فهرست مطالب

فهرست مطالب


تقریرات دروس خارج مدرسه فقهی امام محمد باقر علیه السلام

 

بسمه تعالی

الاصول العملية. 1

البحث عن انحصار اصول العملیه فی اربعه اصل.. 1

انحصار الاصول باصول الاربعه ثابت بالاستقراء 3

تقسيم عقلي بلحاظ موارد الاصول الاربعة. 3

علة تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي.. 4

الفرق بين الأمارة والاصل.. 5

البيان الاول: 5

مناقشه. 5

البيان الثاني: 6

مناقشات.. 7

البيان الثالث: 9

مناقشه. 9

البيان الرابع: 10

مناقشه. 10

البيان الخامس: 10

منافشه. 10

البيان السادس: 11

 

موضوع: … /… /اصول عملیه

خلاصه مباحث گذشته:

متن خلاصه …

 

 

الاصول العملية

البحث عن انحصار اصول العملیه فی اربعه اصل

ذكر صاحب الكفاية “قده” أن الأصول العملية هي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل دلّ عليه حكم العقل أو عموم النقل، والمهم منها أربعة: وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب، وأما مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبهت طهارته بالشبهة الحكمية، فانها وإن كانت مما ينتهى إليها فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته، إلا أن البحث عنها ليس بمهمّ، حيث إنها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام، بخلاف الأربعة، فإنها محل الخلاف بين الأصحاب، هذا مع جريانها في كل الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها.

اقول: ذكرنا في اول بحث الاصول انه حينما لاحظ الفقهاء أن في الاستدلالات الفقهية مباحث مشتركة سيالة لا تختص ببابٍ دون بابٍ، فلا وجه للبحث عنها في بابٍ دون بابٍ، كما أن تكرارها في كل بابٍ غير مناسب، فاريد افرازها عن علم الفقه، وادراجها في علم سمّي باصول الفقه، والمتناسب أن تكون مسائل علم اصول الفقه مشتركة بين عدة ابواب فقهية، كي يصدق عليها اصول الفقه، ولا تكون اصول باب الطهارة مثلاً، كقاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية، ولأجل ذلك ذكرنا في تعريف علم الاصول أنه القواعد السيالة في خصوص الاستدلال الفقهي، والتي تقع نتيجتها في طريق اقامة الحجة على الجعل الشرعي الكلي،

وما في مصباح الاصول (من النقض عليه بأن لازمه خروج بحث اقتضاء النهي عن العبادات للفساد، فانه بحث اصولي، مع اختصاصه بباب العبادات، ولذا استنتج أنه لا يعتبر في كون مسألة اصولية كونها سيالة في الفقه([1]) ففيه أن اقتضاء النهي عن العبادة للفساد مشترك بين عدة من الابواب الفقهية، يبحث فيها عن مختلف العبادات، كباب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والزكاة والخمس والحج، على أنه يمكن ان تعتبر مسألة اقتضاء النهي عن العبادة للفساد جزءا من مسالة اقتضاء النهي عن العبادة او المعاملة للفساد.

وأما ما ذكره صاحب الكفاية، وقبِلَه في مصباح الاصول من أن قاعدة الطهارة ثابتة بلا كلام فلا تحتاج الى النقض والابرام، ففيه اولاً: أن القدر المتيقن جريانها في الشبهات الموضوعية، وهي خارجة عن مباحث علم الاصول، وأما جريانها في الشبهات الحكمية فغير واضح، حيث قد يدعى أن موثقة عمار “كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فاذا علمت فقد قذر، وما لم‌ تعلم فليس عليك” تنصرف الى الشبهات الموضوعية التي لا يجب فيها الفحص والسؤال، وأما الشبهات الحكمية فلا تجري قاعدة الطهارة فيها قبل السؤال والتعلم، وهذا يوجب انصراف الموثقة عنها.

وثانيا: ان كون قاعدة الطهارة بديهية في الجملة لا يوجب الاستغناء عن تفاصيلها غير الواضحة، كجريانها في مورد الشكّ في النجاسة الذاتية او مورد توارد الحالتين، ونحو ذلك، كما قلنا بمثله في بحث حجية الظهور.

هذا وقد ذكر في البحوث أن الوجه التاريخي لانحصار بحث الاصول العملية في علم الاصول بالاصول الاربعة أنّ بحث الأصول العملية نشأ تحت عنوان الدليل العقلي، والأصول المذكورة هي المناسبة مع الدليل العقلي لكونها ذات جذور عقلية، حتى الاستصحاب الذي كانوا يستدلّون عليه بالعقل، وأول من استدل عليه بالنقل كان هو والد الشيخ البهائي “قده”([2])، وهو التفات لطيف.

