما ذكره الشيخ في اول الفهرست من أن أحمد بن الحسين بن عبيد الله كان له كتابان، ذكر في أحدهما المصنفات وفي الآخر الأصول، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم (أي مات فجعة، ولعله كناية عن موته في ايام شبابه) هو “ره” وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم([33])، وأما عدم تعرض النجاشي له (مع أنه كان بصدد بيان الكتب التي صنفها الإمامية، حتى أنه يذكر من الكتب ما لم يره وإنما سمع اسمه من غيره أو رآه في كتاب، وقد تعرض لترجمة الحسين بن عبيد الله وذكر كتبه، ولم يذكر فيها كتاب الرجال، كما أنه حكى عن ابنه أحمد بن الحسين في عدة موارد، ولم يذكر أن له كتاب الرجال) فلعله لأجل كونه كتاب احمد بن الحسين، والنجاشي وان كان ينقل عنه في مجالات مختلفة من رجاله، لكن حيث كان زميله (فقد ذكر في مورد “قرأته أنا وأحمد بن الحسين ره على أبيه([34]) فلم يترجمه لأنه لم يعهد منه ترجمة لمعاصريه، ولذا لم يترجم الشيخ الطوسي، وعليه فيطمأن بعدم اشتهار كتاب رجال ابن الغضائري الى زمان العلامة ولا وصوله اليه بواسطة مشايخه الذين كانت سلسلتهم تصل الى الشيخ الطوسي، فيبقى توثيق النجاشي بلا معارض، وبذلك يثبت تمامية سند الرواية.

وتقريب الاستدلال بها على زوال الحمرة المشرقية أن السؤال كان عن مبدأ وقت صلاة المغرب وافطار الصوم وأنه هل هو استتار القرص او ذهاب الحمرة المشرقية، فالامام (عليه السلام) لم يبيِّن فيه الحكم الواقعي رعاية لظروف التقية، واكتفى ببيان الوظيفة الظاهرية في الشبهة الحكمية، فامر بالاحتياط، وهذا ايضا وان كان فيه نحو مخالفة للعامة، حيث ان تسالمهم على كفاية استتار القرص، لكن عدم بيان الحكم الواقعي المخالف لهم والتنزل الى الامر بالاحتياط الذي هو في مورد الشك اقرب الى مدارة العامة، ولا يكون منافيا لشأن الامام (عليه السلام) وخلاف المتوقع منه من بيان الأحكام، لا بيان الوظيفة الظاهرية عند التحيّر عن معرفة الحكم الواقعي.

هذه هي عمدة الروايات من الطائفتين اللتين استدل باوليهما على كفاية استتار القرص وبثانيتهما على لزوم زوال الحمرة المشرقية.

ولنذكر بعض الكلمات في حل التعارض بينهما:

1- ذكر المحقق الهمداني “قده” في تقريب قول المشهور من لزوم زوال الحمرة المشرقية أنه وان كان انكار ظهور روايات الطائفة الاولى في كفاية استتار القرص مجازفة، فان المتبادر من غروب الشمس ليس إلّا استتار قرصها في الافق الا ان حمل الأخبار التي ورد فيها التحديد بغروب الشمس على ارادة زوال الحمرة المشرقية توجيه قريب، وأما ما ورد التعبير فيها بغيبوبة القرص، التي هي عبارة اخرى عن استتاره عن العين، فتطبيقها على زوال الحمرة تأويل بعيد، لكن قد يقرّبه ما يستشعر من جملة من الأخبار من كون التحديد بغيبوبة القرص و نحوها مظنّة للتورية و قابلا لاحتمال إرادة خلاف الظاهر، مثل رواية علي بن الحكم عمّن حدّثه عن أحدهما (عليهما السّلام) فإنّ سؤاله عن أنّه متى يغيب القرص يشعر بأنّ مثل هذا التعبير كان عندهم من مواقع الريبة، إذ لو لم يكن الذهن مسبوقا بالشبهة لا يكاد يتوهّم من غيبوبة قرص الشمس إلّا إرادة ما ذكره الإمام في تفسيرها، و نحوها رواية امالي الصدوق عن أبان بن تغلب و الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم، قالوا: أقبلنا من مكّة… و يظهر من هذه الرواية كون تأخّر وقت المغرب عن غيبوبة الشمس مغروسا في أذهان الشيعة في عصرهم أيضا -كما في هذه الأعصار- بحيث كانوا يرون إتيانها بعد الغيبوبة مع بقاء الشعاع من شعار المخالفين، و رواية امالي الصدوق عن محمّد بن يحيى الخثعمي.

و يستفاد من رواية عبد الله بن وضاح أن ما وقع في الجواب من التعبير بلفظ الاحتياط مع ما فيه من الإشعار بكونه مستحبّيّا لم يكن إلّا لعدم تمكّن الإمام عليه السّلام من إظهار الحقّ إلّا بهذا الوجه القابل للتوجيه على مذهب المخالفين، فيستفاد منه عدم تمكّن الأئمّة من الأمر بتأخير‌ المغرب إلى ذهاب الحمرة على رؤوس الأشهاد على وجه يعرفه المخالف و المؤالف، كما يستشعر هذا المطلب من جملة من الأخبار بل يشهد بذلك الاعتبار مع قطع النظر عن الأخبار؛ لقضاء العادة بصيرورة وقت صلاة المغرب لدى العامّة في عصر الصادقين (عليهم السّلام) بعد استقرار مذهبهم على دخوله بغيبوبة القرص و شهادة أخبارهم المرويّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بذلك، و شدّة مواظبتهم على حفظ الأوقات في أنظارهم من الضروريّات الواصلة إليهم يدا بيد من النبيّ، فكان إظهار خلافه عندهم من قبيل إنكار الضروري الموجب للكفر، فالأئمّة في مثل هذه الموارد كانوا مضطرّين إلى موافقتهم قولا و فعلا، سواء كان الوقت لديهم في الواقع استتار القرص أم ذهاب الحمرة، بل كانت الحاجة إلى التقيّة في مثل الفرض أشدّ من الحاجة إليها في تصديق أئمّتهم و عدم القدح فيهم، بل ربّما كانوا يتّقون في مثل هذه المقامات من جلّ شيعتهم الذين لم يرسخ في قلوبهم عصمتهم فضلا عن العامّة، فيشكل في مثل الفرض استكشاف الحكم الواقعي من أقوال الأئمّة و أفعالهم الموافقة للعامّة؛ إذ لا يصحّ الاعتماد على أصالة عدم التقيّة بعد شهادة الحال بتحقّق ما يقتضيها و قضاء الضرورة بصدور مثل هذه الأقوال و الأفعال منهم أحيانا من باب التقيّة على تقدير مخالفتهم في الرأي بحيث لو لم يصل إلينا إلّا الأخبار المخالفة للعامّة ربّما كنّا نجزم من مماشاة الأئمّة مع العامّة و مداراتهم معهم بصدور مثل هذه الأخبار الموافقة لهم عنهم في مثل المقام و إن لم تكن واصلة إلينا، فلا يجري في مثل الفرض أصالة عدم التقيّة، فيشكل الحكم بمطابقة مضمون مثل هذه الروايات للواقع.

فمن هنا يظهر أنّه لو كانت الطائفة الاولى من الأخبار الدالّة على دخول الوقت باستتار القرص سليمة عن المعارض و مخالفة المشهور، لم يكن استكشاف الحكم الواقعي منها خاليا عن التأمّل فضلا عن صلاحيّتها -بعد إعراض المشهور- لمعارضة الأخبار الأخيرة المعتضدة بالشهرة و مغروسيّة مضمونها في أذهان الشيعة من صدر الشريعة، خصوصا مع كون جملة من هذه الروايات- كمرسلة ابن أبي عمير و غيرها ممّا وقع فيها تفسير الغروب و سقوط القرص باستتاره في الافق بحيث لم يبق له أثر في ناحية المشرق- بمدلولها اللفظي حاكمة على جلّ تلك الروايات ممّا ورد فيها التحديد بسقوط القرص و غيبوبة الشمس و نحوهما، و ما يبقى منها ممّا لا يقبل هذا التأويل ممّا هو صريح الدلالة في الخلاف فهو في حدّ ذاته غير قابل لمعارضة هذه الروايات.

و لعلّ ما في بعض الأخبار من جعل ذهاب الحمرة معرّفا لغيبوبة القرص لا حدّا بنفسه نشأ من معروفيّة التحديد بالغيبوبة لدى الناس بحيث لم يجد الأئمّة عليهم السّلام بدّا إلّا من الاعتراف به، و تأويله إلى الحقّ.

فالأظهر عدم صلاحيّة الأخبار المتقدّمة لمعارضة الروايات الأخيرة و إن كثرت و صحّت أسانيدها([35]).

2- ذكر السيد الخوئي “قده” في تقريب القول بكفاية استتار القرص أن روايات الطائفة الثانية قابلة للجواب:

أما الرواية الاولى فهي وان كانت أصرح رواية يستدل بها على اعتبار زوال الحمرة المشرقية، لكنها ضعيفة السند لأجل سهل بن زياد و الإرسال، بل يمكن القول بعدم كونها مرسلة لابن أبي عمير نفسه، بل للراوي الذي ينقلها عن ابن أبي عمير فهو ذكره، فليست من مراسيله التي قال غنها النجاشي أن الاصحاب سكنوا الى مراسيله.

كما يمكن النقاش في دلالتها أوّلاً: بعدم تطابق مضمونها مع ما هو المشاهد بالعيان، فان الناظر إلى جانب المشرق من الأُفق لدى الغروب يرى أن الحمرة ترتفع شيئاً فشيئاً إلى‌ أن تزول ثم تحدث حمرة أُخرى من ناحية المغرب، لا أن تلك الحمرة تبقى و تتعدى عن قمة الرأس إلى ناحيته كما هو صريح الرواية، فليس شأنها شأن الشمس لدى الزوال، حيث عرفت أنها ترتفع و تعلو حتى تتجاوز دائرة نصف النهار و به يتحقق الزوال، و التجربة خير دليل و أكبر برهان.

و ثانياً: أنه إن أُريد من السقوط في قوله “و سقط القرص” سقوطه عن النظر، و دخوله تحت الأُفق الحسي، فمن الواضح جدّاً تحقق ذلك قبل ذهاب الحمرة عن قمة الرأس بأكثر من عشر دقائق، و إن أُريد به معنى آخر كدخوله تحت الأُفق الحقيقي فهو أمر مبهم غير بيّن و لا مبيّن و إحالة إلى أمر مجهول كما لا يخفى.

