فهرست مطالب

فهرست مطالب

تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

بسمه تعالی

 

رؤوس المطالب:

وقت صلوة الجمعة. 1

اقوال في وقت صلاة الجمعة. 1

القول الاول: ما عن المشهور. 1

القول الثاني: القول بتضيق وقتها 2

القول الثالث: القول بسعة وقتها 2

القول الرابع: يمتد من الزوال بمقدار ساعة. 2

القول الخامس: من الزوال إلى أن يبلغ الظل الحادث مقدار الذراع. 2

عدم وجود رواية واحدة تدل على قول المشهور. 3

الادلة القول الثاني.. 4

المراد بالتضييق، بالنسبة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء 5

الادلة القول الرابع. 6

المراد من الساعة. 7

الروايات التی دلت علی ان الساعة ظاهرة في برهة معتد بها من الزمان. 8

الدلة القول الخامس9

 

 

 

وقت صلوة الجمعة

قال صاحب العروة “و وقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص فإن أخّرها عن ذلك مضى وقته، و وجب عليه الإتيان بالظهر”.

اقوال في وقت صلاة الجمعة

اقول: في تعيين وقت صلاة الجمعة عدة أقوال:

القول الاول: ما عن المشهور

القول الاول: ما عن المشهور من امتداد وقتها إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله، و في المنتهي: الوقت شرط للجمعة و هو الزّوال إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله‌، و هو مذهب علمائنا أجمع[1].

القول الثاني: القول بتضيق وقتها

القول الثاني: القول بتضيق وقتها، وأن وقتها من حين الزوال إلى أن يمضي مقدار أداءها مع الخطبتين و الأذان، و لا يتسع الوقت أكثر من ذلك، فاذا مضى هذا المقدار و لم يؤدها سقطت الجمعة و انتقل الفرض إلى الظهر، وهذا ما اختاره أبو الصلاح الحلبي فقال: ان فاتت الجمعة بأن يمضى من زوال الشمس مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة لم يجز قضاؤها و لزم أداؤها ظهرا[2] و ادعى ابن زهرة في الغنية عليه الاجماع فقال: إذا فاتت الجمعة بأن يمضي من الزوال مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة لم يجز قضاؤها، و وجب أن يؤدي ظهرا، كل ذلك بدليل الإجماع[3].

القول الثالث: القول بسعة وقتها

القول الثالث: القول بسعة وقتها وأن وقتها ممتد الى الغروب، اختاره ابن ادريس في السرائر فقال: إذا خيف خروج وقت صلاة الكسوف، فالواجب التشاغل بصلاتها، و ترك صلاة الجمعة في أوّل الوقت، فإن وقتها لا يفوت، إلا إذا بقي من النهار مقدار أربع ركعات[4]، وكذا الشهيد في الدروس فقال: وقت الجمعة وقت الظهر بأسره[5]، وقال في البيان: صلاة الجمعة‌ ركعتان بدل الظهر، و وقتها كوقتها في ظاهر الأدلة، فيمتد الى أن يبقى قدر إجزائها مع العصر[6].

القول الرابع: يمتد من الزوال بمقدار ساعة

القول الرابع: ما حكاه الشهيد في الذكرى عن الجعفي من أنّ وقتها ساعة من النهار (أي يمتد من الزوال بمقدار ساعة) لما روي عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال “وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة”[7]، ولم يتضح مرادهم من الساعة.

القول الخامس: من الزوال إلى أن يبلغ الظل الحادث مقدار الذراع

القول الخامس: ما اختاره المجلسي الاول والثاني و صاحب الحدائق “قدهم” من أن وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظل الحادث مقدار الذراع، و هو القدمان اي بلوغ الظل سبعي الشاخص[8].

عدم وجود رواية واحدة تدل على قول المشهور

هذا تمام الاقوال في المسألة، ولا يخفى أنه لا توجد ولو رواية واحدة تدل على قول المشهور من امتداد وقت صلاة الجمعة الى بلوغ الظل مثل الشاخص، نعم استدل عليه السيد الخوئي “قده” بعد ما أجاب عن الروايات التي يستدل بها على سائر الاقوال، بأن اطلاق بعض ادلة صلاة الجمعة كصحيحة الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: إذا كان القوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمَّعوا …[9]، وفي صحيحة زرارة فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم[10]، عموم بدلية صلاة الجمعة لصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب، لعدم التحديد بوقت معيّن في شي‌ء من الأخبار، فيكون وقتها هو وقت الظهر فضيلة و إجزاءً، إلا أنه حيث لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق فلابد من تقييده والقدر المتيقن من تقييده ما اذا كان بعد بلوغ ظل كل شيء مثله، والوجه في عدم امكان الأخذ بهذا الاطلاق أمران:

