دانلود فایل صوتی 230122_1858

فهرست مطالب

فهرست مطالب

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 52 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي

موضوع: تعريف الإطلاق، اسم الجنس/ المطلق والمقيّد

التاريخ: الأحد، 29 جمادي الثانية، 1444 ه

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

كان الكلام في تعريف الإطلاق، فقلنا بأنّ الإطلاق ينقسم إلى قسمين: الإطلاق الثبوتي والإطلاق الإثباتي.

وقلنا بأنّ:

أ. التقابل بين الإطلاق الثبوتي أي الإطلاق في مقام الجعل- مع التقييد يكون من باب تقابل السلب والإيجاب كما عليه صاحب البحوث رحمه الله.

ب. وخلافاً للسيد الخوئي رحمه الله حيث يرى أنّ التقابل بينهما تقابل التضادّ؛ فإنّه يرى أنّ الإطلاق الثبوتي يتقوم بأمر وجودي وهو لحاظ عدم أخذ القيد الزائد، ولكنّه يرى أنّ هذا الإطلاق ضروريٌّ عند عدم التقييد فإنّ الإهمال الثبوتي غير معقول، إذا انتفى التقييد ولو أجل امتناع التقييد وجب الإطلاق فإنّه لا يمكن أن لا يلتفت المولى إلى كيفية جعله ويكون جاهلاً بها.

ج. بينما أنّ المحقق النائيني رحمه الله يرى أنّه يكون التقابل بين الإطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل العدم والملكة كالأعمى والبصير، فإذا امتنع البصر امتنع العمى، فإنّ الجدار يمتنع أن يكون بصيراً، يعني ليس قابلاً لأن يكون بصيرا فلا يصدق عليه أنّه أعمى، فإذا امتنع تقييد حكمٍ ثبوتاً كتقييد الحكم بالعلم به فيمتنع الإطلاق.

ونحن ذكرنا أنّ الاختلاف بين المحقق النائيني والسيد الخوئي يرجع إلى مجرّد الاصطلاح، فإنّ المراد من الإطلاق:

1. إن كان هو لحاظ عدم دخل القيد الزائد في غرض المولى: فحينئذٍ امتناع التقييد لا يوجب ضرورة الإطلاق، فإنّه قد يكون التقييد ممتنعاً ولكن لا يلحظ المولى عدم دخل العلم بوجوب الجهر مثلاً في غرضه، ولأجل ذلك يتوصّل إلى تبيين غرضه بمتمم الجعل، يستخدم خطاباً ثانياً ويقول “من كان جاهلاً بوجوب الجهر فترك الجهر في صلاته فصلاته تامّةٌ”، امتناع التقييد لا يوجب ضرورة الإطلاق بمعنى عدم دخل القيد الزائد في غرض المولى، فمن هذا الحيث يصحّ أن ندّعي الإهمال، أي لا يكشف عدم التقييد الثبوتي لامتناع التقييد عن عدم دخل القيد الزائد الذي يمتنع أخذه في غرض المولى فقد يكون دخيلاً في غرض المولى ولكنه لا يمكن أن يأخذه قيداً في موضوع جعله الأول، ولأجل ذلك يتوصل ويأتي بمتمم الجعل كي يبيّن تمام غرضه.

2. وإن كان المراد من الإطلاق مجرّد عدم دخل القيد الزائد في موضوع الجعل: فتصحّ دعوى السيد الخوئي؛ فإنّ امتناع التقييد يوجب التفات المولى إلى عدم أخذ هذا القيد الزائد في موضوع جعله.

 

فإذاً يكون النزاع بين السيد الخوئي وبين أستاذه المحقق النائيني في مجرد الاصطلاح: ماذا نقصد من الإهمال؟

إن قصدنا من الإهمال عدم تبيّن كون القيد الذي يمتنع أخذه في الجعل الأول عدم تبيّن كونه دخيلاً في غرض المولى أو أنّه ليس بدخيلٍ في غرض المولى، إن أريد من الإهمال هذا المعنى فيتمّ دعوى المحقق النائيني.

وإن أريد من الإهمال جهل المولى بموضوع جعله فيتمّ دعوى السيد الخوئي من أنه لا يعقل أن يكون لا يأخذ المولى قيداً في موضوع جعله() ولو لأجل امتناع أخذه مع ذلك لا يلتفت إليه ويكون جاهلاً بذلك، هذا أمرٌ غير معقول.

