الدرس 95-202
السبت – 16 ذيقعدة الحرام 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن
الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله
الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
كان الكلام فيمن تمضمض الماء فسبق الماء الی حلقه و
هو صائم فاذا كان تمضمضه لاجل التبريد من العطش فلا اشكال في انه يجب عليه القضاء،
نعم لا كفارة عليه لانه ليس متعمدا، كما انه لو كان تمضمضه لوضوء صلاة فريضة فسبق
الماء الی حلقه لا يجب عليه القضاء لانه القدر المتيقن من النصوص. مضافا
الی انه مقتضی القاعدة انه لا يجب عليه القضاء لانه ليس متعمدا في شرب
هذا الماء.
انما الكلام فيما اذا لم يكن تمضمضه لاجل التبريد و رفع
العطش و لا لاجل الوضوء لصلاة فريضة بل كان للعبث أو لوضوء نافلة أو لسواك، يحتاج
الی تنظيف اسنانه، السيد الخوئي قال: عليه القضاء لان الرواية حصرت عدم وجوب
القضاء فيما كان وضوء ه لصلاة فريضة فهذه صحيحة الحلبي عن ابيعبدالله عليه السلام
في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه فقال ان كان وضوء ه لصلاة فريضة فليس عليه
شيء و ان كان وضوء ه لصلاة نافلة فعليه القضاء.
اشكل علی هذه الصحيحة بعدة اشكالات:
الاشكال الاول ان هذه الصحيحة معرض عنها فان الاصحاب لم يفتوا
بمضمونها و لم يفصلوا في المضمضة في الوضوء بين كون الوضوء لصلاة نافلة أو لصلاة فريضة.
السيد الخوئي اجاب عن هذا الاشكال بجوابين:
الجواب الاول انه قد عمل بهذه الرواية جماعة فليست معرضا
عنها.
لكن الانصاف اعراض المشهور عنها.
الجواب الثاني يقول السيد الخوئي: كبری قادحية اعراض
المشهور عن رواية ليست تامة عندنا فاننا نری حجية خبر الثقة مطلقا كما نری
حجية ظهور الكلام مطلقا و اعراض المشهور لا يوجب الا الظن بالخلاف و الظن بالخلاف
ليس قادحا لا في حجية الخبر و لا في حجية الظهور.
بينما ان جماعة من الاعلام فصّلوا بين اعراض المشهور عن سند
رواية و بين اعراض المشهور عن دلالة الرواية فهذا هو المحقق العراقي و السيد الصدر
و لعل السيد السيستاني ايضا من هذا القبيل قالوا بان الاعراض عن السند قادح في حجية
السند، اما السيد السيستاني فواضح لان اعراض المشهور يمنع من حصول الوثوق بالصدور
و السيد السيستاني يری ان الخبر الذي لا يفيد الوثوق بالصدور ليس حجة. و اما
السيد الصدر فيری ان الظن النوعي بالخلاف قادح في حجية خبر الثقة لان العقلاء
لا يعملون بخبر ثقة تقوم امارة ظنية و لو غير معتبرة علی كذب هذا الخبر و
اما الظهور فحجيته مطلقة. و هنا لا يحتمل اعراض المشهور عن الظهور لان ظهور الرواية
واضح، ان كان وضوء ه لصلاة فريضة فليس عليه شيء و ان كان وضوء لصلاة نافلة فعليه
القضاء فينحضر الامر في اعراضهم عن السند. هكذا يقال. السيد الخوئي يقول: انا لا
اری قادحية اعراض المشهور و مانعيته عن حجية الخبر و لا عن حجية الظهور. و
نحن كنا و لا نزال نميل الی هذا الرأي لاطلاق صحيحة الحميري: العمري و ابنه
ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطع
فانهما الثقتان المأمونان، هذا مطلق سواء اعرض المشهور عن خبر الثقة ام لا.
