بسمه تعالی
رؤوس المطالب:
عدة ايرادات علی تعریف المشهور في معنى الجملة الخبرية. 2
السيد الصدر “قده”: منشأالفرق بين الجملة الوصفية والجملة الخبرية. 6
النقض بما لوكان الوصف جملة تامة. 8
السيد الإمام “قده: ان الجملة الخبرية وضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية بين الموضوع والمحمول. 8
تنبيه: عدم الفرق بین جملة الإسنادية العربية و الفارسیه. 10
البحوث: مدلول هيئة جميع انحائها هو النسبة التصادقية. 11
الجهة الأولى: ان الجملة الإنشائية ايجادية او إخطارية. 15
وجوه فی ايجادية الجملة الإنشائية. 16
کلام المحقق العراقي “قده” : عدم كون المستعمل فيه والموضوع له في الإنشائيات هو الإيجاد 20
السيد الخوئي “قده”: الجمل الإنشائية موضوعة لابراز أمر نفساني.. 21
حقيقة الإنشاء في الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات.. 22
ایرادات علی كون حقيقة الإنشاء في العقود والإيقاعات هو الاعتبار والإبراز. 24
هيئة الجملة التامة
1- الجملة الخبرية
وقدوقع الخلاف في معنى الجملة الخبرية فنسب الي المشهور ان الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة الخارجية بين الموضوع والمحمول (فيما لو كانت الجملة الخبرية موجبة )او عدم ثبوت تلك النسبة (فيما لو كانت الجملة الخبرية نافية ) كما ان الجملة الإنشائية موضوعة لإيجاد المعنى، فقولنا “زيدقائم”يدل على ثبوت القيام لزيد واما قولنا “ليت زيدا قائم “فيوجد التمنى بالوجود الانشائي.
عدة ايرادات علی تعریف المشهور في معنى الجملة الخبرية
وقداورد عليه بعدة ايرادات:
1- ما اورده السيد الخوئي “قده”من النقض بمثل قولنا “شريك البارئ ممتنع” و”العنقاء ممكن” فانه لايعقل فيهما ثبوت النسبة الخارجية بين الموضوع والمحمول لان ثبوت النسبة فرع ثبوت الطرفين خارجا، وحيث لايحتمل الفرق بين معنى هيئة الجملة في هذين المثالين وبين معناها في سائر الأمثلة فيتعين ان يكون معناها مطلقاغير ثبوت النسبة ومن هنا اختار “قده” قولا ثانيا وهو ان الجملة الخبرية موضوعة لإبراز قصد الإخبار والجملة الإنشائية موضوعة لإبراز أمر نفساني غير قصد الإخبار، مثل صيغة الإمر حيث انها موضوعة لإبراز اعتبار الفعل على ذمة المخاطب وجملة الاستفهام موضوعة لابراز قصد الاستفهام وهكذا.([1])
وفيه أن الظاهر كون مقصود المشهور من النسبة التي تدل عليها الجملة الخبرية هي النسبة الثابتة في عالم الواقع الذي هو اوسع من عالم الوجود فالمحكي في مثل قولنا “شريك الباري ممتنع والعنقاء ممكن “هو ثبوت النسبة في الموطن المناسب لها وهو عالم الواقع.
ولايخفى ان عدوله من قول المشهور الى القول بوضع الجملة الخبرية لإبراز قصد الإخبار لايوجب اندفاع النقض اذ المخبر به على ايّ حال هو ثبوت النسبة فلابد من الجواب عن النقض بماذكرناه، فاذا تم هذ االجواب فيمكن ان يلتزم بان الموضوع له لهيئة الجملة الخبرية هو هذا المخبر به لاابراز قصد الإخبار عنه.
2- ما قد يورد النقض بالقضايا الحملية مثل قولنا “زيد عالم” حيث لاتوجد بينهما نسبة وانما يكون بينهما الاتحاد والهوهوية.
وقد اجاب في البحوث عن هذين النقضين بان المشهور لايقولون بوضع هيئة الجملة الخبرية بإزاء النسبة الخارجية، بل يقولون بوضعها بإزاء النسبة الذهنية، وهي موجودة في جميع هذه الموارد([2]).
وسيأتي تحقيقه قريبا.
3-ماذكره السيد الخوئي “قده” ايضا من ان المسلك الصحيح في تفسير حقيقة الوضع حيث كان هومسلك التعهد، ولايعقل تعلق التعهد بما يكون خارجا عن اختيارالمتعهد، فلامعنى لكون الموضوع له هو ثبوت النسبة الخارجية وعدمه لخروجهما عن اختبار المستعمل، فلابد ان يكون الموضوع له هو قصد الإخبار.([3])
وفيه ان مسلك التعهد لايقتضي اكثر من التزام الواضع بانه لايتلفظ بالجملة الخبرية الا اذا اراد تفهيم ثبوت النسبة الخارجية، وقد مر منه “قده” ان ارادة التفهيم ليست داخلة في المعنى الموضوع له.
ولو تم اشكاله في المقام لزم عدم وضع الألفاظ لذوات معانيها حتى في الالفاظ المفردة، فكان لابد ان يكون لفظ الماء مثلا موضوعا لإرادة تفهيم معناه مع انه خلاف الوجدان، ولايتبادر من اللفظ، كما انه لايتبادر قصد الإخبار من الجملة الخبرية.
4-ماذكره ايضامن ان دلالة الجملة الخبرية لما كانت تصديقية لاتصورية فلابد ان يحصل للسامع التصديق بمفادها بمجرد سماعها، والا لمتحصل نتيجة الوضع فيصير لغوا بعد ان كان الوضع بغرض تصديق السامع بمفادها، وحيث انه لاريب في عدم تصديق السامع لثبوت النسبة الخارجية بمجرد سماع الجملة الخبرية من المتكلم لاعلما ولاظنا مالم يكن ثقة يوجب قوله العلم او الظن، فلابد ان يكون معنى الجملة الخبرية قصد الإخبار عن ثبوت النسبة الخارجية، وقصد المتكلم للإخبارمما يحصل التصديق به للسامع ولوتصديقا ظنيا بمجرد سماع الجملة الخبرية.([4])
وفيه: ان المراد من كون دلالة الجملة الخبرية تصديقية هو ان مدلولها تحقق النسبة بين الموضوع والمحمول خارجا، حتى لو صدرت هذه الجملة الخبرية من متكلم غير ملتفت كالنائم، يعني هذه الجملة جعلت علامة على تحقق النسبة الخارجية بحيث لو قصد تفهيمها أبرز بها.
هذا وقد اورد عليه في البحوث بانه بناء على مسلك التعهد فالدلالة تصديقية دائما حتى في الألفاظ المفردة بلحاظ انها تدل على قصد تفهيم المعنى، غايته ان المشهور يلتزمون هنا بان مدلول الجملة الخبرية هو قصد اخطار النسبة في ذهن المخاطب، ويكون قصد الإخبار عنها مستفادا من الظهور الحالي العقلائي، بينما أن السيد الخوئي “قده” يدعي ان مدلول الجملة الخبرية هو قصد الإخبار.
وأما بناء على سائر المسالك في تفسير حقيقة الوضع فالدلالة الوضعية تصورية دائما حتى في الجملة الخبرية، لان سماعها يوجب تصور المعنى، واما كون المتكلم بها قاصدا للإخبار فيستفاد من الظهور الحالي العقلائي([5]).
