بسمه تعالی
فهرست مطالب:
الجهة الاولى : في كون الاستصحاب من المباحث الاصولية. 2
انطباق ضابط علم الاصول على الاستصحاب حسب التعاريف.. 2
مناقشه علی قول صاحب الکفایه. 4
الجهة الثانية: تعريف الاستصحاب.. 7
الملاحظة الاولى: لا وجه لتخصيص مفاد دليل الاستصحاب بالحكم بالبقاء 7
اقول: الاستصحاب یکون بمعنى واحد(تعبد الشارع بالبقاء في مورد اليقين بالحدوث و الشك في البقاء) 10
الملاحظة الثالثة: ما ذكر المحقق الأصفهاني.. 12
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمین وصلی الله علی سیدنا محمد وآله الطاهرین سیما بقیة الله في الارضین اللعن علی اعدائهم اجمعین
الاستصحاب
و يقع الكلام فيه في جهات:
الجهة الاولى : في كون الاستصحاب من المباحث الاصولية
لا اشكال في أنه بناء على جريانه في الشبهات الحكمية مطلقا كما هو المشهور او في مورد الشك في بقاء عدم الحكم كما هو رأي السيد الخوئي “قده” يكون من المباحث الاصولية، لوقوعها في طريق اقامة الحجة على الحكم الشرعي الكلي، او فقل في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي و لو بنحو الاستنباط التنجيزي و التعذيري، فلا يتم ما ذكره السيد الخوئي من أنه على مسلكه لا يكون الاستصحاب من المسائل الاصولية، نعم بناء على مسلك بعض الاجلاء “دام ظله” من اختصاص الاستصحاب بالشبهات الموضوعية كان من قبيل الاصول العملية المختصة بالشبهات الموضوعية كقاعدة اليد و الفراغ و التجاوز و نحو ذلك، و خرج عن مباحث الاصول، عدا البحث عن عدم جريانها في الشبهات الحكمية.
انطباق ضابط علم الاصول على الاستصحاب حسب التعاريف
و لنطبق ضابط علم الاصول على الاستصحاب حسب التعاريف التالية:
تعریف المشهور
1- تعريف المشهور له بكونه العلم بالقواعد التي تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي، فيقال بوقوع الاستصحاب في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي، حيث يعم الاستنباط الاستنباط الوجداني او العلمي التعبدي او التنجيزي و التعذيري.
و الفرق بينه و بين القواعد الفقهية التي تطبق على الاحكام الشرعية الكلية كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، هو الفرق بين الاستنباط بالمعنى المراد في المقام و التطبيق، فان نتيجة المسألة الاصولية تتغاير مع الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه، تغاير المستنبط و المستنبط منه، سواء كان الاستنباط وجدانيا كاستنباط وجوب الوضوء بعد دخول وقت الصلاة، من الملازمة بين وجوب الوضوء و وجوب ما يكون مقدمة له، او علميا تعبديا او تنجيزيا و تعذيريا، مثل ذلك ان نتيجة حجية خبر الثقة هي حجية خبر الثقة الدال على وجوب صلاة الجمعة مثلا، وحجيته مغايرة مع نفس وجوب صلاة الجمعة الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه، سواء اريد من حجية خبر الثقة جعل الحكم المماثل او كون الخبر علما تعبديا بالواقع او كونه منجزا ومعذرا بالنسبة الى الواقع، وهكذا حينما يطبق الفقيه البراءة في الشبهة البدوية الحكمية على حرمة شرب التتن فالبراءة عن شرب التتن تغاير نفس شرب التتن، فان الحكم الشرعي الواقعي الذي يراد استكشاف حاله من حيث التنجز والتعذر يغاير نفس الكاشف عن حاله والمنجز والمعذر له، وهذا هو التوسيط، و الاستصحاب من هذا القبيل.
واما في التطبيق فلايكون الحكم الشرعي الذي يكون الفقيه بصدد استنباطه واستخراجه الا صغري من صغريات القاعدة فتكون قاعدة فقهية.
نعم ذكرنا في اول الاصول أن استظهار التوسيط في قبال التطبيق من كلمة الاستنباط مما لايساعد عليه العرف بوجه، كما ذكره بعض الاعاظم “قده”([1])، وهكذا ذكر في البحوث([2])، فان غاية ما يظهر من كلمة الاستنباط اشتمالها على المشقة حيث أنها مأخوذة من النبط، وهو استخراج ما كان مخبوّا في مكان، الا ان تطبيق القواعد الفقهية ايضا قد يحتاج الى تأمل ودقة وتحمل مشقة كما في تطبيق قاعدة ما يضمن وما لايضمن، و لذا عدلنا عن التعبير بالاستنباط بوقوع المسألة في طريق اقامة الحجة على الحكم الشرعي الكلي.
تعریف صاحب الکفایه
2- تعريف صاحب الكفاية علم الاصول بكونه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي الكلي او ما ينتهي اليه المجتهد بعد الفحص و اليأس عن الظفر بالدليل، فيكون الاستصحاب داخلا في الصنف الثاني من مسائل علم الاصول
تعریف السيد البروجردي
3- تعريف السيد البروجردي “قده” لعلم الاصول بأنه علم يبحث فيه عن تعيين مصداق الحجة في الفقه بمعنى ما يحتج به، و عليه فالبحث عن الاستصحاب بحث عن حجية اليقين السابق.
تعريف البحوث فی علم الاصول
4- تعريف البحوث لعلم الاصول بانه هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي([3])، و انطباقه على الاستصحاب واضح.
مناقشه علی قول صاحب الکفایه
هذا و قد استدل صاحب الكفاية لكون الاستصحاب بانتاجه حكما اصوليا كاستصحاب الحجية[4]، و لكن قد يرد عليه ما ذكره الشيخ الاعظم من أنه قد يكون مجرى القاعدة الفقهية حكما اصوليا، كتطبيق قاعدة نفي الحرج لنفي الفحص عن المعارض للعموم إلى حد القطع بالعدم، كما انها تجري في نفي الاحتياط في مقدمات دليل الانسداد[5]، و ان كان يمكن الجواب عنه بان وجوب الفحص ليس نفسيا حتى يشمله لا حرج، و انما وجوبه شرطي، اي لا حجية للخطاب العام قبله، و لا يمكن لقاعدة لا حرج اثبات حجيته قبله بمجرد حرجية الفحص، كما أن لا حرج انما يرفع وجوب الاحتياط التام الحرجي و هذا مرتبط بالوظيفة العملية للمكلف، و ان فرض استفادة الاصولي منه في مجال كشف حجية الظن المطلق، فهو كاستفادة الاصولي من الاحكام الفقهية المختلفة في مجال كشف حكم اصولي.
کلام شيخنا الاستاذ
هذا و قد ذكر شيخنا الاستاذ “قده” هنا سؤالا و جوابا، أما السؤال فهو أنه ما هي الثمرة بين كون الاستصحاب في الشبهة الحكمية مسألة اصولية، و بين كون قاعدة “ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده” مسألة فقهية، مع كون تطبيقهما من وظيفة المجتهد، و أما الجواب عنه فهو أن الثمرة تظهر بناء على ما هو الصحيح من اختصاص جواز التقليد بالمسائل الفرعية، فإنه إذا أفتى المجتهد بأن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده أيضا، و أفتى بأن العين المستأجرة لا تدخل في ضمان المستأجر في الإجارة الصحيحة، و الأحوط مراعاة الضمان في الإجارة الفاسدة، فإنه يكون الاحتياط استحبابيا لا محالة، حيث إن الاحتياط وجوبا نقض لفتواه، فيجوز للعامي عدم مراعاة الاحتياط بخلاف ما إذا بنى على اعتبار الاستصحاب في الشبهة الحكمية، و ذكر في رسالته العملية أن العصير الزبيبي و إن لم يثبت دليل على حرمته بالغليان إلّا أن الأحوط وجوبا الاجتناب عنه، فإن هذا الاحتياط لا يكون نقضا للفتوى حيث إنه لم يفت في المسألة الفرعية، فيتعين للعامي العمل بالاحتياط، أو الرجوع إلى مجتهد آخر يفتي في تلك المسألة[6].
مناقشه علی کلام الاستاذ
اقول: ما ذكره يعني أنه اذا افتى مرجع العامي بكبرى جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فحتى لو ابدى رأيه بتحقق اليقين السابق بالتكليف او بعدمه و الشك اللاحق او كان اليقين السابق و الشك اللاحق حاصلين بنفسهما للعامي فلا يكون حجة في حق العامي، لعدم حجية فتواه الا في الفروع العملية التي تكون مصداقا لأخذ معالم الدين عنه، لعدم احراز امضاء الشارع للسيرة العقلائية على الرجوع الى فتواه الا بالمقدار الذي ورد فيه النص، و هو الامر بأخذ معالم الدين عنه، فيجب عليه الاحتياط بحكم العقل، ما لم يرجع الى فتوى معتبرة من مرجع آخر بالتكليف او بعدمه، فيمكن للمرجع الفتوى بهذا الحكم العقلي، بينما أن فتوى المرجع حجة بالنسبة الى الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد الذي يثبت الضمان في صحيحه، لكونها مشمولة للنص الدال على اخذ معالم الدين عنه.
و يلاحظ عليه اولا: ان اخذ معالم الدين شامل لأخذ مثل جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كالشبهات الموضوعية، كما صرح بذلك السيد الخوئي “قده” حيث قال: ان حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية مثلا راجعة الى الدين فتعلمها تفقه في الدين ويكون الانذار بها حجة بمقتضى آية النفر، وكذا يشملها السنة حيث انها دلت على جواز التقليد في معالم الدين، وحجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية مثلا من معالم الدين، وكذا يشمله السيرة، لان المسائل الأصولية من المسائل المبنية على الاستدلال والاستنباط[7].
و لا يشمله ما ذكره شيخنا الاستاذ “قده” في بحث التقليد من أنّ عمدة الدليل على جواز التقليد ما في الروايات من أخذ معالم الدين و حلاله و حرامه، و صدق معالم الدين على ما يلتزم به الاصوليّ من التزامه بامتناع الاجتماع أو ثبوت الملازمة بين إيجاب الشيء و إيجاب مقدّمته غير معلوم، و هذا كافٍ في الالتزام بعدم جواز التقليد فيها[8].
و ثانيا: ان ما ذكر مبني على مبنى شيخنا الأستاد “قده” من أن ورود خطاب يدل على إمضاء بعض السيرة العقلائية يمنع عن احراز امضاء الشارع لباقي السيرة، وان لميكن ظاهر هذا الخطاب الردع عنه([9])، و لكن هذه الدعوى لاتخلو عن غرابة، فانه بعد عدم ظهور الدليل الوارد لامضاء بعض مصاديق السيرة في الردع عن باقي السيرة، فكيف يمكن ان يكتفي به الشارع في مقام الردع عن سيرة العقلاء بتنبيههم على خطأهم، فيكون المقام نظير ان يدعى كون ما ورد في حجية خبر الثقة في الأحكام مانعا عن إحراز إمضاء حجية خبر الثقة في الموضوعات، ولاينسجم ما ذكره هنا مع مناقشته في صلاحية العمومات للمنع من كشف امضاء الشارع للسيرة العقلائية من خلال عدم ردعه.
و ثالثا: انه حتى لو فرض عدم جواز تقليد المرجع الاعلم او المساوي في فتواه بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، و لكن تمنع هذه الفتوى -مع علم العامي بتحقق موضوعها في موردٍ او مع ابراز ذلك الاعلم لوجود الحالة السابقة، و عدم الدليل على انتقاضها- عن حجية فتوى غيره بما ينافيه، لعدم حجية مثلها عند العقلاء.
الجهة الثانية: تعريف الاستصحاب
تعریف الشيخ الاعظم
ذكر الشيخ الاعظم “قده” الاستصحاب
لغة أخذ الشيء مصاحبا و منه استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة و عند الأصوليين عرف بتعاريف أسدها و أخصرها إبقاء ما كان، و المراد بالإبقاء الحكم بالبقاء و دخل الوصف في الموضوع مشعر بعليته للحكم، فعلة الإبقاء هو أنه كان فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علته أو دليله، و أزيف التعاريف تعريفه بأنه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق، إذ لا يخفى أن كون حكم أو وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب و محله لا نفسه[10]. فهو فهم من التعريف حكم الشارع ظاهرا ببقاء ما كان، لا الابقاء العملي الذي هو فعل المكلف، اي ترتيبه لاثار بقاء المتيقن، كما ان صاحب الكفاية قد فهم ذلك المعنى، حيث قال ان عبارتهم في تعريفه و ان كانت شتى الا انها تشير الى مفهوم واحد و معنى فارد، و هو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذي حكم شك في بقاءه، و توجد هنا عدة ملاحظات:
الملاحظة الاولى: لا وجه لتخصيص مفاد دليل الاستصحاب بالحكم بالبقاء
انه لا وجه لتخصيص مفاد دليل الاستصحاب بالحكم بالبقاء، بل يشمل مثل ما لو علم المكلف بحدوث شيء إما الآن او قبل ساعة، فيتبعد بوجوده في هذا الآن مع احتمال كونه نفس زمان حدوثه، و لأجل ذلك ننكر تقوم موضوع دليل الاستصحاب بالشك في البقاء، فالمهم الشك في وجود شيء مفروغ عن حدوثه، نعم من ينكر ركنية اليقين بالحدوث و يكتفي بواقع الحدوث و الشك في البقاء على تقدير الحدوث كصاحب الكفاية و البحوث يمكنه دعوى العلم الاجمالي بوجود المشكوك في الآن الثاني وجدانا او جريان استصحاب بقاءه، نعم يختص كلا التقريبين بما اذا كان على تقدير حدوثه قبل ساعة محتمل البقاء فعلا، فلا يجريان فيما يعلم بارتفاعه على تقدير حدوثه في الآن الاول، أما التقريب الثاني فواضح، و أما التقريب الاول فلأن وجوده في الآن السابق حيث يكون في مقابل وجوده في الآن الثاني، فلا يصح عرفا لحاظه للتعبد الاستصحاب بوجود ما يقابله، و كما ذكر في البحوث لا يصدق نقض اليقين بالشك إذا لم يبن المكلف عن وجوده في الآن الثاني.
و لا يتم ما اورد عليه في تعليقة البحوث و المباحث من منافاته لما ذكره في بحث الاصل المثبت، توضيح ذلك أنه ذكر الشيخ الاعظم “ره” أن من امثلة تمسك الفقهاء بالاصل المثبت أنهم اجروا آثار اليوم الاول من شهر شوال اي يوم عيد الفطر، او اليوم التاسع و العاشر من ذي الحجة -اي يوم عرفة و يوم العيد الأضحى- و نحو ذلك باستصحاب بقاء شهر رمضان او شهر ذي الحجة، في يوم الشك من آخر الشهر، و ذكر السيد الخوئي “قده” بأنه و ان كان من الاصل المثبت، لكن يمكن لحاظ العلم الاجمالي بوجود يوم العيد إما في يوم السبت المحكوم ظاهرا بكونه اليوم الثلاثين من شهر رمضان مثلا او في اول يوم الأحد فيستصحب بقاء يوم العيد الى غروب يوم الأحد، و بذلك يترتب أحكام يوم العيد عليه، فاورد عليه في البحوث بأنه كذلك يعلم بعدم يوم العيد في احد هذين اليومين، فيتعارض استصحاب عدم يوم العيد مع استصحاب وجوده[11]، فيقال بأنه لو تم اشكاله في المقام، فلا يتم المقتضي لجريان استصحاب عدم يوم العيد و لا وجوده، للعلم بارتفاعه على تقدير حدوثه في الزمان الاول، لا أنه يتعارض الاستصحابان[12]، و فيه أن الكلام في المقام في التعبد بالوجود في الآن الثاني الذي ليس الشك فيه في البقاء، و أما بعد هذا الآن مما يصدق عليه الشك في البقاء، فلا مانع من الاستصحاب لصدق نقض اليقين بالشك على عدم البناء على الحالة السابقة المتيقنة في احد الزمانين السابقين لولا المعارضة، و قد كان يجيب السيد الخوئي “قده” عن اشكال المعارضة في البداية بان استصحاب العدم من قبيل القسم الثالث من الكلي، حيث ان هناك فردا متيقنا من عدم العيد و هو ما قبل دخول شهر شوال، و قد علم بارتفاعه، و يشك في حدوث فرد جديد، و لكنه عدل عن هذا الاشكال في بحث صوم الاسير و المحبوس فقبل المعارضة ببيان انه حيث يتعنون المستصحب بعدم يوم العيد في احد هذين اليومين و انطباقه على ذلك العدم المتيقن مشكوك فيختلف عن القسم الثالث من الكلي، و يكون من القسم الرابع من الكلي الذي كان يعترف بجريانه، و هو ما اذا علم بحدوث فرد من الكلي و ارتفاعه، و علم بحدوث فرد آخر معنون بعنوان معيَّن لا يدرى هل ينطبق على ذلك الفرد الاول ام على فرد آخر محتمل البقاء، كما لو اجنب و اغتسل ثم وجد في ثوبه منيا، فيتعارض استصحاب الطهارة مع استصحاب الجنابة المقترنة بخروج هذا المني، فيجب الغسل للصلاة بمقتضى قاعدة الاشتغال[13]، و لكن الصحيح كما في البحوث أن مجرد تردد زمان وجود الفرد بين زمانين لا يجعل استصحابه من قبيل استصحاب الكلي الذي يعني تردد الحادث بين فردين احدهما مقطوع الارتفاع على تقدير كونه هو الحادث، و الثاني محتمل البقاء او معلوم البقاء على تقدير كونه هو الحادث.