انحصار الاصول باصول الاربعه ثابت بالاستقراء

هذا ولا يخفى أن انحصار الاصول الجارية في الشبهات الحكمية بالبراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ثابت بالاستقراء، والا كان يمكن التعبد باصل خامس، كأصالة الصحة، (او فقل أصالة الحلّ الوضعي) في الشبهة الحكمية للشكّ في صحة المعاملات والعقود والايقاعات،

تقسيم عقلي بلحاظ موارد الاصول الاربعة

نعم يوجد تقسيم عقلي بلحاظ موارد الاصول الاربعة، وقد ذكر الشيخ الاعظم “ره” في اول الرسائل لذلك تقريبين:

احدهما: ما ذكره من أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظنّ، فإن حصل له الشكّ فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية الثابتة للشاكّ في مقام العمل، وتسمّى بالأصول العملية، وهي منحصرة في أربعة، لأن الشكّ ان لوحظ فيه الحالة السابقة فهو مجرى الاستصحاب، وان لم‌ يلحظ فيه الحالة السابقة فتارة لا يمكن الاحتياط فهو مجري قاعدة التخيير، وأخرى يمكن الاحتياط فحينئذ فإما أن يكون الشكّ في التكليف، فيكون مجرى أصالة البراءة أو يكون الشكّ في المكلف به، فيكون مجرى لقاعدة الاحتياط.

ثانيهما: ما ذكره بقوله: وبعبارة أخرى: الشكّ إما أن يلحظ فيه الحالة السابقة فهو مجرى الاستصحاب، او لا يلحظ فيه الحالة السابقة، فحينئذ إما أن يكون الشكّ فيه في التكليف فهو مجرى أصالة البراءة، او يكون الشكّ في المكلف به، وحينئذ فإما أن يمكن الاحتياط فيه فهو مجرى قاعدة الاحتياط، او لا يمكن الاحتياط فهو مجرى قاعدة التخيير([3]).

ويرد على التقسيم الاول انه لو شكّ في فعل هل هو واجب او حرام او مباح فقد جعله موردا لحكم العقل بالتخيير في فرض دوران الامر بين المحذورين، حيث لا يمكن فيه الاحتياط، مع أنه ليس موردا لهذا الحكم الناشئ من عجز المكلف عن الاحتياط مع تمامية البيان، بل يكون مجرى للبرائة عن كلّ من الوجوب والحرمة، لعدم تمامية البيان على التكليف، فالتقسيم الثاني اولى من هذه الجهة، مع أنه يرد على كليهما أن لحاظ الحالة السابقة ليس الا عبارة أخرى عن جريان الاستصحاب، وليس موردا له، الّا أن يكون مشيرا الى واقع شرائط جريان الاستصحاب، هذا وقد اكتفى “ره” في اول مباحث الاصول العملية بذكر التقسيم الاول، فقال إن انحصار موارد الاشتباه في الأصول الأربعة عقلي، لأن حكم الشكّ إما أن يكون ملحوظاً فيه اليقين السابق عليه، وإما أن لا يكون، سواءً لم‌ يكن يقين سابق عليه أم كان ولم يلحظ، والأول مورد الاستصحاب، والثاني إما أن يكون الاحتياط فيه ممكنا أم لا، والثاني مورد التخيير، والأول إما أن يدلّ دليل عقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول، وإما أن لا يدلّ والأول مورد الاحتياط، والثاني مورد البراءة، وقد ظهر مما ذكرنا أن موارد الأصول قد تتداخل، لأن المناط في الاستصحاب ملاحظة الحالة المتيقنة السابقة، ومدار الثلاثة الباقية على عدم ملاحظتها، وإن كانت موجودة([4]).

ثم انه ذكر أن الشكّ حيث لا يكون فيه كشف أصلا، فلا يعقل فيه أن يعتبر، فلو ورد في مورده حكم شرعي، كأن يقول الواقعة المشكوكة حكمها كذا كان حكما ظاهريا، لكونه مقابلا للحكم الواقعي المشكوك بالفرض، ويطلق عليه الواقعي الثانوي أيضا، لأنه حكم واقعي للواقعة المشكوك حكمها، وثانوي بالنسبة إلى ذلك الحكم المشكوك فيه، لأن موضوع هذا الحكم الظاهري، وهي الواقعة المشكوك حكمها لا يتحقق إلا بعد تصور حكم نفس الواقعة، والشك فيه، ويسمى الدليل الدالّ على هذا الحكم الظاهري أصلا، وأما ما دلّ على الحكم الأول علما أو ظنّا معتبرا، فيختصّ باسم الدليل، وقد يعبر عنه بالدليل الاجتهادي، كما أن دليل الحكم الظاهري قد يسمى بالدليل الفقاهتي، وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهاني “ره”، لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد([5]).

