بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس: 57 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي
المبحث: المطلق والمقيد الدرس: الأصول
التاريخ: الثلاثاء، 9 رجب الأصب، 1444 ه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
كان الكلام في أنّه: هل يمكن إثبات الإطلاق لاستصحاب عدم التقييد بناءً على كون التقابل بينها تقابل السلب والإيجاب أم لا؟
قلنا: بأنّ الظاهر عدم إمكان إثبات الإطلاق لاستصحاب عدم التقييد حتى بناءً على مسلك تقابل السلب والإيجاب وذلك لعدّة وجوه:
الوجه الأول:
ما ذكرناه من أنّه إذا شكّ في كون الموضوع للحكم هو المطلق أو المقيّد، مثلاً: شكّ في أنّ النكاح العربي موضوع للزوجيّة الشرعيّة أو أنّ النكاح لا بشرط موضوعٌ للزوجيّة؛ حيث إنّ الحكم ينحل بعدد أفراد الموضوع فيكون الإطلاق فيه شمولياً، وفي الإطلاق الشمولي لا بدّ من الإنحلال في الجعل، حينما يقول الشارع: “النكاح نافذ“ فمن خلال هذا الجعل العام يجعل لكل فردٍ من أفراد عقد النكاح أثراً شرعياً وهو ثبوت الزوجية.
وعليه: فالإطلاق الثبوتي الشمولي يتقوم بثبوت الجعل للفاقد للقيد كثبوته لواجد القيد، فيكون الجعل مطلقا، واستصحاب عدم أخذ قيد العربيّة في موضوع الجعل لا يثبت أنّ العقد الفاقد للعربية جُعل له أثر الزوجيّة فإنّ هذا من أوضح أنحاء الأصل المثبت. هذا هو الإشكال الأول.
الإشكال الثاني:
حتى بناءً على إنكار الإنحلال في الجعل كما هو مذكورٌ في كلام السيد الخميني والسيد الصدر‚ حيث أنكرا الإنحلال في الجعل والتزما بالإنحلال في المجعول، يعني أنّ الله سبحانه وتعالى حكم على طبيعة عقد النكاح بكونه سبباً للزوجية، وبعد هذا الحكم والجعل العرف يرى ثبوت هذا الوصف الشرعي الثابت لطبيعة عقد النكاح، يرى ثبوت هذا الوصف لكل فردٍ من أفراد الطبيعة لاتحاد الطبيعة مع أفرادها، وهكذا لو قال المولى “الدم نجس” فليس هناك على رأيهما إلا جعلٌ واحد؛ جعل النجاسة لطبيعي الدم ولكنّ العرف في مقام الانطباق على المصاديق يرى ثبوت هذا الوصف لكلّ دمٍ، هذا الدم نجس، ذاك الدم نجس.
وكان السيد الصدر رحمه الله في بعض كلماته ينكر ثبوت واقعٍ للمجعول وراء كبرى الجعل وتحقق موضوعها في الخارج، يقول: لا واقع وراء كبرى الجعل وتحقق موضوعها في الخارج، لا واقع وارئهما نسميه بالمجعول، ثم واجه حقيقةً لا تقبل الإنكار، وهي: أنّه تارةً يُشك في الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعيّة مع عدم جريان الأصل الموضوعي لافتراض توارد الحالتين مثلاً أو تعاقب الحادثين مثلاً، فانجبرنا إلى أن نُجري الأصل الحكمي، مثلاً: رجلٌ باع متاعاً من شخصٍ ثمّ تحقق أمران، افتراقهما عن مجلس البيع ووقوع فسخٍ من أحدهما، ولا يُدرى هل كان الإفتراق متقدماً على الفسخ أو أنّ الفسخ كان متقدماً على الافتراق كي تزول ملكية المشتري للمبيع في هذا الفرض الثاني؟
فاستصحاب عدم الفسخ إلى زمان افتراقهما يتعارض عند المشهور إذا كانا مجهولي التاريخ مع استصحاب عدم الافتراق إلى زمان الفسخ.
بل ذكر السيد السيستاني = أنّه حتى مع العلم بتاريخ أحدهما والجهل بتاريخ الآخر مع ذلك يتعارضان، يتعارض الاستصحابان، فلا يوجد أصل موضوعي بلا معارضٍ وتصل النوبة إلى الأصل الحكمي، ما هو الأصل الحكمي؟ استصحاب المكلية للمشتري بالنسبة إلى المبيع واستصحاب ملكية البائع بالنسبة إلى الثمن.
ماذا يصنع السيد الصدر رحمه الله هنا؟ ألا يجري استصحاب الملكية؟ صرّح بأنّه يجري استصحاب الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعيّة، فإذا لم يكن هناك وراء كبرى الجعل وتحقق موضوعها في الخارج شيءٌ يُسمّى بالمجعول فماذا يُستصحب في الحكم الجزئي؟ يُستصحب كبرى الجعل؟ فهل يُشك فيها؟ هل يُحتمل النسخ؟ أو يُستصحب الموضوع الخارجي والمفروض تعارض الاستصحابين فيه؟ ولأجل ذلك انجبر أن يقول: أنا أعترف بواقعٍ عرفيٍّ اعتباريٍّ يُسمّى بالمجعول له حدوثٌ وبقاء.
نقول له: أحسنت، اعترفت، فلماذا كنت تنكر وجود المجعول وراء كبرى الجعل وتحقق موضوعها؟ والمجعول بنظر العرف متعددٌ بتعدد أفراد الموضوع بلا إشكال.
