واجبات التيمم
الدرس 31
السبت – 21/04/43
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علی سيدنا محمّد و آله الطاهرين سيما بقية اللّه في الأرضين و اللعن علی أعدائهم أجمعين.
كان الكلام في انه هل يعتبر في التيمم ضرب اليدين علی الارض أو يكفي وضعهما علی الارض؟ بل قد يقال بكفاية مجرد المماسة و لو لميكن بنحو وضع اليدين علی الارضو فهنا ثلاث احتمالات: الاحتمال الاول و هو الذي اختاره المشهور ان يكون الواجب ضرب اليدين علی الارض و هو الوضع الشديد، الوضع بشدة. و الاحتمال الثاني ان يقال بكفاية الوضع فان الوضع اعم من كونه بشدة و يسمی ضربا أو بلين و يعبر عنه بالوضع.
و من ذلك تبين ان النسبة بين الوضع و الضرب عموم و خصوص مطلق و ليس الوضع في قبال الوضع يعني ليس الوضع مقيدا بكونه بشرط لا عن الشدة. وضع يديه علی الارض يصدق علی الضرب لا انه في قبال الضرب. فما يتوهم من ان الوضع في قبال الضرب فالوضع اخذ فيه بشرط لائية عن الشدة و عدم اللين، هذا غير عرفي، فان المولي اذا امر عبده فقال له: ضع يديك علی الارض فضرب بيديه علی الارض فقد امتثل امر المولي و المولي قال له يجب عليك ان تضع يديك علی الارض و هو وضع يديه علی الارض لكن بشدة لا بلين. فالاحتمال الثاني هو انه يكفي الوضع و ان كان الوضع صادقا علی الضرب ايضا.
الاحتمال الثالث ان تكفي المماسة مطلقا و لو لميكن بنحو وضع اليدين علی الارض بان قرّب التراب الی يديه فصار مماسة بين يديه و بين التراب.
الآية الكريمة مطلقة، فتيمموا أي اقصدوا صعيدا طيبا سواء كان بالضرب علی الارض أو بوضع اليدين علی الارض أو بمطلق المماسة، فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم و ايديكم. ظاهر وضع اليدين علی الارض ان يقرب يديه نحو الارض و اما اذا قرب الارض أي الاجزاء الارضية كالتراب الی يديه فبذلك تتحق المماسة و لايصدق انه وضع يديه علی الارض. الآية الكريمة مطلقة؛ تشمل حتي المماسة بين اليدين و بين الارض.
الروايات كانت علی طائفتين: فطائفة عبّر فيها الامام عليه السلام بوضع اليدين علی الارض و طائفة ثانية عبر فيها الامام عليه السلام بضرب اليدين علی الارض. و المشهور اعمال قواعد الاطلاق و التقييد بين الطائفتين فحملوا مطلق الوضع علی الوضع بكيفية خاصة و هي الوضع بشدة و يعبر عن ذلك بالضرب.
قبل ان اتكلم عن هذا المطلب و ان هذا الجمع العرفي هل هو تام أو ليس بتام، اذكر شبهة في المقام. فقد يقال بان الضرب الان صار ظاهرا في الوضع بشدة و لكن يستفاد من خلال الاستعمالات في اللغة العربية ان الضرب مرادف للوضع، ضرب بيده علی لحيته أي وضع يديه علی لحيته. فليضرب بخمرهن علی جيوبهن أي يضعن خمرهن علی جيوبهن، الی غير ذلك من الاستعمالات التي استعمل فيها الضرب بمعني مطلق الوضع. و لااقل من الشك فيقال بانه يكفي الشك في كون الضرب مرادفا للوضع فلانحرز انه خطاب مقيد كي نحمل اطلاق الوضع عليه.