ثم إن الظنّ غير المعتبر حكمه حكم الشكّ.

علة تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي

ومما ذكرنا من تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي، لأجل تقييد موضوعه بالشكّ في الحكم الواقعي، يظهر لك وجه تقديم الأدلة على الأصول، لأن موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل، فلا معارضة بينهما، لا لعدم اتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل، وهو الشكّ بوجود الدليل، فان ما دلّ على اعتبار ذلك الدليل نزّله شرعا منزلة العلم، فهو حاكم على الأصل، لا مخصص له.

اقول: أما ما ذكره من عدم جهة الكشف في الشكّ فلا يعقل اعتباره، فان اريد منه عدم امكان تعبد الشارع بكون الشكّ في شيء علما بوجود ذلك الشيء، فهو مما لا وجه له، نعم لا يوجد فيه أي جهة كشف ولو ناقص عن الواقع، ولذا يكون فاقدا للأمارية العقلائية، او فقل لروح الأمارية.

كما لا وجه لتخصيص الحكم الظاهري بما هو ثابت في مورد الاصول العملية، بل هو موجود في الأمارات ايضا، فان قوام الحكم الظاهري التنجيزي بكون روحه اهتمام المولى بالواقع، وعدم رضاه بمخالفته على تقدير وجوده، وقوام الحكم الظاهري الترخيصي هو الرضى بمخالفة الواقع بملاك الجهل، والّا فمجرد كون موضوع حكمٍ هو الشكّ في الواقع لا يجعله حكما ظاهريا، ولذا يكون الشكّ في الواقع موضوعا لحرمة القول بغير علم، وهي حرمة واقعية، على أن الشكّ ماخوذ لبّا في موضوع حجية الامارات ايضا، لأن اطلاقها لفرض العلم بالواقع غير معقول، كما أن الاهمال ايضا غير معقول، بل قد أخذ في خطاب حجية الامارة ايضا، وهو قوله تعالى “فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون” بناءا على كونه دليل حجية خبر الثقة او فتوى الفقيه.

كما لا وجه لما ذكره من أن دليل الحكم الظاهري يسمّى بالاصل، فان حديث الرفع مثلا هو دليل البراءة، وليس هو الاصل، وانما الاصل هو البراءة.

وأما كون المجعول في الامارات اعتبار كونها علما بالواقع، ولذا يكون حاكماً على موضوع الاصل الذي هو الشكّ، فقد مر النقاش فيه مرارا، وقلنا بعدم ثبوت دليل على اعتبار الامارة علما بالواقع.

الفرق بين الأمارة والاصل

قد تذكر في الفرق بين الامارة والاصل عدة بيانات:

البيان الاول:

ما يقال من أن الشك مأخوذ في موضوع الاصل، بخلاف الأمارة، فانه لم‌ يؤخذ في موضوع حجيتها الشك، ولكنه حيث لا يعقل اطلاق حجيتها لفرض علم المكلف بالواقع، والاهمال غير معقول، فيقال بأنه لا يستكشف من ذلك الا كون الشكّ موردا لها.

مناقشه

وفيه أنه لا يعقل الفرق بين كون الشك موضوعا او موردا، الا أن يراد به أنه في الأمارة لم‌ يؤخذ قيد الشكّ في موضوع خطاب حجية الأمارة، وان فرض لزوم اخذه او اخذ ما يلازمه في موضوع حجيتها ثبوتا، ولكن لا يحتمل أن يكون مجرد اختلاف التعبير في دليل الحجية كافيا في اختلاف الأمارة والاصل، فهل يحتمل أن يكون خبر الثقة او فتوى الفقيه اصلا عمليا، ان كان الدليل على حجيتهما قوله تعالى “فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون” وتكون قاعدة اليد أمارة، لأن دليلها “رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال له رجل أ رأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أ يجوز لي أن أشهد أنه له، قال نعم” ولم يؤخذ في موضوعها الشكّ، فان ادعي انصرافها الى فرض الشكّ، كما لا يبعد فالامر كذلك حتى بالنسبة الى دليل حجية الأمارة، حتى لو كان دليلا لفظيا مطلقا، كقوله “العمري ثقتي فما ادّى اليك عني فعني يؤدي” فضلا عما لو كان دليلها السيرة ونحوها مما ليس له اطلاق لفرض العلم.