فحينئذٍ نقول:
استصحاب عدم التقييد اُفرض أثبت الإطلاق في كبرى الجعل، أنّ كبرى الجعل مطلقةٌ ببركة الاستصحاب، يعني كبرى الجعل تعلّقت في قضية سببية عقد النكاح للزوجية، كبرى الجعل تعلّقت بعقد النكاح ويجري استصحاب عدم التقيّد بكونه عربياً، فلا إشكال. لكن كيف تثبتون لازم هذا الإطلاق وهو الانحلال في المجعول بلحاظ أنّ العقد الفارسي إذا تحقق بين شاب وشابة يكون هذا العقد الفارسي سبباً للزوجية بينهما، ثمّ بعد تحقق هذا العقد الفارسي نقول: هذا زوجٌ وهذه زوجةٌ؟
ليس الإطلاق مساوقاً للانحلال في المجعول، بناءً على إشكالنا الأول الإطلاق الشمولي مساوقٌ للإنحلال في الجعل فكان أمراً وجوديا، لكن في الإشكال الثاني تنزّلنا وقبلنا مماشاةً أنّه ليس هناك انحلال في الجعل وإنّما هناك إنحلال في المجعول، ولكن ثبوت المجعول أي الزوجية عقيب العقد الفارسي هذا ليس عين الإطلاق في الجعل وإنّما هو لازمٌ له، كيف نثبت هذا اللازم الذي هو ليس أثراً شرعياً للإطلاق وإنّما هو لازمٌ عقليّ أو عقلائيٌّ له؟
وإن شئت قلت:
الانحلال في الحكم الفعلي ناشئٌ عن اللحاظ الفنائي للطبيعة في معنونها، وإذا كان الملحوظ في نظر المولى الطبيعة المقيّدة –الطبيعة بشرط شيء- فليس الملحوظ إلا الحصة، ليس هناك ملحوظان أحدهما القدر المتيقن وهو الطبيعة والثاني مشكوك وهو القيد، أبداً. المفني فيه، يعني الذي يلحظ المولى العنوان فانياً فيه إمّا هو الحصة أو هو الطبيعة، فإذا لُوحظت الماهية بشرط شيء فُترى هذه الماهية اللي بشرط شيء فانيةٌ في الحصة، مثلاً: إذا قال المولى “الدم الأحمر نجس“ فهو يلحظ الدم الأحمر فانياً في حصّة من الدم، وإذا قال “الدم النجس“ يلحظه فانياً في طبيعة الدم، استصحاب عدم لحاظ قيد أحمر لا يثبت أنّ المفني فيه، أن الذي لاحظه المولى العنوان فانياً فيه هو عنوان الطبيعة، هذا أصلٌ مثبت. وما دام لا يلحظ المولى عنوان الطبيعة فانياً في معنونها فلا يترتب عليه الإنحلال في المجعول.
إن قلت:
ذكر السيد الصدر قدس سره في أبحاثه أننا لا نحتاج إلى إثبات المجعول، لا ننكر ثبوت المجعول ولكن لا نحتاج إلى إثباته بل لا يمكننا إثباته أحياناً. مثلاً: هو يعترف بالاستصحاب التعليقي في الجملة، مثلاً: إذا قال المولى “العنب يحرم إذا غلا” يقول: ما يخالف، هذا قانون، قانون الحرمة على تقدير الغليان قانون مجعول في حق العنب، العنب حكمه أنّه يحرم إذا غلا، وبعدما صار العنب زبيباً نستصحب هذا الحكم، نقول: هذا عندما كان عنباً ثبت له هذا الحكم وهو أنّه يحرم إذا غلا فلا يزال هذا الحكم ثابتاً له بعد أن صار زبيباً، فنثبت أنّ هذا الزبيب أيضاً يحرم إذا غلى، فإذا غلى، إذا صار الزبيب مغليّاً يقول السيد الصدر رحمه الله: التفتوا، إذا أراد شخصٌ أن يقول فنثبت بالاستصحاب التعليقي أنّ هذا الزبيب بعد غليانه صار حراماً بالفعل فهو مخطئ، هذا أصل مثبت. لا، الحق العقل بعدما أحرز ثبوت كبرى الجعل –يحرم إذا غلى- وأحرز تحقق الغليان في الزبيب يرى تنجز الاجتناب عن هذا الزبيب المغلي، فالتنجز أثر هذا الأمر المركب، إحراز كبرى الجعل وإحراز موضوعها. ولو لم نحرز المجعول أبداً فيقال في الإشكال علينا: بأنّه لا حاجة إلى ثبوت المجعول، افرض لم يثبت، ليس مهماً، المهم أننا أحرزنا كبرى الجعل بالاستصحاب، استصحاب عدم التقييد، العقد عقد النكاح سبب للزوجية، في كبرى الجعل لا يوجد أي انحلال عند السيد الصدر والسيد الخميني ‚، نستصحب عدم التقييد فنثبت كبرى الجعل بضم الوجدان إلى الأصل، ثم بعد ذلك نحرز تحقق الموضوع وهو عقد الفارسي فنكون معذورين، يتنجز علينا ترتيب أثر الزوجية وإن لم يثبت المجعول ليس مهماً.
هل هذا الإشكال وارد وتام أم لا؟ نتكلم عنه في ليلة الإثنين إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين.