دانلود فایل صوتی 230226_1939

فهرست مطالب

فهرست مطالب

پخش صوت

230226_1939

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 68 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =

المبحث: المطلق والمقيد (حمل المطلق على المقيّد) الدرس: الأصول

التاريخ: الأحد، 5 شعبان المعظم، 1444 ه

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

 

[وجه تفريق المشهور بين الواجبات والمستحبات]

كان الكلام في وجه تفريق المشهور بين الواجبات والمستحبات:

أ. حيث إنّهم حملوا الخطاب المطلق في الواجبات على الخطاب المقيّد فيما إذا كانا بدليّين وإن كانا متوافقين في النفي والإثبات.

ب. لكنّهم في المستحبات لم يحملوا الخطاب المطلق على الخطاب المقيّد.

فإذا ورد في خطابٍ الأمر بزيارة الحسين علیه السلام وورد في خطابٍ آخر الأمر بزيارة الحسين علیه السلام متطهرا: فحملوهما على اختلاف مراتب الاستحباب، وحينئذٍ فيُسأل ما هو وجه التفريق بين الواجبات والمستحبات؟

إن كان دليل الأمر بالمقيّد:

أ. قرينةً عرفيّة على التقييد: فلماذا لم يلتزموا به في المستحبات؟

ب. وإن لم يكن قرينةً عرفيةً على التقييد: فلماذا حملوا المطلق على المقيد في الواجبات؟

 

[أوجه الفرق ومناقشتها]

وقد ذُكر في بيان الفرق بينهما عدّة وجوه:

أحدها ما في الكفاية: من أنّ الغالب في المستحبات كونها ذات مراتب مشككة من حيث الفضيلة، وهذه الغلبة تكون قرينةً على حمل الخطاب المقيّد في المستحبات على بيان الفرد الأفضل.

السيد الخوئي رحمه الله أشكل عليه، فقال: مجرّد الغلبة لا يوجب القرينية العرفية على حمل الخطاب المقيّد على الأفضليّة.

كان ينبغي أن يقول السيد الخوئي رحمه الله ولعلمّه مقصوده- أنّ الغلبة إن شكلّت قرينيّةً عرفيّة فلا مانع من الإلتزام بتأثيرها في الظهور كما التزمنا في مسألة ظهور خطاب النهي في الإنحلال بأنّ نكتته غلبة انحلاليّة المفاسد في المحرّمات العقلائيّة، ولكن هنا لا يُحسّ بغلبةٍ تصل إلى حدّ القرينيّة العرفيّة.

الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الكفاية رحمه الله أيضاً: من أنّ ثبوت استحباب المطلق لأجل قاعدة التسامح في أدلة السنن، نحمل الخطاب المطلق على المقيّد ولكن قوله علیه السلام “زر الحسين علیه السلام” ولو بعد حمله على المقيّد -وهو زيارة الحسين علیه السلام متطهراً- لكن يصدق أنّه بلغنا الثواب على زيارة الحسين علیه السلام، وبذلك نلتزم باستحباب مطلق زيارة الحسين علیه السلام.

السيد الخوئي رحمه الله أشكل عليه، قال:

أولاً: بعد أن كان مقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيّد فلا يَصدُق عنوان البلوغ؛ لو ورد الأمر بصلاة الليل في خطابٍ وورد في خطابٍ آخر الأمر بإتيانها بعد منتصف الليل فحيث إنّ الظاهر منه شرطية كون صلاة الليل بعد منتصف الليل فهل ترى يصدق أنّنا بلغنا ثوابٌ من الله على الإتيان بصلاة الليل في أول الليل؟! أبداً لا يصدق ذلك.

وثانياً: نحن منعنا عن قاعدة التسامح في أدلّة السنن وقلنا بأنّ الروايات وأخبار من بلغ مجرّد إرشادٍ إلى حسن الإحتياط مع الوعد بإعطاء ذلك الثواب البالغ إلى المكلّف.

وثالثاً: لو قبلنا كلامكم والتزمنا باستحباب مطلق زيارة الحسين علیه السلام بالعنوان الثانوي، وهو عنوان عملٍ بلغ عليه الثواب فيكون هناك استحبابان؛ استحبابٌ لزيارة الحسين علیه السلام متطهراً واستحبابٌ لزيارة الحسين علیه السلام مطلقاً باستحبابٍ ثانويٍّ بعنوان ما بلغ عليه الثواب، وهذا أجنبيٌّ عن الالتزام بكون المقيّد أي زيارة الحسينعلیه السلام متطهراً- أفضل أفراد الزيارة؛ فإنّ معنى كون زيارة الإمام الحسين علیه السلام متطهراً أفضل أفراد الزيارة أنّ زيارته علیه السلام غير متطهرٍ واجدٌ لأصل الملاك الأولي، هذا معنى كون المقيّد أحد الأفراد، أي المقيّد واجدٌ لأصل ذاك الطبيعة بينما أنتم قلتم أنّ أصل زيارة الحسين علیه السلام غير متطهر واجدةٌ لملاكٍ ثانويّ.

وإن شئت فطبق ما ذكرناه على قضية صلاة الليل؛ استحباب صلاة الليل مطلقاً بالعنوان الثانوي لأجل خطاب المطلق واستحباب صلاة الليل بعد منتصف الليل بالعنوان الأوليّ لا علاقة له بقضية كون صلاة الليل بعد منتصف الليل أفضل أفراد صلاة الليل، فإنّ معنى كونها أفضل أفراد صلاة الليل أنّنا لو صليّنا في أول الليل أجزأت هذه الصلاة عن صلاة الليل، بينما أنّه لو كانت صلاة الليل في أول الليل مستحبّةً بالعنوان الثانوي -أي عنوان ما بلغ عليه الصلاة- فلا تُجزىء هذه الصلاة عن طبيعي صلاة الليل، بل يبقى علينا استحباباً أن نكرر صلاة الليل بعد منتصف الليل لأجل إدراك الملاك الأولي.

الوجه الثالث لعدم حمل خطاب المطلق على المقيّد في المستحبات: ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله، فقال: أولاً أقول لكم، إن كان خطاب المقيّد له مفهوم ينفي استحباب المطلق فلا بدّ من أن نلتزم بالتقييد:

كما لو ورد “إنّما تُستحب زيارة الحسين علیه السلام متطهراً”: إنّما له مفهوم حصرٍ، وكذا لو قال “ولتكن زيارتك للحسين علیه السلام مع الطهارة”؛ فإنّه إرشادٌ إلى شرطية الطهارة لزيارة الحسين علیه السلام.

يبقى ما إذا تعلّق الخطاب المقيّد بنفس المقيّد لا بالتقيّد بنفس المقيّد؛ أي ورد “زُر الحسين علیه السلام متطهراً”، فهنا يقول السيد الخوئي رحمه الله لا تنافي بين الخطاب المطلق والمقيّد، استحباب طبيعي زيارة الحسين علیه السلام لا ينافي استحباب زيارته متطهراً.

إن قلت: فلماذا في الواجب التزمتم بحمل المطلق على المقيّد؟

يقول السيد الخوئي رحمه الله في الجواب: هناك كان ظاهر الأمر بالمقيّد الوجوب، وجوب الإتيان بالمقيّد كان يتنافى مع وجوب المطلق بإطلاقه، ولكن إستحباب المقيّد مقرونٌ بالترخيص في الترك. يُستحب زيارة الحسين علیه السلام متطهراً: يعني يجوز تركها، فلا يتنافى مع جواز التطبيق في الخطاب المطلق على زيارة الحسين علیه السلام غير متطهرٍ؛ لأنّ الترغيب في الخطاب المقيّد مقرونٌ بالترخيص في الترك “يُستحب أن تزور الحسين علیه السلام متطهرا” يعني يجوز لك ترك ذلك، فلا ينافي ثبوت الإطلاق في الخطاب المطلق؛ لأنّ استحباب فردٍ لا ينافي الترخيص في التطبيق للخطاب المطلق بالنسبة إلى سائر الأفراد، كاستحباب الصلاة في المسجد فإنّه لا ينافي الترخيص في تطبيق الصلاة على الصلاة في البيت.