هذه الشبهة مندفعة ظاهرا؛ فان الضرب حسبما نفهمه وجدانا و نراه ظاهرا من الاستعمالات انه هو الوضع بشدة و اللاتي تخاهون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن، ان الله لايستحيي ان يضرب مثلا، فترجمته بالفارسية يقال مثال زدن. فالظاهر ان الضرب بمعني الوضع بشدة لامطلق الوضع. و اما التعبير بانه ضرب بيديه علی لحيته فالظاهر انه بالنفس المعني الذي نفهمه. في مقام البكاء ضرب بيديه علی لحيته لا انه اخذ بلحيته. هذا هو الذي نقل عن اميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الخطبة المباركة التي القاها قبيل شهادته، الخطبة التي تبكي الانسان:
لِلَّهِ أَنْتُمْ، أَ تَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ وَ يُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ؟ مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ؟ قَدْ وَ اللَّهِ لَقُوا اللَّهَ، فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ. أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ؟ قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ ثُمَّ قَالَ: أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَ تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ. الی آخر هذه الخطبة الشريفة.
فضرب بيديه علی لحيته الشريفة الكريمة لا انه وضع يده الشريفة علی لحيته، لا، ضرب بيده علی لحيته في مقام البكاء و العزاء.
و اما قوله تعالي و ليضرب بخمرهن علی جيوبهن فلعل المتعارف بين النساء هو القاء طرف الخمار علی العنق بشدة حتی يلتصق بالعنق، اذا وضعوا الخمار علی العنق قد لايلتصق لكن اذا ضربت المرأة طرف الخمار علی عنقها فاشتد و يلتصق. و لايضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. بعض النساء تضرب برجلها علی الارض حتی يسمع صوت الخلخال، و لايضرب بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن حتی الناس يعرفون ان هذه المرأة لابس الخلخال. علی اي حال الظاهر من كلمة ضرب هو نفس المعني الذي نفهمه منه اليوم و هو الوضع بشدة.
لكن بالنسبة الی هاتين الطائفتين في الروايات، طائفة اشتملت علی كلمة الوضع و طائفة اشتملت علی كلمة الضرب، فقد يقال كما ذكر السيد الخميني بان العرف لايفهم من هذه الروايات تقييد الآية الكريمة، بل العرف يفهم ان هذا مثال لمماسة اليدين بالتراب. اقرأ كلام السيد الخميني في المقام فانه مثل السيد السيستاني يميل الی انه لايجب ضرب اليدين علی الارض في التيمم، السيد السيستاني قال يكفي الوضع، كلام السيد الخميني اولا انه حتی الارض لايجب بل تكفي المماسة، يقول: مقتضی اطلاق الآية عدم اعتبار شيء الا كون المسح علی الارض أي مبتدءا منها و قد قيدت بالاجماع و الضرورة بلزوم كون الآلة اليد يعني يكون المسح من الارض باليد، و يبقی اطلاقها بالنسبة الی الوضع و الضرب بحاله بل بمناسبة كون الصعيد قائما مقام الماء عند فقده يقوی اطلاقها. في الماء كان يكفي المماسة مع الماء للمسح علی الرأس و الرجلين فكذلك في التراب. و يشكل رفع اليد عنه بمثل قوله تضرب بكفيك الارض و لو مع الغض عن الروايات المشتملة علی الوضع لعدم فهم القيدية منه بل لاينقدح في ذهن العرف الا ان الضرب للتوصل الی المسح من الارض. فيقول حتی لو كنا نحن و الطائفة التي تامر بضرب اليدين علی الارض فلايفهم من هذه الطائفة تقييد الآية الكريمة.
الانصاف ان هذا غير متجه. هو يريد يتمسك بالارتكاز المدعوم من ملاحظة المشابهات. لكن الاشكال عليه انه لماذا نرفع اليد عن الروايات الواردة في بيان كيفية التيمم حيث ورد فيها تضرب بيديك الارض، يقول: الضرب لاخصوصية له، خب لماذا لميقل تضع يديك علی الارض. امرت بضرب اليدين علی الارض، كيف لاتكون هذه الروايات ظاهرة في التقييد بعد ان كانت اغلب الآيات في مقام اصل التشريع لا في كيفية التشريع، لمترد الآيات في كيفية التيمم و تفاصيلها.