الملاحظة الثانية: عدم صحة تعريف الاستصحاب بأنه حكم الشارع بالبقاء في ظرف الشك بناءً على كون الاستصحاب من الأمارات
ذكر السيد الخوئي “قده” أن ما ذكره الشيخ “ره” من كون التعاريف مشيرة إلى معنى واحد -و أن تعريف بعضهم له بكون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق من ازيف التعاريف- و كذا صاحب الكفاية “ره” الذي ليس تعريفه الا شرح تعريف الشيخ- غير صحيح، لاختلاف المباني في الاستصحاب، و كيف يصح تعريف الاستصحاب بأنه حكم الشارع بالبقاء في ظرف الشك بناءً على كون الاستصحاب من الأمارات، فان الأمارات ما ينكشف الحكم بها فلا يصح تعريفها بالحكم، فالبحث في الاستصحاب راجع إلى أمرين، لا إلى أمرٍ واحد: الأول: البحث عنه بناءً على كونه من الأمارات. و الثاني: البحث عنه بناءً على كونه من الأصول العملية، أما على القول بكونه من الأمارات المفيدة للظن النوعيّ، فالصحيح في تعريفه ما نقله الشيخ “ره” عن بعضهم من أن الاستصحاب كون الحكم متيقناً في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق، فان كون الحكم متيقناً في الآن السابق أمارة على بقائه و مفيدةٌ للظن النوعيّ، فيكون الاستصحاب كسائر الأمارات المفيدة للظن النوعيّ، و يكون المثبت منه حجة أيضا على ما هو المعروف بينهم، و ان كان لنا كلام في حجية مثبتات الاستصحاب حتى على القول بكونه من الأمارات.
كما انه على القول باعتباره من باب إفادته الظن الشخصي، فالصحيح في تعريفه أن يقال: إن الاستصحاب هو الظن ببقاء حكم يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق، فيكون الاستصحاب كبعض الظنون الشخصية المعتبرة شرعاً في بعض المقامات، كالظن في تشخيص القبلة و كالظن بالركعات في الصلوات الرباعية.
و أما على القول بكونه من الأصول العملية، فلابدّ من تعريفه بالحكم كما وقع في كلام الشيخ و صاحب الكفاية، لكن لا بما ذكراه من أنه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم، فان الاستصحاب على هذا التقدير مأخوذ من الأخبار و عمدتها صحاح زرارة، و ليس فيها ما يدل على الحكم ببقاء حكم أو موضوعٍ ذي حكم، بل المستفاد منها النهي الطريقي عن النقض العملي لليقين بالشك، و الحكم ببقاء اليقين من حيث العمل في ظرف الشك، فالصحيح في تعريفه على هذا المسلك أن يقال إن الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي[14].
اقول: الاستصحاب یکون بمعنى واحد(تعبد الشارع بالبقاء في مورد اليقين بالحدوث و الشك في البقاء)
اقول: لا ريب في أن المعنى الظاهر من الاستصحاب هو تعبد الشارع بالبقاء في مورد اليقين بالحدوث و الشك في البقاء، و لا يختلف في ذلك كونه أمارة او اصلا عمليا، و هذا هو المناسب للبحث و النزاع بين الاصولين من حيث الاثبات و النفي، و الا فلو كان يختلف معنى الاستصحاب باختلاف المباني لما توارد النفي و الاثبات على موضوع واحد، و لزم عقد البحث عن الاستصحاب بعدد المباني في حقيقته، مع أنه بلا ملزم و لم يفعله نفس السيد الخوئي، فالمحور للبحث هو الاستصحاب بمعنى واحد و قد يعبر عنه بحكم الشارع بمرجعية الحالة السابقة عند الشك في البقاء.
فالأمارية ترتبط بنكتة التعبد في الاستصحاب، حيث ان نكتة التعبد بناء على الأمارية العقلائية هي الكاشفية الظنية النوعية لليقين بالحدوث عن البقاء، و بناء على كون الأمارية الشرعية كما هو مبنى السيد الخوئي و شيخنا الاستاذ “قدهما”، لا تتقوم أماريته الا بتعبد الشارع بالعلم بالبقاء، و لم يتعرض اليه السيد الخوئي هنا ابدا، و كونه اصلا عمليا ايضا لا ينحصر بما ذكر من الحكم ببقاء المتيقن عند الشك في بقاءه، -و قد يعبر عنه بتنزيل المستصحب منزلة الواقع- او النهي الطريقي عن النقض العملي بالشك او التعبد ببقاء اليقين من حيث الجري العملي[15]، بل قد يكون هو انشاء المنجزية و المعذرية، و يكون خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك كناية عنه، كما قط يظهر من بحث الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي من الكفاية حيث ذكر ان المجعول في غير ما مفاده الترخيص كأصالة الحل المنجزية والمعذرية[16]، خلافا لما يظهر منه في بحث الاستصحاب و بحث قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي من كونه تنزيل المستصحب منزلة الواقع.
هذا و قد اورد في البحوث على ما ذكره السيد الخوئي بأنه اولاً: كان ينبغي له على هذا المنهج أن يعرف الاستصحاب بناء على أماريته بالحدوث في الحالة السابقة، لأنه الملازم غالبا مع البقاء، و اليقين كاشف عنه كاليقين بخبر الثقة، و أما الشك اللاحق فهو موضوع لكل حكم ظاهري.
و ثانياً: ان أريد بهذا الكلام دعوى أن مبنى الأمارية يستلزم جعل الاستصحاب اسما لليقين السابق، و مبنى الأصلية يستلزم جعله اسما للحكم بالبقاء، فمن الواضح عدم تمامية ذلك، فانه يمكن ان يجعل اليقين السابق أمارة على البقاء، و مع ذلك يسمى نفس الحكم الظاهري بالبقاء بالاستصحاب و يمكن ان يجعل الحكم بالبقاء في مورد اليقين السابق، و مع ذلك يسمى اليقين السابق بالاستصحاب.
و ان أريد بهذا الكلام استظهاره من كلام الأصحاب الذين قالوا مثلا ان الاستصحاب أمارة فتعبيراتهم لا يترتب عليها أثر مهم في المقام على انه قد يكون تعبيرهم بالاستصحاب عن حرمة النقض و الحكم بالبقاء و قد يكون تعبيرهم به عن اليقين السابق حتى عند النافين لأماريته[17].
و لا بأس بما افاده.
الملاحظة الثالثة: ما ذكر المحقق الأصفهاني
ذكر المحقق الأصفهاني “قده” أن إبقاء ما كان تارة ينسب إلى المكلف، فيراد منه الإبقاء العملي، و أخرى ينسب إلى الشارع إما بجعل الحكم المماثل في الزمان الثاني بعنوان أنه الحكم الموجود- في الزمان الأول، و إما بالإلزام بالإبقاء العملي، فيكون إبقاء عملياً من الشارع تسبيباً، و ان كان المراد من الحكم بالبقاء الإلزام به- كما صرح به صاحب الكفاية في حاشية الرسائل، و استظهره بعض الأجلة من كلام العلامة الأنصاري “قده” فالمناسب: التعبير بالحكم بالإبقاء، فان الإبقاء و البقاء، و إن كانا متحدين بالذات إلّا أنّ الذي هو عنوان فعل المكلف- الذي هو مورد الإلزام- أو فعل توليدي منه هو الإبقاء بلحاظ حيثية صدوره من المكلف، لا البقاء الذي هو من حيثيات الحكم و شئونه.
هذا و يوجد محذور في تعريف الاستصحاب بابقاء ما كان أنه لا يوجد جامع للاستصحاب، بحسب المباني الثلاثة من الأخبار، و بناء العقلاء و حكم العقل، و ذلك لأن المراد: إن كان الإبقاء العملي من المكلف فهو، و إن صحّ جعله مورداً لإلزام الشارع، أو لبناء العقلاء، إلّا أنه ليس بهذا المعنى مورداً لحكم العقل، لأنّ الإذعان العقلي الظني إنّما هو ببقاء الحكم، لا بإبقاء المكلف عملا، و ليس للعقل إلزام إنشائي.
و كذا إن كان المراد الإبقاء غير المنسوب إلى المكلف، فمن الواضح أنه يوجد جامع بين الإلزام الشرعي بالبناء على اليقين، و البناء العقلائي، و الإدراك العقلي.
و مع فرض الجامع بين الإلزام الشرعي و الإذعان العقلي- نظراً إلى التعبير عن الإذعان العقلي بالحكم العقلي- فلا جامع بينهما و بين البناء العملي من العقلاء، إذ لا إلزام من العقلاء و لا إذعان منهم.
و لا يجدي تصحيحه بإرادة الإلزام الشرعي ابتداء أو إمضاء، لما بنى عليه العقلاء- كما عليه صاحب الكفاية في حاشيته، إذ البحث في الاستصحاب- من باب بناء العقلاء- راجع إلى البحث عن ثبوت البناء و عدمه، لا عن حجيته- شرعاً- بعد ثبوته، فان بناء العقلاء، إذا ثبت بشرائطه كان ممضى شرعاً كسائر الموارد، مضافا إلى ما ذكرنا في غير مقام: أنه لا إلزام من العقلاء باتباع الظاهر، أو الجري على وفق اليقين السابق- مثلًا- حتى يكون معنى إمضاءه جعل الحكم المماثل على طبقه، بل مجرّد بنائهم على مؤاخذة من يخالف الظاهر، أو من لا يجري على وفق اليقين السابق مثلًا، فمعنى إمضاءه أنّ الشارع كذلك، فتصحّ المؤاخذة عنده كما تصحّ عند العقلاء.
هذا و يوجد محذور آخر و هو عدم صحة توصيفه بالدليليّة و الحجيّة، على جميع المباني: أما إذا أريد منه الإبقاء العملي المنسوب إلى المكلف، فواضح، لأنه ليس دليلًا على شيء، و لا حجّة عليه، و أما إذا أريد منه الإلزام الشرعي، فإنه مدلول الدليل، لا أنّه دليل على نفسه، و لا أنّه حجّة على نفسه، كسائر الأحكام التكليفية، و أما تصحيحه- بإرادة ثبوته و عدمه، من حجّيته و عدمها، كالنزاع في حجّية المفاهيم فانّه راجع إلى البحث عن ثبوتها و عدمه، لا إلى حجّيتها في فرض ثبوتها- فمخدوش بأن النزاع في ثبوت كل شيء و عدمه لا يصح التعبير عنه بحجيته و عدمها، و المفاهيم حيث أنها في فرض ثبوتها من مصاديق الحجّة، صحّ التعبير عن ثبوت الحجة و عدمه بالحجة و عدمها، بخلاف ثبوت الحكم التكليفي الشرعي، فإنه أجنبي عن الحجية بالمرة، فان جعل الحكم المماثل ليس حجّة على نفسه، و لا على غيره.
و أما الاستصحاب من باب بناء العقلاء- فليس عمل العقلاء على وفق اليقين السابق حجة على عملهم، و لا على غيرهم، فعلم مما ذكرنا أنّ بناءهم عملًا، و إن كان إبقاء عملياً منهم، و هو المناسب للاستصحاب و مشتقاته المنسوبة إلى العامل، إلّا أنّ الموصوف بالحجة غيره، و معنى حجية بناء العقلاء- شرعاً- أنّ ما بنى العقلاء على المؤاخذة بسببه- على فعل أو ترك- يصح المؤاخذة به عند الشارع، فلم يبق من الاستصحاب بالمباني الثلاثة، الا الإذعان العقلي الظني ببقاء الحكم، فانه صالح لأن يكون منجزاً للحكم، إلّا ان الاستصحاب بهذا المعنى لا يناسب مشتقاته المنسوبة إلى المكلف.
و قد يقال بكون المراد من الحكم في كلام الشيخ و صاحب الكفاية ما هو المرسوم في التعبيرات من الحكم بقيام زيد، و هو كونه الرابط، لا الالزام بتحققه، فيرجع إلى أنّ الاستصحاب كون الحكم باقياً في نظر الشارع أو عند العقلاء، أو في نظر العقل ظناً لظنه ببقائه، فيندفع محذور الجامع و محذور الدليليّة.
و فيه: أنّ كونه باقياً في نظر الشارع ليس إلّا منتزعاً من الإلزام بإبقائه، فهو باق بحسب حكمه، لا بلحاظ أمر آخر، كما أنّ كونه باقياً- في نظر العقلاء- ليس إلّا كونه باقياً بحسب عملهم لإبقائهم له عملًا، و ليس له بقاء عندهم مع قطع النّظر عن إبقائهم له عملًا.
و التحقيق: إن الاستصحاب- كما يناسب المشتقات منه- هو الإبقاء العملي و الموصوف بالحجية بناء على الأخبار هو اليقين السابق، إما بعنوان إبقاء الكاشف إن كان المراد من الحجية الوساطة في الإثبات، فان إبقاء الكاشف التام المتعلق بالواقع إيصال للواقع- بقاء عنواناً- بإيصال الحكم المماثل لباً، و إما بعنوان إبقاء المنجز السابق إن كان المراد من الحجية تنجيز الواقع، فاليقين السابق يكون منجزاً للحكم حدوثاً عقلًا، و بقاء جعلًا، و الموصوف بالحجية بناء على بناء العقلاء، أحد أمور ثلاثة: إما اليقين السابق لاقتضاءه عدم رفع اليد عنه إلّا بيقين مثله، فهو الباعث للعقلاء على إبقائهم عملًا، و إما الظن اللاحق بالبقاء، و إما مجرد الكون السابق، فالوجود السابق حجة على الوجود في اللاحق، لا من حيث وثاقة اليقين و لا من حيث رعاية الظن بالبقاء و إليه يرجع التعبد العقلائي.
و بناء على حكم العقل، فالموصوف بالحجية هو الظن بالبقاء، و يندفع محذور الجامع، و محذور التوصيف بالحجية، أما الأوّل فبأن المراد هو الإبقاء العملي، و يكون النزاع في أنّ المستند للإبقاء العملي، هل هو أمر مأخوذ من الشارع أو من العقلاء أو من العقل، و أما الثاني فبأن حجية اليقين السابق على الحكم في اللاحق، حيث أنها مستكشفة من ثبوت الإبقاء العملي تشريعاً حيث انّ الشارع أمر بإبقاء اليقين، فالتعبير عن حجية المنكشف بحجية الكاشف صحيح، معمول به عندهم، و كذا بناء العقلاء على الإبقاء، فانه كاشف عن بنائهم على حجية اليقين السابق، أو الظن اللاحق، أو الكون السابق[18].
خلاصة الاشکال
و حاصل اشكاله أن المراد بالإبقاء ان كان هو الإبقاء العملي فهذا لا ينسجم مع القول بحكم العقل الذي هو أحد مدارك الاستصحاب، لأنه يدرك البقاء ظنا مثلا، و ليس للعقل أحكام عملية، و ان كان المراد الابقاء الحكمي اي الحكم بالبقاء فهو لا ينسجم مع البناء العقلائي الّذي هو مدرك آخر من مدارك الاستصحاب فانهم انما يبنون عمليا على البقاء و يسيرون عليه
و يرد عليه أن بالامكان ارادة الإبقاء العملي، و يشمل حكم العقل العملي اي ادراكه لزوم الإبقاء العملي في مورد الاستصحاب الإلزامي، بمعنى ثبوت حق الطاعة و المولوية فيه، و جواز الابقاء العملي في مورد استصحاب الحكم الترخيصي، كما أن بالإمكان ارادة الحكم بالبقاء، و يشمل بناء العقلاء بما هم موالي اي في دائرة التشريعات المولوية العقلائية، على ان المهم هو امضاء الشارع لبناء العقلاء، و هذا الامضاء يستبطن انشاء الحكم الشرعي.
كما أن المراد من حجية الاستصحاب كونه مصححا للعقاب على الواقع فيما اصاب او موجبا للعذر فيما أخطأ.
الملاحظة الرابعة:
ان تعريف الاستصحاب بكونه الحكم ببقاء حكم او موضوع حكم شرعي، كما في الكفاية و يظهر من الشيخ الأعظم، و ذكر في بعض كلماته أن الثاني راجع الى التعبد بحكمه الشرعي، لا يشمل الاستصحاب الجاري في مقام الامتثال، كاستصحاب بقاء الستر في الصلاة، فانه لا يترتب عليه الا ارتفاع حكم العقل بلزوم احراز الامتثال، كما لا يترتب على استصحاب عدم الستر الا تاكد حكم العقل بلزوم احراز الامتثال، و أما توجيهه بكون عدم الامتثال موضوعا لبقاء التكليف، فهو مبني على كون الامتثال غاية لبقاء التكليف، و هذا و ان كان تاما عندنا خلافا للبحوث لكن لا ريب في عدم توقف جريان الاستصحاب في مقام الامتثال عليه.
و لكن هذا الاشكال ليس اشكالا على تعريف الاستصحاب بابقاء ما كان او فقل مرجعية الحالة السابقة.
[15] – هذا هو المبنى المنسوب الى المحقق النائيني كما في اجود التقريرات ج2 ص78 و الحلقة الثالثة ص 145، و قد اوردنا عليه أنه لا يمكن أن يعتبر العلمية ولا يعتبر الكاشفية، فانه نظير أن نعتبر الرجل الشجاع فردا من الاسد، لا من حيث الاسدية، بل من حيث الشجاعة، فانه غير معقول، ولذا اختلف عنه السيد الخوئي حيث ادعى كون الاستصحاب من الامارات، لاعتبار كونه عالما بالواقع.