 

وكيف كان:

[سؤال][الجواب]: نحن لا ندّعي أنّ الإطلاق لأجل امتناع التقييد يكشف عن سعة الغرض، ولكن قلنا بأنّ التقابل بين الإطلاق الثبوتي والتقييد الثبوتي تقابل السلب والإيجاب لكنّ الإطلاق الثبوتي مع فرض امتناع التقييد ليس كاشفاً عن سعة غرض المولى.

[النزاع في اسم الجنس]

وصلنا إلى النزاع المعروف المنسوب إلى سلطان العلماء رحمه الله في طرف والمشهور قبله في طرفٍ آخر. قلنا بأنّنا لسنا بصدّد الفحص عن صحّة هذه النسبة، ولكن مع غمض العين عن القائل بهذين القولين نركّز على نفس القولين، فهناك قولان:

1. قولٌ بأنّ المعنى الموضوع له اسم الجنس هو ذات الماهيّة، وهذا هو الذي يُعرف بمسلك سلطان العلماءرحمه الله

2. القول الثاني: القول بأنّ المعنى الموضوع له اسم الجنس هو الماهية المطلقة، فلو استعمل اسم الجنس في غير الماهيّة المطلقة كان استعمالاً مجازيا.

 

[بطلان القول الثاني]

هذا القول الثاني بهذا المقدار واضح البطلان؛ وذلك:

أولاً: استعمال اسم الجنس في موارد الإهمال الإثباتي قطعاً ليس مجازاً “اشرب دواءً” ليس مجازاً مع أنّه لم يُستعمل في الماهية المطلقة بالمعنى الذي هم يقصدون وهو كون المولى في مقام بيان أنّ هذه الماهيّة تمام الموضوع لجعله.

المحقق الإيرواني رحمه الله هنا قال: استعمال اسم الجنس في موارد الإهمال يكون ناشئاً عن لحاظ تقيّد اسم الجنس بقيدٍ مثل أن يقول “اشرب دواءً أي دواءً نافعاً بحالك” أو “اشرب دواءً سأصفه لك” وإلّا لو أمر الطبيب بشرب دواءٍ من دون تقييده بالدواء النافع بحال المريض أو الدواء الذي سيصفه الطبيب كان انطباقه على أيّ دواءٍ كان قهريا ولا يُعقل الإهمال. فكأنّه يريد أن يقول: لا يعقل استعمال اسم الجنس في مورد الإهمال إلا بأن تأخذ قيداً زائداً في جنب الماهيّة كي يوجب ذلك التقييد إهمالها.

ولكن هذا الكلام غير متّجه؛ إذ ليس كلامنا في الإهمال الثبوتي، في الإهمال الثبوتي نعم نقبل أنّه لا يُعقل الإهمال الثبوتي في الجعل فإنّه إذا أمر المولى عبده بشرب دواءٍ ففي مقام الثبوت إذا تعلّق الأمر بشرب دواءٍ من دون تقييده بأن يكون دواءً نافعاً بحاله ومثل ذلك كان إطلاقه لأيّ دواءٍ كان ذاتيّاً ولا يُعقل الإهمال.

ولكن كلامنا في الإهمال الإثباتي؛ فقد لا يكون المولى بصدد بيان التفاصيل، يقول لعبده “قلّد المجتهد” “اشرب دواءً” وأمثال ذلك، فهو في مقام الإهمال الإثباتي أي ليس بصدد بيان تفاصيل الحكم، فتقييد الموضوع هنا بقيدٍ مهمل “اشرب دواءً نافعاً بحالك” -مثلاً- خلاف الوجدان؛ لأنّه بصدد الترغيب إلى أصل الفعل، يقول “اشرب دواءً” “قلّد مجتهدا” لا يعني في نفسه قلّد مجتهداً واجداً للشرائط، لا “قلّد مجتهداً” يعني لا تترك تقليد المجتهد، لا تترك شرب الدواء، في مقام أصل الحكم وليس في مقام تفاصيل الحكم، فالإهمال نشأ عن عدم لحاظ المولى كون الطبيعة تمام الموضوع في المراد الجدّي، وهنا الاستعمال ليس مجازياً بلا إشكال، فهذا الإشكال يتم على هذا القول المنسوب إلى المشهور قبل سلطان العلماء.