وفيه ان مراد السيد الخوئي “قده”من الدلالة التصديقية كما ذكرناهي الحكاية عن النسبة الخارجية ومن الواضح اختلاف الالفاظ المفردة والجمل الخبرية في ذلك على جميع المسالك في حقيقة الوضع.
5- ما حكاه السيد الصدر عن السيد الخوئي “قدهما ” من انه بناء على مسلك المشهور لافارق بين الجملة الناقصة والتامة، وامادعوى ان النسبة في الجملة الناقصة ناقصة وفي الجملة التامة تامة فليس لها معنى محصل، لعدم قبول النسبة للتمامية والنقصان، فيتعين ان يكون الفارق بينهما هو قصد الإخبار في الجملة التامة دون الجملة الناقصة.
وذكرالسيد الصدر”قده” انه وان كان احسن الاشكالات لكنه يتوجه عليه النقض بمدخول اداة الاستفهام كقولنا “هل زيد عالم” فانه خال عن قصد الاخبار بلااشكال، ولكنه يختلف مدلوله عن الجملة الناقصة فلايقال “هل زيد العالم”، وهكذا الأمر في جملة الشرط.
وقداجاب السيد الخوئي “قده” عن هذا النقض بان جملة الاستفهام موضوعة بوضع مستقل على ابراز قصد الاستفهام فيكون وضعها غير وضع الجملة الخبرية.
ويرد علي هذا الجواب انه حينما يجاب عن الاستفهام فيقال “نعم” فلااشكال في انه يصدّق ثبوت النسبة كماانه لو قيل “لا”فينكرثبوت النسبة، وحيث ان ظاهر” نعم” هو تصديق نفس الجملة التي يدخلها اداة الاستفهام فيعلم ان مفادهذه الجملة ثبوت النسبة، بينما ان لازم كلام السيدالخوئي “قده” هو ان يكون” نعم” في قوة تكرار الجملة مع استعمالها في قصد الحكاية بينما ان المستفهم استعملها لإبراز الاستفهام، وهذا خلاف الظاهر لانه نظير ما لو يسأل سائل “هل جاء زيد” ويقصد به زيدا العالم فيجيب المسئول ” نعم” ويريد به انه جاء زيد الجاهل([6]).
هذا مضافا الى امكان تبديل النقض بنقض آخر وهو انه في قولنا “أَخبَرتُ أن زيدا قائم”او قولنا “أحكي لك أن زيدا قائم” لايكون المقصود منه الإخبار عن قصد الإخبار، بل المقصود منه الاخبار عن نفس ثبوت قيام زيد، ولااشكال في أن هيئات الأفعال قدوضعت لمعانيها بوضع نوعي من دون لحاظ المواد التي تعرضهاتلك الهيئات فليس لهيئة “أخبرت” وضع خاص مستقل حتى يدّعى ان هيئة “اخبرت”مع الجملة الخبرية التي تكون مفعولا لها قد وضعت على قصد الاخبار من دون ان توضع هيئة الجملة التي تكون مفعولا لها على قصد الاخبار([7]).
السيد الصدر “قده”: منشأالفرق بين الجملة الوصفية والجملة الخبرية
ثم انه اختار السيد الصدر “قده” قولا ثالثا وهو ان الصحيح ان منشأ كون قولنا “زيد عالم” جملة تامة هواشتماله على واقع النسبة التصادقية وهوالموضوع له لهيئة الجملة الخبرية، بخلاف قولنا “زيد العالم”، فانه مشتمل على النسبة التحليلية التصادقية، حيث ان الجملة الوصفية ذات مفهوم مفردبسيط وان كان ينحل بالتعمل العقلي الى ثلاثة اجزاء:الموصوف، الوصف، النسبة التحليلية التصادقية.
ان قلت: لما كان الواقع الذي يلحظ الجملة فانية فيه فاقدا للنسبة التصادقية، لان ما في الواقع انما هو وجود واحد يكون زيدا وعالما، فكيف يلحظ النسبة التصادقية الموجودة في الذهن فانية في الخارج بعد ان لميكن لها مطابق خارجا، وان شئت قلت انه بعد ان لمتكن النسبة التصادقية خصوصية في الواقع الملحوظ لعدم مطابق لها خارجا، فلابد ان تكون خصوصية في نفس اللحاظ، فلازمه ان لايلتفت الذهن بالنظر التصوري الاولي اليه، مع انه ليس كذلك.
قلت: انه وان لمتكن للنسبة التصادقية خصوصية في الواقع الملحوظ، وانما هي خصوصية قائمة في اللحاظ ولكن لابما انه موجود ذهني، حتى يقال بانه لايلتفت اليه الا بالنظر التصديقي والثانوي، بل هي قائمة باللحاظ من حيث اراءته وكشفه عن الواقع مثل خصوصية إفناء اللحاظ في الخارج، فانه ليس خصوصية في الواقع الملحوظ، -والا لامكن ان يبقى بعد اخذه ايضا صالحا للإفناء وعدمه كما في سائر موارد اخذ خصوصية مفهومية مضافا الى مفهوم آخر- ولكنه ملحوظ بنفس اللحاظ، ومن هذا القبيل خصوصية تصادق الإراءتين في لحاظ الموضوع ولحاظ المحمول، حيث يكون ما يرى من الملحوظ بالعرض في المحمول نفس ما يرى من الملحوظ بالعرض في الموضوع، وهذه خصوصية في كيفية إفناء المحمول في الملحوظ بالعرض، فكما ان رؤية اللحاظ فانيا لايحتاج الى لحاظ آخر كذلك رؤية اللحاظين متصادقين في مقام الفناء، فبدلاً من ان يفني كلا منهما في امر مستقل عن الآخريفنييان معا في امر واحد([8])
النقض بما لوكان الوصف جملة تامة
اقول: يرد علي ماذكره “قده” -من ان منشأالفرق بين الجملة الوصفية والجملة الخبرية هواشتمال الثانية على واقع النسبة التصادقية بينماان الاولى لاتشتمل الاعلى النسبة التحليلية التصادقية -النقض بما لوكان الوصف جملة تامة كقولنا “رجل ابوه عالم”، فان الالتزام بكون الجملة الوصفية مفهوما بسيطا تصورا لايجتمع مع التزامه بكون الجملة التامة مركبة من مفهومين مستقلين يربط بينهما واقع النسبة التصادقية، فانه لايمكن ان يكون مفهوم الجملة الوصفية بسيطا مع كون وصفها مركبا، ولاتتم دعوى ان الوصف هنا قد تحوّل الى جملة ناقصة، فان لازمه صحة استبدالها بجملة ناقصة كأن يقال “رجل ابوه العالم”.