فالمهم ما ذكره السيد الخميني حول الجمع بين الروايات. يقول: الروايات بعضها مشتملة علی حكاية قضية عمار كصحيحة زرارة. ورد في بعضها كما في صحيحة زرارة انه عليه السلام اهوی بيديه الی الارض فوضعهما علی الصعيد. و هذا كالنص في عدم الحاجة الی اكثر من الوضع لانه لو كان فعل النبي صلی الله عليه و آله مشتملا علی الضرب لما اهمله الامام عليه السلام في مقام نقل كيفية تيمم النبي، كان ينبغي ان يقول فضرب بيديه علی الارض فلماذا قال فوضعهما علی الصعيد و كان الامام الباقر عليه السلام في مقام بيان كيفية تيمم النبي صلی الله عليه و آله لتعليم الناس. نعم، في رواية اخری موثقة عن زرارة في نفس قضية عمار ورد هكذا: فضرب بيديه علی الارض. اقرأ هذه الرواية: محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب نوادر احمد بن محمد بن ابينصر عن عبدالله بن بكير عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال اتي عمار بن ياسر رسول الله صلی الله عليه و آله اني اجنبت الليلة، الی ان قال: فقال النبي صلی الله عليه و آله هكذا يصنع الحمار يعني هذا التي تمرغت في التراب صنْع الحمار، انما قال الله فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيده علی الارض ثم ضرب احدهما علی الاخری. السيد الخميني يقول: يحتمل في هذه الموثقة (هو يعبر عن هذه الرواية بموثقة و لكن في حجية مستطرفات السرائر بحث طويل فان ابن ادريس الحلي لميذكر سنده الی الكتب الذي ينقل عنها. و قد اشكل السيد الخوئي و السيد السيستاني في حجية مستطرفات السرائر لاجل جهالة اسناد ابن ادريس الحلي الی الكتب التي استطرف منها احاديث). يقول السيد الخميني: ظاهر هذه الموثقة ان قوله فضرب بيديه علی الارض من كلام ابي جعفر عليه السلام حكاية عن فعل النبي صلی الله عليه و آله و احتمال ان كان العمل من ابي جعفر عليه السلام فيها غير بعيد. كان المناسب ان يقول احتمال ان يكون العمل من ابي جعفر عليه السلام فيها بعيد كي يتلائم مع قوله و ظاهرها ايضا ان قوله فضرب من كلام ابي جعفر عليه السلام حكاية عن فعل النبي. علی اي حال يحتمل في هذه الموثقة ان يكون قوله فضرب بيده كلام ابي جعفر عليه السلام نقلا عن كيفية تيمم النبي أو يكون كلام الراوي نقلا عن فعل ابي جعفر عليه السلام في مقام بيان كيفية التيمم.
[السؤال: … الجواب:] يقول و ظاهرها ايضا ان قوله فضرب من كلام ابي جعفر عليه السلام حكاية عن فعل النبي و احتمال ان يكون العمل من ابي جعفر عليه السلام فيها فيكون هذا الكلام كلام الراوي غير بعيد. هذا غير بعيد و ذاك هم ظاهر؟ كيف ممكن؟ … الكلام ان القضية واحدة عُبّر في رواية تنقل تلك القضية ان النبي وضع يده علی الارض و في رواية اخری تنقل تلك القضية فتقول ضرب بيده علی الارض.