 

نقول:

يا سيدنا الخوئي، مفروض الكلام كما ذكرنا في هذا المثال ما إذا كان المطلق والمقيّد بدليّين “زُر الحسين علیه السلام” بلحاظ الطهارة وعدم الطهارة بدليٌّ، بلحاظ الأزمنة شموليٌّ: زُر الحسين علیه السلام في يوم الجمعة، في يوم السبت، في يوم الأحد، في يوم الإثنين، هذا شموليٌّ. أمّا ليلة الجمعة زمان واحد، نحن مخاطبون بخطابين: “زر الحسين علیه السلام“”زر الحسين علیه السلام متطهراً” فإنّه لا يوجد في هذا الوقت إلا زيارةٌ واحدة، بالنسبة إلى هذا الوقت ليست الزيارة شموليّةً، الشمولية للزيارة بالنسبة إلى الأزمنة المختلفة، في هذا الزمان لا توجد إلى زيارةٌ واحدة.

هنا، أما تذكر يا سيدنا الخوئي؟ أنت ذكرت في الواجبات إشكالاً عقليّا وقلت: يلغو إطلاق الأمر في الخطاب المطلق بالنسبة إلى من يتحرّك من الأمر بالمقيّد، ثمّ ذكرت إنّ مآله يكون إلى التخيير بين الأقلّ والأكثر، وهذا أمرٌ لم ننساه.

نفس ذلك الكلام ينطبق على المقام؛ استحباب زيارة الحسين علیه السلام متطهراً إن كان محرّكاً للمكلف نحو زيارته متطهراً فبالنسبة إليه يلغو إطلاق الأمر بالزيارة؛ ما هو تأثير هذا الأمر المطلق؟ هذا المؤمن يتحرّك من الأمر بالمقيّد، ثم قلت: مآله إلى التخيير بين الأقلّ والأكثر، هنا أيضاً يكون مآله إلى التخيير بين الأقلّ والأكثر.

مثلاً: في صلاة الليل، “صلّ صلاة الليل””صلّ صلاة الليل بعد منتصف الليل”؛ مآل الإلتزام بتعدد الاستحباب على ما يدعيه السيد الخوئي إلى كون المكلّف مخيراً بين أن يأتي بصلاة الليل بعد منتصف الليل أو يأتي بصلاة الليل قبل منتصف الليل وبعد منتصف الليل، فهذا يعني استحباب أن يأتي بصلاة الليل بعد منتصف الليل، ولا أمر له ولو بنحو الاستحباب لأن يضمّ إلى صلاة الليل بعد منتصف الليل صلاة ليلٍ قبل منتصف الليل، فأين الاستحباب؟

استحباب صلاة الليل بعد منتصف الليل تعيينيٌّ ومع استحباب الجمع يعني لا ترغيب إلى هذا الفرد، فلا استحباب في ضمّ صلاة الليل قبل منتصف الليل إلى صلاة الليل بعد منتصف الليل.

فإذاً، يا سيدنا الخوئي نفس كلامكم في الواجبات يأتي في المستحبات.

لكن الطريقة التي اختاره السيد السيستاني من عدم كون تعدد الوجوب في الواجبات بنحو تعدد المطلوب منهجاً عقلائيا؛ فليس من المنهج العقلائي في الواجبات أن يأمر المولى ويوجب شراء الخبز وشراء صمون حارّ، بل يوجب شراء صمون حار ويقول إن لم تشترِ الصمون الحار فاشترِ خبز آخر.

على كلام السيد السيستاني والذي قبلناه نقول: هنا المنهج العقلائي يختلف؛ المنهج العقلائي في المستحبّات على تعدد المطلوب؛ لأنّ الأمر الاستحبابي مجرّد ترغيب، مجرّد إبراز الحبّ، وأيّ مانعٍ أن يُبرز المولى حبه للطبيعة وحبّه للحصة؟ يقول أنا أحب أن تشتري الخبز، أحب حبّاً شديدا أن تشتري الآن الصمون الحار وتحضره وتضيف الأعلام فيأكلون صموناً حاراً ويدعون لك، لا مانع منه أبدا.

فهنا المنهج العقلائي على تعدد المطلوببخلاف الواجبات فإنّه هناك المنهج العقلائي أن يأمر المولى بالمقيّد أولاً ثمّ يأمر على نحو الترتب بغير المقيّد على تقدير عدم الإتيان بالمقيّد بخلاف المستحبّات.