السيد الإمام “قده: ان الجملة الخبرية وضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية بين الموضوع والمحمول
هذاوقد اختار السيد الإمام “قده” في معنى الجملة الخبرية قولا رابعاوهو ان الجملة الخبرية في مثل قولنا “زيد عالم” قدوضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية بين الموضوع والمحمول، اي على ثبوت الاتحادبينهما كما ان قولنا” زيد في الدار” موضوع للدلالة على النسبة الظرفية التصديقية، وما اختاره صاحب الفصول”ره” من كون الجملة الخبرية موضوعة للنسبة الذهنية من حيث كشفها عن الواقع لايخلو من تكلف وتعسف، اذ المتبادر من الالفاظ انما هو نفس الحقائق الواقعية، ودعوى انه لو كانت الجمل موضوعة للنسب الواقعية لما كان لها معنى في الأخبار الكاذبة لانتفاء النسبة الخارجية حينئذ، فغير متجه، لان الاستعمال مرجعه الى اراءة المعنى للمخاطب ولايلزم ان يكون المنتقل اليه موجودا في الخارج بل قد يمتنع وجوده في الخارج كما في قولنا شريك البارئ ممتنع([9]).
وقد يورد عليه بايرادين:
1- ما يقال من انه في الجملة التامة الواقعة عقيب اداة الشرط او الاستفهام او الواقعة وصفا كقولنا “اكرم رجلا ابوه عالم” فانه لاتوجد فيها دلالة على تحقق الهوهوية التصديقية بين الموضوع والمحمول، فكيف يدعى وضع الجملة الخبرية على الهوهوية التصديقية، واما الالتزام بتحولها عن جملة تامة الى جملة ناقصة بمجرد وقوعها عقيب اداة الشرط او الاستفهام او وقوعها وصفا فغير متجه لوضوح الفرق بينها وبين الجملة الناقصة، ولذا لايصح استبدالها بها، فلايقال مثلا “أكرم رجلا ابوه العالم”، كما لايقال بالفارسية “اكرام كن مردى راكه پدر عالمش “بل يقال “اكرام كن مردى راكه پدرش عالم است” نعم يصحّ في التوصيف ان يقال” اكرم رجلا عالم الأب ولكنه غير ما هو المفروض في المقام.
2- لو كان المستعمل فيه في الجملة الخبرية الهوهوية التصديقية وتحقق الاتحاد خارجا بين الموضوع والمحمول فيلزم اهمال القضية الكاذبة حيث ان عدم تحقق الاتحاد خارجا بين موضوعها ومحمولها يساوق انتفاء معناها الاستعمالي، وكل كلام لميكن له مدلول استعمالي فهو مهمل، فلابد ان تكون القضية الكاذبة مهملة، وهذا مما لايمكن الالتزام به.
ويمكن ان يجاب عن الإيراد الأول بان الموضوع له لهيئة الجملة الخبرية اي ما جعلت علامة عليه وان كان هو الهوهوية التصديقية اي ثبوت الاتحاد بين الموضوع والمحمول خارجا فيكون هذا هو المدلول التصوري لها، ولكن قد يخبر عنه كما في الجملة الخبرية، او يسأل عنه كما في الجملة الاستفهامية، او يعلق عليه أمرٌ كما في الجملة التي دخل عليها اداة الشرط، او يقع وصفا الا ان المدلول التصوري لهيئة الجملة الخبرية واحد دائما.
كما انه يمكن ان يجاب عن الايراد الثاني بان الذي وضع الهيئة لتكون علامة عليه وان كان هو واقع الاتحاد بين الموضوع والمحمول خارجا، لكن المستعمل فيه بالذات هو الحكم النفساني باتحاد الموضوع والمحمول خارجا، وقد يعبر عنه بالنسبة الحملية او النسبة التصادقية، وبعد انحفاظ المستعمل فيه بالذات في القضية الكاذبة فلايكون الكلام مهملا، ولايوجب انتفاء ذي العلامة اهمال العلامة، فلايبعد تمامية القول الرابع.
تنبيه: عدم الفرق بین جملة الإسنادية العربية و الفارسیه
حكي عن بعض السادة الأعلام “دام ظله”: ان الجملة الإسنادية في اللغة العربية في قولنا “زيد قائم” لاتشتمل الا على موضوع ومحمول، فتدل على كون النسبة الإسنادية فيها بمعنى اتحاد الطرفين وجودا، بينما أنه في اللغة الفارسية تستخدم كلمة “است” وفي اللغة اليونانية “استين” وهذا يدلّ على كون مفهوم الجملة الإسنادية في الفكر الفارسي واليوناني عبارة عن ثبوت شيء لشيئ، فمعنى “زيد قائم است” ثبوت القيام لزيد، وهذا المفهوم يحتفظ فيه على الإثنينية بين الموضوع والمحمول، بخلاف المفهوم العربي الذي يعكس الوحدة والاندماج([10]).
اقول: الظاهر عدم اختلاف بين هذه اللغات، فان كلمة “است” تدل على الاتحاد بين الموضوع والمحمول.
انحاء الجملة الخبرية
الجملة الخبرية قد تكون اسمية مثل “الرجل ضارب”، وقد تكون فعلية مثل”ضرب الرجل” وقد تكون مزدوجة اي مركبة من جملة اسمية وفعلية، وهي الجملة الاسمية التي يكون الخبر فيها فعلا مثل “الرجل ضرب”.
البحوث: مدلول هيئة جميع انحائها هو النسبة التصادقية
فذكر في البحوث ان مدلول هيئة الجملة في جميعها هو النسبة التصادقية، غاية الأمر ان التصادق في الجملة الاسمية يرجع الى انطباق الموضوع والمحمول على واقع واحد، والتصادق في الجملة الفعلية يرجع الى انطباقهما على مركز واحد مركب من العرض ومحله، فالضرب والرجل مفهومان، فقد يلحظ كل من مفهوم الضرب ومفهوم الرجل فانيا في معنى غير واقع طرفا للحادثة وفي مثل ذلك لاربط ولاتصادق بين المفهومين، وقد يلحظ مفهوم الضرب فانيا في حادثة واحدة ومفهوم الرجل فانيا في طرف تلك الحادثة، فيكون بينهما ارتباط وتصادق على واقعة واحدة في الخارج مركبة من العرض ومحله، وهذا هو مفاد الجملة الفعلية، فالتصادق دائما يكون بافتراض نحو وحدة في المشار اليه في المفهومين، فان كانت الوحدة ذاتية كان من باب الحمل كما هو الحال في الجملة الخبرية الاسمية، وان كانت وحدة في الواقعة كان من باب الاسناد كما هو الحال في الجملة الخبرية الفعلية، نعم يقع الكلام في ان واقع النسبة التصادقية التي هو مدلول هيئة الجملة الخبرية الفعلية هل هو مدلول لهيئة الجملة التامة او مدلول لهيئة الفعل نفسها، وهذا ما سيأتي الكلام عنه عند البحث عن معنى هيئة الفعل.
وأما الجملة الخبرية المزدوجة فالمشهور بل المتفق عليه بين علماء العربية أن الجملة المزدوجة مركبة من جملتين فتقع الجملة الصغري محمولا داخل الجملة الكبرى على حد قولنا “زيد ابوه عالم”، وذلك باعتبار ان الفاعل لابد وان يتأخر عن الفعل فيذكر بعده اما صريحا او بضمير يرجع الى ما قبله، فقولنا “زيد ضرب” يكون بمعنى “زيد ضرب هو”.
