کيفية الجمع بين الروايات في جواز البدار الی التيمم في اول الوقت
الدرس 55
الثلثاء – 43/06/15
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين.
كان الكلام في انه هل يجوز البدار الی التيمم في اول الوقت مع احتمال زوال العذر في اثناء الوقت أو مع اليأس عن زوال العذر في اثناء الوقت أو لايجوز؟
قرأنا ثلاث روايات كان المستفاد منها وجوب تأخير التيمم الی آخر الوقت في فرض الشك في زوال العذر، صحيحة محمد بن مسلم و موثقة ابن بكير و صحيحة زرارة، و لكن قرأنا رواية رابعة مطلقة كان تامر بتاخير التيمم الی آخر الوقت مطلقا و هي رواية محمد بن حمران: و اعلم انه ليس ينبغي لاحد ان يتيمم الا في آخر الوقت، فاطلاق هذه الرواية كان يشمل فرض الشك في بقاء العذر و فرض اليأس عن زوال العذر.
اجيب عن هذه الرواية تارة بان القدر المتيقن من بعض الروايات جواز البدار الی التيمم في اول الوقت في فرض اليأس عن زوال العذر، فنقيد اطلاق رواية محمد بن حمران بالقدرالمتيقن من هذه الروايات. كصحيحة محمد بن مسلم: رجل اجنب فتيمم بالصعيد و صلی ثم وجد الماء قال لايعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل احد الطهورين. هذه الرواية الصحيحة ليس في مقام البيان من ناحية متی يشرع التيمم لان السائل فرض انه اجنب رجل فتيمم بالصعيد و صلی ثم وجد الماء، و ينصرف هذا الی انه تيمم بمسوغ شرعي فيعلم انه يوجد مسوغ شرعي في الجملة للمبادرة الی التيمم. فيكون القدر المتيقن منه فرض اليأس عن زوال العذر.
هذا ما ذكره السيد الخوئي.
و لكن قد يقال بان الاطلاق المقامي للصحيحة حيث ان الامام لمينبه السائل انه لايسوغ له ان يتيمم في اول الوقت مع فرض الشك في زوال العذر، لمينبه السائل علی ذلك فينعقد الاطلاق المقامي في جواز التيمم حتی في هذا الفرض.
لكن الانصاف عدم ظهور الصحيحة في هذا المطلب. يسأل الامام فيقول رجل اجنب فتيمم بالصعيد و صلی ثم وجد الماء فقال الامام لايعيد، يعني فرض انه تيمم تيمما مشروعا.
ان قبلتم الاشكال في اطلاق هذه الصحيحة لفرض التيمم مع الشك في زوال العذر فيكون القدر المتيقن من هذه الصحيحة حجة فيقول السيد الخوئي بانا نقيد اطلاق ما دل علی وجوب تاخير التيمم الی آخر الوقت بالقدر المتيقن من هذه الصحيحة.
و اوضح من هذه الصحيحة في عدم الاطلاق صحيحة زرارة: قلت لابيجعفر عليه السلام يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل و النهار كلها قال نعم ما لميحدث قلت فيصلي بالتيمم الواحد صلاة الليل و النهار كلها قال نعم ما لميحدث أو يصب ماءا قلت فان اصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال فلينصرف و ليتوضأ ما لميركع فان كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم احد الطهورين. لااشكال في انه هذه الصحيحة ليست في مقام بيان انه هل كان يشرع له ان يتيمم مطلقا ام لا، حيث انه ليست هذه الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة فنأخذ بالقدر المتيقن من ذلك و هو التيمم في فرض اليأس عن زوال العذر.
لكن نحن اشكلنا علی السيد الخوئي اشكالا مبنائيا و هو انه هل يمكن تقييد اطلاق بقدرمتيقن من خطاب آخر أو لا؟ نحتاج الی احراز ظهور هذا الخطاب الثاني في التخصيص، نحرز ان مدلوله الاستعمالي اخص مطلقا من مدلول الخطاب المطلق. نحن حيث نری وفاقا للبحوث لزوم اخصية الخطاب المخصص من ناحية مدلوله الاستعمالي حتی نخصص به الخطاب العام و المطلق فنستشكل في تخصيص العموم بخطاب ليس ظاهرا في الخصوص بل مجمل بين ان يكون خاصا أو عاما مباينا لذلك الخطاب الاول.