فيقال بانه لو كان الضرب دخيلا في كيفية التيمم فلماذا الامام عليه السلام في الرواية الاولی في صحيحة زرارة لمينصّ علی ذلك بل قال وضع يده علی الارض. فلعل النبي ضرب بيده علی الارض و لكن الامام عليه السلام في الصحيحة الاولی حينما يقول وضع بيده علی الارض اكتفی في مقام بيان نقل تيمم النبي بانه وضع يديه علی الارض و لو كان النبي اختار الضرب لكن الامام الباقر عليه السلام لما حكی فعل النبي قال وضع يده علی الارض فهذا يدل علی ان ما كان دخيلا في التيمم هو كان مطلق الوضع و الا لكان الامام يركز ان النبي ضرب بيده علی الارض فنحن لاننكر موثقة زرارة الحاكية ان النبي ضرب بيده علی الارض، في الصحيحة الاولی اكتفی بان النبي وضع يده علی الارض لميصرح فيها بان النبي ضرب بيده علی الارض و لكن الكلام انه اذا كان يحتاج التيمم الی الضرب فلماذا الامام في صحيحة زرارة اكتفی بنقل ان النبي وضع يده علی الارض؟
فالمهم ان اعمال التقييد في روايات مشتملة علی الوضع ليس عرفيا، يقول السيد الخميني: بعد ما حكي في روايات مشتملة علی الوضع ان النبي وضع يده علی الارض و كذا ورد في روايات اخری الامر بوضع اليدين علی الارض و كانت هذه الروايات في مقام تعليم كيفية التيمم، فالعرف يأبی عن تقييد هذه الروايات بان يراد من الوضع فيها خصوص الضرب. المتفاهم العرفي من قوله وضع يده علی الارض لما كان في مقام تعليم التيمم انه وضعها بلاشدة و الا كان الراوي ينقل بل كان الامام ينقل فعل النبي و انه ضرب بيده علی الارض مع انه في صحيحة زرارة لمينقل الا انه وضع يده علی الارض فكيف نرفع اليد عن تلك الاطلاقات؟ و هذا يقتضي ان نحمل الامر بالضرب علی الاستحباب.
و لعل السيد السيستاني لاجل هذه النكتة ذهب الی كفاية مطلق الوضع لان السيد السيستاني يصرح بان الروايات الواردة في مقام الافتاء أي في مقام بيان الوظيفة الفعلية لايقبل العرف ان يقيد اطلاقها الترخيصي بخطاب منفصل ظاهر في الالزام. الخطاب الظاهر في الالزام يمكن حمله علی الاستحباب و نقول لميذكر الامام قرينة علی الاستحباب لاجل سوق الناس الی الكمال، اما الروايات التي تقتضي باطلاقها الترخيص و حمل هذا الاطلاق علی المقيد يوجب تاخير البيان عن وقت الحاجة العرف لايقبل تقييد هذا الاطلاق، يقول لعل ذلك المقيد من باب الاستحباب و من باب افضل الافراد.
و ما ذكراه غير بعيد انصافا. اذا كان يلزم الضرب فالتعبير بوضع اليدين علی الارض ليس تعبيرا عرفيا يعني العرف يری ان هذا تعبير ناقص عن بيان الواقع. نحن لاننكر ان الاطلاق قابل للتقييد لكن كما ذكر السيد السيستاني الاطلاق الترخيصي يأبی عن حمله علی التقييد بعد ان كان من الممكن حمل المقيد علی الاستحباب. و لاجل ذلك يصعب الفتوی بما افتی به المشهور و منهم صاحب العروة و السيد الخوئي ببطلان التيمم الخالي عن ضرب اليدين علی الارض من باب انهم رأووا ان الطائفة المشتملة علی الضرب مقيدة للطائفة الاولی المشتملة علی الوضع، نقول لا، هذا ليس جمعا عرفيا. فاذا نكتفي بالاحتياط، فلايكفيا الوضع علی الاحوط.
ثم بعد ذلك يقول صاحب العروة: و لايكفي الضرب باحداهما و لابهما علی التعاقب.
المشهور انه لابد من كون وضع اليدين علی الارض أو ضربهما علی الارض ان يكون بنحو وضع اليدين أو ضرب اليدين معا لا بان يضرب احداهما علی الارض ثم يضرب الاخری علی الارض. لماذا؟ اما انه لايكفي ضرب احداهما دون الاخری فواضح لانه ورد في جمع من الروايات الامر بضرب الكفين علی الارض أو ضرب اليدين علی الارض أو وضع اليدين علی الارض.
ان قلت: توجد روايات اكتفت بوضع يده علی الارض و هذا مطلق يشمل وضع احدی اليدين. مثلا رواية الكاهلي: سألته عن التيمم فضرب بيده علی البساط. أو موثقة زرارة: سألت اباجعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده علی الارض. أو رواية ابي ايوب الخزاز: سألته عن التيمم قال: ان عمار اصابته جنابة، الی ان قال: فوضع يده علی المسح (أي ما يتمسح به). فيقال بان هذه الروايات اكتفت بوضع اليد علی الارض و هذا صادق علی وضع احدی اليدين علی الارض. فيقال في المقام بنفس مقالة السيد الخميني و السيد السيستاني من ان حمل هذه الاطلاقات علی وضع اليدين ليس عرفيا فنحمل الامر بوضع اليدين علی الارض علی الاستحباب.