وفي قبال ذلك اتجاه جديد من قبل بعض الباحثين حيث اختار أن الجملة المزدوجة جملة واحدة فعلية تقدم فيها الفاعل على الفعل، فجملة “زيد ضرب” هو نفس جملة “ضرب زيد” وذلك لانه لايحصل بتقديم الفاعل على الفعل أيّة حالة جديدة، من طبيعة الجملة او معناها عدا تقديم المسند اليه([11]).
مناقشه
ولكن هذا القول الجديد يواجهنا مع عدة اسئلة لايمكن الإجابة عنها، فكيف نفسر عدم صحة ان يقال” الناس ذهب”-كما يقال “ذهب الناس” -، بل لابد ان يقال “الناس ذهبوا” وكذاعدم صحة ان يقال “محمد وعلي جاء” كمايقال” جاء محمد وعلي” بل الصحيح ان يقال”محمد وعلي جاءا” وكذا صحة قولنا “طلع الشمس” وعدم صحة “الشمس طلع “بل الصحيح “الشمس طلعت” وكذا عدم صحة ان يقال “رجل جاء” كما يقال “جاء رجل”، فلو كان الفرق مجرد تقدم الفاعل وتأخره فلانستطيع ان نفسر هذه الفوارق مادام جوهر العلاقة المعنوية واحد، وكونها مجرد فوارق تعبدية محضة خلاف الظاهر، بخلاف ما اذا افترضنا تغير جوهر العلاقة المعنوية في هذه الجمل وان العلاقة بين مفردات الجملة في حال تقدم الفعل هي علاقة اسنادية اي علاقة الفعل بفاعله، واما في حالة تأخر الفعل فتكون علاقة حملية اي علاقة الخبر بالمبتدأ، فحينئذ يمكننا ان نفسر الفوارق المذكورة باعتبار ان فاعل الفعل ليس هو الاسم المتقدم عليه وانما هو الضمير، ويلزم مطابقة الضمير مع مرجعه في الإفراد والجمع والتأنيث، كما ان منشأ صحة قولنا” جاء رجل” وعدم صحة “رجل جاء” ان الجملة الأولى فعلية والنسبة فيها اسنادية، ومحور القضية فيها الحادثة فلانحتاج فيها الى كون الفاعل معرفة، بينما ان الجملة الثانية اسمية والنسبة فيها حملية فمحور القضية فيهاهو الموضوع باعتبار كون النسبة الحملية تطبيقا للمحمول على الموضوع بنحو يرى تصادقهما على مركز واحد وهو الموضوع ويراد الكلام حول عوارضه فكان للموضوع فيهااهمية ومركزية بحيث لزم ان يكون معرفة ومتعينة باحد انحاء التعين.
وعليه فالصحيح ان الجملة المزدوجة جملة مركبة من جملة فعلية صغري وجملة اسمية كبرى.
وبناء على ذلك فقد يستشكل على تصوير النسبة التصادقية فيها بانه لايمكن تعقل حمل الفعل –في قولنا زيد ضرب- على زيد، كما لايتعقل حمل جملة “ابوه عالم” في قولنا “زيد ابوه عالم” عليه فان زيدا ليس متحدا مع “ابوه عالم”.
وحينئذ فقد يجاب عن هذا الاشكال بان المحمول في الجملة الكبرى ليس هو الفعل او الجملة الصغري، بل المحمول هو معنىً متحصل من الجملة الصغري حيث ينتزع منها معنى مفرد يكون هو المحمول، فقولنا “زيد ابوه عالم” يعني “زيد ذو اب عالم”.
ولكن لاوجه لارتكاب هذا التأويل الذي يكون فيه عناية ومؤونة زائدة على خلاف طبع هذه الجملة (على انه يشكل هذا التأويل في مثل قولنا” زيد ضرب هو”).
والصحيح ان يقال ان المراد من النسبة التصادقية ليست خصوص اتحاد مفهومين في مصداق واحد خارجا، بل يكفي فيها انه كلما لوحظ الموضوع وجد المحمول صادقا في حقه تصورا، ومن الواضح ان مفهوم “زيد ضرب” او “ابوه عالم” صادق في حق زيد([12]).
اقول: أما ما ذكره من كون مدلول الجملة الخبرية الفعلية هي النسبة التصادقية بنحو وحدة الحادثة، فانما نشأ من نظرته في عدم وضع هيئة الجملة الفعلية على نسبة تامة صدورية بين الفعل وفاعله بان يكون مفادها الحكم بصدوره منه خارجا، وسيأتي الكلام فيه عند البحث عن معنى هيئة الفعل.
وأما ما أفاده حول الجملة الخبرية المزدوجة فالظاهر تمامية ما نقله عن بعض الباحثين من عدم فارق معنوي بينها وبين الجملة الفعلية، وما ذكره من الفوارق فهي نكات تعبدية في وضع اللغة العربية، والشاهد عليه انه لاتوجد هذه الفوارق في اللغة الفارسية ونحوها، فيقال: “مردها رفتند” كما يقال “رفتند مردها” ولايقال “رفت مردها”، وكذا يقال “مردى آمد” كما يقال “آمد مردى” فلو لمتكن هذه الفوارق مجرد فوارق تعبدية بحتة بل فوارق معنوية لما اختلفت اللغات عادة.
ثم انه كان ينبغي له ان يفسر مدلول الجملة الخبرية النافية حيث انه يدعي عروض النفي فيها على واقع النسبة التصادقية([13])، ومن الواضح انه ليس مراده المفهوم الاسمي للنفي وانما هو واقع النفي، وحيث انه ليس له الا طرف واحد وهو واقع النسبة التصادقية فلايمكن الالتزام بكونه نسبة، فلابد ان يلتزم بكونه خصوصية ذهنية تعرض على واقع النسبة التصادقية، وحيث ان الملحوظ تصورا هو الخارج فيكون نفي واقع النسبة الذهنية التصادقية دالا تصورا على نفي الاتحاد بين الموضوع والمحمول خارجا، فيختلف عن موارد انتفاء واقع النسبة التصادقية كما لو فرض تصور ذات الموضوع والمحمول بلاايقاع نسبة تصادقية بينهما، ويمكن ان يقال -جريا على مسلكه- بان مدلول هيئة الجملة الخبرية النافية واقع النسبة اللاتصادقية.
كما انه بناء على القول بان مفاد الجملة الخبرية الموجبة هو الهوهوية التصديقية فيكون مدلول الجملة النافية نفي الهوهوية التصديقية.
2- الجملة الإنشائية
يقع الكلام فيها في جهتين:
احديهما:في ان علاقة الجملة الإنشائية بمعناها علاقة إيجادية كما هو المشهور من كون الانشاء ايجاد المعنى باللفظ او أن علاقتها بمعناها علاقة إخطارية اي توجب اخطار معناها في ذهن المخاطب كما في الجملة الخبرية.
ثانيتهما:في ان معنى الجملة الإنشائية والخبرية هل هو مختلف او أنه واحد ويكون الفرق بين الجملتين في كيفية لحاظ المعنى حال الاستعمال او في كيفية الداعي، فالكلام فعلا في الجهة الاولى.