وأما الرواية الثانية فقد أجاب عنها بأن المراد من المشرق الوارد فيها على ما يقتضيه ظاهر اللفظ هو‌ خصوص موضع طلوع الشمس، في مقابل المغرب الذي يراد به النقطة التي تغرب فيها و تدخل تحت الأُفق، لا جميع جهة المشرق و ناحيته من قطب الجنوب إلى الشمال، وفرض كرؤية الأرض و التقابل بين نقطتي المشرق و المغرب يستدعي وجود الحمرة في المشرق قبيل الاستتار و ما دام القرص باقياً، و بعد استتاره و دخوله تحت الأُفق ترتفع الحمرة شيئاً فشيئاً إلى أن تزول، فيكون هذا الارتفاع الممكن مشاهدته لكل أحد كاشفاً عن ذلك الاستتار الذي لا تتيسر معرفته غالباً لمكان الجبال و الأطلال و نحوهما من الموانع و الحواجب التي لا تخلو عنها أقطار الأرض، فجعل الارتفاع المزبور دليلًا عليه و أمارة كاشفة عنه.

إذن فلا ارتباط للرواية بذهاب الحمرة من ناحية المشرق و تجاوزها عن قمة الرأس بوجه، بل هي على خلاف المطلوب أدلّ و تعدّ من أدلة القول بكفاية استتار القرص.

على أنها لو دلت على اعتبار زوال‌ الحمرة فتدل على اعتبار زوالها عن تمام ربع الفلك من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي من ناحية المشرق، و من البيّن أنّ أرباب القول الأشهر لا يعتبرون ذلك بل يكتفون بذهابها عن قمة الرأس. فهذه الرواية لا ربط لها بالقول الأشهر.

و أما الاشكال في دلالتها بعدم كون الجزاء معلولًا لشرطها، لعدم كون استتار القرص معلولًا لذهاب الحمرة، بل هما متلازمان و معلولان لعلة ثالثة، فيندفع بعدم اعتبار المعلولية في صحة القضية الشرطية، و إنما العبرة بالملازمة مطلقا.

كما أنّ الاشكال في دلالتها ايضا بأن ترتب الجزاء على الشرط في الرواية لم يكن بلحاظ الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، و من البيّن أن ترتب الجزاء على الشرط علماً لا يقتضي تقارنهما حدوثاً، بل من الجائز سبق حدوث الجزاء، كما في مثل قولك إذا استطعمك زيد فهو جائع، مدفوع بظهور القضية في الاقتران ما لم تقم قرينة على الخلاف كما في المثال، فالعمدة في المناقشة ما عرفت.

هذا كله على تقدير أن يكون متن الرواية “فقد غابت الشمس عن شرق الارض وغربها” و أما بناء على النقل الآخر “فقد غربت الشمس من شرق الارض[36]” فهي حينئذ تدل على ما نسب إلى بعض الأصحاب من اعتبار زوال الحمرة من تمام ربع الفلك، دون القول الأشهر.

وأما الرواية الثالثة فمضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال قاصرة الدلالة كما يظهر مما قدمناه حول الرواية السابقة، حيث عرفت أنّ المراد من المشرق خصوص مطلع الشمس لا ناحيته و جهته، و أنّ زوال الحمرة عن تلك النقطة من علائم‌ الغيبوبة و لوازم استتار القرص، بل إن هذه أصرح من سابقتها، لما فيها من الإيعاز إلى كرؤية الأرض بقوله “إن المشرق مطلّ” مع التصدي بيده للترسيم مبالغة في التفهيم، فان مقتضى ذلك أن غيبوبة الشمس تتعقبها ظلمة تدريجية تبتدئ من النقطة المقابلة لسقوط القرص ثم ترتفع شيئاً فشيئاً إلى أن تستوعب ناحية المشرق، أعني ربع الفلك. إذن فالملازمة بين استتار القرص و بين ارتفاع الحمرة من تلك النقطة لمكان الكروية واضحة جلية، و معه لا دلالة لها على القول الأشهر بوجه.

وأما الرواية الرابعة فمضافا الى ضعف سندها قاصرة الدلالة بشهادة التجربة، فانّ تغيير الحمرة إنما يكون في أول الغروب و منذ استتار الشمس في الأُفق و هو زمان ذهاب الصفرة أيضاً.

وأما الرواية الخامسة فمضافاً إلى ضعف سندها قاصرة الدلالة، إذ المراد من مطلع الشمس كما سبق هو مكان طلوعها و نقطة خروجها، لا الشرق كله، و قد عرفت أنّ زوال الحمرة من تلك النقطة إنما يتحقق عند الاستتار و أول الغروب[37].

وأما الرواية السادسة ففيها: مضافاً إلى ضعف السند بإسماعيل بن أبي سارة، فإنه لم يوثق، أنّ الدلالة إنما تستقيم لو كان التعبير هكذا: إلى وقت صلاة المغرب، بدلًا عما هو المذكور فيها من صلاة المغرب، و من الواضح أنّ نفس الصلاة تتأخر عادة عن أول الوقت لأجل بعض المقدمات، و لا أقل من الأذان و الإقامة، و لا سيما في انعقاد الجماعات لانتظار المأمومين فلا دلالة فيها على أن الوقت بنفسه‌ متأخر عن الاستتار.

و لم يتعرض للرواية السابعة ولعل جوابه عنها حمل ذهاب الحمرة من الجانب الشرقي على ذهابها من المشرق الحقيقي المقارن لغروب الشمس.

واجاب عن الرواية الثامنة بأن مقتضى كروية الأرض اختلاف الطلوع و الغروب حسب اختلاف البلاد و من الضروري أن العبرة في كل بلد بطلوعه و غروبه، فلم يتضح وجه صحيح للأمر بالتأخير في هذه الصحيحة إلا الحمل بعد فرض اتحاد أُفق البلدين على غيبوبة الشمس في بلد الراوي و استتارها عن الأنظار قبل دخولها تحت الأُفق لمكان الجبال و الأطلال، فأمره (عليه السلام) بالتأخير رعاية للاحتياط الناشئ من احتمال عدم تحقق الغروب واقعاً، لا أنه قد تحقق و مع ذلك يأمر بالتأخير لمكان تجاوز الحمرة عن قمة الرأس كما هو المدعى.

مضافا الى أن المأمور به لما كان هو التمسية قليلًا المحقق طبعاً قبل التجاوز عن قمة الرأس، فهو محمول على الاستحباب بقرينة ما دل على دخول الوقت باستتار القرص، على أن التمسية القليلة أمر متعارف لجريان العادة على الصلاة بعد المغرب بشي‌ء، إذ لا تؤدى الفريضة عند سقوط القرص غالباً.

وأما الرواية التاسعة ففيها أن المحسوس مشاهدة بعض الكواكب النيرة قبل ذهاب الحمرة، بل قد يرى قبل السقوط أيضا.

وأما الرواية العاشرة فسندها ضعيف لعدم ثبوت وثاقة محمد بن علي[38]، مضافا الى أنه يحتمل كون فعله (عليه السلام) لأجل استحباب التمسية بالمغرب قليلًا، على أن السواد يقبل عند سقوط القرص، فلدى غروب الشمس ترتفع الحمرة من نقطة المشرق تدريجاً و يتبعها السواد مباشرة كما يقضي به الحسّ و التجربة.

كما اجاب عن الرواية الحادية عشر أنه لم يفرض في السؤال تيقّن الراوي باستتار القرص و مواراته تحت الأُفق، و إنما المفروض مواراته عن النظر، و لعله يكون خلف الجبل، بل إن قوله “و ترتفع فوق الجبل حمرة” يكشف عن كونه شاكاً في ذلك كما لا يخفى، و عليه، فلا وجه لحمل التعليل على الاحتياط في الشبهة الحكمية ليلزم حمله على التقية من أجل امتناع إرادته من الامام العالم بالأحكام الواقعية، بل هو ناظر إلى الاحتياط في الشبهة الموضوعية من أجل شك السائل في تحقق الغروب و عدمه كسائر الأوامر الاحتياطية الواردة في الشبهات الموضوعية، إذن فالرواية أظهر دلالة على كفاية استتار القرص.

ثم قال: ان ما قد يقال من تأخير الصلاة الى زوال الحمرة كان شعاراً ورمزا للأئمة (عليهم السلام) واصحابهم و إن لم يكن مساغ لإنكاره، إلا أنه مع ذلك لا دلالة له بوجه على لزوم التأخير، إذ من الجائز أن يكون ذلك من سنخ الشعائر القائمة على جملة مما التزموا به عملاً، مع اعترافهم باستحبابه من غير نكير كالقنوت، فإنك لا تكاد ترى إماميّاً يتركه في صلاته من غير عذر مع أنه لا يرى وجوبه، فليكن المقام من هذا القبيل، و لا سيما بعد ملاحظة أن الروايات الواردة في جواز ترك القنوت قد ورد مثلها في المقام أيضاً[39].

بقيت رواية جَارُودٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا جَارُودُ يُنْصَحُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ وَ إِذَا سَمِعُوا بِشَيْ‌ءٍ نَادَوْا بِهِ أَوْ حُدِّثُوا بِشَيْ‌ءٍ أَذَاعُوهُ- قُلْتُ لَهُمْ مَسُّوا بِالْمَغْرِبِ قَلِيلًا- فَتَرَكُوهَا حَتَّى اشْتَبَكَتِ النُّجُومُ- فَأَنَا الْآنَ أُصَلِّيهَا إِذَا سَقَطَ الْقُرْصُ[40]، حيث يقال بأن صدرها ظاهر في الامر بوجوب تأخير المغرب الى زوال الحمرة المشرقية، ولا ينافيه ذيلها حيث يحمل على التقية، بقرينة قوله “واذا سمعوا…” وجاورد وان كان مشتركا بين جماعة، لكن الظاهر انصرافه جارود الى جارود بن المنذر، الذي قال عنه النجاشي أنه ثقة ثقة، ذكره أبو العباس في رجاله، له كتاب، يختلف الرواة عنه، أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن جعفر، عن حميد، عن الحسن بن سماعة، قال: حدثنا علي بن الحسن بن رباط، عن الجارود، به[41]، ومنشأ الانصراف اليه كونه هو المشهور مضافا الى كون السند في الرواية نفس الطريق المذكور في كلام النجاشي، فالرواية معتبرة سندا، الا أنه يمكن الجواب عنها بأن صدرها لم يكن في مقام البيان من حيث وجوب الامر او استحبابه.

الروايات التي استدل بها على قول المشهور

و أما الروايات التي استدل بها على قول المشهور فهي:

الرواية الاولى: ما في الكافي عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار، و سقط القرص[42].

