اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
كان الكلام في دفن الاموات في المساجد و الحسينيات و نحوهما، فذكر صاحب العروة انه لا يجوز دفن الميت في المساجد و المدارس و نحوهما و في كل ارض موقوفة لغير الدفن. السيد الخوئي ذكر في وجه هذا الحكم ان الوقف في غير المساجد تمليك للجهة، فالحسينية وقفها بمعنى التمليك لجهة العزاء على الامام الحسين عليه السلام، فالحسينية مثلا ملك الغير اي ملك الجهة و التصرف في ملك الغير لا يجوز، او فقل الوقوف حسب ما يوقفها اهلها كما ورد في الرواية الصحيحة و الواقف لم يوقف الحسينية لان يدفن فيها ميت، فيكون الدفن في الحسينية على خلاف جهة الوقف فلا يجوز. هذا بالنسبة الى وقف الحسينية و مثلها، اما وقف المسجد السيد الخوئي يقول وقف المسجد وقف تحريري اي تحرر ارض المسجد و كذا بناء المسجد يحرّر، فلا يكون المسجد مملوكا لاي احد و لكن تحرير المسجد لاجل جهة العبادة فلا يجوز التصرف في المسجد في غير جهة العبادة كدفن الميت فيه، نعم قامت السيرة على جواز التصرف في المسجد بما لا يكون مزاحما للعبادة كالجلوس و النوم و اما الدفن فلم يقم عليه سيرة.
ثم اضاف السيد الخوئي فقال يمكن ان نقول بان الدفن في المسجد مزاحم لجهة العبادة فيه لا ان الدفن خارج عن جهة العبادة بل مزاحم لها لان الصلاة على القبر مكروهة فاذا جعل المسجد مدفنا و مقبرة فهذا يوجب منقصة في العبادة فيه، نعم اذا دفن الميت في اعماق الارض التي وقفت لتكون مسجدا بحيث لا يصدق على المسجد انه صار مقبرة فلا اشكال فيه.
السيد السيستاني علق على فتوى صاحب العروة فقال انما لايجوز الدفن في المساجد و المدارس و نحوهما اذا اضرّ الدفن بالعين الموقوفة او زاحم جهة الوقف و الا فان لم يكن مضرّا بالعين الموقوفة و لا مزاحما لجهة الوقف فنحن نحتاط في حرمة الدفن في المسجد و الحسينية و نحوهما و لا نفتي بذلك.
نقول هنا نكات ينبغي التنبيه اليها:
النكتة الاولى: انه هل التصرف في الوقف بنحو لا يندرج تحت جهة الموقوفة جائز في حد ذاته او ليس بجائز؟ فقد يقال بان التصرف الخارج عن جهة الوقف لا دليل على حرمته الا اذا كان مزاحما لجهة الوقف، فالحسينية موقوفة لجهة العزاء على الحسين عليه السلام و ارواحنا فداه، لكن قد يقال بانه لا دليل على حرمة التصرف في الحسينية بنحو لا يكون مزاحما لجهة الوقف فيها بان ينام شخص في الحسينية او يلقي درسا هناك او يتباحث فيه مع صديقه هناك و نحو ذلك، فانه لا دليل على حرمة التصرف في الوقف بنحو لا يكون مزاحما لجهة الوقف و هذا ما يظهر من تعليقة السيد السيستاني و صرح بذلك بعض الفقهاء فقالوا انما يحرم التصرف في الوقف في غير جهة الوقف اذا زاحم ذلك التصرف مع جهة الوقف.
لكن الانصاف ان هذا غير متجه فان التصرف فيما لا يكون من المباحات و لا يكون ملك شخص نفسه، حرام حسب المتركز العقلائي و ما يظهر من الروايات لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه، لا يحل لاحد ان يتصرف في مال غيره بدون اذنه، و ان كان بحسب المدلول المطابقي لا يشمل الفرض لان النهي ثبت بعنوان التصرف في مال امرء مسلم و الحسينية ليس مال امرء مسلم و انما هي ملك الجهة و لا يصدق على التصرف فيها انه تصرف في مال غيره بدون اذنه، و لكن المتفاهم العرفي من هذه الخطابات ان التصرف في ما لا يكون من المباحات و لا يكون ملك الانسان نفسه لا يجوز سواءا كان ملك انسان آخر او ملك جهة او عنوان فلو اوقفت المدرسة على الطلبة فقد لا يكون سكنى شخص ليس من الطلبة في تلك المدرسة مزاحما لسكنى الطلبة لان الطلبة قليلين و في هذه الايام راحوا الى بلادهم بقيت بعض الحجرات بعض القرف خالية عن السكنة فهذا الذي ليست من الطلبة يجيء و ينزل في تلك القرفة عدة ايام هذا لا يزاحم جهة الوقف و لكن المرتكز ان هذا ليس بجائز لان هذه المدرسة موقوفة على الطلبة و هذا الشخص ليست من طلاب الحوزة.