الجهة الأولى: ان الجملة الإنشائية ايجادية او إخطارية
الجهة الأولى: ينبغي ان يعلم اولاً ان مرادهم من إيجاد الجملة الانشائية لمعناها يختلف عن المراد من مسلك إيجادية الحروف، فان إيجادية الحروف إما بمعنى ان الحروف وضعت لمجرد ايجاد الربط الخاص الكلامي كما نسب الى المحقق النائيني “قده” او بمعنى وضعها لواقع الربط الذهني بين مفهومين كما استظهرناه من كلامه، ولكن المراد من إيجادية الجملة الانشائية ايجادها المعنى بوجود انشائي او اعتباري.
وجوه فی ايجادية الجملة الإنشائية
وقد ذكر في تفسير ايجادية الجملة الإنشائية اربعة وجوه:
الوجه الاول:
كون الجملة الإنشائية غير مستعملة في معنى بل موجدة له، فقول الرجل “بعتك الكتاب” اوقوله “ملكتك الكتاب” يكون موجدا للبيع او لملكية المخاطب، وحيث يحس الناظر بتحقق الملكية عقيب البيع ينتقل ذهنه اليه من دون ان يستعمل المتكلم الجملة الانشائية في معنى فيكون كما لو اوجد الضرب في الخارج فأحسّ به الناظر، او صاح احد على نائم فانتبه، فانه ليس له اي معنى استعمالي وان كان الصائح ربما يتصور حين صياحه انتباه النائم نتيجة عمله.
ويورد عليه اولا: انه ان اريد موجديته له بقطع النظر عن العلقة الوضعية بينهما فهو باطل جزما لعدم العلقة الذاتية بينهما، وان اريد موجديته له بلحاظ العلقة الوضعية بينهما فقد مر ان العلقة الوضعية بمعنى القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى، وهذا يعني استلزام تصور اللفظ لتصور المعنى فتكون الدلالة الوضعية تصورية دائما، فلو سمع من متكلم غير ملتفت كالنائم او من تموّج الهواء كلمة “اضرب” انتقل ذهنه الى معناه، فلايوجب اللفظ بمقتضى العلقة الوضعية ايجاد المعنى في الخارج، وانما يوجب تصوره في ذهن المخاطب.
وثانيا: انه في مثل التمني والترجي والاستفهام ان اريد كون الجملة الإنشائية موجدة لهذه الأمور خارجا فالمفروض انها موجودة في نفس المتكلم سابقا على إنشاءه، وان اريد وجود صورتها في ذهن المخاطب بسبب هذا اللفظ فهذا مما لايختص بالجمل الإنشائية حيث ان اللفظ يوجد المعنى في ذهن المخاطب دائما، وان اريد ان لهذه الأمور وجودات إنشائية غير وجوداتها التكوينية والاستعمال يكون سببا لوجوداتها الإنشائية، فنسأل عن المراد من الوجود الإنشائي فان اريد منه الوجود الاعتباري ففيه –فمضافا الى ان استعمال جملة التمني والترجي والاستفهام لايحتاج الى اي اعتبار- انه لابد فيه من سبق اعتبار ولايتحقق بمجرد اللفظ، وان اريد منه الوجود الحاصل باستعمال الجملة الإنشائية فكلامنا الآن في تشخيص حقيقته.
ولعل الذي اوجب اختيار هذا الوجه الاول هو ما يرى من تحقق مصداق معنى الجملة الإنشائية باستعمالها احيانا، فاذا قال المولى “اضرب” تحقق بكلامه مصداق من الطلب لميكن متحققا قبله، فتكون النسبة بينه وبين مفهوم الطلب نسبة المصداق الى الكلي، وهكذا اذا قال رجل “بعت داري” تحقق فرد من البيع لميكن متحققا قبله.
الا ان ذلك ليس مقوما لمدلول الجملة الإنشائية، فقد يصدر الجملة الإنشائية من متكلم غير ملتفت كالنائم او يستعملها المتكلم الملتفت بداعي الهزل ولااشكال في ان معناه يختلف عن معنى الجملة الخبرية، وان صدرت من النائم او استعملت بداعي الهزل ايضا.
الوجه الثاني:
ما ذكره المحقق الاصفهاني “قده” من ان جميع الاستعمالات تكون مشتركة في انها وجود للّفظ بالذات ووجود للمعنى بالعرض والتنزيل، حيث ان الوضع هو تنزيل المعنى منزلة اللفظ فالاستعمال يكون ايجاداً للّفظ حقيقة وايجاداً للمعنى تنزيلا، غاية الأمر انه قد يقصد المستعمل- زائدا على قصد ايجاد المعنى بالعرض والتنزيل -أن يحكي عن ثبوت الواقعة فيكون جملة خبرية، وقد لايقصد ذلك فحينئذ ان كان الكلام مما يصح السكوت عليه يصير جملة انشائية، وان لميكن ممالا يصح السكوت عليه فيكون معنى مفردا او جملة ناقصة، فالجملة الإنشائية تكون نسبتها الى الجملة الخبرية نسبة الأقل الى الأكثر، فمن يقول “إضرب” يقصد ايجاد معناه -وهوالنسبة البعثية – بالعرض من دون قصد حكاية ثبوت هذه النسبة في الخارج، وكذا من يقول: “بعت” ويستعمله في معناه -وهو النسبة الصدورية بين البيع وبين نفسه –يقصد ايجاده بالعرض، وحينئذ فان لميقصد الحكاية عن ثبوتها واقعا فهو انشاء وان قصد ذلك فهو اخبار([14]).
ويرد عليه اولا: ان لازمه كون الجملة الخبرية المستعملة بلاقصد الحكاية مصداقا للجملة الانشائية، كما لو قال “زيد قائم” بقصد إخطار معناه في ذهنه، مع أنها ليست جملة انشائية جزما، فيعلم من ذلك أن النسبة بين الجملة الإنشائية والخبرية ليست نسبة الأقل الى الأكثر.
وثانيا: انه ان كان النظر الى الفرق بينهما بلحاظ عالم الإرادة الجدية فكما يوجد في الإخبار قصد الحكاية، كذلك توجد في الإنشاء حالة نفسانية كالتمني والترجي وطلب الفهم او ارادة الفعل وما شابه ذلك.
وان كان النظر الى الفرق بينهما بلحاظ الإرادة الاستعمالية (التي هي المهم اذ لااشكال في احساس الفرق بين مدلول “بعت” المستعمل في الإنشاء هزلا وبين مدلول “بعت” المستعمل في الإخبار هزلا مع انتفاء الارادة الجدية فيهما) فقد لايوجد في الجملة الخبرية اي قصد للحكاية كما في الجملة الخبرية الصادرة بداعي الهزل.
الوجه الثالث:
ما يقال من ان الجملة الإنشائية في طول استعمالها وإخطارها لمعناها وتعلق الإرادة الجدية به توجد أمرا لميكن ثابتا من قبل، فاذا قال المولى “اضرب” ففي طول دلالته على النسبة البعثية وقصد المولى إبراز ارادته بفعل الغير بداعي التوصل الى مراده، يكون هذا الاستعمال مصداقا للطلب.
وفيه اولا انه وان كان ذلك صحيحا في مثل صيغة الأمر والنهي او جملة من المعاملات كما في قول الرجل لآخر “ملكتك الكتاب” فانه في طول ارادته الجدية يكون حكم العرف والشرع بملكية المخاطب مصداقا للمعنى المستعمل فيه لهذه الجملة، ولكن في مثل جمل التمني والترجي فلايأتي هذا الوجه، حيث ان التمني او الترجي موجود في نفس المتكلم قبل الاستعمال، وكذا الاستفهام بناء على كون المراد منه قصد الفهم، واما لو اريد منه التصدي للفهم فينطبق على نفس استعمال جملة الاستفهام بداعي الجد.
