المناقشة في کلام السید الخمیني في البدار الی التیمم
الدرس 57
الإثنين – 43/06/21
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين.
كان الكلام في المبادرة الی التيمم في اول الوقت. حيث جوز صاحب العروة و السيد الخميني قدس سرهما و جمع من الاعلام المبادرة الی التيمم في اول الوقت و الصلاة بعده سواء شك في زوال العذر في اثناء الوقت أو علم ببقاء العذر أي كان مأيوسا عن زوال العذر، بينما ان جماعة آخرين كالمحقق الهمداني و السيد الخوئي و هو المنسوب الی المشهور فصلوا بين فرض اليأس عن زوال العذر فجوزوا البدار و بين فرض الشك في زوال العذر فمنعوا من جواز البدار و الزموا التاخير الی آخر الوقت.
و ذكرنا ان وجه التفصيل المحقق الهمداني و السيد الخوئي ورود الروايات يستظهر منها لزوم التاخير مع احتمال زوال العذر و قلنا بان فرض اليأس عن زوال العذر هو القدر المتيقن من الروايات الواردة في ان من تيمم فصلی ثم وجد الماء لميعد الصلاة. و لكن المشكلة وجود روايات في قبال تلك الروايات كصحيحة يعقوب بن يقطين رجل تيمم فصلی فاصاب بعد صلاته ماءا قال اذا وجد الماء قبل ان تمضي الوقت توضأ و اعاد فان مضي الوقت فلااعادة عليه. حمل الاعلام الامر بالاعادة في هذه الصحيحة و نحوها علی الاستحباب بقرينة صحيحة منصور بن حازم: اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد فقالوا بان الامام قال انا كنت اتوضأ و اعيد يعني هذا مو واجب بل مستحب. لكننا اشكلنا عليه و قلنا بانه بعد ما كانت العامة يرون عدم وجوب الاعادة فالامام عليه السلام ما كان يريد ان يواجههم مواجهة عنيفة قال اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد اما فقهاء العامة لايهمني ماذا يقولون.
و لكن نتيجة هذا الكلام استقرار المعارضة بين الروايات و بعد تساقطها يكون المرجع وجوب الصلاة مع الوضوء للقادر علی صرف وجود ذلك و تكون النتيجة وجوب الاعادة حتی في فرض اليأس، اذا يأس من زوال العذر فتيمم فصلی ثم وجد الماء في اثناء الوقت نتيجة الرجوع الی العام الفوقاني وجوب اعادة الصلاة بالوضوء و ظاهر الاصحاب اتفاقهم علی عدم وجوب الاعادة في فرض اليأس و لاجل التسالم الاصحاب علی ذلك لايبعد ان نقول بعدم وجوب اعادة الصلاة فيما اذا يأس عن زوال العذر فتيمم فصلی ثم وجد الماء.
اما كلام السيد الخميني قدس سره فنقلنا عنه مضافا الی هذا الجمع الذي قبله كجمع عرفي من حمل الروايات الآمرة بالاعادة علی الاستحباب، ذكر في صحيحة محمد بن مسلم اخّر التيمم الی آخر الوقت فان فاتك الماء لمتفتك الارض، فقال ظاهر هذه الصحيحة جواز البدار الی التيمم مطلقا حتی مع العلم بزوال العذر فضلا عن فرض الشك لان هذا التعبير نظير التعبير لشخص يريد ان يتغدی و لايجد اللحم يريد ان يأكل الخبز يقال له اخّر غداءك ساعة فان فاتك اللحم فلايفوتك الخبز، هذا يعني انه الان اذا اكلت الخبز ليس فيه اشكال، تشبع، و لكن ينبغي و يناسب ان تؤخر غداءك بركة الله سبحانه و تعالي يجيب اليك من حيث لاتحتسب طعام مطبوخ لحم و تأكل.
و لكن هذا البيان غير متجه. اولا: ليست العبارة فان فاتك الماء لمتفتك الطهارة الترابية، العبارة هكذا: ان فاتك الماء لمتفتك الارض، الارض موجودة لاتفوتك، اما انه لاتفوتك الطهارة الترابية لميذكر في العبارة هذا الشيء. ان فاتك الماء لمتفتك الارض، لان الارض موجودة، التراب موجود، كلما شئت ان تتيمم لكن الان لاتتيمم. فان فاتك الماء لمتفتك الارض يعني الارض لاتفوتك فالارض الان موجودة و لاتزال موجودة اما انه يمكنك الان ان تحصل الطهارة بالتيمم الی الارض هذا لميؤخذ في هذه العبارة.
و ثانيا: يكفي حتی في التعبير بقول ان فاتك الماء لمتفتك الطهارة الترابية انه لو استمر عذره واقعا الی آخر الوقت كان تيممه حتی الان في اول الوقت صحيحا، يكفي صحة تيممه في اول الوقت في فرض استمرار عذره واقعا الی آخر الوقت. هذا المقدار كاف في صحة التعبير بانه اذا فاتك الماء فلاتفوتك الطهارة الترابية الان يمكنك و لو في الجملة تحصيل الطهارة الترابية فيما اذا كان عذرك مستمرا الی آخر الوقت واقعا و لكن تامل انتظر هل تحصّل ماءا أو ما تحصل؟ اذا ما تحصل لاتفوتك الطهارة الترابية. فظاهر هذا التعبير لزوم تاخير التيمم مع الشك في زوال العذر.
