احکام التیمم
الدرس 61 – الإثنين – 43/06/28
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين.
المسألة 7: انکشاف سعة الوقت بعد التيمم
المسألة السابعة: اذا اعتقد سعة الوقت فتيمم و صلی ثم بان السعة فعلي المختار صلت صلاته (يعني علی المختار من القول بالمواسعة حيث جوز صاحب العروة المبادرة الی التيمم الا في فرض العلم بزوال العذر في اثناء الوقت. يقول علی المختار صحت صلاته، اعتقد عدم سعة الوقت فتيمم و صلی ثم بان السعة) و يحتاط استحبابا بالاعادة و علی القول بوجوب التأخير تجب الاعادة. اما علی القول بالمضايقة و هو وجوب تاخير التيمم الی آخر الوقت فهنا يحكم ببطلان هذه الصلاة و وجود اعادتها.
يوجد هنا تعليقتان متعاكستان من الاعلام، المحقق النائيني في جانب و السيد السيستاني في جانب آخر. المحقق النائيني قال الظاهر وجوب الاعادة في المقام علی اي تقدير سواء قلنا بمقالة صاحب العروة من المواسعة أو قلنا بالمضايقة و وجوب تاخير التيمم الی آخر الوقت. فهنا نلتزم ببطلان الصلاة لانه اعتقد ضيق الوقت فصلی ثم بان السعة فوجد الماء. الساعة أمامه، خربان كانت، فاعتقد ان الوقت مضيق، فرأسا بادر الی التيمم فصلی ثم تبين له ان الساعة خربان كانت و ان الساعة الرابعة و وجد الماء، يقول المحقق النائيني لماذا لايعيد هذه الصلاة؟ السيد السيستاني علی اتجاه معاكس من المحقق النائيني. حينما قال صاحب العروة فعلي المختار صحت صلاته، قال: و كذا علی المختار من لزوم التاخير مع رجاء زوال العذر. يعني لافرق بين القول بالمواسعة و القول بالمضايقة و وجوب تاخير التيمم في فرض رجاء العذر فيحكم بصحة الصلاة في كلي الفرضين.
اما كلام المحقق النائيني فوجهه غير واضح. اذ علی القول بالمواسعة أي جواز ايقاع الصلاة بالتيمم في اول الوقت الا اذا علم بزوال العذر في اثناء الوقت فهذا لميكن يعلم بزوال العذر في اثناء الوقت لانه اعتقد ان الوقت مضيق فلم يكن يعلم بزوال العذر في اثناء الوقت فمقتضی القول بالمواسعة صحة هذه الصلاة مع التيمم.
جواب سؤال: المفروض ان صاحب العروة يری المواسعة الواقعية لا المواسعة الظاهرية. يری انه يجوز البدار الی التيمم في غير فرض العلم بزوال العذر في اثناء الوقت جوازا واقعيا فاذا تيمم و صلی ثم وجد الماء في اثناء الوقت لايجب عليه اعادة الصلاة.
و لعل منشأ خطأ المحقق النائيني قياس المقام بمسألة اخری و هي انه لو ان شخصا تخيل ضيق الوقت و عنده ماء لكنه تخيل ضيق الوقت و عدم تمكنه من الوضوء و ادارك الصلاة في الوقت مثلا، أو اعتقد انه لو اغتسل من الجنابة لايدرك تمام الصلاة في الوقت فتيمم و صلی ثم انكشف له سعة الوقت فان من الواضح انه يجب عليه ان يعيد صلاته بعد انكشاف سعة الوقت لانه واجد للماء، انما تخيل ضيق الوقت عن الغسل مثلا فتيمم و صلی ثم انكشف سعة الوقت، هنا لااشكال في انه يجب عليه الاعادة لانه واجد للماء، و ما هو موجب للتيمم في ضيق الوقت واقع ضيق الوقت لااعتقاد ضيق الوقت المخالف للواقع. و لكن في المقام المفروض انه فاقد للماء في اول الوقت و صاحب العروة يقول بالمواسعة فلماذا يقول المحقق النائيني انه حتی علی قول صاحب العروة يحكم ببطلان هذه الصلاة اذا انكشف سعة الوقت.