وثانيا ان المهم –كما مر- هو بيان مقوم المدلول الاستعمالي للجملة الإنشائية ولو كانت صادرة بداعي الهزل، او فقل: ان المهم بيان ما يخطر بذهن السامع منها ولو كانت صادرة من تموّج الهواء او من نائم.
الوجه الرابع:
ما ذكره في البحوث من انه يراد من كون الجملة الإنشائية موجدة تصورا، أنه اذا استعملت جملة “بعت” في معناها الإنشائي فيلحظ كونها فانية في واقع يرى تصورا كون وجوده بسبب استعمال هذه الجملة، واذا استعملت في معناها الإخباري فيلحظ كونها فانية في واقع يرى تصورا وجوده مع قطع النظر عن هذا الاستعمال، وهذا ثابت حتى في موارد استعمالها بداعي الهزل.
نعم لايتم هذا الوجه في مثل التمني والترجي والاستفهام حيث انه لاتوجد هذه الأمور في طول الاستعمال، بل وجوداتها الحقيقية ثابتة قبل الاستعمال، ولامعنى لوجوداتها الإنشائية الا استعمال هذه الجمل في مقام التمني والترجي والاستفهام، فلايعقل لحاظ معانيها فانية في امر يرى تصورا كون وجوده في طول هذه الجمل([15]).
والظاهر تمامية هذا الوجه كما سيأتي توضيحه.
هذه هي الوجوه الاربعة لتفسير ايجادية الجمل الانشائية.
کلام المحقق العراقي “قده” : عدم كون المستعمل فيه والموضوع له في الإنشائيات هو الإيجاد
ولايخفى انه قدحكى في بدائع الافكار عن المحقق العراقي “قده” انه ذكرأنّه لاتتم دعوى كون المستعمل فيه والموضوع له في الإنشائيات هو الإيجاد مثل إيجاد النداء بحرف النداء، حيث انه اولاً: الموضوع له والمستعمل فيه لابد ان يكون قابلا للانتقال الى الذهن، والإيجاد الخارجي لاينتقل بنفسه الى الذهن.
وثانيا: ان المستعمل فيه مقدم رتبة على الاستعمال، لتعلقه به وعروضه عليه، فلو كان المستعمل فيه متوقفا على الاستعمال لزم الخلف.
اقول:انه بناء على الوجه الأول من الوجوه الاربعة لاتكون الجملة الإنشائية مستعملة في معنى ابدا بل تكون موجدة له، كما قد يلتزم به في حرف النداء، حيث يقال بانه ايجاد للصوت والنداء التكويني ثم يحسّ به السامع فينتقل صورته الى ذهنه، وبناء على الوجه الثالث فتكون موجدة لمعناها زائدا على استعمالها فيه، ولكن ليس المستعمل فيه بالذات هو الوجود الخارجي، بل المستعمل فيه هو ذات المعنى، ويترتب على الاستعمال وجود المعنى في الخارج، وبذلك يتم الجواب عن الإيراد الثاني اذ المتقدم هو ذات المعنى المستعمل فيه والمتأخر هو وجوده في الخارج.
السيد الخوئي “قده”: الجمل الإنشائية موضوعة لابراز أمر نفساني
ثم ان السيد الخوئي “قده” قد خالف المشهور في كون الجمل الإنشائية إيجادية، فالتزم بانها موضوعة لواقع ابراز أمر نفساني، فجملة الترجي موضوعة لإبراز الترجي النفساني وجملة التمني موضوعة لإبراز التمني النفساني وجملة الاستفهام موضوعة لإبراز قصد الفهم وجملة النداء موضوعة لإبراز قصد النداء، وجملة “بعت” موضوعة لإبراز اعتبار الملكية بعوض، وهذا الاعتبار النفساني قد وجد قبل التلفظ بالصيغة الإنشائية فلايكون مسببا عنه، واما كون الجملة الإنشائية بمعنى إيجاد المعتبر العقلائي والشرعي باللفظ فغير محتمل ايضا، لان المعتبر العقلائي والشرعي حكم مترتب على استعمال الجملة الإنشائية في معناها، فلابد من تحديد معناها سابقا، على انه ليس في جملة التمني والترجي والاستفهام والنداء اي اعتبار عقلائي او شرعي([16]).
وقد أورد عليه شيخنا الاستاذ “قده” انه لايتجه انكاره لإيجادية الجملة الإنشائية، فانه ما لميبرز الشخص اعتباره لملكية الغير لماله بعوض لايصدق في حقه انه باع ماله، وكذلك لايقال انه تمنى او ترجى او استفهم مالم يبرز ما في نفسه بالجمل المناسبة([17]).
ويندفع هذا الايراد اولا: أن العنوان المذكور في الجملة الإنشائية والذي استعمل فيها تلك الجملة قد لايوجد أبدا، كما اذا قال الصبي لآخر: كتابي ملك لك، فانه لايوجد عقيب استعماله أية ملكية للمخاطب، نعم يوجد بذلك عنوان التمليك والهبة ولكن تحقق عنوان في طول الاستعمال لايختص بالجمل الإنشائية، فانه مالم يستعمل الجملة الخبرية لايصدق في حقه انه اخبر بذلك، ولايخفى ان توقف صدق عناوين المعاملات على إبرازها مما ذكره السيد الخوئي نفسه في بحث الحقيقة الشرعية([18]).
وثانيا: ان ما ذكره من عدم صدق التمني والترجي الا بعد استعمال الجملة المناسبة لهما فغير متجه، فانهما امران موجودان في النفس ولو لميبرزهما المتكلم، ولذا يصح ان يقول “اني كثيرامّا كنت اتمني هذا الأمر” ولومع عدم ابرازه ذلك سابقا.
نعم الصحيح ان ما اختاره السيد الخوئي “قده” من كون معنى الجملة الإنشائية هو إبراز واقع أمر نفساني غير قصد الحكاية خلاف الوجدان العرفي، حيث ينحفظ معنى الجملة الإنشائية في موارد الهزل كما لو قال في مقام الهزل “ملّكتك السماء والأرض” او قال” ليت زيدا قائم” او فرض صدور الجملة الانشائية عن متكلم غير ملتفت كالنائم- بناء على ما اخترناه سابقا من عدم كون الدلالة تابعة للإرادة – فيعرف من ذلك كون علاقة الجملة الإنشائية بمعناها وعلاقة إيجادية تصورية كمامر بيانه في الوجه الرابع.
حقيقة الإنشاء في الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات
ثم ان ما ذكرناه لاينافي الالتزام بكون حقيقة الإنشاء في الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات هو الاعتبار والإبراز كما اختاره السيد الخوئي “قده” خلافا لمسلك المشهور حيث ذهبوا الى ان حقيقة الإنشاء مطلقا هو ايجاد المعنى باللفظ.