البيان الثاني:

ذكر المحقق النائيني “قده” أن للعلم اربع جهات: جهة كونه صفة نفسانية خاصة، وجهة كونه كاشفا عن الواقع، وجهة اقتضاءه للجري العملي -حيث إنّ العلم بوجود الأسد في الطريق يقتضى الفرار عنه، والعلم بوجود الماء يوجب التوجه إليه إذا كان العالم عطشانا، ولعله لذلك سمّى العلم اعتقادا، لما فيه من عقد القلب على وفق المعتقد والبناء العملي عليه– وجهة تنجيز الواقع والتعذير عنه، فالمجعول في الأمارة الجهة الثانية، وفي الاصول المحرزة -التي يعَبّر عنها ايضا بالاصول التنزيلية وهي التي تكون ناظرة الى الواقع كالاستصحاب- يكون المجعول الجهة الثالثة، أي الجري والبناء العملي على الواقع من دون أن يكون هناك جهة كشف، إذ ليس للشك الّذي أخذ موضوعا في الأصول جهة كشف عن الواقع، فلا يمكن أن يكون المجعول في باب الأصول الطريقية والكاشفية، بل المجعول فيها هو الجري والبناء العملي على احد طرفي الشك على أنه الواقع، فالإحراز في باب الأصول المحرزة غير الإحراز في باب الأمارات، فانّ الإحراز في الأمارات هو إحراز الواقع مع قطع النّظر عن مقام العمل، وأمّا الإحراز في الأصول المحرزة: فهو الإحراز العملي في مقام تطبيق العمل على المؤدّى.

والمجعول في الأصول غير المحرزة -كأصالة الاحتياط والحل والبراءة- هو مجرد البناء على أحد طرفي الشك من دون البناء على أنه الواقع، فالاصل غير المحرز لا يقتضي أزيد من الجهة الرابعة للعلم أي تنجيز الواقع عند المصادفة والعذر عند المخالفة، وهذا لا يعني أنّ المجعول في الأصول غير المحرزة نفس التنجيز والتعذير، بل المجعول فيها الجري العملي على احد طرفي الشك من دون بناء على أنه الواقع، وهذا لا يقتضي أزيد من التنجيز والتعذير، فمع حفظ الشك يحكم على أحد طرفي الشك بالوضع الظاهري في الاحتياط والرفع الظاهري في البراءة، فلو وجب الاحتياط فخالفه وانجرّ الى مخالفة الواقع فيكون عقابه على مخالفة وجوب الاحتياط، لا على مخالفة الواقع، لقبح العقاب عليه مع عدم العلم به([6]).

هذا وقد حكي عنه في اجود التقريرات أن الأصول المحرزة تشترك مع الأمارات في أن المجعول في مواردها هي الوسطية في الإثبات من حيث انكشاف الواقع في الأمارات ومن حيث الجري العملي في الأصول التنزيلية المترتب على تنجز الواقع عند الإصابة والمعذرية عنه عند الخطأ، فالأصول التنزيلية وسط بين الأمارات والأصول غير التنزيلية فمن حيث اشتراكها مع الأمارات في أن المجعول فيها هي الوسطية في الإثبات على ما عرفت تقوم مقام العلم الطريقي والمأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقية، ومن حيث اشتراكها مع الأصول غير التنزيلية في أخذ الشك في موضوعها لا يكون مثبتاتها حجة، والحاصل أنه لا فرق بين الأصول التنزيلية والأمارات إلا في أن الشك أخذ موضوعا للأولى دون الثانية، والا فالمجعول في الاصول التنزيلية أيضا هي الوسطية في الإثبات وكون الأصل محرزا للواقع من حيث الجري العملي، وأما الأصول غير التنزيلية فحيث انها ليست ناظرة إلى الواقع أصلا فلا يمكن أن يكون المجعول فيها الواسطية في الإثبات ونفس صفة الطريقية، بل لابد من الالتزام بكونه فيها هي الأحكام التكليفية([7]).

مناقشات

وفيه اولاً: أنا ذكرنا أنه لا دليل على اعتبار كون الأمارة علما بالواقع، بل المتيقن كونها منجزة ومعذرة بالنسبة الى جميع آثار الواقع.