نعم، قد لايعلم المكلف بارتفاع العذر في اثناء الوقت لانه لايدري هل قبل اذان المغرب ساعة ستة مثلا يمكنه تحصيل الماء أو لا و قد يعلم بانه يمكنه تحصيل الماء في ساعة معينة لكن اعتقد ان الوقت ضيق ما كان يدري انه مثلا هنا حسب توقيت المحلي اذان المغرب ساعة ستة، كان يعتقد اذان المغرب ساعة خمسة أو خربت الساعات أو التوقيت الشتائي و التوقيت الصيفي هذه التغييرات توجب انه تخيل ان ساعة خمسة يصير اذان المغرب و لكنه ساعة خمسة يحصّل ماءا فتيمم قبل ذلك و صلی ثم انكشف له انه اذان المغرب ساعة ستة مثلا و هو يحصل ماءا قبل اذان المغرب، هذا هم يندرج في كلام صاحب العروة لانه بادر الی التيمم و هو لايعلم بارتفاع عذره و وجدانه للماء قبل خروج الوقت، لايعلم بذلك.
اما تعليقة السيد السيستاني من انه حتی لو قلنا بلزوم تاخير التيمم مع رجاء زوال العذر هذا الذي اعتقد ضيق الوقت لايرجو زوال عذره في اثناء الوقت بل لاجل اعتقاده بضيق الوقت يئس من وجدانه للماء في اثناء الوقت لتخيله ان الوقت مضيق فهو لايرجو زوال عذره في اثناء الوقت. الذي لايحتمل انه سوف يحصل الماء قبل اذان المغرب، هذا لايرجو زوال العذر و هذا الذي يعلم بانه يحصّل الماء ساعة خمسة و لكنه يعتقد ان اذان المغرب ساعة خمسة لا ساعة ستة فهو ايضا لايرجو زوال عذره في اثناء الوقت، لايحتمل زوال عذره في اثناء الوقت، لتخيله ان وقت الصلاة ينتهي ساعة خمسة و يصير اذان المغرب، لافرق بينهما، لايرجو زوال عذره.
السيد الخوئي قال: نحن مع صاحب العروة و ما قال علی القول بالمواسعة صحت صلاته و علی القول بوجوب التأخير تجب الاعادة، يقول السيد الخوئي انا مع صاحب العروة، انا قائل بالمضايقة و اری وجوب الاعادة. لماذا؟ يقول السيد الخوئي: الموضوع لمشروعية التيمم العجز عن صرف وجود الماء في تمام الوقت واقعا و المفروض انه سوف يحصل الماء في اثناء الوقت، و اعتقاد ضيق الوقت موجب لجواز البدار الی التيمم كجواز ظاهري أي هو معذور، اعتقد ضيق الوقت فكان معذورا في تيممه بل وجب عليه ظاهرا ان يتيمم حتی يدرك الصلاة في الوقت و لكن انكشف له الواقع. فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد. انكشف له الواقع، كشف عنه الغطاء فتبين له انه ليس فاقدا للماء في تمام الوقت، فما هو الدليل علی اجزاء هذا الامر الظاهري؟
ان قلت: في صحيحة زرارة: المسافر يطلب الماء مادام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل، هذا يشمل هذا المكلف، هو خاف فوت الوقت و الصحيحة تأمره بالتيمم و الصلاة، اذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل. اعتقاد فوت الوقت اعظم من خوف فوت الوقت. يعني اعتقاد فوت الوقت يوجد فيه خوف مركّز، الخوف هو احتمال فوت الوقت احتمالا عقلائيا، هذا الاحتمال العقلائي الموجب لخوف فوت الوقت كاف في الامر بالتيمم و الصلاة، فكيف باعتقاد ضيق الوقت؟
يقول السيد الخوئي في الجواب: هذا الصحيحة تدل علی ان خوف فوت الوقت مجوز للتيمم من حيث انه خوف ناشئ عن ضيق الوقت واقعا لامطلق الخوف و لو لميكن ناشئا عن ضيق الوقت. يعني الموضوع للامر بالتيمم و الصلاة خوف فوت الوقت مع تضيقه واقعا لا مع سعته واقعا.