وقد فسر صاحب الكفاية “قده” كلام المشهور بان الإنشاء هو إيجاد المعنى باللفظ في عالم نفس الأمر([19]) وذكر في كتاب الفوائد ان صيغة الأمر مثلا مستعملة في إيجاد الطلب الإنشائي وكذا “ليت” مستعملة في إيجاد التمني الإنشائي، وأداة الاستفهام مستعملة في إيجاد الاستفهام الإنشائي وهكذا، فالإنشاء هو القول الذي يقصد به ايجاد المعنى في نفس الأمر، اي لابمجرد فرض لايكون بإزاءه شيء في الخارج، كفرض الإنسان جمادا، بل يكون منشأ انتزاعه في الخارج، فقبل انشاء التمليك لميكن له ثبوت الا بمجرد فرض، ولكن بعد الإنشاء حصلت له واقعية.
ان قلت: مثل الطلب او الترجي بنفسه موجود في الخارج.
قلت: ان ذلك لايمنع من وجوده بنحو آخر، وهو الوجود الإنشائي.
ولايخفى انه حتى لو استعملت هذه الجمل بغير داع الجد فتوجد معانيها بالوجود الإنشائي، فصيغة الأمر مستعملة في إيجاد البعث الإنشائي ولو كان استعمالها بداعي التهديد مثلا، ولو أنشيء معنى واحد بلفظ واحد مرارا فلايخرج أي منها عن الإنشاء، غاية الأمر انه لاأثر لغير الإنشاء الأول الا التأكيد، وكذا بيع الصبي والمجنون القاصدين للإنشاء يوجب تحقق البيع الإنشائي وان لميكن ممضى عرفا وشرعا، فلاوجه لما أفاده الشهيد “ره” في القواعد من ان العقد المكرر ليس إنشاء، لعدم كونه موجدا لشيء في نفس الأمر([20]).
هذا وقد ذكر بعض الأعلام “قده” ان ما ذكره صاحب الكفاية خلاف المشهور، فان المشهور كون الإنشاء إيجادا للمعنى باللفظ في عالم الاعتبار العقلائي، ثم ذكران الصحيح الموافق للمرتكز العرفي هو مسلك المشهور دون مسلك صاحب الكفاية، حيث يبعد ان يكون المستعمِل للجملة الإنشائية موجدا للمعنى بوجود إنشائي ثم يترتب عليه وجوده في عالم الاعتبار العقلائي، فالانشاء ايجاد للمعنى في عالم الاعتبار العقلائي ولايرد عليه النقض بموارد تكرار العقد او بيع الغاصب والفضولي ونحو ذلك، فان الإنشاء هو كون الشخص بصدد إيجاد المعنى باللفظ في عالم الاعتبار العقلائي لو لميكن موجودا سابقا، كماانه ليس ايجاد المعنى في عالم الاعتبار العقلائي بالفعل بل هو ايجاده ولو بنحو ايجاد مقتضيه، فالبائع الفضولي قاصد لإيجاد الملكية العقلائية للمشتري، على تقدير لحوق الإجازة، والبائع الغاصب حينما يبيع لنفسه يكون بصدد ايجاد الملكية العقلائية أيضا ولو من باب انه يدعي كونه مالكا.
وأما في جمل التمني والترجي والاستفهام فحيث انه مالم يستعملها المستعمل لميصدق في حقه انه تمنى او ترجي او استفهم، فباستعمال هذه الجمل توجد معانيها في عالم الاعتبار العقلائي، وشاهده انه يقال بالفارسية “آرزو كرد” فلو اريد منه الحالة النفسانية لكان الأنسب ان يقال “آرزو شد”، حيث أن الحالة النفسانية حلولية لاصدورية، ومن ناحية أخرى لاريب في اطلاق عنوان التمني على نفس الكلام الصادر فبناء على ما ذكرنا يكون ذلك من قبيل اطلاق اسم المسبب على سببه، وهذا امر متعارف، وأما بناء على كونه امرا نفسانيا وانما تكشف عنه جملة التمني فيكون اطلاق عنوان التمني على نفس الكلام من باب اطلاق اسم المنكشف على الكاشف، وهو غير معهود، ولذا لايطلق اسم احد المتلازمين على الآخر مع كون كل منهما كاشفا بوجوده عن الآخر.
ایرادات علی كون حقيقة الإنشاء في العقود والإيقاعات هو الاعتبار والإبراز
وقد اورد “قده” على كون حقيقة الإنشاء في العقود والإيقاعات هو الاعتبار والإبراز وان الإبراز مجرد كاشف عن اعتبار نفساني عدة ايرادات:
1- انه بعد كفاية قصد ايجاد الملكية العقلائية مثلا باللفظ فيلغو الاعتبار الشخصي للملكية، فالجملة الإنشائية في قولنا” بعت” تكون مستعملة في نفس قصد ايجاد الملكية العقلائية، ويشهد على ذلك انه لايرى البائع كون المشتري مالكا مالم يترتب على إنشائه الملكية في عالم الاعتبار العقلائي.
2-النقض بمثل ما لو قال المالك بعد علمه ببيع الفضولي لماله “أنفذت هذا البيع” فان الإنفاذ هو جعل العقد سببا لتحقق أثر الملكية، وهذا غير قابل للاعتبار، بل هو منتزع عن تحقق المسبب عند وجود سببه، نعم لو قال” قبلت البيع” امكن ان يكون معناه الاعتبار المماثل.
وكذا يرد النقض بما لو قال شخص في مقام الإنشاء: اعتبرت ملكية زيد لداري، او قال: أتمنى قيام زيد، فعلى ما ذكره السيد الخوئي “قده” من كون هيئة الجملة الإنشائية دالة على واقع الأمر النفساني، فيكون معناهما إبراز اعتبار الملكية او ابراز تمني قيام زيد.
وكذا يرد عليه النقض بمثل” بعت” فانه ليس البيع الا الإيجاد الاعتباري للملكية، فعلى تفسيره يكون البيع هو اعتبارالملكية، والاعتبار ليس قابلا للاعتبار.
3- ان المعنى الموضوع له لايمكن ان يكون مقيدا بالوجود الذهني او الخارجي، حيث يمكن انتقاله الى ذهن السامع، فلو كان معنى هيئة الجملة الإنشائية وجود امر في نفس المتكلم فلايصلح ان يستعمل فيه اللفظ، نعم لامانع من كون التلفظ بهيئة الجملة الإنشائية موجبا للعلم بوجود امر في نفس المتكلم، لكنه يوجب انتفاء المدلول الاستعمالي التام للجملة، حيث يكون نظير ما لو قال “الاتيان بالماء” ثم رفع يده لإعلام المخاطب بايجابه عليه([21]).
اقول:يوجد في كلامه عدة ملاحظات:
الاولى: ان ما ذكره من كون البيع مثلا هو قصد إيجاد الملكية العقلائية ولو بنحو إيجاد المقتضي له ففيه أنه قد يعلم بعدم صلاحية إنشائه للحوق الإمضاء العقلائي والشرعي كما لو باع الحرّ نفسه، فانه كيف يقصد إيجاد الملكية العقلائية والشرعية مع علمه بعدم امكان تحقق ذلك، فلايصح ان يكون معنى البيع مثلا هو قصد ايجاد الملكية العقلائية.
