دانلود فایل صوتی 230220_1927

پخش صوت

230220_1927

فهرست مطالب

فهرست مطالب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 65 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =

المبحث: المطلق والمقيد (التنبيهات) الدرس: الأصول

التاريخ: الإثنين، 29 رجب الأصب، 1444 ه

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

 

قلنا بأنّ مقتضى الإطلاق ومقدمات الحكمة: كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم وأما استفادة شمولية الحكم أو بدليته فإنّما هي من قرائن أخرى.

من جملة تلك القرائن في خطاب النهي: غلبة انحلاليّة المفسدة؛ فإنّها توجب ظهور خطاب النهيّ في الإنحلال.

وما قد يقال: من أنّ الفارق بين خطاب الأمر وخطاب النهي:

أنّ الأمر يبعث نحو إيجاد الطبيعة والنهي يزجر عن إيجاد الطبيعة أي يحرّك نحو ترك الطبيعة. فالنهي يقتضي انعدام الطبيعة، وانعدام الطبيعة بانعدام جميع أفرادها بينما أنّ وجود الطبيعة بوجود فردٍ واحدٍ منها، فإذا وُجد فردٌ واحد من الإنسان يُقال “الإنسان موجود” ولكن ما دام لم تنعدم أفراد الإنسان كلُّها لا يُقال “الإنسان معدومٌ”.

هذا البيان غير صحيح؛ فإنّنا لا نُنكر أنّ انعدام الطبيعة بانعدام جميع أفرادها ولكن هذا لا يقتضي الإنحلال في النهي؛ فيمكن أن يكون هناك نهيٌّ وحدانيٌّ متعلّقٌ بالطبيعة، كالنهي عن ارتكاب المفطّرات في شهر رمضان فإنّه نهيٌّ وحدانيّ ولا يُمثل هذا النهي إلا بترك جميع المفطرات، ولكن هذا غير الانحلال؛ يعني فرقٌ بين النهي عن صرف وجود الطبيعة والنهي عن جميع وجودات الطبيعة. النهي عن صرف وجود الطبيعة أيضاً يقتضي ترك جميع أفرادها ولكن لو أُتي بفردٍ واحدٍ منها تحقق عصيان هذا النهي ولا يلزم بعدئذٍ ترك سائر أفراد الطبيعة، بخلاف النهي عن جميع وجودات الطبيعة بل نذكر لذلك مثالاً عرفياً:

فإنّ المولى قد يقول لعبده “لا تتكلم أمام الناس” وغرضه من ذلك أن يكتم عن الناس كون عبده سميعاً، يريد أن يبعثه كعين وجاسوس والناس يظنون أنّه أطرش لا يسمع ولا يتكلم، فيقول له لا تتكلم أمام الناس، بحيث لو صدر منه تكلّمٌ واحد أمام الناس فشل أُطروحة المولى، فإنّ الناس يعرفون أنّه ليس أطرش، فهذا نهيٌّ عن صرف وجود التكلّم ولكن امتثاله يقتضي أن يترك العبد جميع أفراد التكلّم، لكن النهي عن التكلم نهيٌّ وحدانيّ. هنا أيضاً ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها ولكنه لا يقتضي الانحلال في النهي.

بخلاف ما لو قال المولى لعبده “لا تتكلم أمام الناس” لأنّه عرف من هذا العبد أنّه كل ما يتكلم يذمّ ماء وجه المولى، أصلا لا يعرف أساليب التكلّم، فلو تكلّم بكلامٍ مع ذلك النهي عن التكلم باقٍ بالنسبة إليه ويقتضي أن يترك الفرد الثاني من التكلم وهكذا.

الكلام في هذا النهي، مجرّد كون ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها لا يقتضي كون النهي انحلاليّاً، فنكتة انحلاليّة النهي شيءٌ آخر غير أنّ انعدام الطبيعة بانعدام جميع أفرادها بخلاف وجود الطبيعة فإنّ وجودها بوجود فردٍ واحدٍ منها.

كما أنّه لا يتمّ ما ذكره السيد الخوئي رحمه لله من أنّ نكتة ظهور النهي في الإنحلال:

أنّ متعلّق النهي هو ترك فردٍ واحد من أفراد الطبيعة فالنهي لغوٌ لأنّه عادةً لا يوجد الإنسان تمام أفراد طبيعةٍ، يترك بعض أفرادها، وإذا كان المقصود ترك مقدارٍ معيّن من أفراد الطبيعة فالمولى لم يحدد ذلك المقدار؛ يترك مئة فردٍ من أفراد التكلم، 200، 300، لم يحدد، فهذا يقتضي كون النهي ظاهراً في الإنحلال.

نقول: يا سيدنا الخوئي:

أولاً: هذا يجتمع مع كون النهي وحدانياً متعلّقاً بصرف الوجود فليست نكتة الانحلال ما ذكرته.