لمنفهم مقصود السيد الخوئي من ذلك. ان كان مقصوده ان الخوف ظاهر في الطريقية و حمله علی كونه تمام الموضوع خلاف الظاهر فيكون الموضوع الامر بالتيمم مركبا من خوف ضيق الوقت و واقع ضيق الوقت، و الخوف طريق الی واقع ضيق الوقت و لكن الموضوع مركب من خوف ضيق الوقت و واقع ضيق الوقت، فهذا و ان صدر من السيد الخوئي في بحث التيمم حيث قال ان خوف الضرر أخذ في موضوع الامر بالتيمم علی وجه الطريقية فالموضوع للتيمم مركب من خوف الضرر و واقع الضرر، فاذا خاف الضرر و لميكن الضرر واقعا فليس مأمورا بالتيمم، لان الامر بالتيمم موضوعه خوف الضرر بما هو طريق الی واقع الضرر، و لكن هذا الكلام مخالف لما ذكره في بحث الوضوء الجبيري في معتبرة كليب الاسدي: الكسير ان خاف علی نفسه فليمسح علی جبائره. يقول السيد الخوئي هناك: اذا كان شخص كسيرا (كسرت رجله أو يده) أو جريحا أو قريحا و خاف من الضرر علی نفسه لو توضأ وضوءا تاما فتوضأ وضوءا جبيريا صح وضوءه الجبيري حتی و لو انكشف له عدم اضرار الوضوء الاختياري به. لماذا؟ لان الظاهر ان خوف الضرر تمام الموضوع. بالنسبة الی الكسير مَن تخيل انه مكسور، لا، الكسير اذا خاف من الضرر علی نفسه يتوضأ وضوء الجبيري و لكن اذا تبين له ان الماء كان نافعا في حقه لا مضرا وضوءه الجبيري صحيح لانه خاف علی نفسه من الضرر.
و الحق مع السيد الخوئي في بحث الوضوء الجبيري. ليس لدينا دليل علی ان الخوف اخذ طريقا الی واقع الذي يخاف منه. اذا خاف ان يفوته الوقت موضوع الحكم فيه مركب من خوف فوت الوقت و واقع فوت الوقت، ابدا، لادليل علی ذلك.
لكن رجعنا ندافع عن السيد الخوئي، و ان كان الكلام المذكور للسيد الخوئي هو هذا المقدار. كيف ندافع عن السيد الخوئي؟ نقول: اذا كانت الصحيحة هكذا: فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل، كنا نقول بمقالة السيد السيستاني، لكن الرواية الصحيحة هكذا: فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت. اذا لاحظتم كتاب السيد الخوئي لميذكر هذا الذيل، الموجود فيه: اذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل، هذا ما يكفي، كان المناسب ان يذكر هذا الذيل: و ليصل في آخر الوقت. تبين لهذا المكلف انه لميصل في آخر الوقت و انما صلی في سعة الوقت، فصحيحة زرارة لاتشمله. فلابد ان نرجع الی مقتضی القاعدة الاولية. مقتضی القاعدة الاولية ان تيممه غير مشروع واقعا لان الظاهر الامر بالتيمم ان موضوعه من هو عاجز عن الوضوء في تمام الوقت.
نعم، بالنسبة الی بعض الروايات الدالة علی ان من تيمم فصلی ثم وجد الماء في اثناء الوقت لايعيد صلاته قلنا بان القدرالمتيقن منه صحة صلاة من صلی بتيمم و لو وجد الماء في اثناء الوقت، القدرالمتيقن منه صحة هذه الصلاة في الجملة و لكن القدرالمتيقن منه ان يئس من وجدان الماء في واقع الوقت لا في الوقت التخيلي، واقع الوقت ساعة ستة، يعني اذان المغرب ساعة ستة، فواقع صلاة الظهر و العصر الی ساعة ستة، تكون مأيوس من وجدان الماء الی ساعة ستة، لان ان تكون مأيوسا من وجدان الماء الی ساعة خمسة و تعتقد ان الساعة الخامسة اذان المغرب ثم ينكشف له ان اذان المغرب ساعة ستة لا ساعة خمسة.
فاذاً لايبعد تمامية تفصيل صاحب العروة و الذي قبله السيد الخوئي و ان خالف فيه السيد السيستاني.
المسألة 8: زوال العذر
المسألة الثامنة: لاتجب اعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم الصحيح بعد زوال العذر لا في الوقت و لا في خارجه مطلقا.
مر الكلام في انه لو تيمم تيمما صحيحا ظاهريا بان يئس من زوال العذر اما اذا احتمل زوال العذر قلنا يجب عليه تاخير التيمم الی آخر الوقت. اذا صلی بهذا التيمم الظاهري ثم وجد الماء فقد ورد في عدة روايات انه لايعيد صلاته التي صلی. و لكن كان توجد روايات معارضة لهذه الروايات كصحيحة يعقوب بن يقطين فقال ان كان في الوقت اعاد الصلاة. و قلنا بان المهم التسالم الفقهي علی عدم وجوب اعادة الصلاة و الا لو يكن هناك تسالم فقهي كنا ننجبر ان نقول باستقرار المعارضة بين الروايات و الرجوع الی مقتضی القاعدة الاولية التي توجب اعادة الصلاة لمن وجد الماء في اثناء الوقت.
و اما اذا وجد الماء بعد الوقت فمن الواضح انه لايجب عليه اعادة الصلاة لان من لايجد الماء في اثناء الوقت مامور بالتيمم ففريضته الصلاة مع التيمم و قد صلاها. و هذا هو المستفاد من الآية الكريمة: فلم تجدوا ماء فتيمموا، و من الروايات، بل نفس صحيحة يعقوب بن يقطين قال اذا كان خارج الوقت، وجد الماء خارج الوقت لايعيد.
لكن توجد موارد التزم بعض الفقهاء فيها بوجوب القضاء لمن وجد الماء خارج الوقت فضلا عن وجوب الاداء. المورد الاول: من تعمد الجنابة و هو خائف من الغسل. مريض يخاف ان يغتسل و يضر به الغسل، لكنه يجنب نفسه متعمدا فقد ذهب جماعة الی انه يتيمم يصلي لكن اذا وجد الماء يعيد صلاته استنادا الی صحيحة بن سنان: الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف علی نفسه التلف ان اغتسل قال يتيمم و يصلي فاذا امن البرد اغتسل و اعاد الصلاة. فهل نلتزم بمضمون هذه الصحيحة؟ السيد الخوئي قال هذه الصحيحة معارضة بروايات صحاح تدل علی عدم وجوب الاعادة فنجمع بينهما، يعيد الصلاة و لايعيد الصلاة، فنحمل الامر باعادة الصلاة علی استحباب الاعادة. خلافا لما تكرر من السيد الخوئي في اكثر من مورد من انه لايوجد جمع عرفي بين قوله يعيد و قوله لايعيد لان احدهما ارشاد الی فساد الصلاة و الآخر ارشاد الی صحتها، و لاجمع عرفي بين الاخبار عن صحة الصلاة و الاخبار عن فسادها. فكيف هنا جمع بين هذه الصحيحة و بين صحاح تدل علی عدم الاعادة فحمل الامر بالاعادة في هذه الصلاة علی استحباب الاعادة.
تاملوا في الليلة القادمة انشاءالله.
و الحمد لله رب العالمين.