احدهما: تسالم الأصحاب على خلافه تقريباً، وان سبق عن صاحب السرائر والشهيد الاول القول بامتداد وقتها الى الغروب، و قد تقدم من العلامة دعوى الإجماع على انتهاء الوقت عند صيرورة الظل مثل الشاخص، فكأنه لم يعتن بخلاف صاحب السرائر، بل لعل عدم الامتداد إلى الغروب من مرتكزات المتشرعة و المغروس في أذهانهم.

ثانيهما: عدم معهودية وقوعها قبل الغروب و لو بساعة أو ساعتين أو أكثر لا في زمن النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و لا في زمن الأئمة (عليهم السلام) و لا من بعدهم مع كثرة الطوارئ و العوارض الموجبة للتأخير كما في غيرها من سائر الصلوات من السفر و المرض و نحوهما، فلو جاز التأخير لاتفق و لو في مورد واحد، و لنقل إلينا بطبيعة الحال و لو في رواية واحدة مع عدم الإشارة إلى ذلك في شي‌ء من الأخبار لا قولا و لا فعلا، فيقطع من ذلك بعدم اتساع وقتها الى الغروب.

و من ذلك تعرف مستند القول المشهور، و أنّ هذا هو الأقوى و إن لم يرد التحديد بذلك صريحاً في شيء من الأخبار[11].

وفيه أنه لا يوجد في ادلة صلاة الجمعة اطلاق يقتضي مشروعية اداءها في اي وقت مما بين زوال الشمس وبين غروبها، فانها في مقام اصل وجوب صلاة الجمعة دون شرائط صحتها، ومعه فلابد من الاقتصار على المتيقن في الخروج عن اطلاق دليل وجوب صلاة الظهر المقتضي لنفي الاجتزاء بغيرها الا ما ثبتت بدليته عنها وهو صلاة الجمعة التي اقيمت اول الزوال كما هو مقتضى القول الثاني.

الادلة القول الثاني

وبذلك يقوى في النظر القول الثاني وهو المستفاد من الروايات، كصحيحة ربعي بن عبد الله و فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة، فالصلاة مما وسّع فيه، تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة مما ضيّق فيها، فانّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها[12]، و نحوها صحيحة زرارة[13].

وفي صحيحة ابن مسكان[14] عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: وقت صلاة الجمعة عند الزوال، و وقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة[15]، وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه قال: وقت الجمعة زوال الشمس[16].

وأجاب السيد الخوئي عن هذه الروايات أوّلاً: فلأن الظاهر من التضييق المذكور فيها هو التضييق الحقيقي وهذا مما لا يمكن الالتزام به، لامتناع إيقاع العمل عادة لعامة الناس في زمان يقارن مبدءه الزوال التحقيقي بحيث لا يتقدم و لا يتأخر عنه آناً ما، اذ لا شك أنه تكليف متعسر بل متعذر، لعدم العلم غالباً بدخول الزوال إلا بعد مضيّ دقيقة أو دقيقتين، فتشريع وجوب غير قابل للامتثال بالإضافة إلى عامة الناس قبيح على الشارع الحكيم، و لا يقاس المقام بالتضييق في مثل الصوم الذي يتحد فيه الوقت مع العمل من حيث المبدأ و المنتهى، فان الواجب هناك هو الإمساك و الكفّ عن المفطرات و المطلوب هو الترك، فيمكن الإمساك قبل طلوع الفجر بدقائق أو أكثر من باب المقدمة العلمية، و أما في المقام فالمطلوب هو الفعل و الواجب أمر وجودي و المفروض عدم جواز تقديمه على الوقت و لا تأخيره حتى آناً ما فيرد حينئذ ما عرفت من المحذور.

و إن أُريد به الضيق العرفي غير المنافي للتأخير بالمقدار المزبور، فهو خلاف الظاهر من هذه الروايات جدّاً، فان المتبادر منها إنما هو التضييق الحقيقي.

وثانيا: إن المستفاد من بعض الأخبار جواز التأخير بمقدار ينافي التضييق العرفي ايضا، ففي صحيحة عبد اللٰه بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة- حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول- فيقول جبرئيل يا محمد- قد زالت الشمس فانزل فصل[17]، فإن التأخير عن الزوال بمقدار شراك النعل المساوق لعرض الإصبع تقريباً لا يجامع الضيق.