فاذن الظاهر تمامية ما ذكره السيد الخوئي من ان التصرف في العين الموقوفة في غير جهة الوقف الاصل الاولي فيه حرمة التصرف الا ما قامت السيرة على جوازه كالنوم في المساجد و الحسينيات و نحوهما. اما جعل الحسينية مكان للرياضة، في اوقات لا تزاحم جهة العزاء على الحسين عليه السلام الظاهر انه لا يجوز لانه لا دليل على قيام السيرة على مثل هذه الاموال. و ان شئت قلت الآن الذي يوقف مكانا على الحسينية حسب مرتكزه الاعمال المتعارفة في الحسينية جائزة بنظره فيوقف الحسينية على ما هو اعم من العزاء على الحسين عليه السلام و هذه التصرفات المتعارفة و لاجل ذلك نحن ذكرنا في وقف المسجد انه اذا شخص جاء و قال هذه الارض موقوفة لتكون مسجدا الآن متعارف بناء مرافق صحية في ارض المسجد فهذا الواقف مرتكزه انه يوقف هذا المكان للمسجدية و توابعها فيمكن تخصيص مكان ليبنى فيه مرافق صحية و اما المساجد القديمة كمسجد الامام العسكري عليه السلام هناك لا يجوز بناء مرافق صحية في داخل المسجد، يعني ان التعارف يوجب ظهور الوقف في ما هو اعم، اما اذا لم يتعارف ذلك فهو وقف المكان على الحسينية لجهة خاصة و هذه الجهة لا تشمل هذا التصرف، دفن الاموات في الحسينيات خلاف المتعارف، نعم اذا تعارف ثم وقف شخص مكان للحسينية نقول بان الوقف صار ظاهرا في الاعم و لاجل ذلك نحن نقول اذا كان من الاول واقف قال اوقف هذا المكان للحسينية و ان شاء الله ادفنوني فيها، لا بأس لانه من الاول حين الوقف صرح بذلك و ان كان خلاف المتعارف. قامت السيرة في المساجد على تصرفات لا تنافي جهة العبادة و سياتي ان وقف المساجد وقف تحريري نحن الآن نتكلم عن الموقوفات غير التحريرية موقوفات التمليكية كالحسينية التي هي ملك الجهة او المدرس التي هي ملك عنوان الطلبة و نحو ذلك.
النكتة الثانية: بالنسبة الى المساجد توجد عدة مسالك المسلك الاول ما اختاره السيد الخوئي من ان وقف المساجد تحريري و هذا رأي السيد السيستاني ايضا و قد يستدلون بقوله تعالى و ان المساجد لله، المسلك الثاني ما يقال من ان المسجد ملك لجهة العبادة المسجد ملك بجهة العبادة كما ان الحسينية ملك جهة العزاء على الحسين عليه السلام فالمسجد ملك جهة العبادة ، فهناك مسالك اخرى هذان المسلكان العمدة في حكم المساجد فعلى مسلك السيد الخوئي و السيد السيستاني المسجد ليس ملكا لاحد و لاجل ذلك السيد الخوئي قال لو هدم شخص المسجد لا يضمن لانه لم يتلف مال ملك الغير و ان كان السيد السيستاني خالفه في ذلك.
سوال و جواب: السيد الخوئي يقول الارض حررت و البناء حررت و اجزاء المسجد حررت كلها محرر من ملكية الاشخاص، البناء مسجد، البناء يختلف عن مثل الادوات التي تستعمل في المسجد، البناء جزء المسجد و لاجل ذلك السيد الخوئي و هكذا السيد السيستاني رأيهما ان البناء في المسجد حرر من الملكية.
و لاجل ذلك وقف المسجد قد يقال بانه وقف تحريري فليس ملك لاي احد فاذن التصرف في المسجد بما لا يكون مزاحما للعبادة جائز في حد ذاته فاذا دفن الميت في المسجد بنحو لا يعد مزاحما للعبادة في المسجد فهذا جائز بخلاف من يرى ان المسجد ملك جهة العبادة فيصير المسجد كالحسينية التي هي ملك جهة العزاء على الحسين عليه السلام فاذن اختلف حكم المسجد عن حكم الحسينية فامر دفن الميت في المسجد اسهل من دفن الميت في الحسينية التي هي ملك جهة العزاء على الحسين عليه السلام.