الرواية الثانية: رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها[43]، وسندها وان كان مشتملا على قاسم بن عروة لكن مر امكان توثيقه برواية ابن ابي عمير عنه.

الرواية الثالثة: ما رواه ابن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأنّ المشرق مطلّ [44]على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا[45]، لكن الرواية ضعيفة السند بالارسال.

الرواية الرابعة: رواية علي بن الحارث عن بكار عن محمّد بن شريح عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت المغرب، فقال: إذا تغيّرت الحمرة في الافق و ذهبت الصفرة و قبل أن تشتبك النجوم[46]، وسند الرواية ضعيف لعدم ثبوت وثاقة علي بن الحارث وبكار.

الرواية الخامسة: ما رواه علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم (وثقه النجاشي) عن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام): إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، و كان يصلّي حين يغيب الشفق[47]، وسندها ضعيف لعدم ثبوت وثاقة علي بن يعقوب الهاشمي.

الرواية السادسة: ما في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن إسماعيل بن أبي سارة عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أي ساعة كان رسول الله صلى الله عليه و آله يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب[48]، واسماعيل وان لم يرد في حقه توثيق لكن يكفي عندنا كونه من مشايخ ابن ابي عمير، وتقريب دلالتها أن ما بين غيبوبة الشمس إلى وقت صلاة المغرب فاصل زماني كان النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) يوتر في مقدار هذا الفصل مما قبل طلوع الفجر، و من البيّن أنه لا نظر في ذاك الفاصل إلا إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

الرواية السابعة: موثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت‌ لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي[49]، مع أن الوارد هناك ايضا الوقوف الى غروب الشمس، ففي صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُفِيضُونَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ- فَخَالَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَفَاضَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ[50]، فتكون هذه الموثقة مفسرة للمراد من غروب الشمس، وانه غيبوبتها بمرتبة تنعدم الحمرة المنعكسة منها على المشرق.

الرواية الثامنة: موثّقة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: قال لي: مسّوا بالمغرب قليلا، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا[51].

الرواية التاسعة: صحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سأله سائل عن وقت المغرب، قال: إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السّلام فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي و هذا أوّل الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق، و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل[52].

بتقريب أن الكوكب لا يرى عادة إلا عند ذهاب الحمرة، و لا يمكن رؤيته بمجرد استتار قرص الشمس.

الرواية العاشرة: رواية محمد بن علي قال: صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد[53].

بتقريب أن اقبال الفحمة إنما تكون بتجاوز الحمرة عن قمة الرأس.

الرواية الحادية عشر: رواية سليمان بن داود عن عبد الله بن وضاح قال: كتبت الى العبد الصالح (عليه السلام) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الليل (هكذا في الاستبصار وفي الوسائل، ولكن في التهذيب: فوق الجبل) حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل (هكذا في الاستبصار وفي الوسائل، ولكن في التهذيب: فوق الجبل)، فكتب إلي أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك([54]).

وليس في السند من يتأمل فيه عدا سليمان بن داود المنقري، فانه وان وثقه النجاشي، لكن نقل العلامة الحلي في رجاله عن ابن الغضائري أنه قال انه ضعيف جدا لا يلتفت اليه، يوضع كثيرا على المهمات، فمن يرى اعتبار نقل العلامة لكلام ابن الغضائري ويرى حجية تضعيفات ابن الغضائري فيتعارض مع توثيق النجاشي، الا أنه يبدو في الذهن عدم اعتبار نقل العلامة، حيث ان احتمال وصول كتاب ابن الغضائري الى العلامة بطريق حسي، بنحو تجري أصالة الحس في نقله بأن نحتمل كونه من الكتب المشهورة، موهوم جدا، لا لأجل عدم ذكر العلامة لهذا الكتاب في اجازاته الكبيرة المحكية عنه في اجازات البحار، لعدم قرينة على كونه في مقام حصر ما وجده من الكتب، بل لأجل ما ذكره الشيخ في اول الفهرست من أن أحمد بن الحسين بن عبيد الله كان له كتابان، ذكر في أحدهما المصنفات وفي الآخر الأصول، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم (أي مات فجعة، ولعله كناية عن موته في ايام شبابه) هو “ره” وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم([55])، وأما عدم تعرض النجاشي له (مع أنه كان بصدد بيان الكتب التي صنفها الإمامية، حتى أنه يذكر من الكتب ما لم يره وإنما سمع اسمه من غيره أو رآه في كتاب، وقد تعرض لترجمة الحسين بن عبيد الله وذكر كتبه، ولم يذكر فيها كتاب الرجال، كما أنه حكى عن ابنه أحمد بن الحسين في عدة موارد، ولم يذكر أن له كتاب الرجال) فلعله لأجل كونه كتاب احمد بن الحسين، والنجاشي وان كان ينقل عنه في مجالات مختلفة من رجاله، لكن حيث كان زميله (فقد ذكر في مورد “قرأته أنا وأحمد بن الحسين ره على أبيه([56]) فلم يترجمه لأنه لم يعهد منه ترجمة لمعاصريه، ولذا لم يترجم الشيخ الطوسي، وعليه فيطمأن بعدم اشتهار كتاب رجال ابن الغضائري الى زمان العلامة ولا وصوله اليه بواسطة مشايخه الذين كانت سلسلتهم تصل الى الشيخ الطوسي، فيبقى توثيق النجاشي بلا معارض، وبذلك يثبت تمامية سند الرواية.

وتقريب الاستدلال بها على زوال الحمرة المشرقية أن السؤال كان عن مبدأ وقت صلاة المغرب وافطار الصوم وأنه هل هو استتار القرص او ذهاب الحمرة المشرقية، فالامام (عليه السلام) لم يبيِّن فيه الحكم الواقعي رعاية لظروف التقية، واكتفى ببيان الوظيفة الظاهرية في الشبهة الحكمية، فامر بالاحتياط، وهذا ايضا وان كان فيه نحو مخالفة للعامة، حيث ان تسالمهم على كفاية استتار القرص، لكن عدم بيان الحكم الواقعي المخالف لهم والتنزل الى الامر بالاحتياط الذي هو في مورد الشك اقرب الى مدارة العامة، ولا يكون منافيا لشأن الامام (عليه السلام) وخلاف المتوقع منه من بيان الأحكام، لا بيان الوظيفة الظاهرية عند التحيّر عن معرفة الحكم الواقعي.

هذه هي عمدة الروايات من الطائفتين اللتين استدل باوليهما على كفاية استتار القرص وبثانيتهما على لزوم زوال الحمرة المشرقية.

حل التعارض بین الطائفتین من الروایات

ولنذكر بعض الكلمات في حل التعارض بينهما:

1- ذكر المحقق الهمداني “قده” في تقريب قول المشهور من لزوم زوال الحمرة المشرقية أنه وان كان انكار ظهور روايات الطائفة الاولى في كفاية استتار القرص مجازفة، فان المتبادر من غروب الشمس ليس إلّا استتار قرصها في الافق الا ان حمل الأخبار التي ورد فيها التحديد بغروب الشمس على ارادة زوال الحمرة المشرقية توجيه قريب، وأما ما ورد التعبير فيها بغيبوبة القرص، التي هي عبارة اخرى عن استتاره عن العين، فتطبيقها على زوال الحمرة تأويل بعيد، لكن قد يقرّبه ما يستشعر من جملة من الأخبار من كون التحديد بغيبوبة القرص و نحوها مظنّة للتورية و قابلا لاحتمال إرادة خلاف الظاهر، مثل رواية علي بن الحكم عمّن حدّثه عن أحدهما (عليهما السّلام) فإنّ سؤاله عن أنّه متى يغيب القرص يشعر بأنّ مثل هذا التعبير كان عندهم من مواقع الريبة، إذ لو لم يكن الذهن مسبوقا بالشبهة لا يكاد يتوهّم من غيبوبة قرص الشمس إلّا إرادة ما ذكره الإمام في تفسيرها، و نحوها رواية امالي الصدوق عن أبان بن تغلب و الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم، قالوا: أقبلنا من مكّة… و يظهر من هذه الرواية كون تأخّر وقت المغرب عن غيبوبة الشمس مغروسا في أذهان الشيعة في عصرهم أيضا -كما في هذه الأعصار- بحيث كانوا يرون إتيانها بعد الغيبوبة مع بقاء الشعاع من شعار المخالفين، و رواية امالي الصدوق عن محمّد بن يحيى الخثعمي.

و يستفاد من رواية عبد الله بن وضاح أن ما وقع في الجواب من التعبير بلفظ الاحتياط مع ما فيه من الإشعار بكونه مستحبّيّا لم يكن إلّا لعدم تمكّن الإمام عليه السّلام من إظهار الحقّ إلّا بهذا الوجه القابل للتوجيه على مذهب المخالفين، فيستفاد منه عدم تمكّن الأئمّة من الأمر بتأخير‌ المغرب إلى ذهاب الحمرة على رؤوس الأشهاد على وجه يعرفه المخالف و المؤالف، كما يستشعر هذا المطلب من جملة من الأخبار بل يشهد بذلك الاعتبار مع قطع النظر عن الأخبار؛ لقضاء العادة بصيرورة وقت صلاة المغرب لدى العامّة في عصر الصادقين (عليهم السّلام) بعد استقرار مذهبهم على دخوله بغيبوبة القرص و شهادة أخبارهم المرويّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بذلك، و شدّة مواظبتهم على حفظ الأوقات في أنظارهم من الضروريّات الواصلة إليهم يدا بيد من النبيّ، فكان إظهار خلافه عندهم من قبيل إنكار الضروري الموجب للكفر، فالأئمّة في مثل هذه الموارد كانوا مضطرّين إلى موافقتهم قولا و فعلا، سواء كان الوقت لديهم في الواقع استتار القرص أم ذهاب الحمرة، بل كانت الحاجة إلى التقيّة في مثل الفرض أشدّ من الحاجة إليها في تصديق أئمّتهم و عدم القدح فيهم، بل ربّما كانوا يتّقون في مثل هذه المقامات من جلّ شيعتهم الذين لم يرسخ في قلوبهم عصمتهم فضلا عن العامّة، فيشكل في مثل الفرض استكشاف الحكم الواقعي من أقوال الأئمّة و أفعالهم الموافقة للعامّة؛ إذ لا يصحّ الاعتماد على أصالة عدم التقيّة بعد شهادة الحال بتحقّق ما يقتضيها و قضاء الضرورة بصدور مثل هذه الأقوال و الأفعال منهم أحيانا من باب التقيّة على تقدير مخالفتهم في الرأي بحيث لو لم يصل إلينا إلّا الأخبار المخالفة للعامّة ربّما كنّا نجزم من مماشاة الأئمّة مع العامّة و مداراتهم معهم بصدور مثل هذه الأخبار الموافقة لهم عنهم في مثل المقام و إن لم تكن واصلة إلينا، فلا يجري في مثل الفرض أصالة عدم التقيّة، فيشكل الحكم بمطابقة مضمون مثل هذه الروايات للواقع.

فمن هنا يظهر أنّه لو كانت الطائفة الاولى من الأخبار الدالّة على دخول الوقت باستتار القرص سليمة عن المعارض و مخالفة المشهور، لم يكن استكشاف الحكم الواقعي منها خاليا عن التأمّل فضلا عن صلاحيّتها -بعد إعراض المشهور- لمعارضة الأخبار الأخيرة المعتضدة بالشهرة و مغروسيّة مضمونها في أذهان الشيعة من صدر الشريعة، خصوصا مع كون جملة من هذه الروايات- كمرسلة ابن أبي عمير و غيرها ممّا وقع فيها تفسير الغروب و سقوط القرص باستتاره في الافق بحيث لم يبق له أثر في ناحية المشرق- بمدلولها اللفظي حاكمة على جلّ تلك الروايات ممّا ورد فيها التحديد بسقوط القرص و غيبوبة الشمس و نحوهما، و ما يبقى منها ممّا لا يقبل هذا التأويل ممّا هو صريح الدلالة في الخلاف فهو في حدّ ذاته غير قابل لمعارضة هذه الروايات.

و لعلّ ما في بعض الأخبار من جعل ذهاب الحمرة معرّفا لغيبوبة القرص لا حدّا بنفسه نشأ من معروفيّة التحديد بالغيبوبة لدى الناس بحيث لم يجد الأئمّة عليهم السّلام بدّا إلّا من الاعتراف به، و تأويله إلى الحقّ.

فالأظهر عدم صلاحيّة الأخبار المتقدّمة لمعارضة الروايات الأخيرة و إن كثرت و صحّت أسانيدها([57]).

کلام السيد الخوئي “قده”

2- ذكر السيد الخوئي “قده” في تقريب القول بكفاية استتار القرص أن روايات الطائفة الثانية قابلة للجواب:

أما الرواية الاولى فهي وان كانت أصرح رواية يستدل بها على اعتبار زوال الحمرة المشرقية، لكنها ضعيفة السند لأجل سهل بن زياد و الإرسال، بل يمكن القول بعدم كونها مرسلة لابن أبي عمير نفسه، بل للراوي الذي ينقلها عن ابن أبي عمير فهو ذكره، فليست من مراسيله التي قال غنها النجاشي أن الاصحاب سكنوا الى مراسيله.

كما يمكن النقاش في دلالتها أوّلاً: بعدم تطابق مضمونها مع ما هو المشاهد بالعيان، فان الناظر إلى جانب المشرق من الأُفق لدى الغروب يرى أن الحمرة ترتفع شيئاً فشيئاً إلى‌ أن تزول ثم تحدث حمرة أُخرى من ناحية المغرب، لا أن تلك الحمرة تبقى و تتعدى عن قمة الرأس إلى ناحيته كما هو صريح الرواية، فليس شأنها شأن الشمس لدى الزوال، حيث عرفت أنها ترتفع و تعلو حتى تتجاوز دائرة نصف النهار و به يتحقق الزوال، و التجربة خير دليل و أكبر برهان.

و ثانياً: أنه إن أُريد من السقوط في قوله “و سقط القرص” سقوطه عن النظر، و دخوله تحت الأُفق الحسي، فمن الواضح جدّاً تحقق ذلك قبل ذهاب الحمرة عن قمة الرأس بأكثر من عشر دقائق، و إن أُريد به معنى آخر كدخوله تحت الأُفق الحقيقي فهو أمر مبهم غير بيّن و لا مبيّن و إحالة إلى أمر مجهول كما لا يخفى.

وأما الرواية الثانية فقد أجاب عنها بأن المراد من المشرق الوارد فيها على ما يقتضيه ظاهر اللفظ هو‌ خصوص موضع طلوع الشمس، في مقابل المغرب الذي يراد به النقطة التي تغرب فيها و تدخل تحت الأُفق، لا جميع جهة المشرق و ناحيته من قطب الجنوب إلى الشمال، وفرض كرؤية الأرض و التقابل بين نقطتي المشرق و المغرب يستدعي وجود الحمرة في المشرق قبيل الاستتار و ما دام القرص باقياً، و بعد استتاره و دخوله تحت الأُفق ترتفع الحمرة شيئاً فشيئاً إلى أن تزول، فيكون هذا الارتفاع الممكن مشاهدته لكل أحد كاشفاً عن ذلك الاستتار الذي لا تتيسر معرفته غالباً لمكان الجبال و الأطلال و نحوهما من الموانع و الحواجب التي لا تخلو عنها أقطار الأرض، فجعل الارتفاع المزبور دليلًا عليه و أمارة كاشفة عنه.

إذن فلا ارتباط للرواية بذهاب الحمرة من ناحية المشرق و تجاوزها عن قمة الرأس بوجه، بل هي على خلاف المطلوب أدلّ و تعدّ من أدلة القول بكفاية استتار القرص.

على أنها لو دلت على اعتبار زوال‌ الحمرة فتدل على اعتبار زوالها عن تمام ربع الفلك من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي من ناحية المشرق، و من البيّن أنّ أرباب القول الأشهر لا يعتبرون ذلك بل يكتفون بذهابها عن قمة الرأس. فهذه الرواية لا ربط لها بالقول الأشهر.

و أما الاشكال في دلالتها بعدم كون الجزاء معلولًا لشرطها، لعدم كون استتار القرص معلولًا لذهاب الحمرة، بل هما متلازمان و معلولان لعلة ثالثة، فيندفع بعدم اعتبار المعلولية في صحة القضية الشرطية، و إنما العبرة بالملازمة مطلقا.

كما أنّ الاشكال في دلالتها ايضا بأن ترتب الجزاء على الشرط في الرواية لم يكن بلحاظ الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، و من البيّن أن ترتب الجزاء على الشرط علماً لا يقتضي تقارنهما حدوثاً، بل من الجائز سبق حدوث الجزاء، كما في مثل قولك إذا استطعمك زيد فهو جائع، مدفوع بظهور القضية في الاقتران ما لم تقم قرينة على الخلاف كما في المثال، فالعمدة في المناقشة ما عرفت.

هذا كله على تقدير أن يكون متن الرواية “فقد غابت الشمس عن شرق الارض وغربها” و أما بناء على النقل الآخر “فقد غربت الشمس من شرق الارض[58]” فهي حينئذ تدل على ما نسب إلى بعض الأصحاب من اعتبار زوال الحمرة من تمام ربع الفلك، دون القول الأشهر.

وأما الرواية الثالثة فمضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال قاصرة الدلالة كما يظهر مما قدمناه حول الرواية السابقة، حيث عرفت أنّ المراد من المشرق خصوص مطلع الشمس لا ناحيته و جهته، و أنّ زوال الحمرة عن تلك النقطة من علائم‌ الغيبوبة و لوازم استتار القرص، بل إن هذه أصرح من سابقتها، لما فيها من الإيعاز إلى كرؤية الأرض بقوله “إن المشرق مطلّ” مع التصدي بيده للترسيم مبالغة في التفهيم، فان مقتضى ذلك أن غيبوبة الشمس تتعقبها ظلمة تدريجية تبتدئ من النقطة المقابلة لسقوط القرص ثم ترتفع شيئاً فشيئاً إلى أن تستوعب ناحية المشرق، أعني ربع الفلك. إذن فالملازمة بين استتار القرص و بين ارتفاع الحمرة من تلك النقطة لمكان الكروية واضحة جلية، و معه لا دلالة لها على القول الأشهر بوجه.

وأما الرواية الرابعة فمضافا الى ضعف سندها قاصرة الدلالة بشهادة التجربة، فانّ تغيير الحمرة إنما يكون في أول الغروب و منذ استتار الشمس في الأُفق و هو زمان ذهاب الصفرة أيضاً.

وأما الرواية الخامسة فمضافاً إلى ضعف سندها قاصرة الدلالة، إذ المراد من مطلع الشمس كما سبق هو مكان طلوعها و نقطة خروجها، لا الشرق كله، و قد عرفت أنّ زوال الحمرة من تلك النقطة إنما يتحقق عند الاستتار و أول الغروب[59].

وأما الرواية السادسة ففيها: مضافاً إلى ضعف السند بإسماعيل بن أبي سارة، فإنه لم يوثق، أنّ الدلالة إنما تستقيم لو كان التعبير هكذا: إلى وقت صلاة المغرب، بدلًا عما هو المذكور فيها من صلاة المغرب، و من الواضح أنّ نفس الصلاة تتأخر عادة عن أول الوقت لأجل بعض المقدمات، و لا أقل من الأذان و الإقامة، و لا سيما في انعقاد الجماعات لانتظار المأمومين فلا دلالة فيها على أن الوقت بنفسه‌ متأخر عن الاستتار.

و لم يتعرض للرواية السابعة ولعل جوابه عنها حمل ذهاب الحمرة من الجانب الشرقي على ذهابها من المشرق الحقيقي المقارن لغروب الشمس.

واجاب عن الرواية الثامنة بأن مقتضى كروية الأرض اختلاف الطلوع و الغروب حسب اختلاف البلاد و من الضروري أن العبرة في كل بلد بطلوعه و غروبه، فلم يتضح وجه صحيح للأمر بالتأخير في هذه الصحيحة إلا الحمل بعد فرض اتحاد أُفق البلدين على غيبوبة الشمس في بلد الراوي و استتارها عن الأنظار قبل دخولها تحت الأُفق لمكان الجبال و الأطلال، فأمره (عليه السلام) بالتأخير رعاية للاحتياط الناشئ من احتمال عدم تحقق الغروب واقعاً، لا أنه قد تحقق و مع ذلك يأمر بالتأخير لمكان تجاوز الحمرة عن قمة الرأس كما هو المدعى.

مضافا الى أن المأمور به لما كان هو التمسية قليلًا المحقق طبعاً قبل التجاوز عن قمة الرأس، فهو محمول على الاستحباب بقرينة ما دل على دخول الوقت باستتار القرص، على أن التمسية القليلة أمر متعارف لجريان العادة على الصلاة بعد المغرب بشي‌ء، إذ لا تؤدى الفريضة عند سقوط القرص غالباً.

وأما الرواية التاسعة ففيها أن المحسوس مشاهدة بعض الكواكب النيرة قبل ذهاب الحمرة، بل قد يرى قبل السقوط أيضا.

وأما الرواية العاشرة فسندها ضعيف لعدم ثبوت وثاقة محمد بن علي[60]، مضافا الى أنه يحتمل كون فعله (عليه السلام) لأجل استحباب التمسية بالمغرب قليلًا، على أن السواد يقبل عند سقوط القرص، فلدى غروب الشمس ترتفع الحمرة من نقطة المشرق تدريجاً و يتبعها السواد مباشرة كما يقضي به الحسّ و التجربة.

كما اجاب عن الرواية الحادية عشر أنه لم يفرض في السؤال تيقّن الراوي باستتار القرص و مواراته تحت الأُفق، و إنما المفروض مواراته عن النظر، و لعله يكون خلف الجبل، بل إن قوله “و ترتفع فوق الجبل حمرة” يكشف عن كونه شاكاً في ذلك كما لا يخفى، و عليه، فلا وجه لحمل التعليل على الاحتياط في الشبهة الحكمية ليلزم حمله على التقية من أجل امتناع إرادته من الامام العالم بالأحكام الواقعية، بل هو ناظر إلى الاحتياط في الشبهة الموضوعية من أجل شك السائل في تحقق الغروب و عدمه كسائر الأوامر الاحتياطية الواردة في الشبهات الموضوعية، إذن فالرواية أظهر دلالة على كفاية استتار القرص.

ثم قال: ان ما قد يقال من تأخير الصلاة الى زوال الحمرة كان شعاراً ورمزا للأئمة (عليهم السلام) واصحابهم و إن لم يكن مساغ لإنكاره، إلا أنه مع ذلك لا دلالة له بوجه على لزوم التأخير، إذ من الجائز أن يكون ذلك من سنخ الشعائر القائمة على جملة مما التزموا به عملاً، مع اعترافهم باستحبابه من غير نكير كالقنوت، فإنك لا تكاد ترى إماميّاً يتركه في صلاته من غير عذر مع أنه لا يرى وجوبه، فليكن المقام من هذا القبيل، و لا سيما بعد ملاحظة أن الروايات الواردة في جواز ترك القنوت قد ورد مثلها في المقام أيضاً[61].

بقيت رواية جَارُودٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا جَارُودُ يُنْصَحُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ وَ إِذَا سَمِعُوا بِشَيْ‌ءٍ نَادَوْا بِهِ أَوْ حُدِّثُوا بِشَيْ‌ءٍ أَذَاعُوهُ- قُلْتُ لَهُمْ مَسُّوا بِالْمَغْرِبِ قَلِيلًا- فَتَرَكُوهَا حَتَّى اشْتَبَكَتِ النُّجُومُ- فَأَنَا الْآنَ أُصَلِّيهَا إِذَا سَقَطَ الْقُرْصُ[62]، حيث يقال بأن صدرها ظاهر في الامر بوجوب تأخير المغرب الى زوال الحمرة المشرقية، ولا ينافيه ذيلها حيث يحمل على التقية، بقرينة قوله “واذا سمعوا…” وجاورد وان كان مشتركا بين جماعة، لكن الظاهر انصرافه جارود الى جارود بن المنذر، الذي قال عنه النجاشي أنه ثقة ثقة، ذكره أبو العباس في رجاله، له كتاب، يختلف الرواة عنه، أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن جعفر، عن حميد، عن الحسن بن سماعة، قال: حدثنا علي بن الحسن بن رباط، عن الجارود، به[63]، ومنشأ الانصراف اليه كونه هو المشهور مضافا الى كون السند في الرواية نفس الطريق المذكور في كلام النجاشي، فالرواية معتبرة سندا، الا أنه يمكن الجواب عنها بأن صدرها لم يكن في مقام البيان من حيث وجوب الامر او استحبابه.

 

الكلام الثالث: ما ذكره السيد البروجردي “قده”

الكلام الثالث: ما ذكره السيد البروجردي “قده” على ما حكي عنه في مقام الدفاع عن قول المشهور بلزوم زوال الحمرة، أن الظاهر من رواية بريد بن معاوية ” إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها” كون المراد بمشرق الارض و مغربها تمام الأراضى المتساوية السطح لارض المصلّى بحيث لا يرى الشّمس احد من سكّان هذا الأراضى لا صرف غروبها عن نظر ذلك المصلّى فقط.

ثم قال: و لو لم يتم هذا الجمع فتصل النوبة الى الرجوع الى المرجحات، والترجيح يكون مع الطائفة الثانية لمخالفتها للعامّة، و كون الشهرة العملية على وفقها.

وأما الجمع بين الروايات بكون المراد من ذهاب الحمرة هو ذهابها من الأفق و أن لم يصل الى قمة الرأس فضلا عن التجاوز عنها و الذهاب بهذا الحد مقارن لاستتار القرص، فالجواب عنه ان المراد بزوال الحمرة و ذهابها هو ذهابها و زوالها بالكليّة بحيث لا يرى الشخص الحمرة اصلا في جهة المشرق كما دلت عليه مرسلة ابن ابى عمير[64].

و قد يقال بأنه يشهد على ما ذكره معتبرة يعقوب بن شعيب “مسّوا بالمغرب قليلًا، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا” حيث يقال بأن بلد الامام كان في غرب بلد يعقوب بن شعيب، وكان بعدهما بقدر ما لا يخل بتساوي سطحهما مع كون الارض كروية.

الكلام الرابع: ما ذكره المحقق الحائري “قده”

الكلام الرابع: ما ذكره المحقق الحائري “قده” من أنه لا إشكال في أن لفظ غروب الشمس و ان كان معناه العرفي هو سقوط الشمس عن أفق المصلي، الا أن للشارع أن يريد به غياب عينها و ارتفاع أثرها توسعا، ويكون الدليل على ارادته الأخبار الكثيرة الدالة على عدم تحقق الغروب الا بزوال الحمرة.

فإن قلت: كما يمكن حمل تلك الاخبار على ما ذكرت يمكن حملها على أخذ زوال الحمرة أمارة للشاك الذي لا يعلم بسقوط القرص من جهة وجود الغيم و نحوه.

قلت: يأبى مضمون اغلبها عن افادة كون زوال الحمرة أمارة، حيث ان مفادها اتحاد وقت غروب الشمس مع وقت زوال الحمرة واقعا، لا أن زوال الحمرة يوجب العلم بغروب الشمس.

فالظاهر حمل روايات أن غروب الشمس وقت المغرب على ارادة مرتبة عالية من الغروب على خلاف ظهورها الاولي، ودعوى (أن تكرر عنوان غروب الشمس في الاخبار بحيث صار فوق حد التواتر، يوجب بعد ارادة خلاف الظاهر مع عدم القرينة المتصلة في تمام هذه الموارد، فإن مجوز ذلك وجود مصلحة تقتضي عدم سوق المتكلم الكلام لإفادة المقصود الواقعي و تحقق تلك المصلحة و ان كان من الممكنات الا انه من الأمور النادرة التي قد يتفق في الخارج و ثبوتها في تمام موارد الأخبار التي ذكر فيها لفظ غروب الشمس في غاية البعد) فجوابها أن كثرة أخبار اعتبار زوال الحمرة و انه هو الوقت الذي عيَّنه الشارع لصلاة المغرب و الإفطار من الصوم تمنع الفقيه عن طرحها و عدم العمل بها رأسا مع أنها شارحة للمراد بالنسبة الى اخبار غروب الشمس و ارادة استتار الشمس مع أثرها من لفظ غروب الشمس ليس بعيدا و ان كان خلافا للظاهر‌.

و أما الاخبار التي تنافي اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية بحيث تكون صريحة في سقوط القرص كمرسلة على بن الحكم “انه سئل عن وقت المغرب فقال: إذا غاب كرسيها قلت ما كرسيها قال قرصها فقلت متى يغيب قرصها قال إذا نظرت اليه فلم تره” و صحيحة زرارة “وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا” و رواية أبان بن تغلب الحاكية لصلاة ابي عبد الله (عليه السلام) و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي “كان رسول اللّٰه يصلى المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها” و رواية محمد بن يحيى الخثعمي “كان رسول اللّٰه يصلى المغرب و يصلى معه بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون الى منازلهم و هم يرون موضع سهامهم” فمجمل الكلام فيها ان الأخذ بالروايات بعد الفراغ عن السند و الدلالة يحتاج الى الفراغ عن جهة الصدور أيضا بأن لم تكن جهة صدورها غير افادة الحكم الواقعي و كونها لبيان الواقع و ان كان مطابقا للأصل و لكنه قد سقط هذا الأصل عن الاعتبار لوجود بعض الأمارات الدالة على التقية كخبر جارود قال قال لي أبو عبد اللّٰه يا جارود ينصحون فلا يقبلون و إذا سمعوا شيئا نادوا به أو حدثوا بشي‌ء أذاعوه قلت لهم مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم و انا الان أصليها إذا سقط القرص، و هل يبقى بعد هذا التصريح ظهور لصلاته مقارنا لسقوط القرص في كونها موافقة للحكم الواقعي او هل يبقى ظهور لتصريحه ب‍أن وقت المغرب إذا غاب كرسيها على بيان الحكم الواقعي، وأما رواية محمد بن يحيى الخثعمي فلا تنافي اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية، لإمكان صلاة المغرب في المدينة مقارنا لذهاب الحمرة المشرقية و المراجعة إلى منازلهم التي على نصف ميل مع ظهور محل سقوط النبل، فالأقوى ما عليه المشهور[65].

الكلام الخامس: ما ذكره المحقق النائيني “قده”

الكلام الخامس: ما ذكره المحقق النائيني “قده” من أن الذي يقتضيه النظر الصحيح في الجمع بينها هو الأخذ بما دلّ على اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية، فإنّ ما دلّ على خلافها على طوائف:

الطائفة الاولى: ما دل على كون العبرة بغيبوبة الشمس، فالأخبار التي حدّدت استتار القرص و غيبوبة الشمس بذهاب الحمرة المشرقية، حاكمة عليها ومبيّنة للمراد منها، و لا بعد في إرادة ذهاب الحمرة أيضا من استتار القرص، و لا يكون الكلام خارجا عن المتعارف، لأنّ الحمرة من توابع القرص و ملحقاته.