لكن المهم ان هذا لايمنع من العمل بالقدرالمتيقن من هذا الخطاب الثاني. مثلا: لو ورد في خطاب اكرم العالم و ورد في خطاب آخر لاتكرم العالم و اختلفت النسخ، ففي نسخة لاتكرم العالم الفاسق و في نسخة أخری لاتكرم العالم مطلقا، لانحرز المعارض لهذا الخطاب الثاني لانه من الممكن ان يكون اخص مطلقا و العالم لايعارض الاخص المطلق، فنأخذ بالقدرالمتيقن و يكون القدرالمتيقن حجة من دون ان نحتاج الی جمع عرفي. مجرد عدم احراز معارض لهذا الخطاب يجوّز لنا الاخذ بالقدرالمتيقن منه.
فاذا نأخذ بالقدرالمتيقن من صحيحة محمد بن مسلم مثلا في جواز الصلاة مع التيمم في اول الوقت في فرض اليأس عن ارتفاع العذر. و اما في مورد الشك في زوال العذر فوجدنا ثلاث روايات دلت علی لزوم التاخير في فرض الشك في زوال العذر كصحيحة زرارة: المسافر يطلب الماء مادام في الوقت فاذا خاف الوقت فليتيمم و ليصلي في آخر الوقت. و كانت هذه الصحيحة مختصة بفرض الشك في زوال العذر. فصحيحة زرارة و نحوها اختصت بفرض الشك في زوال العذر و دلت علی لزوم تاخير التيمم الی آخر الوقت و صحيحة محمد بن مسلم هذه التي قرأنا اخذنا بالقدر المتيقن منها و القدر المتيقن منها جواز التيمم في اول الوقت في فرض اليأس عن زوال العذر، و حصّلنا ما كان هو المطلوب.
لكن هذا المقدار لايكفي لاننا وجدنا حديثين مطلقين يدلان علی وجوب اعادة الصلاة لمن صلی بتيمم في اول الوقت. ففي حديث الحلبي عن الرجل اذا اجنب و لميجد الماء قال يتيمم بالصعيد فاذا وجد الماء فليغتسل، هذا حديث مطلق، هذا الحديث المطلق يدل علی جواز التيمم مطلقا، يتيمم بالصعيد فاذا وجد الماء فليغتسل و لايعيد الصلاة. هذا الحديث المطلق يقابل و يعارض حديث محمد بن حمران و الذي كان هو ايضا مطلقا،حديث محمد بن حمران باطلاقه دل علی وجوب التاخير سواء في فرض الشك في زوال العذر أو في فرض اليأس عن زوال العذر و حديث الحلبي باطلاقه دل علی عدم وجوب تاخير التيمم بل جواز البدار الی التيمم مطلقا سواء مع الشك في زوال العذر أو مع اليأس عن زوال العذر. فصار لدينا حديث مطلق و هو حديث محمد بن حمران ينفي جواز البدار و عارضه حديث آخر و هو حديث الحلبي دل علی جواز البدار و النسبة بينهما التباين. ماذا نصنع؟ ان قبلنا انقلاب النسبة كالسيد الخوئي فكنا نقول: اطلاق حديث الحلبي الدال علی جواز البدار لابد ان يقيد بالروايات الثلاثة التي قرأناها اولا و قد دلت علی وجوب تاخير التيمم في فرض الشك في زوال العذر كصحيحة زرارة المسافر يطلب الماء مادام في الوقت و بهذا يحصل انقلاب النسبة. حديث الحلبي باطلاقه دل علی جواز البدار، فقيد هذا الاطلاق بما كان يدل علی وجوب التاخير مع فرض الشك في زوال العذر كصحيحة زرارة: المسافر يطلب الماء مادام في الوقت و بعد تقييد حديث الحلبي بذلك و حمل حديث الحلبي علی فرض اليأس عن زوال العذر يكون حديث الحلبي اخص من حديث محمد بن حمران الدال علی وجوب التاخير مطلقا لان حديث الحلبي حمل علی جواز البدار في فرض اليأس و حديث محمد بن حمران نفی جواز البدار مطلقا فنحمل حديث محمد بن حمران النافي لجواز البدار علی فرض الشك في ارتفاع العذر.