وثانيا: ان المحتملات في ما ذكره في الاصل المحرز (من كون المجعول فيه الاحراز العملي والجري على احد طرفي الشك مع البناء على أنه الواقع) ثلاثة، بعضها مخدوشة واقعا وبعضها مخدوشة حسب مبانيه:

1- أن يكون المقصود منه الامر بترتيب آثار الواقع فهو وان كان ممكنا عندنا، لكنه لا يتم على مبناه من أن ما ينجز الواقع هو العلم به إما وجدانا او تعبدا، ولا يفيد غير ذلك، مضافا الى أن العمل وفق احد طرفي الشك مع عدم التعبد بالعلم بكونه هو الواقع ليس الا البناء العملي على أنه الواقع، فلا يتعقل ما فرضه من التفكيك بينهما في الاصل غير المحرز.

2- ان يكون مقصوده من البناء على أنه الواقع هو الالتزام النفساني بكونه هو الواقع، ولكنه بعيد، بعد افتراض عدم اعتباره عالما بالواقع فانه يكون الالتزام به محض التشريع.

3- ان يكون مقصوده ملاحظة لسان الجعل الشرعي وأنه ان كان الامر بالجري على احد طرفي الشك بلسان أنه الواقع كان الاصل محرزا وان لم ‌يكن بلسان أنه الواقع كان غير محرز، وهو ايضا غير معقول عنده حيث يكون دليلا على مسلك تنزيل المستصحب مثلا منزلة الواقع، وقد ذكر أنه يستلزم التصويب حیث انه لو ورد أن مستصحب الخمرية خمر فيعني ذلك حرمته واقعا، وان ذكرنا أنه لايلزم منه التصويب وثبوت احكام الخمر له واقعا بعد أن كان الغرض من التنزيل مجرد التنجيز ولذا تسمى هذه الحكومة بالحكومة الظاهرية، وعليه فبناء على كون المستفاد من دليل الاستصحاب مثلا الامر بترتيب آثار اليقين، فلا يظهر منه عرفا أكثر من ترتيب آثار اليقين الطريقي المحض دون ترتيب آثار اليقين الموضوعي، فلو قيل لشخص شاكٍ في بقاء زيد في بيته “لاتنقض يقينك بالشك” فلايظهر منه ترتيب أثر اليقين الموضوعي، كجواز الاخبار بانه باق في بيته، وانما ظاهره امره بترتيب آثار بقاءه في بيته، مثل لزوم الذهاب الى بيته.

وأما ما نقلناه عن اجود التقريرات فقد يظهر منه كون المجعول في الاصول المحرزة العلم لا من حيث الكاشفية، بل من حيث اقتضاء الجري العملي، وهذا ما قد ينسب اليه في بعض الكلمات([8])، ولكن يرد عليه أنه لا يمكن أن يعتبر العلمية ولا يعتبر الكاشفية، فانه نظير أن نعتبر الرجل الشجاع فردا من الاسد، لا من حيث الاسدية، بل من حيث الشجاعة، فانه غير معقول، ولذا ذكر السيد الخوئي “قده” أن الاستصحاب وقاعدة اليد والفراغ والتجاوز وأصالة الصحة أمارات كسائر الامارات، لاعتبار كونه عالما بالواقع، وان كان ما افاده محل اشكال ايضا، لعدم تكفل دليل اعتبارها لجعل العلمية فيها.

وحكي عنه في فوائد الاصول أنّ المجعول في الاصول المحرزة والتنزيلية هو البناء العملي على أحد طرفي الشك، على أنّه هو الواقع، وإلغاء الطرف الآخر وجعله كالعدم، ولأجل ذلك قامت مقام القطع المأخوذ في الموضوع على‏ وجه الطريقية، فالجعل الشرعي فيها إنّما تعلق بالجري العملي على المؤدّى على أنّه هو الواقع، كما يرشد إليه قوله (عليه السّلام) في بعض أخبار قاعدة التجاوز “بلى قد ركعت” فان كان المؤدّى هو الواقع فهو، وإلّا كان الجري العملي واقعا في غير محله، من دون أن يكون قد تعلق بالمؤدّى حكم على خلاف ما هو عليه، وأمّا الأصول الغير المحرزة -كأصالة الاحتياط، والحلّ، والبراءة- فالأمر فيها أشكل، فانّ المجعول فيها ليس الجري العملي على بقاء الواقع، بل مجرد البناء على أحد طرفي الشك من دون إلقاء الطرف الآخر والبناء على عدمه بل مع حفظ الشك يحكم على أحد طرفيه بالوضع أو الرفع، فالحرمة المجعولة في أصالة الاحتياط والحلية المجعولة في أصالة الحل تناقض الحلية والحرمة الواقعية على تقدير تخلّف الأصل عن الواقع، بداهة أنّ المنع عن الاقتحام في الشي‏ء (كما هو مفاد أصالة الاحتياط) أو الرخصة فيه (كما هو مفاد أصالة الحل) ينافى الجواز في الأول، والمنع في الثاني([9]).