لكن يرد علی هذا البيان ان هذه الروايات التي اكتفت بوضع اليد علی الارض لاينعقد لها اطلاق لكفاية وضع يد واحدة علی الارض. مثلا موثقة زرارة التي قرأناها، سألت اباجعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده علی الارض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه و كفيه مرة واحدة. كيف يمكن مسح الكفين اذا اكتفينا بضرب يد واحدة علی الارض؟ ضرب بيدة واحدة علی الارض، بعد ذلك كيف يمسح ظاهر هذه الكف؟ بغير ان يمسح ظاهر هذه الكف بباطن كف أخری؟ فهذا الذيل قرينة علی ان المراد من قوله فضرب بيده علی الارض جنس اليد، أي ضرب بيديه. و في بعض الروايات نقلت هذه الرواية بهذا النحو: ثم مسح بهما جبهته.
و اما رواية الكاهلي، تاملوا، سألته عن التيمم قال فضرب بيده علی البساط فمسح بهما وجهه ثم مسح كفيه احداهما علی ظهر الاخری، واضح ان الذيل يكون قرينة علی ان المراد ضرب اليدين علی الارض.
و هكذا رواية ابي ايوب الخزاز: سألته عن التيمم، الی ان قال: فوضع يده علی المسح اي علی ما يتمسح به ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا. هذه الرواية اصعب الروايات، اكتفي فيها بوضع اليد الصادق علی وضع يد واحدة و لاتوجد قرينة واضحة علی ان نحملها علی وضع اليدين.
السيد الخوئي اجاب عن اطلاق هذه الرواية لكفاية وضع يد واحدة علی الارض، فقال: هذه الرواية ناظرة الی حيثية خاصة، ناظرة الی انه لايجب الاستيعاب في المسح، يعني لايجب المسح من المرفق مثلا، ثم مسح فوق الكف قليلا، ناظر الی هذه الجهة، اما انه يجب وضع اليدين علی الارض أو لايجب بل يكفي وضع يد واحدة ليست في مقام البيان من هذه الجهة.
و لو فرض ان اطلاق هذه الرواية يشمل وضع يد واحدة فنجيب عن ذلك اولا بان بعد وجود مقيدات كثيرة لايأبی العرف عن تقييد هذا الاطلاق. و لعل ارتكاز متشرعي كان قائما علی لزوم وضع اليدين. و هذا الارتكاز المتشرعي المستفاد من الآية الكريمة، فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه، و ايديكم ظاهر في اليدين. كيف اذا ضرب يدا واحدة كيف يمسح علی هذه اليد الواحدة اذا لميضرب الاخری علی الارض. فهذا المرتكز المتشرعي القائم علی لزوم ان يكون الضرب بضرب اليدين علی الارض يمكن ان يكون مانعا عن اطلاق هذه الموثقة. فاذاً لايكفي وضع احدی اليدين علی الارض دون الاخری.
و لكن هل يجب ان يكون وضعهما دفعة واحدة في حال الاختيار أو لا، يكفي ان اضعي يدي اليمنی مثلا علی الارض ثم ارفعها ثم اضع يدي اليسری علی الارض ثم ارفعها كما افتوا به بعض الفقهاء قالوا لامانع من التعاقب اخذا باطلاق الروايات، قالوا بان الروايات مطلقة. اضرب بيديك الارض، مطلق من حيث انه يكون بنحو الدفعة الواحدة أو بنحو التعاقب. و لكن المشهور منعوا من هذا الاطلاق. تاملوا انه لماذا منع المشهور عن اطلاق وضع اليدين علی الارض لما كان وضع اليدين علی نحو التعاقب. تاملوا في وجه ذلك الی الليلة القادمة انشاءالله.