و هذا هو انقلاب النسبة. لكن ماذا نصنع و نحن لانری نظرية انقلاب النسبة.
السيد الخوئي نفعنا هنا من حيث لايحتسب (أو من حيث لانحتسب!!) قال: حديث الحلبي لااطلاق له، انتم تقولون حديث الحلبي مطلق؟ يدل علی جواز البدار الی التيمم سواء في فرض الشك في ارتفاع العذر أو في فرض اليأس عن زوال العذر؟ لا، ليس له اطلاق. لماذا ليس له اطلاق؟ يقول السيد الخوئي: لاحظوا حديث الحلبي: الرجل اذا اجنب و لميجد الماء، لميجد الماء منصرف الی عدم وجدان الماء في تمام الوقت، قال يتيمم بالصعيد فاذا وجد الماء إما ان نقول وجد الماء خارج الوقت أو نحمل حديث الحلبي علی فرض اليأس، لايجد الماء ليس له اطلاق لفرض الشك في ارتفاع العذر ثم يجد الماء في اثناء الوقت.
لكن مع ان السيد الخوئي نفعنا انكر اطلاق حديث الحلبي لكن لايمكننا ان نوافقه، لماذا ليس له اطلاق؟ الرجل اذا اجنب و لميجد الماء، لماذا ليس له اطلاق لفرض الشك في ارتفاع العذر،خصوصا مع قوله فاذا وجد الماء فليغتسل.
فاذا تبقی هذه الازمة، يعني حديث مطلق، حديث محمد بن حمران، يدل علی وجوب التاخير و حديث مطلق، حديث الحلبي، يدل علی جواز البدار و النسبة بينهما التباين و ان وجدنا حديثا آخر يدل علی وجوب التاخير في فرض الشك في ارتفاع العذر لكن جعل هذا الحديث الثالث سببا لانحلال التعارض بين هذين الحديثين المطلقين يبتني علی نظرية انقلاب النسبة.
لكن يمكن الجواب عن ذلك بان انكار انقلاب النسبة يختص بما اذا كان هناك ثلاث خطابات لا اربع خطابات. اذا ثلاث خطابات صحيح، نحن لانقبل انقلاب النسبة لانه ليس جمعا عرفيا اما اذا كان اربع خطابات، مثلا اكرم العالم لاتكرم العالم، خطابان متباينان، خطاب ثالث ورد: لاتكرم العالم الفاسق، الی هنا نختلف مع السيد الخوئي، السيد الخوئي يقول: انا أری انقلاب النسبة، هذا الخطاب الثالث لاتكرم العالم الفاسق قيد اكرام العالم، فجعله مختصا باكرام العالم العادل، فبعد ان صار مختصا به صار اخص و نقيد به اطلاق خطاب الآخر لاتكرم العالم و نحمله علی النهي عن اكرام العالم الفاسق، نحن انكرنا ذلك قلنا بان انقلاب النسبة لانری به وفاقا لجمع من الاعلام، لكن بشّرنا احد فقال يوجد خطاب رابع يقول اكرم العالم العادل، كل من الخطابين المتباينين يوجد له مقيد، لاتكرم العالم الفاسق قيد اكرم العالم، اكرم العالم العادل قيد لاتكرم العالم. و هذا ما يسمي بشاهد الجمع. و يعترف به من لايعترف بكبری انقلاب النسبة كما في البحوث.
نطبّق هذا علی المقام. هذا توجد اربع خطابات: حديث محمد بن حمران: يجب التاخير، لايجوز البدار، حديث الحلبي: يجوز البدار، حديثان متباينان، حديث ثالث يقول: يجب التاخير في فرض الشك في ارتفاع العذر، و حديث رابع و هو القدر المتيقن من مثل صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة زرارة حيث قلنا بان القدر المتيقن منهما مشروعية التيمم في اول الوقت في فرض اليأس. و بذلك خفّت الازمة لكنها لمتنحل بعدُ. لماذا؟ لاننا ماذا نصنع بثلاث روايات أخر: صحيحة يعقوب بن يقطين: عن رجل تيمم فصلی قال اذا وجد الماء قبل ان يمضي الوقت توضأ و اعاد. يدل علی وجوب الاعادة اذا وجد الماء في اثناء الوقت. هذه الصحيحة تتعارض مع ما دل علی عدم وجوب الاعادة. اي فرق بين قوله رجل تتيمم فصلی ثم وجد الماء قال لايعيد صلاته، كما في صحيحة محمد بن مسلم، و هذه الصحيحة التي تقول: رجل تيمم فصلی ثم وجد الماء فعليه ان يعيد الصلاة، النسبة بينهما التباين. ان قلنا بان القدر المتيقن من صحيحة محمد بن مسلم هو فرض اليأس فهذه الصحيحة مثلها، رجل تيمم فصلی صحيحة محمد بن مسلم قالت ان وجد ماءا لميعد الصلاة.