وفيه أنه لا معنى لأن جعل عمل المكلف، فانه ليس عملا قابلا للجعل، الا أن يراد به الامر بالجري العملي، وقد سبق الكلام فيه.

وثالثا: يرد على ما ذكره من كون اقتضاء الجري العملي من حيثيات العلم، ففيه أن الجري العملي نحو الواقع تابع لشدة الداعي نحو الاتيان بشيء او ضعفه، فقد يكون الداعي شديدا فيحرِّك نحو الشيء بمجرد احتمال انطباق الواقع المطلوب عليه، كسعي العطشان نحو الجهة التي يحتمل وجود الماء فيها، وأكل المريض ما يحتمل كونه علاجا لمرضه، هذا بالنسبة الى المحركية التكوينية، وأما المحركية التشريعية فمن الواضح أن ثبوتها تابع لحكم العقل او الشرع، فقد يحكم العقل بلزوم التحرك بمجرد الاحتمال، كما لو كانت الشبهة قبل الفحص او في مورد اهمية المحتمل.

البيان الثالث:

ما ذكره السيد الخوئي “قده” من ان الأمارة هي كل ما اعتبر علما بالواقع، وعليه فمثل الاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز عنده من الأمارات، في قبال الاصل وهو الذي لم‌ يعتبر فيه العلم بالواقع، كأصالة البراءة والحل ونحو ذلك، وهذا لا يعني حجية لوازم كل ما اعتبر أمارة، فان اعتبار العلم بشيء لا يلازم اعتبار العلم بلوازمه، وانما التلازم بين العلم التكويني بشيء والعلم التكويني بلوازمه مع العلم بالملازمة بينهما، وعليه فنحتاج في حجية مثبتات الأمارة الى قيام دليل خاصّ عليه من سيرة العقلاء او غيرها، والسيرة العقلائية على حجية مثبتات الأمارات الحكائية، كخبر الثقة والاقرار والعموم والاطلاق.

مناقشه

وهذا البيان وان كان يسلم عن الاشكال الثاني الذي اوردناه على الوجه الاول، لكن الاشكال الاول وارد عليه ايضا.

هذا وقد يورد عليه اشكالٌ: وهو أنه كيف ادعى حكومة خبر الثقة على الاستصحاب، مع أنه يرى أن المجعول في كل منهما العلمية، بل يقول حسب تعريفه للأمارة من كونها ما اعتبر علما بكون الاستصحاب ايضا من الأمارات، فما هو المرجِّح لحكومة الامارة على الاستصحاب دون العكس.

ولكن يجاب عنه بأن المقيد اللبّي وان كان يمنع من شمول دليل حجية الأمارة للشكّ الوجداني، لكن لا يكشف ذلك عن اخذ عنوان الشكّ في موضوع حجيتها بل لعل المأخوذ في موضوعها هو عنوان ملازم للشكّ الوجداني، وهو عنوان ما يمكن جعل الحجية فيه في نفسه، ولكن اخذ في موضوع دليل الاستصحاب الشكّ في البقاء، وحينئذ فلا يصلح دليل الاستصحاب للحكومة على موضوع حجية الامارة، بخلاف العكس.

بل قد يقال بناءا على ما هو الصحيح عندنا من كون الحكومة عملية اثباتية دائما، وتكون من شؤون الخطاب، فيكفي في حكومة الأمارة على الاستصحاب أخذ الشكّ في موضوع دليل الاستصحاب، دون دليل حجية الأمارة، وهذا مبني على أن لا يكون دليل حجية خبر الثقة قوله تعالى “فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون”.

البيان الرابع:

ما يقال من أن الامارة هو ما اعتبر علما بالواقع، والاصل المحرز هو ما تعلق الامر فيه بترتيب آثار اليقين بالواقع، -كما هو مختار المحقق العراقي “قده” في الاستصحاب- والاصل غير المحرز ما يكون فاقدا لكلا الامرين، كالبراءة والاحتياط.

مناقشه

ولكنه مضافا الى ما مر من عدم ثبوت اعتبار الامارة علما، وعدم ثبوت كون الاصول المحرزة كالاستصحاب مما تعلق الامر فيها بترتيب آثار اليقين، وانما هي ظاهرة في الامر بترتيب آثار الواقع.