مضافا الی انه لم يحرز كما ذكر السيد الخوئي اعراض
المشهور و ذلك لان من المحتمل ان المشهور جمعوا بين الروايات فحملوا الامر بالقضاء
علی الاستحباب أو اوقعوا المعارضة بين هذه الصحيحة و بين الروايات الاخری
و هذا لا يسمی بالاعراض، الاعراض ان تديروا وجهك، اعرض عنه يعني ادار بوجهه
عنه اما اذا لا تحترمه لا تعرض عنه و لكن تقول كلامك معارض بكلام فلان، هذا ليس
اعراضا بل انه اجتهاد.
فاذن الايراد الاول ليس تاما. الايراد الاول علی هذه
الصحيحة بان المشهور اعرضوا عنها يمكن الجواب عن هذا الايراد بما ذكرناه.
الايراد الثاني ما يقال من ان هذه
الصحيحة نسبتها الی موثقة سماعة هي العموم و الخصوص من وجه. اقرأ موثقة سماعة،
سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه قال عليه قضاء ه و ان كان في
وضوء فلا بأس بها. فيقال بان صحيحة الحلبي لم يرد فيه التمضمض، اعم من التمضمض، موثقة
عمار واردة في خصوص المضمضة، عن الرجل عبث بالماء يتضمض به من عطش فدخل حلقه قال
عليه قضاء ه و ان كان اي التمضمض ان كان في وضوء فلا بأس، فيقال بان هذه الموثقة مختصة
بالتمضمض بينما ان صحيحة الحلبي اعم من التمضمض، الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء
حلقه لعله حين غسله لوجهه يسبق الماء فيدخل حلقه قال ان كان وضوء ه لصلاة فريضة فليس
عليه شيء و ان كان وضوء لصلاة نافلة فعليه القضاء فيقع المعارضة بين الروايتين في
المضمضة لوضوء صلاة نافلة فاطلاق موثقة سماعة ينفي وجوب القضاء اذا دخل الماء في
حلقه بسبب المضمضة لوضوء النافلة بينما ان اطلاق صحيحة الحلبي يثبت وجوب القضاء. فبعد
تعارضهما و تساقطهما نرجع الی العام الفوقاني. ما هو العام الفوقاني؟ العام
الفوقاني هو عموم ما دل علی ان من اجتنب عن الطعام و الشراب عمدا صح صومه و
هذا اجتنب عن الاكل و الشرب العمدي. في موثقة عمار: الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه
الماء و هو صائم قال ليس عليه شيء اذا لم يتعمد ذلك قلت فان تمضمض الثاني فدخل في
حلقه الماء قال ليس عليه شيء قلت فان تمضمض الثالث فقال قد اساء يعني فعل مكروها ليس
عليه شيء و لا قضاء.
الجواب عن ذلك ان صحيحة الحلبي لا
تقبل تخصيصها بغير المضمضة يعني نقول وضوء النافلة اذا اوجب دخول الماء في الحلق
بسبب المضمضة فليس عليه قضاء و لكن اذا كان دخول الماء في الحلق حين وضوء النافلة لا
بسبب المضمضة بل بسبب وصول الماء حين غسل الوجه الی الحلق هذا يوجب القضاء، هذا
امر غير محتمل، هذا الذي يتمضمض في وضوء النافلة نقول بعد تساقط الروايتين نقول ليس
عليه قضاء لان النسبة بين صحيحة الحلبي و موثقة سماعة هي العموم و الخصوص من وجه، مولانا!
القدر المتيقن من ما ورد في صحيحة الحلبي من ان من سبق الماء الی حلقه في
وضوء نافلة فعليه القضاء هو ان يسبق الماء الی حلقه بسبب المضمضة لانه هو
القدر المتيقن الخارجي، لا يحتمل ان يكون سبق الماء الي الحلق من دون المضمضة موجبا
لبطلان الصوم في وضوء النافلة و لكن اذا كان دخول الماء في الحلق بسبب المضمضة في
وضوء النافلة هذا لا يوجب القضاء، هذا امر غير محتمل. فاذن هذه الصحيحة اخص مطلقا
من مثل موثقة سماعة و موثقة عمار.