اما ما ذكره السيد الخميني قدس سره في كتاب الطهارة حول صحيحة زرارة: اذا لميجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت، فقال بانه بناءا علی كون المتن فليطلب حيث ان وجوب الطلب الی آخر الوقت مخالف لعدم وجوب الطلب اكثر من غلوة أو من غلوتين فإما ان نحمل الامر بالطلب علی الاستحباب أو نقول المراد انه في سعة الوقت الطلب بمقدار غلوة أو غلوتين واجب و في ضيق الوقت لايجب الطلب حتی بهذا المقدار بل يتيمم. فكانه قال: مع خوف الفوت يتيمم بلاطلب و مع سعته يتيمم بعد الطلب، خب طلب الماء، ذهب الی مساحة بمقدار رمي سهم أو سهمين فلم يجد الماء و لكنه بعدُ في اول الوقت، طلب الماء فلم يجده، ثم بعد ذلك ما هو الدليل علی وجوب تاخير التيمم. فاذا خاف الفوت فليتمم و ليصلي في آخر الوقت هذا في فرض خوف الصلاة لميقل و ليصل في آخر الوقت مطلقا، لا، اذا خاف الفوت فليتيمم و ليصلي في آخر الوقت اما اذا لايخاف الفوت يطلب الماء بمقدار غلوة أو غلوتين بعد ما تحقق منه طلب الماء بمقدار غلوة أو غلوتين لادليل علی وجوب تاخير التيمم الی آخر الوقت.
الانصاف يقتضي ان نقبل هذا الكلام. هذه الصحيحة لاتدل علی اكثر مما ذكره. لو فحص، بعد ما نزل مكانا فحص أو ارسل ابناءه، عنده اربع اولاد، فارسل كل واحد منهم الی جهة، فرجعوا قالوا لمنجد ماءا، بمقدار رمي سهم، فهو اطمئن بكلامهم، ما هو الدليل علی لزوم تاخير التيمم؟ يعني هذه الصحيحة لاتدل علی لزوم تاخير التيمم.
و اما بناءا علی كون المتن فليمسك، فهذا المتن غير ثابت و لكن لو ثبت يقتضي وجوب تاخير التيمم مع رجاء زوال العذر. هكذا يقول السيد الخميني.
لكن نحن نقول: لو ثبت ان متن الصحيحة فليمسك فمقتضی الاطلاق انه لو يأس عن زوال العذر فتيمم و صلی ثم وجد الماء، مقتضی الاطلاق ان يعيد صلاته. فان قوله فليمسك عن الصلاة مادام في الوقت ظاهر في انه مؤثر في الحكم الواقعي و ان كان يأسه طريقا، نحن لانستظهر من الصحيحة بناءا علی كون المتن فليمسك وجوب التاخير تعبدا حتی لو يأس من وجدان الماء في الوقت و كان يأسه مطابقا للواقع، لانقول بذلك، اذا يأس عن وجدان الماء في اثناء الوقت و كان يأسه مطابقا للواقع تيممه صحيح في اول الوقت و لكن اذا انكشف ان يأسه مخالف للواقع لماذا تمنعون من اطلاق قوله فليمسك عن الصلاة مادام في الوقت؟ يقال له ألم نقل لك امسك عن الصلاة مادام في الوقت؟ انت حسب اعتقادك يأست من الظفر بالماء و اتيت بالتيمم و لكن الان انكشف وجود الماء فيستظهر من هذه العبارة فليمسك عن الصلاة مادام في الوقت عدم الاكتفاء بذلك التيمم.
و اما استشهاده بصحيحة محمد بن حمران علی استحباب التاخير لانه ورد فيها ليس ينبغي لاحد ان يتيمم الا في آخر الوقت، هذا غريب. يا سيدنا، الله يرحمك، إما ان تقول بان ليس ينبغي ظاهر في الحرمة كما يقول به جمع من الاعلام كالسيد الخوئي و السيد السيستاني أو لااقل تقول بالاجمال، كيف تدعي ظهور كلمة ليس ينبغي في الحكم غير الالزامي، ليس ينبغي يعني لايناسب، يعني مكروه ان تتيمم في اول الوقت، ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك يعني مي خالف اذا تنقض اليقين بالشك لانمنعك من ذلك لكن مو مناسب، هذا معناه؟ سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء، يعني مو مناسب لكن لو فعلنا ذلك ما كان به اشكال؟ فإما ان ندعي كما هو الظاهر ظهور كلمة ليس ينبغي في الحكم الالزامي أي لايجوز لاحد ان يتيمم الا في آخر الوقت أو لااقل ندعي الاجمال كما ادعی صاحب الحدائق، اما ان نقول بظهور كلمة ليس ينبغي في الكراهة و نرفع اليد عن ظهور سائر الروايات في الحكم الالزامي هذا لايخلو عن غرابة.