البيان الخامس:

ما في البحوث من أن الاختلاف بين الامارة وبين الاصل ليس في كيفية صياغة جعل الحجية، بل الاختلاف بينهما في شيء وراء ذلك، فان الأمارة ما كانت نكتة حجيته قوة الاحتمال فقط، او فقل: كاشفيته الظنية عن الواقع، ولذا تكون لوازمها حجة، لاشتراك اللازم والملزوم في هذه الدرجة من الكاشفية، بخلاف الاصل، فانه لا تكون نكتة التعبد فيه قوة الاحتمال محضاً، فان كانت نكتة التعبد قوة الاحتمال، مع نكتة نفسية غير مربوطة بالواقع المشتبه كان من الاصول المحرزة، كالاستصحاب، فانه قد جمع فيه نكتة قوة الاحتمال من ناحية اليقين بالحدوث مع نكتة أخرى، كالنكتة النفسية في جري المكلف على وفق ميله الشخصي في السير على وفق يقينه السابق، وهكذا قاعدة الفراغ، فانه قد جمع فيها نكتة قوة الاحتمال، -ولذا لا تجري في موارد العلم بالغفلة حال العمل- مع النكتة النفسية للفراغ عن العمل، وأما اذا كانت نكتة التعبد بالحكم الظاهري ترجيح نوع المحتمل فقط، كان من الاصول غير المحرزة، كجعل وجوب الاحتياط في موارد الشك في الامور المهمة، كالدماء، او جعل أصالة البراءة في غيرها([10]).

منافشه

اقول: ان ما ذكره هنا -مضافا الى عدم امكان احراز مصاديقه عادة الا من طريق الإنّ مثل ما نرى بناء العقلاء على العمل بمثبتات الاقرار، فنفهم منه أن نكتة حجية الاقرار قوة احتمال كل اقرار بنحو العموم الاستغراقي- منافٍ لما ذكره في بحث الشهرة من احتمال أنّ التزاحم الحفظي الذي هو ملاك جعل الحجية يكفي فيه في نظر الشارع أو العقلاء جعل الحجية بمقدار خبر الثقة، وأمّا في غيره فيرجع إلى القواعد والأصول الأخرى، فالملاكات المتزاحمة يستوفى الأهم منها بمقدار جعل الحجية للخبر، بلا حاجة إلى جعلها للشهرة أيضا([11])، فانه لو تمّ كلامه فلا تكون نكتة حجية خبار الثقة قوة الاحتمال محضا، بل يكون في كون قوة الاحتمال ناشئة من خبر الثقة مثلاً نكتة نفسية، كما أن كون الاصل محرزا او غير محرز لو كان مرتبطا بملاحظة قوة الاحتمال فيه وعدمه فهذا يعني ربط المسألة بما قد يصعب تشخيصه، اذ يصعب تشخيص نكتة جعل الاصول التعبدية، كالاستصحاب وقاعدة الطهارة، بل على كلامه فمن يرى جريان قاعدة الفراغ حتى في مورد العلم بالغفلة، فلابد أن يراها من الاصول غير المحرزة، وهذا غريب.

البيان السادس:

ما نقول من أن الأمارة ما كان المقتضي لحجيته كشفه الظني النوعي عن الواقع بالكشف الظني النوعي، وان كان قد يقتصر العقلاء في الحجية عليه دون ما يكون مثله في درجة الكاشفية لنكتة نفسية، ككون تلك الامارة امرا منضبطا قابلا للاحتجاج او كان الوصول اليه اسهل لعامة الناس ونحو ذلك، وذلك مثل خبر الثقة، فلا يتعدون الى ما وجد فيه هذه الدرجة من الكاشفية ايضا كالشهرة او خبر غير الثقة الموجب للوثوق النوعي.

وأما الاصول العملية فليس المقتضي لجعلها الكشف الظني عن الواقع.

وأما تقسيم الاصول العملية الى الاصول المحرزة وغير المحرزة، فنقول: أما الاصول المحرزة فيمكن أن نقول ان هذا التقسيم بلحاظ أن لسان بعض الاصول اثبات احد طرفي الشك تعبدا، فمفاد الاستصحاب التعبد بقاء ما علم حدوثه، فيترتب عليه جميع الآثار الشرعية لبقاءه واقعا، ومفاد قاعدة اليد التعبد بملكية ذي اليد فيترتب عليها جميع الآثار الشرعية لملكيته، ومفاد قاعدة التجاوز التعبد بوجود ما شك فيه بعد تجاوز محله فيترتب عليه آثاره، ومفاد قاعدة الفراغ التعبد بصحة ما مضى فيترتب عليه جميع آثار صحته وهكذا.