وثانياً: قد يكون هناك قدرٌ متيقن؛ “لا تصعد الدرج” القدر المتيقن أن لا يصعد الدرج العالي، وهذا ليس لغواً، لأنّ بعض الناس يصعدون ويصلون إلى الدرج العالي، لو كان لهذا البيت عشر درجات يصعدون إلى الدرج العاشر، فالمولى يقول له “لا تصعد الدرج” فالقدر المتيقن منه “لا تصعد الدرج العاشر”، هذا ليس لغوٌ. ما الذي أوجب ظهور هذا الخطاب في أن لا يصعد الدرج الأول والثاني والثالث إلى العاشر؟

فالمهم أنّ نكتة الإنحلال ما ذكرناه:

أنّ المحرمات العقلائيّة المفاسد فيها انحلاليّةٌ؛ “الكذب حرام، التدليس حرام، الخديعة حرام” يعني كلّ فردٍ من أفراد التدليس، كلّ فردٍ من أفراد الكذب، كلّ فردٍ من أفراد الخديعة يشتمل على المفسدة الملزمة، وهذه الغلبة أوجبت ظهور خطاب النهي في الإنحلال.

فإذا سمع العرف من الشارع خطاب نهيٍّ وخطاب النهي تعبديٌّ لا يعرف العرف ملاكه ولكن يستظهر منه الإنحلال؛ “المحرم لا يمسّ زوجته بشهوةٍ” يفهم منه الإنحلال، فلو مسّ زوجته بشهوةٍ مرّة يقوم ويُبعد يده عن زوجته ولا يُرجعها إلى زوجته ليمسها مرّةً أخرى، وهذا هو الانحلال.

 

 

التنبيه الأخير

[التنبيه الخامس]

 

إذا ورد خطابٌ مطلق وخطابٌ مقيّد، فوقع الكلام في أنّه كيف يُجمع بينهما؟

فقالوا: لهذه المسألة ثلاث صور:

الصورة الأولى:

أن يكون الخطاب المطلق والمقيّد مختلفين في النفي والإثبات:

“أكرم العالم” “لا تكرم النحوي”؛ فبينهما تهافت لأنّ الموجبة الكليّة نقيضها السالبة الجزئيّة. فبينهما تهافت والعرف يرى أنّ خطاب المقيّد حيث أنّه صريح في موضوعه فهو أظهر ويكون قرينة نوعية على تقييد المطلق وحمله على إكرام العالم غير النحويّ.

نعم، ذكر السيد السيستاني أنّه إذا كان الخطاب المطلق ترخيصيّا والخطاب المقيّد ظاهراً في الإلزام كما لو ورد “لا بأس بإكرام العالم” وورد في خطابٍ منفصل “لا تكرم النحويّ”، يقول السيد السيستاني :

إذا كان هذا الخطاب المطلق وارداً في مقام الإفتاء أي استفتى شخصٌ عن وظيفته الفعليّة فأفتى له الإمام بما يبيّن وظيفته الفعليّة ، سأل الإمام علیه السلام والسائل لم يكن مثل زرارة الذي يسأل في مقام تعلّم الفقه، لا، السائل رجلٌ عاميٌّ يسأل عما يُبتلى له، فقال: ماذا أصنع حينما أرى العالم؟ قال: لا بأس بأن تكرم العالم، ثم في خطابٍ منفصل قال “لا تكرم النحوي”، فيستهجن عرفاً تقييد هذا الخطاب بذلك المقيّد المنفصل؛ لأنّه يستلزم إلقاء السائل في مخالفة الواقع، فإنّه يأخذ بهذا الجواب ويذهب ويُكرم أيّ عالمٍ رآه، فإذا رأى نحوياً يكرمه عملاً بكلام الإمام علیه السلام ثم في خطابٍ منفصل بعد مُضي وقت الحاجة يُقال له “لا تكرم النحوي” أي يحرم إكرام النحوي؟! هذا خلاف المحاورة العرفية.

ولأجل هذا يتعيّن حمل هذا الخطاب الناهي عن إكرام النحويّ على النهي الكراهتي، ولأجل ذلك السيد السيستاني -كما لعلّه سمعتموه منا- أفتى بجواز الصلاة في الجلد المشكوك التذكيّة وإن اشتُري من بلادٍ كافرة، ما دام يُحتمل عرفاً أنّ هذا الجلد مذكى ولو أجل احتمال أنّه اُشتري من بلاد المسلمين وفي بلاد الكفر صنعوه حذاءً أو حزاماً ونحو ذلك، فهذا اشتراه من سوق لندن وأحضره لكم كهدية، تلبسون الحزام المتخذ من جلد البقر مثلاً، من جلد الشاة. السيد الخوئي كان يمنع من ذلك، السيد السيستاني يقول: لا مانع منه صلِّ فيه؛ لأنّه سأل جعفر بن محمد بن يونس حينما كتب إلى الإمام علیه السلام سأله عن شراء الجلد المشكوك التذكية من السوق والصلاة فيه؟ فقال: لا بأس، اشتر وصلّ فيه ما لم تعلم أنّه ميتةٌ.