نعم لو كان مقصوده كون معنى “بعت “مثلاهوايجاد الملكية العقلائية عنوانا لاحقيقة، فلامانع منه ثبوتا، توضيح ذلك: أنه قد يستعمل الشخص اللفظ في معنى في مقام إيجاده في عالم الاعتبار العقلائي ولكنه لايوجد أبدا، او يمكن ان يوجد ولكن يكون وجوده معلقا على شرط غير حاصل، نظير ما لو قال شخص لآخر”تصالحنا” فقد لايقبله الآخرفلايوجدعنوان التصالح في عالم الاعتبار العقلائي، لان التصالح يتقوم بفعل الإثنين، مع انه قدتحقق انشاء عنوان التصالح ولايخفى انه لاينحصر انشاء العنوان باستعمال الجملة في معناه برجاء تحقق هذا العنوان في عالم الاعتبار العقلائي فانه قد يعلم الشخص بعدم تحقق عنوان ابدا، ومع ذلك ينشيء ذلك العنوان لبعض الدواعي كما لوباع الحر نفسه، وقد لايكون إنشاء البائع برجاء تحقق المنُشأ واقعا كما لو كان المنُشيء مُكرَها على انشائه ويعلم بعدم نفوذه عقلاء وشرعا فلايكون الانشاء برجاء لحوق الأثر العقلائي والشرعي، ولايصح ان يمُنع في مثله من تحقق عنوان المعاملة، ولذلك لو زال الإكراه ولحقه الرضا حُكم بصحته.
فالحاصل انه لامانع من ان يكون قول البائع “بعت” مساوقا لقوله “اوجدت الملكية العقلائية بعوض” فيكون هذا ايجادا للملكية العقلائية عنوانا –باستعمال اللفظ في معناه في مقام إيجاده ولو ادعاء- وهذا لاينافي علمه بعدم تحققه أبدا.
الا ان الموافق للمرتكز العرفي ان ما يصدر من المنُشيء للمعاملات هو الاعتبار والإبراز كما في قوله “هذا ملك لك” اوقوله” أبرأت ذمتك” ونحو ذلك.
الثانية: ان ما ذكره من كون الاعتبار الشخصي لغوا، غير تام بعد ان كان الطريق المتعارف لإيجاد موضوع الملكية العقلائية والشرعية هو الاعتبار الشخصي وابرازه، فلايكون الاعتبار الشخصي لغوا.
وما ذكره – من انه قد لايرى البائع ملكية المشتري بعد إنشاءه للبيع، لعدم تحقق شرط ملكيته العقلائية والشرعية- فلايكون شاهدا على نفي اعتباره للملكية، حيث أنه قد يكون معتبرا للملكية لكنه بنظره العقلائي والمتشرعي لايرى المشتري مالكا.
الثالثة:ان ما ذكره من النقض بقول المالك بعدوقوع البيع الفضولي “انفذت البيع” ففيه انه يمكن ان يكون معنى إنفاذ البيع هو الإمضاء والاعتبار المماثل لاإيجاد الأثر ولذا لايعهد ان يقال بدلا عنه باني اوجدت أثر الملكية لهذا البيع الفضولي، وكذا لا يتم ما ذكره من النقض بقول الشخص ” اعتبرت الملكية “او” اتمنى قيام زيد” لان الهيئة في كل من هاتين الجملتين قد وضعت لإبراز واقع الأمر النفساني المتعلق بما يقبل التعلق به من مفردات الجملة، فقد تعهد ان لايستعمل جملة اعتبرت ملكية زيد مثلا الا في مقام ابراز واقع اعتبار الملكية، كما ان الأمر في الجملة الخبرية مثل قوله” أخبرك ان زيدا قائم” كذلك.
واما النقض بمثل “بعت” ففيه ان البيع ليس الا اعتبار الملكية المبرز باللفظ وهذا لايكون بتمامه قابلا للاعتبار، لكن يمكن للسيد الخوئي “قده” ان يدعي تعهد الواضع تعهدا نوعيا بعدم استعمال جملة “بعت” الا لإبراز اعتبار التمليك، فهي موضوعة لإبراز واقع الأمر النفساني المتعلق بما يمكن ان يتعلق به من معنى المادة.
الرابعة: ان ما ذكره اخيرا- من انه لايصح ان يكون المعنى المستعمل فيه وجود امر في نفس المتكلم -ففيه انه لامانع من استعمال اللفظ في امر موجود في نفس المتكلم، بعد افتراض التفاته اليه وامكان علم المخاطب به، وهذا لايخرج عن كونه مدلولا استعماليا للهيئة.
هذاوقد اورد شيخنا الاستاذ على ما ذكره السيد الخوئي” قدهما” مامحصله أن لازم ما ذكره- من كون الإبراز مجرد كاشف عن الاعتبار النفساني- انه لو اعتبر شخص ملكية زيد لماله فلابد ان يراه مالكا له في اعتباره ولو لميبرز ذلك، مع انه خلاف الوجدان، ولذا لايرتب آثار ملكية زيد للمال، فالإبراز يكون مقوما للاعتبار النفساني، نعم ما هو سابق على الإبراز مجرد تصور ما يريد ان يعتبره، الا انه يعتبره معلقا على إبرازه، ويلزم ان يكون الشخص قاصدا لإيجاد عنوان البيع([22]).
ولكن يلاحظ عليه اولا: ان الاعتبار الشخصي لملكية الغير لاينافي ان لايراه المعتبر مالكا بنظره العقلائي والمتشرعي، كما في بيع الفضولي قبل اجازة المالك، او بيع الصرف قبل تحقق التقابض.
وثانيا: لو سلم ما ذكره فغايته ان يكون المعتبرملكية الغير معلقة على الإبراز، ولايمنع ذلك من سبق الاعتبار على الابراز، فلايصح ان يقال ان الموجود قبل الإبراز مجرد تصور اعتبار الملكية.
وثالثا:ان ما ذكره من لزوم القصد الى إيجاد عنوان البيع مثلا فلم يظهر لنا وجهه، فانه يكفي في صدق عنوان البيع اعتبار الشخص ملكية الغير بعوض وابرازه لذلك ولو تخيل انه لادخل لهذا الإبراز في الحكم بتحقق الملكية الشرعية والعرفية، نظير ما لو اعتبر الدائن -وهو جالس في مكان وحده- براءة ذمة المدين، وأبرز ذلك بلاالتفات له في دخل الإبراز في براءة ذمة المدين عرفا وشرعا، فان مقتضى السيرة العقلائية والاطلاقات صحة ذلك.
فالانصاف ان ما ذكره السيد الخوئي “قده” من كون الإنشاء في العقود والإيقاعات متقوما بالاعتبار والإبراز هو الموافق للمرتكز العرفي في إنشاء المعاملات، فحينما يقول المالك لشخص آخر “هذا ملكك “فليس في نفسه الا اعتبار ملكيته له، وحينما يبرز ذلك فقد يترتب عليه حكم العقلاء والشارع بملكية الغير له، ومما يشهد على ذلك موارد البيع المعاطاتي، فان من يبرز تمليك ماله من الغير بتسليمه اليه فلايقصد به الا ابراز اعتباره النفساني.
وكيف كان فقد تحصل من البحث في الجهة الأولى ان الصحيح في تفسير علاقة الجملة الإنشائية بمعناها ودلالتها عليه ما مر في الوجه الرابع من انهاعلاقة إيجادية تصورية لاإخطارية.