و في رواية القاسم بن عروة عن محمد بن أبي عمر[18] قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشمس فصلّها، قال قلت: إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صلّيتها؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): أما أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة[19]، فانها دلت على جواز التأخير بمقدار أداء الركعتين، و إن كان الأفضل عدمه، و لذا لم يبدأ هو (عليه السلام) بشي‌ء قبل المكتوبة.

و ثالثاً: ان مثل هذا التعبير أعني التوقيت بالزوال الواقع في تلك الأخبار قد ورد في غيرها بالإضافة إلى صلاة الظهر يوم الجمعة، و في بعضها بعنوان مطلق المكتوبة يوم الجمعة الأعم من صلاتي الجمعة و الظهر، ففي موثقة سماعة قال: قال وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس[20]، وفي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة[21]، فإن المكتوبة مطلقة تشمل الظهر و الجمعة، ونحوها رواية محمد بن أبي عمر المتقدمة، فإن السؤال فيها عن الصلاة يوم الجمعة لا عن صلاة الجمعة، وهي شاملة للظهر، و قد ذكر في ذيل الحديث: أنه لم يبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة، والمكتوبة شاملة لكل منهما.

و في صحيحة حريز قال: سمعته يقول أما أنا إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأت بالفريضة[22]، و الفريضة شاملة لهما.

المراد بالتضييق، بالنسبة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء

و لا شك في عدم التضييق في صلاة الظهر مطلقاً، فيكون ذلك قرينة على عدم إرادته بالنسبة إلى صلاة الجمعة أيضاً و أن المراد بالتضييق في مجموع هذه الأخبار معنى آخر وهو التضييق بالنسبة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء، و المراد أن يوم الجمعة بما هو سواء أ كانت الفريضة فيه هي الجمعة أم الظهر يمتاز عن بقية الأيام، لا أن صلاة الجمعة تمتاز عن بقية الصلوات، و ذلك فان وقت الفضيلة في بقية الأيام يتسع رعاية للنوافل المتقدمة على الفريضة، و للمكلف تأخير الفريضة عن أول الزوال بمقدار القدم أو القدمين و الابتداء بالنوافل، كما أن له تركها و البدأة بالفريضة لدى الزوال فلا تضييق في وقت الفضيلة، بل يتسع مبدءه رعاية لشأن النوافل، و أما في يوم الجمعة فحيث إن النوافل متقدمة على الزوال، فيتضيق وقت الفضيلة لا محالة، و يكون مبدءه هو الزوال لعدم الموجب للتأخير[23].

اقول: يمكن الجواب عن اشكاله الاول بأن الظاهر من التضيق والفورية اينما ذكر هو التضييق العرفي ولا اقل من أن ما ذكر من عدم تمكن عامة الناس لرعاية الوقت المضيق الحقيقي يكون قرينة على ارادة التضييق العرفي، وعدم التمكن ممن رعاية الضيق التحقيقي جار في ما حمل الروايات عليه من كون المراد بها وقت فضيلة الصلاة من يوم الجمعة، فان الحكم الاستحبابي ايضا اذا لم يمكن امتثاله عادة يكون لغوا عرفا كالحكم الوجوبي.

كما يجاب عن اشكاله الثاني اولا: بأن التأخير بمقدار زيادة الظل عرض اصبع او بمقدار صلاة ركعتين لا ينافي الفورية العرفية ولا اقل ببركة صحيحة ابن سنان ونحوها وثانيا: ان الظاهر من صحيحة ابن سنان هو بدأ النبي (صلى الله عليه وآله) بالخطبة في الظل الاول وأنه كان يصلي الجمعة عند الشراك، ومن يقول بالتضيق يقول به بلحاظ بدأ الخطبة عند اول الزوال العرفي.

وأما رواية ابن ابي عمر فمضافا الى ضعف سندها لا لأجل القاسم بن عروة لما مر من اثبات توثيقه بل لأن محمد بن ابي عمر مما لم يثبت وثاقته فانه محمد بن عبد الله بن سعيد الطبيب ولم يرد في حقه توثيق، وأما ما في نسخ الكافي من لفظ عمير بدل عمر فالظاهر كونه غلطا فان ابن ابي عمير ليس في طبقة اصحاب الصادق (عليه السلام)، مضافا الى أن الظاهر كونه صلاة الظهر في يوم الجمعة لعدم كونه امام جمعة عادة.