الطائفة الثانية: ما اشتمل على اتيان الامام (عليه السّلام) صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس من دون أن يمسّي بالمغرب، وهو رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: صحبني رجل كان يمسّي بالمغرب، و يغلس بالفجر، و كنت أنا اصلّي المغرب إذا غربت الشمس و اصلّي الفجر إذا استبان الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع، فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا و تغرب عنّا و هي طالعة على قوم آخرين بعد؟ فقلت: إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، و إذا طلع الفجر عندنا، و على اولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم[66]، فبعد ما عرفت من أنّ غيبوبة الشمس قد فسّرت في الروايات بذهاب الحمرة بمقتضى الأخبار، فلا دلالة فيها على كون فعله عليه السّلام إنّما كان عند غياب الشمس مع عدم ذهاب الحمرة، بل مقتضى التفسير أنّ فعله كان بعد ذهاب الحمرة، و لا ينافيه المنع من أن يمسي بالمغرب، إذ لعلّ المراد ب‍التمسية فعلها بعد سقوط الشفق، و لعلّ المصاحب كان من أصحاب أبي الخطاب، و احتمال ذلك يكفي في سقوط الاستدلال بها، و لا ينافي أيضا ما ذكرنا من أنّ المراد بقوله (عليه السّلام) “إنّما علينا أن نصلّي إذا غربت الشمس” غروبها مع ذهاب الحمرة، ما في ذيل الرواية “و على أولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم” بداهة أنّه ربّما تذهب الحمرة عن مكان، بل يسقط الشفق أيضا، مع عدم غيبوبة الشمس في مكان آخر، فهذه الطائفة أيضا غير معارضة لما دلّ من اعتبار ذهاب الحمرة.

الطائفة الثالثة: رواية ابان بن تغلب الدالّة على اتيان الصادق (عليه السّلام) لصلاة المغرب مع بقاء شعاع الشمس “إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟، فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت[67]، فلابدّ من حملها على التقية، لأنّ في نفس الرواية دلالة على أنّ فعل الصلاة في ذلك الوقت كان من شعار العامّة بحيث كانوا يعرفون به، حتّى أنّ القوم قبل معرفة الإمام كانوا يدعون عليه، و يتخيّلون أنّه شابّ من شباب المدينة، فما هذا شأنه كيف يمكن الاستدلال به؟.

الطائفة الرابعة: مرسلة علي بن الحكم حيث عبّر فيها باستتار الكرسي تارة و باستتار القرص أخرى، فإنّه يعلم منه أنّ الإمام (عليه السّلام) كان بصدد التهرب عن الجواب، حتّى أنّ السائل كرّر سؤاله، فالتجأ الإمام الى تحديد استتار القرص بأنّه إذا نظرت إليه لم تره، مع احتمال أن يكون ضمير “إليه” راجعا إلى القرص بتوابعه من الحمرة، و إن كان خلاف الظاهر.

الطائفة الخامسة: ما دل على أن وقت المغرب ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق” أو “…الى اشتباك النجوم”، فانه بعد تحديد غيبوبة الشمس في أخبار زوال الحمرة بذهاب الحمرة، لا يكون له ظهور في كون غروب الشمس غروب نفس الجِرم، و لو كان له هذا الظهور لولا ذاك التحديد.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّه لا معارضة بين الأخبار حتّى تصل النوبة إلى المرجّحات السندية، لأنّ ما دلّ على التحديد بغروب الشمس أو استتار القرص، إمّا محكومة بما دلّ على أنّ الغيبوبة إنّما تحصل بذهاب الحمرة و هي أكثرها، و امّا محمولة على التقية، لاشتمالها على قرينة تدلّ على ذلك، وملاحظة المرجحات إنّما هو بعد الفراغ عن جريان أصالة الجهة.

و لو أغمضنا عن ذلك كلّه و قلنا بالمعارضة فلا إشكال أيضا في أنّ الترجيح على ما دلّ على اعتبار ذهاب الحمرة، لا من جهة الأكثرية و الأشهرية، بل من جهة‌ مخالفتها للعامّة، والترجيح بمخالفة العامة وان كان متأخرا عن عن المرجّحات السندية، لكن ليس في المقام شيء من المرجّحات، لأنّ في كلتا الطائفتين من الصحاح ما لا يخفى، و العدالة و الوثاقة متحقّقة في كليهما، و لا أشهرية في البين لأنّ كلتا الطائفتين مشهورتان عند الرواة، و لا اعتبار بالشهرة العملية ما لم تصل إلى حدّ الإعراض عن الأخرى، مع أنّ الشهرة العملية في الطائفة الدالة على اعتبار زوال الحمرة، لأنّه لم ينسب القول باستتار القرص من الطبقة الأولى التي هي العبرة في كون عملهم جابرة و كاسرة، إلّا عن الكاتب و الصدوق و المرتضى و الشيخ و سلار و القاضي، مع أنّ عبارات بعضهم غير صريحة في ذلك، بل نقل عن بعضهم خلاف ما نسب إليه، فلا إشكال في أنّ الشهرة أو الأشهرية في تلك الطائفة، فالأقوى أنّ أول وقت المغرب إنّما هو ذهاب الحمرة المشرقية عن قمّة الرأس، كما صرّحت به بعض الروايات المتقدّمة، و به يقيّد ما دلّ على اعتبار الحمرة من غير تقييد بتجاوزها عن ذلك الحدّ[68].

المختار في المسألة

الظاهر هو تمامية قول المشهور من كون وقت صلاة المغرب من زوال الحمرة المشرقية، فانا نقبل أن في الروايات الدالة على كفاية استتار القرص توجد رواية صحيحة صريحة تدل على كفاية استتار القرص، وهي صحيحة داود بن فرقد قال سمعت ابي يسأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب، فقال: إذا غاب كرسيّها قلت: و ما كرسيّها؟ قال: قرصها قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره[69]، وهی تأبى عن الحمل على كون المراد بعدم رؤيته عدم روية القرص بما له من ىثر الحمرة كما أن ما ذكر من وجود ما يصلح للقرينية على التقية فيها وهو اصرار السائل واستنطاقه الإمام بتكرار السؤال، الى ان التجأ الامام الى الجواب، علي بن الحكم عمن حدثه كتاب الصلاة (للأراكي)؛ ج‌1، ص: 74

كذا هو موهن لخبر ابن الحكم المتقدّم المشتمل على إصرار السائل و فإنّه يوجب زوال الأصل المذكور عنه و إن فرضنا صحّة سنده كما في طريقه الذي رواه الصدوق.

 

[70] والتي رواها الصدوق في اماليه، بسند صحيح عن تأبى عن على ما كان صريحا بين روايات كفاية استتار القرص في عدم اعتبار زوال الحمرة المشرقية، ثلاث روايات: واحدة منها ضعيفة سندا، وهي رواية امالي الصدوق بسند مشتمل على مجاهيل عن أبان بن تغلب و الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم، قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟، فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت.

والرواية الثانية فالرواية بسندها الثاني صحيحة، ولثة وان كانت موثقة وهي موثقة سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في المغرب إنا ربما صلينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، قال: فقال: ليس عليكم صعود الجبل[71]، لكن كما ذكر صاحب الحدائق ان مضمونها مشتمل على ما لا يمكن التصديق به، اذ يعتبر في غروب الشمس استتارها عن افق المكلف، فلو احتمل امكان رؤيتها خلف الجبل فلا يحرز الغروب، ولم يفرض وجود أمارة شرعية على استتار الشمس، بل الجواب بأنه ليس عليكم صعود الجبل، لا يناسب ذلك.

وأما بقية الروايات فالظاهر وجود جمع عرفي بينها وبين روايات الطائفة الثانية الدالة على اعتبار زوال الحمرة المشرقية، فاذا لاحظ العرف صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام “وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها” او صحيحة زرارة عن أبي جعفر “عليه السلام” إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء، او معتبرة ذريح “أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال… صل المغرب إذا سقط القرص، ولاحظ ايضا مثل رواية بريد بن معاوية “إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها، او مرسلة ابي ابي عمير “وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار، و سقط القرص” ومرسلة ابن أشيم “وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأنّ المشرق مطلّ [72]على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا”، وموثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت‌ لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي، مع أن الوارد هناك ايضا الوقوف الى غروب الشمس، وصحيحة عبد الله بن وضاح.

فيرى مفسرية هذه الروايات للمراد من غروب الشمس او سقوط القرص في تلك الروايات، وأما ما ذكره السيد الخوئي من كون المراد من ذهاب الحمرة هو ذهاب الحمرة التي تكون في المطلع الحقيقي للشمس وتزول مقارنا لسقوط القرص، ففيه أن الحمرة لاتكون في المطلع الحقيقي للشمس، بل تبتعد عنه كما هو المشاهد بالعيان، والحمرة التي ترى في المشرق قبيل غروب الشمس وان كانت تزول تقلّ شيئا فشيئا بحيث لا يبقى عند استتار القرص شيء من تلك الحمرة السابقة ولكن قبل انعدامها تتسع الحمرة الى فوق وهذه الحمرة تبقى في المشرق حوالي ربع ساعة بعد استتار القرص، وهذا هو الظاهر من قوله “اذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني المشرق فقد غابت الشمس من شرق الارض وغربها” اي ان المعتبر عند الشارع غيبوبة الشمس بنفسها من الغرب وبأثرها وهي الحمرة من المشرق، وأما ما ذكره السيد البروجردي من كون المراد من غرب الارض هو آخر مكان غربي يكون متساو السطح عرفا مع بلد المكلف، فقد اتضح عدم تماميته، لأن الفاصل بين بلدنا والبلد الغربي الذي يكون متساو السطح عرفا معنا بحيث لا تمنع كروية الارض من رؤيته اقل بكثير عن الفاصل بين استتار القرص وزوال الحمرة الذي يكون ربع ساعة، فهل يحتمل امكان رؤية البلد الغربي الذي يكون غروب الشمس فيه بعد ربع ساعة من غروب الشمس في بلدنا.

وأما صحيحة عبد الله ب‍ن وضاح فالظاهر تمامية استظهار المحقق الهمداني “قده” من كون المراد منها زوال الحمرة المشرقية، والتعبير في كلام الامام (عليه السلام) بالاخذ بالحائطة للدين، لا يقتضي حمل مورد الرواية على الشبهة المصداقية لاستتار القرص، فان الظاهر منه حفظ الدين باتخاذ حائط حوله، اذ التعبير بأنه يتوارى القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويؤذن المؤذنون لا يتناسب مع الشك في تواري الشمس خلف الجبل، والا لكان المناسب أن يشير الى خوف كون الشمس خلف الجبل، وأما ما في المستمسك من قوة احتمال كون المراد زوال الحمرة المغربية ففيه أنه لو كان كذلك لكان ذكر هذه الخصوصيات تطويلا غير عرفي بل كان ينبغي أن يسأل أنه هل يلزم الانتظار الى سقوط الشفق او الحمرة في المغرب.