هذا مضافاً إلى أنّه بمناسبات الحكم والموضوع يكون الخطاب المقيّد في المستحبات ظاهراً في الأمر بالقيد: “زر الحسين علیه السلام متطهراً” ظاهرٌ في الأمر بتحصيل الطهارة قُبيل زيارة الحسين علیه السلام لا الأمر بالمقيّد بما هو مقيّدٌ؛ أمرٌ بزيارة الحسين علیه السلام وأمرٌ بكونه متطهراً حين زيارته علیه السلام، رزقنا الله وإياكم زيارة الحسين علیه السلام دائماً في الدنيا، ورزقنا الله شفاعته في الآخرة بحق محمدٍ وآله الطاهرين علیهم السلام.

[تنبيهان]

 

قبل أن نتكلم حول مباحث القطع أذكر تنبيهين:

 

التنبيه الأول

[الإطلاق المقامي]

 

أنّه كان كلامنا لحدّ الآن في الإطلاق اللفظي، ولكن يوجد إطلاق آخر يُسمّى بالإطلاق المقاميّ. والفرق بينهما:

أ. أنّ الإطلاق اللفظي: هو كون الطبيعة المذكورة في الخطاب موضوعاً للحكم بلا قيدٍ زائد.

ب. ولكنّ الإطلاق المقامي ليس من هذا القبيل:

1) الإطلاق المقامي يعني إنحصار الأمر بهذا المذكور في الخطاب، كما لو كان المولى في مقام بيان تمام وظائف عبده أول الصبح، فيقول له “اشترِ الخبز، أحضر الماء، اشترِ الفاكهة” فهذا اليوم لم يقل “اشترِ الفاكهة”، فيعرف العبد أنّه لا يجب عليه اليوم شراء الفاكهة؛ هذا إطلاق مقامي لأنّه بملاحظة كونه في مقام البيان عُرف أنّ أمره منحصرٌ بما ذكره في هذا الكلام لا أزيد، وإن كان الأمر الزائد لا علاقة له بتقييد الطبيعة المذكورة في خطابه.

2) والإطلاق المقامي يحتاج إلى قرينة وإلا فلا توجد بالنسبة إليه أصالة البيان، بخلاف الإطلاق اللفظيّ.

3) والإطلاق المقامي:

[النوع الأول] قد ينشأ من ظهور حال المولى في كونه في مقام بيان تمام مراداته في مجموع خطاباته: فهنا لا بدّ من الإحاطة بمجموع خطاباته كي ننفي أمره بشيءٍ آخر، كما ذكره صاحب الكفاية في موارد الغفلة النوعيّة، كاحتمال دخل قصد الوجه في الواجبات.

والنوع الثاني: أن يكون الإطلاق المقامي ناشئاً عن ظهور حال المولى في كونه بيان تمام مراداته في هذا الخطاب الخاصّ، وهذا هو المهم.

ونحن في الفقه قد نستدلّ بهذا الإطلاق المقامي في بعض المجالات، مثلاً:

أ. ورد في امرأةٍ حاضت قبل طواف النساء أنّها تذهب مع قافلتها، فإنّ قافلتها لا تنتظرها حتى تطوف للنساء، لم يقل الإمام علیه السلام: تخرج مع قافلتها ولكن تستنبيب لطواف النساء، ولكن الأعلام قالوا: يجب عليها الاستنابة لطواف النساء. من أين؟! الرواية لم تنبّه أنّ هذه المرأة تستنيب لطواف النساء؟ أنتم من أين قلتم بأنّها تستنيب؟! الإطلاق المقامي ينفي وجوبا الاستنابة.

ب. والمثال الثاني: أنّ من نسي طواف الفرضة فرجع إلى بلده وجامع أهله، يقول الإمام علیه السلام: يوكل رجلاً يطوف عنه، ما قال له: دير بالك، اجتنب عن النساء إلى أن يأتي نائبك بالطواف. فيكون الإطلاق المقامي أنّه لا يجب عليه اجتناب النساء وإلا لكان ينبغي التنبيه عليه. هذا هو التنبيه الأول في الفرق بين الإطلاق اللفظي والمقامي.

 

[التنبيه الثاني]

وأمّا التنبيه الثاني: فهو أنّ الخطاب قد لا يكون مطلقاً بل يكون مجملا، فهل هناك حكم ثابت للخطاب المجمل؟

نتكلم عن ذلك باختصار، وننتقل إن شاء الله إلى مباحث القطع.

 

والحمد لله ربّ العالمين.