جواب سؤال: رجل تيمم فصلی ظاهر في انه تيمم مشروع و هذا الذي اعترف به السيد الخوئي قال هذه الصحيحة مثل صحيحة محمد بن مسلم. علی اي حال: اذا كان لايجوز له البدار في فرض الشك في ارتفاع العذر فالقدر المتيقن انه في فرض اليأس تيمم. اي فرق بين ان يقول رجل تيمم فصلی فوجد ماءا، في صحيحة محمد بن مسلم يقول، لايعيد الصلاة، في صحيحة يعقوب بن يقطين يقول يعيد الصلاة. … فيبنهما نسبة التباين، ذاك يقول لايعيد الصلاة هذا يقول يعيد الصلاة.
فهنا تشبث الاعلام بذيل صحيحة منصور بن حازم حيث ورد فيها رجل تيمم فصلی ثم اصاب الماء فقال: اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد، فقالوا بان هذا ظاهر في عدم وجوب الاعادة. لانه لو كان تجب اعادة الصلاة هل يناسب ان يقول الامام اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد؟
انا اطرح شبهة، فكّروا في هذه الشبهة حتی يتبين حل هذه الشبهة. الامام عليه السلام كان يواجه فقهاء، متفقهين، ينسوب انفسهم الی الفقه، ابتلي الائمة عليهم السلام، و حكام ظالمين و فقهاء أو متفقهين لايعترفون بالامام عليه السلام، و الامام كان يتقي منهم، و كما يقول السيد السيستاني ليس دائما تقية خوفية علی انفسهم أو علی الشيعة، لا، كان ائمة يريدون يتحفظون علی مقامهم العلمي في المجتمع، لو كان يقول شيئا علی خلاف الجو الفقهي العام قد كان هذا يقلل من مقام الامام عليه السلام في المجتمع و ما كان يتيسر للامام بعد ذلك ان يخدم المجتمع لانه اغلب الناس ما كانوا موالين، الانسان يتعسف، يعني يناسب الانسان يبكي ليلا و نهارا، اميرالمؤمنين عليه السلام في رجال الكشي يقول: كان يقاتل معه و لميكن بينهم خمسون رجل يعرفونه حق معرفته يعني يعترفون بامامته، كم عسكر اميرالمؤمنين؟ مأة الف؟ ما ادري، جماعة كثيرين و لميكن فيهم خمسون رجل يعرفونه حق معرفته أي يعترفون بامامته، كانوا اتباع فلان و فلان، اصحاب جمل ينادون حينما ياتي محمد بن ابي بكر يواجهم يقولون الخبيث ابن الطيب، و عسكر اميرالمؤمنين كانوا يقولون الطيب ابن الطيب. اشخاص قليلين كانوا يعرفون الامام و ما كانون يعرفون يقدرون ظروف الامام، احيانا في اثناء الحرب يسألون اشلون كان موقفكم مع فلان و فلان.
الامام عليه السلام كان يعيش في هذه الظروف الصعبة. فحينما يسأل رجل تيمم فصلی ثم اصاب الماء فيقول اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد، هل يكون هذا ظاهرا في ان هذا ليس بواجب؟ مو معلوم. الامام يقول انا لو كنت فاعلا اتوضأ و اعيد، تقول هذا لايناسب بيان الحكم الشرعي الالهي لو كان واجبا اعادة الصلاة؟ لماذا لايناسب. هذا اطرحه كشبهة. نعم مجمل لكن يكون قرينة علی حمل ما دل علی اعادة الصلاة نحمله علی الاستحباب؟ هذا مو واضح.
تاملوا في هذه الشبهة الی ليلة الاحد انشاءالله.
و الحمد لله رب العالمين