النكتة الثالثة: ما ذكره السيد الخوئي من ان العين الموقوفة في الحسينية ملك جهة و في المسجد تحرير للجهة، فلا يجوز التصرف بما هو خارج عن تلك الجهة كما اشرنا اليه لادليل عليه في المسجد لان التحرير المسجد لجهة العبادة لا يدل على حرمة التصرف فيه بما لا يزاحم العبادة نعم اذا ازدحم الطلاب في مسجد في اوقات الصلاة كما اذا كان الدرس في الليل او بعد الظهر مما يكون وقت الصلاة و كان مانعا من ان نصلي فيه احد فهذا مشكل لابد ان يبقى مكان في المسجد اذا جاء شخص و يريد ان يصلي في ذلك المسجد يمكنه الدخول و الصلاة في ذلك المسجد و اما ازداحم الطلبة في هذا المسجد بحيث لا يمكن ان يدخل فيه من يصلي فيه فهذا في اوقات الصلاة غير جائز. و اما اذا لم يكن مزاحما لا يأتي في هذا الوقت شخص يصلي في المسجد او حتى اذا كان فليس بنحو يمنع من دخول ذلك الشخص فلا دليل على حرمة هذا التدريس او القاء المحاضرة لانه لادليل على حرمة التصرف في ما يكون محرما من الملكية و ان كان تحريره لاجل جهة خاصة.
و اما ما ذكره السيد الخوئي من ان دفن الميت في المسجد مزاحم لجهة العبادة لانه يجعل الصلاة في المسجد مكروها و هذا قابل للنقاش فان المزاحمة امر عرفي تقليل الثواب لا يصدق عليه المزاحمة للعبادة، اولا الصلاة في المقابر مكروهة فمجرد دفن ميت في المسجد لا يجعل ذلك المسجد مقبرة، المسجد الجامع الاموي يشتمل على عدة قبور منسوبة الى الانبياء الماضين، و لكن العرف لا يرى ان هذا المسجد صار مقبرة، يشتمل على قبر او قبرين اما هذا المسجد صار مقبرة لا يرى عرفا.
و ثانيا مجرد تقليل الثواب في العبادة في مسجد لا يوجب ان يصدق عرفا ان هذا تصرف مزاحم للعبادة كوضع صور العلماء و الشهداء في المسجد، مكروه نعم، اما انه حرام لانه مزاحم لجهة العبادة لانه يوجب تقليل ثواب الصلاة في ذلك المسجد هذا ليس عرفيا لان المزاحمة لجهة العبادة انما تصدق في ما اذا كان التصرف مانعا عن العبادة عرفا لا سببا لتقليل الثواب تلك العبادة، فاذن نحن بالنسبة الى المسجد نقبل تعليقة السيد السيستاني اذا اضر الدفن بالعين الموقوفة او زاحم مع جهة الوقف في المسجد لا يجوز، نعم اذا كان الواقف من الاول استثنى ذلك المكان فهو نظير ما استثنا مكانا و قال يبنى فيه مرافق صحية خب هذا ليس اسوء من هذا الاستثنا يقول هذا مسجد و لكن انا اقول في ضمن عقد الوقف ادفنوني في هذا المسجد لا بأس.
و اما في الحسينية فالظاهر تمامية كلام السيد الخوئي لان التصرف في الحسينة تصرف في ملك الغير بالمعنى الاعم الذي يشمل ملك الجهة و الاصل الاولي فيه حرمة التصرف الا في ما قامت السيرة عليه و لم تقم سيرة على دفن الاموات في الحسينيات الا اذا من الاول الواقف قال اوقف هذا المكان للحسينية و دفنوني او ادفنوا مثلا العلماء في هذه الحسينية لا بأس.
سوال و جواب: قلنا بان المسجد وقفه تحريري و لادليل على حرمة التصرف في المسجد اذا لم يكن هذا التصرف مزاحما لجهة العبادة. المفروض ان المسجد ليس ملكا لا لشخص و لا لجهة و عنوان نحن الغينا الخصوصية عن حرمة التصرف في ملك انسان آخر الى حرمة التصرف في ملك جهة او عنوان و لم نلغي الخصوصية من حرمة التصرف في ملك انسان آخر الى حرمة التصرف في وقف تحريري.
الشوارع اذا وقفت فوقفها تحريري، الجسور اذا وقفت فوقفها تحريري كما يظهر من كلام السيد السيستاني و التصرف في الجسور و الشوارع اذا لم يكن مزاحما لجهة الوقف و هي مرور الناس، لا مانع منه كشخص يأتي هناك و يلقي رحله ليبيع فاكهة و يعيش من هذا الطريق، لا يجوز ان نطرده عن ذلك المكان لان تصرفه ليس بحرام اذا لم يكن مزاحما لمرور الناس .