و اما اشكاله علی المحقق الهمداني و غيره حيث جمعوا بين الروايات قالوا هناك روايات تنصرف الی فرض الشك في زوال العذر و لاتشمل فرض اليأس مثل فان فاتك الماء لمتفتك الارض، هذه الروايات تنصرف الی فرض الشك في زوال العذر اما من يأس من زوال العذر لايقال له فان فاتك الماء لمتفتك الارض، هناك روايات تدل علی وجوب التاخير و لكنها منصرفة عن فرض اليأس عن زوال العذر، فهذه الروايات في خصوص الشك في زوال العذر تدل علی لزوم تاخير التيمم الی آخر الوقت فنقيد بها اطلاق الآية و الروايات المجوزة للتيمم في اول الوقت فنحملها علی فرض اليأس عن زوال العذر. فقال السيد الخميني هذا الجمع في غاية الوهن لان حمل الآية و الروايات التي ربما تبلغ عشرين رواية و كلها في مقام البيان و تعيين الوظيفة نحملها علی فرض النادر و هو اليأس عن وجدان الماء في اثناء الوقت، هذا مستهجن سيما مع اشتمالها علی التعليل بان رب الماء هو رب التراب فقد فعل احد الطهورين كما في صحيحة محمد بن مسلم: رجل اجنب فتيمم بالصعيد و صلی ثم وجد الماء قال لايعيد ان رب الماء هو رب الصعيد فقد فعل احد الطهورين، نحمل هذه الصحيحة علی فرض اليأس؟ و هو فرض نادر و مخالف لهذا التعليل، رب الماء رب الصعيد في خصوص اليأس؟ اما في خصوص رجاء زوال العذر رب الماء مو رب الصعيد، رب الصعيد شخص آخر؟
ثم قال: لاتقولوا في منطقة الحجاز كان يكثر اليأس عن وجدان الماء للمسافرين، لاننا نقول في الجواب ابدا، هناك كان احيانا تنزل امطار غزيرة تجري سيول و يجتمع الماء في الغدران، غدير خم غدير كذا، اماكن منخفضه اذا تنزل الامطار يجتمع فيها ماء المطر و يبقی الی اشهر و هذا المسافر كيف ييأس عن وجدان الماء امش شويا بل تجد ماءا. فحمل هذه الروايات علی فرض اليأس حمل علی الفرد النادر. فهذا الحمل غير عرفي.
نقول في الجواب: اما الآية فهي منصرفة الی عدم وجدان الماء في تمام الوقت بمناسبة الحكم و الموضوع فلم تجدوا ماء أي لمتجدوا ماء بلحاظ اتيان بالصلاة الواجب صرف وجودها و هو الصلاة في تمام الوقت. و اما الروايات فجلها كانت منصرفة عن فرض رجاء العذر لميكن لها اطلاق. رجل تيمم فصلی ثم وجد ماءا المنصرف منها انه تيمم تيمما مشروعا و القدر المتيقن منه فرض اليأس. نعم ثبت الاطلاق في صحيحة الحلبي لان الامام قال لمن اجنب و لميجد الماء انه يتيمم بالصعيد امره بالتيمم لا انه جعل مفروغا عنه في سؤال السائل، فهذا اطلاقه يشمل فرض رجاء زوال العذر. و لكن لمنفهم لماذا منع السيد الخميني رحمة الله عليه عن تقييد هذا الاطلاقات و حملها علی فرض اليأس عن وجدان الماء أو فرض خوف ضيق الوقت أو فرض وجدان الماء بعد الوقت.
كيف يكون هذا حمل علی الفرد النادر؟ احيانا الانسان في اثناء الصيف يكون مأيوسا عن وجدان الماء. في ايام الشتاء ممكن، حتی في ايام الشتاء يدري بانه المطر ما كان نازل في هذه المنطقة لكن علی اي حال في ايام الصيف كثيرا ما الانسان ييأس عن وجدان الماء. لماذا العرب سموا المناطق البرية بالمفازة؟ من باب التيمن لانه كان مخوّفا، يمشي في هذا الطريق و لايجد فيها ماء يموت من العطش فسموه بالمفازة، بركة هذه التسمية تفيدهم كما سموا بالحية من باب التيمن و الا اشلون حية. تموّت الانسان بالسم. يحصل اليأس عن وجدان الماء كثيرا ما. أو يكون خوف ضيق الوقت بعد ساعة تغرب الشمس، بعد نصف ساعة تطلع الشمس. فليس حملا علی الفرد النادر.
و المهم كلمة واحدة: هذه الروايات كانت معارضة لما تامر بالاعادة. ماذا نصنع بالطائفة الآمرة باعادة الصلاة اذا وجد الماء في الوقت؟ فمقتضی الصناعة لولا تسالم الاصحاب لكان هو الالتزام بوجوب اعادة الصلاة لمن وجد الماء في اثناء الوقت مطلقا و انما معنا من الذهاب الی ذلك تسالم الاصحاب الی عدم اعادة الصلاة اذا صلی مع التيمم في فرض اليأس ثم وجد الماء.
و الحمد لله رب العالمين.