لو كان هناك عام فوقاني و هو موثقة عمار الرجل يتمضمض فيدخل
في حلقه الماء و هو صائم قال ليس عليه شيء اذا لم يتعمد ذلك، و هناك خطاب خاص
متوسط و هو موثقة سماعة التي فصّلت بين المضمضة لغرض دفع العطش فسبق الماء الی
حلقه فعليه القضاء و بين ما لو كان مضمضته للوضوء فلا يجب عليه القضاء، فهذه الصحيحة
اي صحيحة الحلبي تكون اخص من هذا الخاص المتوسط و يوجب القضاء اذا كانت المضمضة في
وضوء النافلة فسبق الماء الی حلقه.
الايراد الثالث: ما ذكره السيد السيستاني
مرارا من انه اذا كان عام ترخيصي و خاص ظاهر في الالزام ذاك العام الترخيصي وجّه
الی الناس لا الی المتفقهين من اصحاب الائمة عليهم السلام و الذين هم
بصدد تعلم الاحكام، لا، بيّنوا للناس فهنا الاطلاق و العموم المقتضي للترخيص العرف
لا يقبل ان يقيد بذلك الخاص الالزامي بل يقول العرف نحمل الخاص الالزامي علی
الحكم التنزيهي علی الحكم الاستحبابي لان تاخير البيان عن وقت الحاجة هنا يوجب
اغترار الناس و وقوعهم في مخالفة التكليف الواقعي.
و ذكر لذلك امثلة انا اذكر مثالا واحدا من تلك الامثلة و اكمل
البحث في الليلة القادمة انشاء الله. هناك معتبرة اسحاق بن عمار فصّلت بين الجلد
المشكوك التذكية الذي صنع في ارض الاسلام فلا بأس بالصلاة فيه و جلد مشكوك التذكية
صنع في غير ارض الاسلام فنهي عن الصلاة فيه، ان كان الغالب فيها المسلمون فلا بأس،
مفهومه انه ان لم يكن الغالب فيه ذلك البلد المسلمون ففيه بأس، هذا ظاهر في الحرمة
قابل للحمل علی الكراهة. يقول السيد السيستاني ورد في رواية صحيحة، جعفر بن
محمد بن يونس علی ما ببالي، يسأل الامام اشتري الفراء من السوق، يعني الجلد
الذي يلبسه، قال عليه السلام اشتريه و صل فيه ما لم تعلم انه ميتة، يقول السيد السيستاني
الامام لم يفصل لهذا السائل الذي هو في مقام الاستفتاء و ليس في مقام التفقه في
الدين و تبين الاحكام الكلي حتی يقال هو درس عند الامام فالامام بيّن له حكما
كليا في يوم و بين له مقيدات لذاك الحكم في
يوم آخر، لا، هذا السائل عامي يستفتي الامام و الامام يفتيه، ميصير الامام بقول
مطلق يقول لا بأس ان تصلي في هذا الجلد الذي تشتري من السوق و هو يذهب يشتري من
السوق و لو من سوق مشترك بين المسلمين و الكفار و يصلي فيه، ثم في خطاب منفصل يقول
الامام انا فصلت بين سوق المسلمين و غير سوق المسلمين، هذا ليس عرفيا.
و لاجل ذلك ترون ان السيد السيستاني في فتاواه يقول لا بأس
بالصلاة في جلد مشتری من البلاد الكافرة و لو من دون فحص ما لم يحتمل
احتمالا عقلائيا ان هذا جلد حيوان مشكوك التذكية و لو بان يشتري الكفار من بلاد
المسلمين من تركية من ايران من العراق جلودا و هناك يصنعون الاحذية، هم تلك الاحذية
أو تلك الملابس المأخوذة من جلود الحيوانات المشكوكة التذكية، هم طاهرة كما عليه
السيد الخوئي و هم يمكن الصلاة فيها و هذا مختص بالسيد السيستاني لاجل هذه النكتة.
فيقال في المقام بان توجيه عام ترخيصي علی انه اذا
كانت مضمضته لوضوء فليس عليه قضاء، كيف يقيد هذا الاطلاق بخطاب منفصل يفصل بين وضوء
الفريضة و وضوء النافلة. و لاجل ذلك نحمل الامر بالقضاء المستفاد من صحيحة الحلبي
علی الامر الاستحبابي.
تاملوا في هذا المطلب الی الليلة القادمة انشاءالله.
و الحمد لله رب العالمين.