والظاهر عدم اباء مثل موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي “كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها[73] ايضا عن الحمل على مرتبة من غروب الشمس تلازم زوال الحمرة المشرقية، لأن غيبوبة حاجب الشمس عبارة أخرى عن سقوط القرص وغروب الشمس والشارع تصرف في المعنى الظاهر من هذه التعابير وحملها على مرتبة خاصة ليست تلك التعابير صريحة في خلافها الوافي؛ ج‌7، ص: 258

لعل المراد بحاجبها ضوؤها الذي في نواحيها فإن حجاب الشمس يقال لضوئها و حاجبها لنواحيها و في بعض النسخ حين يغيب حاجبها‌

________________________________________
كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان – ايران، اول، 1406 ه‍ ق

 

لسان العرب؛ ج‌1، ص: 299

و حاجِبُ الشمس: ناحيةٌ منها. قال:

ترَاءَتْ لنا كالشَّمْسِ، تحْتَ غَمامةٍ،

 

بدَا حاجِبٌ منها و ضَنَّتْ بِحاجِبِ

و حَواجِبُ الشمس: نَواحِيها. الأَزهري: حاجِبُ الشمس: قَرْنُها، و هو ناحِيةٌ من قُرْصِها حِينَ تَبْدَأُ في الطُّلُوع، يقال: بَدا حاجِبُ الشمسِ و القمر، و حاجِبُ كل شي‌ءٍ: حَرْفُه. و ذكر الأَصْمعِي أَنَّ امْرأَةً قَدَّمَتْ إلى رجل خُبزَةً أَو قُرْصَةً فجَعلَ يأكُلُ من وَسَطِها، فقالت له: كُلْ من حَواجِبِها أَي مِن حُرُوفِها.

 

 

نعم ظاهرها اعم من هذه المرتبة. هيويات فقهية؛ ص: 266

يحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن وقت افطار الصائم؟ قال: «حين يبدو ثلاثة أنجم»

 

وكذا صحيحة زرارة “وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت[74]، اذ يمكن للمكلف تخيل دخول الليل وزوال الحمرة لوجود غيم في السماء ونحوه ثم يرتفع الغيم وترى الشمس في الأفق.

كما أن رواية محمد بن يحيى الخثعمي “كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب و يصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف‏ ميل فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع نبلهم” قابلة لارادة زوال الحمرة، فانه اذا صلي النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب خفيفا ومشى بنو سلمة تسمعأة متر فيمكنهم على الظاهر رؤية مواضع سهامهم.

وأما حمل الطائفة الثانية الدالة على اعتبار زوال الحمرة على الاستحباب فهو خلاف الظاهر من كونها تفسيرا لغروب الشمس، كما لا يتناسب مع التعبير بالاخذ بالحائطة للدين، كما أن حملها على أمارية زوال الحمرة على استتار القرص بحيث يرجع اليه في موارد الشك في استتار القرص خلاف مفاد هذه الروايات، كما اتضح مما تقدم.

ثم انه لو فرض عدم كون الجمع بحمل روايات استتار القرص على كون المراد منه مرتبة خاصة تقارن زوال الحمرة من الجمع العرفي، فلابد من ترجيح روايات زوال الحمرة المشرقية، لمخالفتها للعامة، فان المتسالم عليه بين العامة كون الوقت هو استتار القرص.

نعم ناقش صاحب مباني منهاج الصالحين في روايات الترجيح ب‍مخالفة العامة بضعف سندها، وخص الترجيح بالأحدثية.

روايات الترجيح بمخالفة العامة

وعمدة روايات الترجيح بمخالفة العامة ما يلي:

1- مقبولة عمر‌بن ‌حنظلة، قال قلت: جعلت فداك ارأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر([75])، ولم يرد في حق عمر بن حنظلة توثيق خاص.

2- رواية سعيد ‌بن ‌هبة الله الراوندي في رسالته التي ألفها في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحتها، عن محمد وعلي ابني علي‌ بن ‌عبد الصمد عن أبيهما عن ‌ابي ‌البركات علي‌ بن‌ الحسين عن ‌ابي‌جعفر‌ بن‌ بابويه عن أبيه عن سعد ‌بن‌ عبدالله عن أيوب ‌بن‌ نوح عن محمد‌ بن ‌ابي‌ عمير عن عبدالرحمن‌ بن‌ ابي‌ عبدالله قال قال الصادق‌ عليه‌السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم‌تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه([76])

وسندها مشتمل على ابي البركات، وهو لم‌يوثق في الرجال صريحا، عدا ما ذكره الشيخ الحر في تذكر المتبحرين من انه عالم صالح محدث، وحينئذ فقد يقال ان الفاصل الزمني بين الشيخ الحر والسيد‌ابي‌البركات يبلغ 700 سنة تقريبا وهذا يوجب ضعف احتمال كون شهادته ناشئة عن مقدمات حسية، على أن صاحب الوسائل نقلها عن رسالة للشيخ الراوندي، وهذه الرسالة ليست من الكتب المشهورة، وطريق صاحب الوسائل الى كتب الاصحاب لم‌يكن طريقا الى تفاصيل تلك الكتب ونسخها، ولم يكن يرى نفسه ملزما بان يتعرّف على تلك الكتب من طريق المشايخ، فضلا من ان يأخذ النسخة منهم، ففي امل الآمل الذي هو تاليف صاحب الوسائل: “اقول وقد رأيت له (أي للشيخ الراوندي) كتاب قصص الأنبياء أيضا وكتاب فقه القرآن ورسالة في احوال احاديث اصحابنا واثبات صحتها” فترى انه عبّر انه رأى تلك الكتب فلو كان له طريق الى تفاصيل تلك الكتب او نسخها لكان المناسب ان يذكر ذلك.

كما ذكر في الوسائل “ان مصنفات الصدوق واكثر الكتب التي ذكرناها ونقلنا منها، معلومة النسبة الى مؤلفيها بالتواتر، والباقي منها عُلم بالاخبار المحفوفة بالقرائن وذكرها علماء الرجال واعتمد على نقلها العلماء الاعلام ووجدت بخطوط ثقات الافاضل ورأينا على نسخها خطوط علماءنا المتاخرين وجمع من المتقدمين بحيث لامجال للشك في صحتها والثبوت لمؤلفيها”([77]) فترى ان هذا الكلام لايناسب ثبوت طريق له على تفاصيل تلك الكتب فضلا عن نسخها.

وبناء على ذلك فليس لصاحب الوسائل طريق حسي الى هذه الرسالة، فضلا عن النسخة التي ينقل منها، بل لابد لنا من احراز انتسابها الى الراوندي وصحة النسخة التي ينقل منها صاحب الوسائل.

الا ان يحصل الاطمئنان بذلك، لان السند المذكور في الوسائل في هذه الرواية المنقولة عن رسالة الشيخ الراوندي من الاسانيد المعروفة للشيخ الراوندي الى الصدوق.

3- رواية الرواندي ايضا باسناده عَنِ ابْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ رَجُلٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ السَّرِيِّ قال قال ابوعبدالله عليه‌السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم([78])، ولكنها ضعيفة بالارسال مضافا الى الاشكال السابق.

4- رواية الراوندي ايضا باسناده عَنْ الصدوق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قال قلت للعبد الصالح هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الا التسليم لكم فقال لاوالله لايسعكم الا التسليم لنا فقلت فيروى عن‌ ابي‌عبدالله (عليه‌السلام) شيء ويروى عنه خلافه فبأيّهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه([79])، ولكنها ضعيفة للاشكال المذكور في الرواية الثانية مضافا الى وجود اشكال في وثاقة ابن المتوكل و السعد آبادي.

5- رواية الراوندي ايضا باسناده عن الصدوق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال قلت للرضا عليه‌السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال اذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا الى ما يخالف العامة منهما فخذوه وانظروا الى ما يوافق أخبارهم فدعوه([80])، لكنها ضعيفة السند لأجل عدم ثبوت وثاقة محمد‌ بن ‌ابي‌عبدالله مضافا الى الاشكال السابق.

والانصاف حصول الاطمئنان بصدور واحد من هذه الروايات، مضافا الى ما مر من امكان اثبات وثاقة عمر بن حنظلة من طريق ورد توثيقه في رواية يزيد بن خليفة السابقة، حيث نقل عن الامام أنه لا يكذب علينا، ويزيد بن خليفة من مشايخ صفوان، فيثبت الترجيح بمخالفة العامة.

هذا وقد ذكر صاحب الكفاية أن مقتضى القاعدة سقوط الخبر الموافق للعامة عن الحجية بعد فرض وجود المعارض له، ولذا ذكر ان هذه الروايات وردت في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة، ويعني بذلك كون مقتضى القاعدة سقوط الخبر الموافق للعامة عن الحجية بعد فرض المعارض له، حيث لايجري فيه أصالة الجهة عند العقلاء.

ولكن الظاهر انه لاوجه للمنع عن جريانها فيه بشكل عام عدا ما احتمله صاحب الكفاية من ان حمله على التقية مقتضى الجمع العرفي([81])، وتقريبه: ان الخبر المخالف للعامة لما كان نصا في عدم التقية فيكون قرينة على حمل الخبر الموافق لهم على التقية، ولو بان يكون الخبر صادرا عن الإمام عليه‌السلام على وجه التورية، وهذا ما اختاره في البحوث، وذكر ان هذا الجمع العرفي انما يكون في فرض انتفاء سائر انحاء الجمع العرفي، ولعل نكتته ان الجمع بسائر انحاء الجمع العرفي اكثر شيوعا بين العقلاء من هذا الجمع الذي يكون بملاحظة الظروف الخاصة التي كان يعيشها الإمام عليه‌السلام([82]).

ولكن لم‌يظهر لنا كون ذلك جمعا عرفيا.

وأما ما ذكره المحقق الهمداني “قده” من انه لولم يكن الخبر الموافق للعامة مبتلى بالمعارض لكن كان المورد مورد التقية بحيث لو كان الحكم الواقعي على خلاف مذهب العامة لكان بيان الإمام (عليه‌السلام) له خلاف ضرورة التقية فلاتجري عند العقلاء اصالة الجد في الكلام الصادر منه عليه‌السلام الموافق للعامة([83])، فانما يتم في موارد ضرورة التقية دون التقية المداراتية ونحوها، ولعله يشير اليه ما ورد في رواية الحسن بن ايوب (مجهول) عن عبيد‌بن‌زرارة “ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقية([84])“، والمقام ليس من قبيل ضرورة التقية بعد ابتداء الامام (عليه السلام) بالكلام في عدة منها، وذكر ما لا ضرورة الى ذكره كقوله “حيث يغيب حاجبها” بعد قوله “كان رسول الله يصلي المغرب حين تغيب الشمس”.