وأما الاصول غير المحرزة فهي ما لا تثبت احد طرفي الشك تعبدا، وانما تؤمِّن عن التكليف الواقعي المشكوك، وهذا كما في البراءة، او تنجِّزه كما في أصالة الاحتياط، وتظهر الثمرة في أنه لو ورد في الخطاب الشرعي “اذا لم‌تكن مدينا فيجب عليك الحج” فاستصحاب عدم اشتغال ذمته بالدين يكون اصلا موضوعيا يثبت به وجوب الحج، بخلاف البراءة عن اشتغال ذمته بالدين فانها انما تؤمن عنه ولكن لاتصلح لاثبات وجوب الحج.

ومن جملة الاصول المحرزة -بمعنى ما يكون بصدد اثبات الآثار الشرعية للواقع المشكوك، وان لم‌يكن فيه جهة كشف عن الواقع- أصالة الطهارة (و قد يعبر عنها بالاصل التنزيلي) فان الظاهر من دليلها أن مشكوك الطهارة طاهر ادعاءا، او فقل: جعل الطهارة له مع ادعاء أنها الطهارة الواقعية، والغرض من هذا الادعاء الحكم الظاهري بترتيب آثار الطهارة الواقعية، بل الامر كذلك في قاعدة الحلّ، بأن مفاد دليلها جعل الحلية لمشكوك الحرمة، مع ادعاء أنها الحلية الواقعية، فيترتب عليها آثار الحلية الواقعية، مثال ذلك أنه لو صلّى في جلد حيوان مذكّى مع الشك في كونه محلل الاكل، فبناء على ما هو الظاهر من كون موضوع جواز الصلاة في أجزاء الحيوان كون ذلك الحيوان حلالا واقعا، فبناء على كون مفاد قاعدة الحلّ التعبد بكون المشكوك حلالا واقعا تجوز الصلاة في جلد هذا الحيوان، وأما لو كان مفادها مجرد الترخيص التكليفي في ارتكاب مشكوك الحرمة، فتكون مثل اصالة البراءة، فلا يستفاد منه ترتيب آثار الحلية الواقعية، نعم لو كان موضوع جواز الصلاة في اجزاء الحيوان كونه حلالا بالحلية الاعم من الحلية الواقعية والظاهرية، فيكون دليل جعل الحلية الظاهرية محققا لمصداقه وواردا عليه، لكنه خلاف ظاهر الأدلة، وعليه فلا يتم ما ذكره المحقق النائيني “قده” من كون اصالة الحلّ من الاصول غير المحرزة.

ثم ان هنا اصلا محرزا حيثيا، وهو قاعدة الفراغ والتجاوز، فان مفادها ترتب الآثار الشرعية على صحة العمل السابق من حيث انه مضى، مثال ذلك أن قاعدة الفراغ تجري بالنسبة الى الصلاة الرباعية التي شك هل اتي بها مع الوضوء ام لا، فلا يجب اعادتها ويجب عليه اتيان الصلوات الآتية رباعية عند العدول عن نية الاقامة، ولكن يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية، وهكذا لو شك في أنه هل اتى في صلاة الفجر باربع سجدات أم لا، فتجري قاعدة التجاوز فيها، ولكن لو كان قد نذر أن يأتي بين الطلوعين في هذا اليوم باربع سجدات فلا يثبت بها وفاءه بنذره، حيث انه مما لم ‌يمض.

 

 



[1] – مصباح الاصول ج2ص250

[2] – بحوث في علم الاصول ج5ص19

[3] – فرائد الاصول ج1ص2

[4] – فرائد الاصول ج‏1 ص 300

[5] – حيث يعرَّف الاجتهاد بأنه استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي ويعرَّف الفقه كما في المعالم وغيره بانه العلم بالأحكام الشرعية عن ادلتها التفصيلية، ومن الواضح أن المراد من الظن بالحكم الشرعي هو الظن بالحكم الشرعي الواقعي، والا فلابد من الجزم بالوظيفة الفعلية.

[6] – فوائد الاصول ج‏3 ص 16وص115، ج‏4 ص486

[7] – اجود التقريرات ج‏2 ص78

[8] – راجع الحلقة الثالثة (دروس في علم الاصول ص 306

[9] فوائد الاصول ج‏3 ص110

[10] – بحوث في علم الاصول ج4ص19

[11] – بحوث في علم الأصول ج‏4 ص 325