فهذا يشمل الشراء من سوقٍ لا يغلب فيه المسلمون، سوقٍ مختلط، سوقٍ مشترك بين المسلمين والكفار.

وأمّا ما ورد في مقيّدٍ منفصل كمعتبرة اسحاق بن عمّار من قوله في الصلاة في الجلد المشكوك: إن كان الغالب فيها المسلمون فلا بأس” فلا بدّ من أن نحمل مفهوم هذه المعتبرة الدالة على أنّه إذا اشتُري من سوقٍ لا يغلب فيه المسلمون ففيه بأسٌ، نحملها على ماذا؟ على البأس الكراهتي.

ونحن نوافق السيد السيستاني في أصل الكبرى، فإذا كان هناك خطابُ نهي عن المقيّد وتأخر بيانه عن وقت الحاجة فلا يتعيّن لدى العرف تخصيص المطلق به بل يمكن حمل هذا الخطاب على النهي الكراهتي.

الصورة الثانية:

ما إذا كان الخطاب المطلق والمقيّد متوافقين في النفي أو الإثبات:

“أكرم العالم” “أكرم النحوي” مع فرض كون كلا الخطابين شموليين انحلاليين، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد؛ مثبتان لا يتنافى واحدٌ منهما مع الآخر.

السيد الخوئي رحمه لله في هذه الصورة الثانية قال: إذا كان الخطاب المقيّد مشتملاً على مفهوم الوصف أي كان وصفاً معتمداً على الموصوف، كما لو ورد في الخطاب المطلق “أكرم العالم” وورد في الخطاب المقيّد “أكرم العالم العادل” هما متوافقان ، فمفهوم “أكرم العالم العادل” يقتضي أن لا يكون العالم تمام الموضوع لوجب الإكرام، فنقيد إطلاق “أكرم العالم” بالعالم العادل.

نقول: يا سيدنا الخوئي، لعلّ هذا سهو المقرّر -إذا ما يتأذى الشيخ الفيّاض من هذا التعبير- أو لعلّه سهوٌ من نفس السيد الخوئي قدس سره، لماذا؟

لأنّ مفهوم “أكرم العالم العادل” مفهوم في الجملة وليس مفهوماً بالجملة، مفهوم جزئي وليس مفهوماً كليّا، يُفهم منه أنّ العالم ليس تمام الموضوع لوجوب الإكرام، ولكن لعلّ العالم الهاشمي أيضاً واجب الإكرام. فلماذا نقيّد الخطاب المطلق الذي يقول “أكرم العالم” بخصوص العالم العادل؟ لا، نقيّده بالمفهوم الجزئي، نخرج منه العالم الذي ليس بعادلٍ ولا بهاشميٍّ. وهوالقدر المتيقن ممّن لا يجب إكرامه عالم ليس بعادل ولا بهاشمي، فنخرجه من المطلق، أما العالم الهاشمي الذي ليس بعادل ما هو الوجه في إخراجه من إطلاق “أكرم العالم” بعد أن كان مفهوم “أكرم العالم العادل” مفهوماً في الجملة.

يقع الكلام في الصورة الثالثة، وهي: ما إذا كان المطلق والمقيّد متوافقين في النفي والإثبات ولكن كانا بدليّين:

“إن أفطرت فأعتق رقبة” “إن أفطرت فأعتق رقبةً مؤمنة”،هذا اتحد فيه الشرط، وقد لا يكون مشتملاً على شرط؛ قال: “أكرم عالماً يوم الجمعة” “أكرم فقيهاً يوم الجمعة”؛ فهل هنا نحمل المطلق على المقيّد؟

في البحوث قال رحمه لله: ما دمنا نحتمل تعدد الوجوب لا وجه لأن نحمل المطلق على المقيّد، نلتزم بتعدد الوجوب، فهناك وجوبان: وجوب إكرام عالمٍ يوم الجمعة ووجوب إكرام فقيهٍ يوم الجمعة. فلو أكرمت عالماً فقيها امتثلت كلا الوجوبين، وإن أكرمت عالماً غير فقيه امتثلت الوجوب المطلق وبقي عليك أن تمتثل الوجوب المقيّد فتكرم عالماً فقيها، وإن عجزت عن إكرام العالم الفقيه فيبقى في ذمتك أن تكرم عالماً، بينما من يحمل المطلق على المقيّد يقول: ليس هناك إلى وجوبٌ واحد وهو وجوب إكرام عالمٍ فقيه، فلو عجزت عن إكرام العالم الفقيه سقط الوجوب رأساً.

هل هذا الكلام للبحوث صحيح؟ فإنّ السيد الخوئي رحمه لله أنكر هذا الاحتمال إنكاراً شديداً. فنتكلم حول ما ذكره السيد الخوئي والملاحظات عليه في الليلة القادمة إن شاء الله.

 

والحمد لله ربّ العالمين