ويجاب عن اشكاله الثالث، بأنه لا منافاة بين التضييق في وقت فضيلة صلاة الظهر يوم الجمعة وبين ما هو ظاهر الروايات السابقة من تضييق الوقت الواجب لصلاة الجمعة.

الادلة القول الرابع

ثم انه استدل للقول المنسوب الى الجعفي من كون وقت صلاة الجمعة ساعة بعد الزوال، بما رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لا يسأل الله تعالى عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله[24]، وقد صحح السيد الخوئي سند هذه الرواية بدعوى أن للشيخ في الفهرست طرقا صحيحة الى كتب حريز ورواياته، والفرق بين المقام وبين ما سبق من الاشكال في سند روايته عن هشام رواية صلاة الغفيلة، فانه لم يذكر في الفهرست ان له طريقا الى كتب هشام ورواياته، وانما ذكر طريقا صحيحا الى كتابه فقال: له أصل…[25]، لكن لعله روى هذه الرواية عن غير كتابه.

وفی مرسلة الصدوق قال و قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة- ساعة تزول الشمس و وقتها في السفر و الحضر واحد- و هو من المضيق- و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام[26].

وقد ناقش الشیخ الخوئي في دلالتها أوّلاً: بأن الساعة المذكورة في الرواية لا يراد بها معناها المصطلح الحادث في العصر الحاضر، أعني ستين دقيقة التي هي جزء من أربعة و عشرين جزءاً من الليل و النهار بالضرورة، فإنّ هذا الإطلاق لم يكن معهوداً في الأزمنة السابقة قطعاً، بل هي بمعناها اللغوي، و هي في اللغة تطلق على معنيين:

المراد من الساعة

الأول: نفس الوقت و الزمان، و منه إطلاقها في صدر هذه الرواية أعني قوله (عليه السلام) “ساعة تزول الشمس” أي وقت زوالها.

الثاني: الجزء من الزمان و مقدار منه دون أن يحدّد بحدّ مضبوط يقال: صليت مع زيد ساعة، أي برهة من الزمن، سواء أ كان مقدارها نصف ساعة بالمعنى المصطلح أم ساعتين. و الساعة المذكورة في ذيل الرواية أعني قوله (عليه السلام) “إلى أن تمضي ساعة” إنما هي بهذا المعنى.

و عليه فالتحديد المذكور في هذه الرواية قابل للانطباق على مذهب المشهور، أعني بلوغ الظل مثل الشاخص، إذ يصدق على هذا المقدار أيضاً أنه ساعة بعد الزوال، فلا دلالة في الرواية على التحديد بأقل من ذلك كي يكون قولًا آخر مقابل قول المشهور.

و ثانياً: لو سلّم أن المراد بالساعة في الرواية أقل من ذلك أو أنه المعنى‌ المصطلح، ولكن لا دلالة فيها على انقضاء وقت صلاة الجمعة بعد انقضاء هذا المقدار من الزمان، كي ينتقل إلى الظهر، ضرورة أن التحديد فيها إنما هو لأول الوقت لا لأصله، لقوله (عليه السلام) فيها “أول وقت الجمعة” حيث إن لكل صلاة وقتين كما نطقت به جملة من الأخبار، و هذا تحديد لأول الوقت، أي للوقت الأول من حيث المبدأ و المنتهى، و أنه يبتدء من الزوال و ينتهي بعد ساعة، ثم يدخل الوقت الثاني، و إن كان مفضولًا بالإضافة إلى الأول، فلا دلالة فيها على انقضاء الوقت من أصله بعد انقضاء الساعة، و يؤيده: قوله بعد ذلك “فان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) …” المشعر بأنّ هذه الخاصية من آثار وقت الفضيلة و لذا ينبغي الاهتمام بها و المحافظة عليها[27].

اقول: الظاهر عدم تمامية ايراده الأول، فان حمل الساعة على ما يسع زوال الشمس الى بلوغ ظل كل شيء مثله والذي لا يقل عن ساعتين ونصف فاكثر، خلاف الظاهر جدا، وقد ذكر بعض الاجلاء “دام ظله” أن المستفاد من الروايات كون ساعات النهار اثنتي عشر ساعة و ساعات الليل اثنتي عشر ساعة، ولذا ذكر أن وقت صلاة الجمعة من أول الظهر و بمدة ساعة، و المراد من الساعة واحد من اثني عشر من اليوم وهذا الوقت يختلف مقداره حسب فصول السنة[28]، ففي الخصال عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة، و روى ايضا نحوه عن ابيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن ميمون‏ عن أبي هاشم عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)[29]، و عن جمال الأسبوع لابن طاووس عن محمد بن جعفر بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و عن عتبة بن الزبير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع- قال قال رسول الله: الليل و النهار أربع و عشرون ساعة[30]، و في رواية أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن ليلة الجمعة و يوم الجمعة أربع و عشرون ساعة- لله عز و جل في كل ساعة- ستمائة ألف عتيق من النار[31].