لا دليل على ان المسجد ملك جهة العبادة، قطعا خرج المسجد عن ملك هذا الواقف و لادليل على انه صار ملكا لجهة العبادة انا لا استدل بقوله تعالى و ان المساجد لله، على مبنى السيد الخوئي و السيد السيستاني من ان المسجد محرر ان المساجد لله، من جملة المسالك في المساجد ان المسجد ملك لله، ملكا اعتباري، المسجد قال بعضهم محرر عن ملكية احد المسلك الثاني ما ذكرناه من انه ملك جهة العبادة.
و قد يقال بان المساجد لله يدل على ان المسجد ملك اعتباري لله، الله سبحانه و تعالى له ملك السماوات و الارض، مالك تكويني لكل ما في السماوات و الارض و لكن اعتبر مالكا تشريعا و اعتباريا للمسجد و ان المساجد لله كما ان المشهور يقولون بان ثلث الاخماس لله ملك اعتباري لله سبحانه و تعالى و اعلموا ان ما غننتم فان لله خمسه و للرسول و لذي القربى و ليتامى و المساكين و ابن السبيل، ثلث الخمس ملك اعتباري لله سبحانه و تعالى على ما ينسب الى المشهور فيمكن ان يكون شيء ملكا اعتباريا لله سبحانه و تعالى مع ان جميع ما في السماوات و الارض ملك تكويني له تعالى فقد يقال و هو المسلك الثالث في المساجد ان المسجد ملك لله سبحانه و تعالى.
و لكن انا اقول المساجد لا يدل على اي من هذه المسالك ان المساجد لله يعني المسجد بني لعبادة الله فلا تدعوا مع الله احدا، المساجد لله يعني المساجد لاجل عبادة الله كما يقال الكتاب للمطالعة يعني الكتاب خصص لاجل المطالعة ليس اللام لام التمليك و انما هو لام الاختصاص المساجد لله يعني المساجد مختصة بعبادة الله تعالى فلا تدعوا مع الله احدا، فاذن لا يصح التمسك السيد الخوئي بهذه الآيه على ان وقف المسجد وقفا تحريري فانه اولا لو دلت هذه الآية على كيفية وقف المساجد فقد يقال بانها تدل على ان المسجد ملك الله سبحانه و تعالى و ليس وقفه تحريريا، و ثانيا نحن اقول هذه الآية لا تدل على اي من هذه المسالك و اللام للاختصاص المساجد مخصصة لعبادة الله سبحانه و تعالى فالذي نقول هو انه لم يدل دليل على ان المسجد ملك الله سبحانه و تعالى او ملك جهة العبادة فاحتمال كون الوقف تحريري يكفي في ان نقول بانه لادليل على حرمة التصرف في المسجد بما لا يكون مزاحما لجهة الوقف او مضرا بالعين الموقوفة كما ذكره السيد السيستاني.
سوال و جواب: المسجد عنوان خاص، الواقف لا يمكنه الغاء عنوان المسجد والا لا يكون وقفا للمسجد مثلا الواقف يقول اوقف هذا المكان ليكون مسجدا للطلبة اوقف هذا المكان ليكون مسجدا للقميين بل اكثر من ذلك اقول اوقف هذا المكان لطائفة الخاصة من المسلمين لا هذا موصحيح المسجد لا يقبل الاختصاص بطائفة دون اخرى.
سوال و جواب: عنوان اخر غير المسجد كعنوان مصلى، اوقف هذا المكان ليكون مصلى النساء لا بأس و لكنه لا يترتب عليه احكام المسجدية، هذا ملك جهة الصلاة المسجد يختلف عن المصلى، ممكن يوقف مكان ليكون مصلى و لكن لا يكون مسجدا فما يذكره السيد الزنجاني على ما ببالي من ان المصلى مسجد لان المسجد هو المكان وقف للعبادة و المصلى ايضا وقف للعبادة و الصلاة، لا، عنوان المسجدية عنوان حسب المرتكز المتشرعي لا يقبل التخصيص بطائفة دون اخرى بخلاف وقف المصلى يوقف مكان ليكون مصلى للنساء ليكون مصلى الطلبة يكون مصلى طائفة خاصة هذا لا بأس به بخلاف المسجد.
المسجد هو هكذا المسجد اذا يوقف مكان ليكون مسجدا خلاص، المسجد له احكام شرعية اذا تغير الوقف لا بأس يقول هذا وقف للمصلي لا بأس اما وقف المسجد و المنع من ترتب احكام المسجد عليه هذا يشتمل على التهافت.
ثم قال صاحب العروة كما لا يجوز الدفن في قبر الغير قبل اندراس ميته، اذا دفن ميت في قبر ثم بعد ذلك جائوا بميت آخر و ارادوا ان يدفنوه في جنب ذلك الميت هل يجوز ذلك ام لا يذكر صاحب العروة انه لا يجوز و استدل عليه بحرمة النبش تأملوا في هذه المسألة الى الليلة القادمة ان شاء الله.