شهرت روائي طائفة اولى

ثم انه في ختام البحث ينبغي ذكر كلام محكي عن الوحيد البهبهاني “ره” من أنه لو بني على لزوم زوال الحمرة المشرقية في اول الليل فمقتضى المقابلة الالتزام بمثله في الطلوع أيضاً، و أنه يتحقق طلوع الشمس حين ظهور الحمرة المغربية في الافق، وبكون ذلك قبل عشر دقائق من طلوع الشمس تقريباً[85]، وفيه أن تصرف الشارع في مفهوم الغروب لا يلازم تصرفه في مفهوم الطلوع، فالقياس مع الفارق.

 

 

 



[1] – قد مر أن التعبير الوارد في الروايات تجلل الصبح السماء وهو قبل طلوع الحمرة المشرقية.

[2] – استدراك: اختار السيد الامام “قده” القول الخامس، فقال فی وقت صلاة الجمعة: الأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية من الزوال، و إذا أخرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر و إن لا يبعد امتداده إلى قدمين من في‌ء المتعارف من الناس (تحرير الوسيلة ج1ص 238.

وقد اختار المحقق الحائري “ره” القول الثاني وهو القول بضيق وقت صلاة الجمعة، فذكر أن مبنى القوم امتداد الوقت الى بلوغ ظل كل شيء مثله وقد يقال ببلوغه القدمين، وقد يقال بكون الى ساعة، و أمّا مسلكنا فتفوت صلاة الجمعة بمجرد عدم الشّروع فيها بعد الزّوال فورا،( صلاة الجمعة ص 33) ومن الغريب أنه بعد أن اختار القول بضيق الوقت ذكر أن الأحوط عدم تطويلها إلى أكثر من قدمين، (صلاة الجمعة ص 25) والظاهر كونه من سهو القلم، اذ الامتداد الى بلوغ الظل قدمين خلاف الاحتياط بالنسبة الى القول بضيق الوقت، كما ظهر من كلام السيد الامام “قده”.

ثم لا يخفى أن عمدة دليلنا على القول بالتضييق العرفي هو صحيحة ربعي و فضيل، والا فمثل موثقة عمار لا تدل الا على اول وقت صلاة الجمعة، حيث ان قوله “اذا زالت الشمس شراك او نصف، ظاهر في زيادة الظل بمقدار عرض اصبع بالنسبة الى قامة متعارفة للانسان وهذا فترة قصيرة جدا، فيكون قرينة على كونه علامة زوال الشمس، ولذا ورد في صحيحة ابن سنان أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة- حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول- فيقول جبرئيل يا محمد- قد زالت الشمس فانزل فصلّ، وفي المصباح المنير: فِى حَدِيثٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و السَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ الْفَىْ‌ءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ‌، يَعْنِى اسْتَبَانَ الْفَىْ‌ءُ فِى أَصْلِ الْحَائِطِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِىِّ عِنْدَ الزَّوَالِ فَصَارَ فِى رُؤْيَةِ العَيْنِ كَقَدْرِ الشِّرَاكِ و هذَا أَقَلُّ مَا يُعْلَمُ بِهِ الزَّوَالُ (المصباح المنيرج2ص 111) .

كما أن ما ذكرناه من كون المرجع في فرض تأخير صلاة الجمعة عن الاوائل العرفية للزوال، اطلاق وجوب صلاة الظهر كقوله “اذا زالت الشمس وجبتت الظهر والعصر” كان مبنيا على مذاق القوم كالسيد الخوئي “قده” ولكن لدينا مناقشة عامة في ذلك، حيث ان احتفاف هذا الخطاب بارتكازية مشروعية صلاة الجمعة يمنع من انعقاد ظهوره في الوجوب التعييني الصلاة الظهر في قبال احتمال مشروعية صلاة الجمعة، حتى نقتصر في الخروج عنه بالمقدار المتيقن، وقد ذكرنا نظير ذلك في ما ادعاه الاعلام كالسيد الخوئي من وجود اطلاق يقتضي وجوب التمام بحيث يرجع اليه في موارد الشك في تحقق السفر الشرعي بنحو الشبهة الحكمية، او وجود اطلاق يقتضي وجوب قراءة المصلي بنفسه سورة الفاتحة في الصلاة، حتى نقتصر في الخروج عنه بالقدر المتيقن من مشروعية صلاة الجماعة.

وأما رواية مصباح المتهجد الظاهرة في امتداد وقتها الى ساعة، فتدور بين القول بالتضييق والامتداد الى القدمين، لعدم عرفية ارادة بلوغ ظل كل شيء مثله منها، هذا اذا لم نقل بكونها بمقدار واحد من اثني عشر جزء من النهار والا فالحكم واضح

[3] – وسائل الشيعة ج4ص 162

[4] – الوافي ج ص

[5] – جواهر الكلام ج‌7 ص 102‌

 

[6] – المعتبر ج2ص 51

[7] – شرايع الاسلام ج1ص 51

[8] – موسوعة الامام الخوئي ج 11ص

[9] – تبيان الصلاة؛ ج‌3، ص: 61

 

[10] – العروة الوثقى (المحشى)؛ ج‌2، ص: 252

 

[11] – وسائل الشيعة ج4ص 182

[12] – وسائل الشيعة ج4ص 178

[13] – وسائل الشيعة ج4ص 125

[14]وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 157

[15] – وسائل الشيعة ج4ص 133

[16] – وسائل الشيعة ج4ص 178

[17] – وسائل الشيعة ج4ص 191و190

[18] – وسائل الشيعة ج4ص 182

[19] – وسائل الشيعة ج4ص 193

[20] – وسائل الشيعة ج4ص 179

[21] – وسائل الشيعة ج4ص 184

[22] – الظاهر كونه خطأ والصحيح بملاحظة تكرر مثله في اسناد الصدوق “عن جده” فالصدوق يروي عن جعفر بن علي الكوفي وهو يروي عن جده الحسن بن علي وهو يروي عن جده عبد الله بن المغيرة، فقد ذكر الصدوق في مشيخة الفقيه ج4ص 460: و ما كان فيه عن عبد اللّه بن المغيرة فقد رويته، عن جعفر بن عليّ الكوفيّ- رضي اللّه عنه- عن جدّه الحسن بن عليّ، عن جدّه عبد اللّه بن المغيرة الكوفيّ.

[23] – وسائل الشيعة ج4ص 179

[24] – وسائل الشيعة ج4ص 181

[25]أمالي الصدوق ص79

 

[26] – وسائل الشيعة ج 4ص 180

[27] – امالي الصدوق ص 80

[28] – وسائل الشيعة ج4ص 198

[29] – وسائل الشيعة ج4ص 198

[30] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص

[31] – وسائل الشيعة ص 175

[32] – وسائل الشيعة ج‌10 ص 124

[33] – الفهرست ص22

[34] – رجال النجاشي ص83

[35] – مصباح الفقيه ج‌9 ص 154‌

[36] – تهذيب الاحكام ج2ص 25

[37] – الاولى أن يقال انه يمكن حملها على الاستحباب او الاحتياط، ففي رواية جارود قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) يا جارود ينصحون فلا يقبلون، و إذا سمعوا شيئا نادوا به أو حدّثوا بشي‌ء أذاعوه، قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلا، فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، و أنا الآن اصلّيها إذا سقط القرص (وسائل الشيعة ج4ص 177)

 

 

[38] – الظاهر أنه تصحيف محمد بن عبيد فان احمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيد روى رواية أخرى الكافي ج 1ص 240

[39] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 169

[40]وسائل الشيعة ج‌4 ص 177

[41] – رجال النجاشي ص

[42] – وسائل الشيعة ج4ص 173

[43] – وسائل الشيعة ج4ص 172

[44] – في النهاية لابن اثير: اطل: اشرف

[45] – وسائل الشيعة ج4ص 173

[46] – وسائل الشيعة ج4ص 176

[47] – وسائل الشيعة ج4ص 176

[48] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[49] – وسائل الشيعة ج13ص 557

[50] – وسائل الشيعة؛ ج‌13، ص: 557

[51] – وسائل الشيعة ج4ص 176

[52] – وسائل الشيعة ج4ص 174

[53] – وسائل الشيعة ص 175

[54] – وسائل الشيعة ج‌10 ص 124

[55] – الفهرست ص22

[56] – رجال النجاشي ص83

[57] – مصباح الفقيه ج‌9 ص 154‌

[58] – تهذيب الاحكام ج2ص 25

[59] – الاولى أن يقال انه يمكن حملها على الاستحباب او الاحتياط، ففي رواية جارود قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) يا جارود ينصحون فلا يقبلون، و إذا سمعوا شيئا نادوا به أو حدّثوا بشي‌ء أذاعوه، قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلا، فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، و أنا الآن اصلّيها إذا سقط القرص (وسائل الشيعة ج4ص 177)

 

 

[60] – الظاهر أنه تصحيف محمد بن عبيد فان احمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيد روى رواية أخرى الكافي ج 1ص 240

[61] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 169

[62]وسائل الشيعة ج‌4 ص 177

[63] – رجال النجاشي ص

[64] – تبيان الصلاة؛ ج‌3، ص: 62

 

[65] – كتاب الصلاة ص 10

[66] – وسائل الشيعة ج4ص 179 قد مر أن سندها ضعيف بجهالة حفيد عبد الله بن المغيرة وحفيد حفيده.

[67] – وسائل الشيعة ج 4ص 180 قد مر أن سندها مشتمل على عدة مجاهيل.

[68] – كتاب الصلاة ج1ص 59

[69] – امالي الصدوق ص 79

[70] – وسائل الشيعة ج4ص 181

[71] – وسائل الشيعة ج4ص 198

[72] – في النهاية لابن اثير: اطل: اشرف

[73] – وسائل الشيعة ج4ص 182

[74] – وسائل الشيعة ج4ص 178

[75]الكافي ج 1 ص 68

[76]وسائل الشيعة ج27ص118 باب 9 من ابواب صفات القاضي ح29، روضة المتقين ج6ص42، بحار الانوار ج2 ص235

[77]وسائل الشيعة ج30ص217ومثله ما في ص153

[78]نفس المصدر ح30

[79]نفس المصدر ح31

[80]نفس المصدر ح34

[81] كفاية الاصول ج2ص457

[82] بحوث في علم الاصول ج 7ص200

[83] – مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص29

[84]وسائل الشيعة ج27ص118 باب 9 من ابواب صفات القاضي ح46

[85] – حكاه عنه في الجواهر ج7 ص 118