نعم ورد في رواية السياري عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الخمسين و الواحدة ركعة فقال إن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة و ساعات الليل‌ اثنتا عشرة ساعة و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة و من غروب الشمس إلى غروب الشفق غسق، فلكل ساعة ركعتان و للغسق ركعة[32]، فقد يستظهر منها كون مجموع الساعات خمسة و عشرين ساعة، لكن سندها ضعيف، مضافا الى أنه حيث لا يكون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس خارجا عن الليل و النهار فلعل ساعته لوحظت متداخلة مع ساعات الليل و النهار.

الروايات التی دلت علی ان الساعة ظاهرة في برهة معتد بها من الزمان

ولكن يمكن أن يقال ان الساعة ظاهرة عرفا في برهة معتد بها من الزمان، و يشهد له عدة من الروايات: مثل رواية أحمد بن إسحاق فسكت ساعة ثم قال[33]، و كذا معتبرة أبي بصير …فوضع أبو عبد الله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه[34]، و في رواية أخرى عنه… فنكس رأسه ساعة- ثم قال…[35]، و في رواية حكيم بن حكم الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) فقال لا بأس ما تصلح به مالك- ثم سكت ساعة ثم قال… [36]، و في رواية أبي حنيفة… فوقف علينا ساعة- ثم قال[37]، و في رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته (عليه السلام) عن الرجل يخطئ في قراءته هل يصلح له أن ينصت ساعة و يتذكر قال لا بأس قال و سألته عن رجل يخطئ في التشهد و القنوت هل يصلح له أن يردد حتى يتذكر و ينصت ساعة و يتذكر قال لا بأس أن يردد و ينصت ساعة حتى يذكر[38] و في رواية أخرى: أطرق ساعة ثم رفع رأسه[39]، و مما يؤيد ابهام الساعة عرفا موثقة زرارة قال: قلت له هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة- ساعة أو ساعتين فقال- الساعة و الساعتان لا يوقف على حدهما- و لكن… اليوم و اليومين و الليلة و أشباه ذلك[40].

و أما ما ورد في الروايات السابقة من أن ساعات الليل و النهار اربع و عشرون ساعة فلا يوجب رفع اليد عن الظهور الاولي للفظة الساعة، ما لم تكن هذه الروايات ظاهرة في حكومتها على الخطابات التي رتبت احكاما على عنوان الساعة.

الا أنه يقال ان مقدار الساعة وان كان مبهما لكنه لا يعني رفع اليد عنها رأسا، بل لو تأخر تأخرا فاحشا لا يصدق عليه الساعة جزما، فلا يجتزء به.

وأما ايراده الثاني فانه وان كان يحتمل كون جملة “الى ساعة” في قوله “اول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس الى ساعة” لبيان منتهى الوقت الاول وهو وقت فضيلة صلاة الجمعة، لكن لا يبعد أن يقال بظهورها في كونها لبيان منتهى اصل وقت صلاة الجمعة، مثل ما يقال من أن اول وقت صلاة الظهر زوال الشمس الى غروب الشمس، ولو فرض اجمالها فيكفينا قيام الأدلة على القول الثاني فهو المتبع، ولعله لأجل ذلك ذكر بعض السادة الاعلام “دام ظله” أنه لابد من الشروع في الخطبة في اول الزوال عرفا فان انتهت خطبة الجمعة قبل اربعين دقيقة وبدأوا بعدها بصلاة الجمعة مباشرة اجزأت عن الظهر وان استمرت الى ساعة وربع فات وقت صلاة الجمعة، ولم يجتزء بها، ويحتاط فيما بين ذلك[41].

الدلة القول الخامس

و أما القول الخامس وهو كون منتهى وقتها بلوغ الظل سبعي الشاخص، فقد يستدل له بكونه القدر المتيقن من مشروعية صلاة الجمعة ويكون المرجع في فرض اطالتها الى بعد بلوغ الظل سبعي الشاخص اطلاق دليل وجوب صلاة الظهر كقوله “اذا زالت الشمس وجبت الظهر والعصر” والوجه في كونه القدر المتيقن ما تضمنته جملة من الروايات من أنّ وقت العصر في يوم الجمعة وقت الظهر -اي وقت فضيلته- في سائر الأيام، ويضم ذلك الى ما دل على أن وقت الظهر في سائر الأيام إنما هو قدمان بعد الزوال، نعم لو ثبت اطلاق في دليل مشروعية صلاة الجمعة لما بعد ذلك فكون وقت فضيلة العصر في يوم الجمعة وقت فضيلة الظهر في سائر الأيام لا يقتضي تحديد وقت مشروعية صلاة الجمعة.

وفيه أن هذا لا يعني امتداء مشروعية صلاة الجمعة الى وقت فضيلة العصر، بل لعله يوجد بينهما فاصل زمني ومقتضى ظهور الأدلة في تضيق وقت صلاة الجمعة وعدم الاطلاق في مشروعيتها بحيث يشمل فرض تأخيرها عن اول الوقت هو الالتزام بالقول الثاني، فهذا القول هو الاحوط ان لم يكن اقوى، وقد يدل عليه موثقة عَمَّارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ …وَقْتُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ شِرَاكٌ أَوْ نِصْفٌ[42]، وقد مر أن الشراك عرض الاصبع اي زيادة الظل بمقداره وهذا وان لم يكن محددا لكنه ليس زمان طويلا قطعا، كما يستفاد مما ورد في صحيحة عبد اللٰه بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة- حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول- فيقول جبرئيل يا محمد- قد زالت الشمس فانزل فصلّ[43].



[1] – منتهى المطلب ج5ص 345 ورد بعده: (إلّا ما نقله الشّيخ في الخلاف عن السيّد المرتضى قال: و في أصحابنا من قال: إنّه يجوز أن تصلّى الفرض عند قيام الشّمس يوم الجمعة خاصّة، و هو اختيار المرتضى و الّذي اخترناه قول أكثر أهل العلم)، ولا ربط له بالمقام، لأن الشيخ نقل في الخلاف ج1ص 620أنه حكي عن المرتضى أنه اجاز ايقاع تمام الخطبتين قبل الزوال وايقاع صلاة الجمعة اول الزوال.

[2] – الكافي في الفقه ص 153

[3] – غنية النزوع ص 90

[4] – السرائر ج1ص 301

[5] – الدروس ج‌1، ص: 188

[6] – البيان؛ ص: 186

[7] – ذكرى الشيعة ج‌4، ص: 132

[8] – روضة المتقين ج 2ص 74، بحار الأنوار ج86ص 173 الحدائق ج 10 ص 138.

[9] – وسائل الشيعة ج7ص 306

[10] – وسائل الشيعة ج7ص 304

[11] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 146

[12] – وسائل الشيعة ج 7 ص 315

[13] – وسائل الشيعة ج 7 ص 316

[14] – في هامش المخطوط: في نسخة: ابن سنان.

[15] – وسائل الشيعة ج 7 ص 317

[16] – وسائل الشيعة ج7ص 318

[17] – وسائل الشيعة ج7ص 316

[18] – في هامش الوسائل: في نسخة عمير، اقول هذا هو الموجود في الكافي ط دار الحديث ج 6ص 464

[19] – وسائل الشيعة ج7ص 319

[20] – وسائل الشيعة ج7ص 317

[21] – وسائل الشيعة ج7ص 319

[22] – وسائل الشيعة ج7ص 320

[23] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص 140

[24] – مصباح المتهجد ج1ص 364

[25] – الفهرست ص 179

[26] – وسائل الشيعة ج7ص 318

[27] – موسوعة الامام الخوئي ج11ص143

[28] – المسائل الشرعية ص 172

[29] – الخصال ج2ص 488

[30] – بحار الانوار ج 86 ص 371

[31] – وسائل الشيعة ج 7ص 380

[32] – وسائل الشيعة ج 4 ص 48

[33] – وسائل الشيعة ج 6ص 502

[34] – وسائل الشيعة ج 9 ص 289

[35] – وسائل الشيعة ج 14ص 47

[36] – وسائل الشيعة ج 18 ص 96

[37] – وسائل الشيعة ج 18 ص 440

[38] – بحار الانوار ج 85 ص 193

[39] – بحار الانوار ج 91ص291

[40] – وسائل الشيعة ج 21ص 58

[41] – استفتاءات

[42] – تهذيب الأحكام؛ ج‌2، ص: 273

 

[43] – وسائل الشيعة ج7ص 316