الإشكال الثاني: أنّه في موارد التقييد بقيدٍ متّصل “أعتق رقبةً مؤمنة” فالرقبة لم تُستعمل في اللابشرط القسمي؛ فإنّ استعمال لفظ الرقبة في اللابشرط القسمي لا يجتمع مع تقييدها مع تقييد الرقبة بكونها مؤمنةً-، يوجب التهافت، ولا أحد يحتمل أنّ قوله “أعتق رقبةً مؤمنة” يكون استعمال مجازي.

ولأجل ذلك المرحوم الشيخ الأستاذ الشيخ التبريزي رضوان الله عليه- في الدورة الثانية الأصوليّة له صاغ القول المنسوب إلى المشهور قبل سلطان العلماء بصياغةٍ أحسن ، وإن كان كلامه هذا لم يذكره في كتابه ولم يعد إليه في دورته الثالثة، كانت شقشقةً هدرت ثم قرّت، ماذا قال في الدورة الثانية الأصولية؟

قال: إذا كان اسم الجنس مجرّداً عن القرينة المتصلّة على الإهمال أو على التقييد فهنا نلتزم بوضع اسم الجنس على الماهية المطلقة.

أنا أذكر كلام الشيخ الأستاذ رحمه الله بتقريبٍ مني، يقول:

إذا كان هناك قرينة متصلّةٌ على الإهمال أو على التقييد وُضع اسم الجنس على الماهية المهملة، وإذا لم يكن هناك قرينةٌ على الإهمال أو التقييد فوضع اسم الجنس على الماهية المطلقة، فهناك وضعان لحالتين مختلفتين لاسم الجنس:

أ. حالة تجرّده عن القرينة المتصّلة على الإهمال أو التقييد: في هذه الحالة وُضع اسم الجنس على الماهية المطلقة في حالة تجرّده عن القرينة.

ب. وفي حالة احتفافه بالقرينة المتصّلة على الإهمال أو التقييد: هنا وضع للماهية المهملة.

وقد يُقال تعميقاً لكلام الشيخ الأستاذ رحمه الله-: أنّ ذات اسم الجنس وُضع لذات الماهيّة التي يُعبّر عنها بالماهية المهملة، واسم الجنس المجرّد عن القرينة وُضع للماهية المطلقة، فهناك دالّان ومدلولان،:

الدالّ الأول: ذات اسم الجنس يدلّ على مدلوله وهو الماهية المهملة “ذات الماهية”.

والدالّ الثاني هو: اسم الجنس المجرّد عن القرينة، هذا الدال يدلّ على مدلوله وهو الماهية المطلقة التي هي قسمٌ من الماهيّة المهملة.

ولكن هذا التعديل لا يُجدي شيئاً؛ فإنّ تعدد الوضع خلاف المرتكز العرفي، وممّا يؤيد ذلك: أنّه لو لم يكن هناك قرينةٌ على الإهمال لكنّ الشارع المولى- واقعاً لم يكن بصدد البيان، قال: “جئني بماءٍ” وكان بناؤه أن يذكر تفاصيل المسألة بعد فترةٍ ولكنّ الناس يستظهرون منه أنّه في مقام البيان لعدم احتفافه بقرينةٍ على الإهمال، فهل تحسّون بأنّه ارتكب المجاز؟ استعمل اللفظ في غير ما وضع له؟! أبداً، قال “جئني بماء”. نعم، إذا عرفنا من الخارج أنّه لم يكن في مقام البيان فهذا يكون مخالف لظاهر حال المولى وليس مخالفاً للوضع، ليس على خلاف العلقة الوضعيّة. ولأجل ذلك حينما نسمع من الببغاء “ماء، جيب ماي” ما يخطر ببالنا هو ذات ماهيّة الماء، فالمعنى الحقيقي للماء هو ذات الماهيّة التي نُعبّر عنها بالماهية المهملة.

فإذاً، لا يستند الإطلاق أي استظاهر كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم- إلى الوضع وإنّما يستند إلى قرينةٍ نوعيّةٍ، فلنبحث عن هذه القرينة النوعيّة التي تُسمّى بمقدمات الحكمة.

فعرفنا أنّ الإطلاق لا يستند إلى الوضع، ولو كان مستنداً إلى الوضع لبطل مسلك المشهور من تقديم المطلق على العام إذا تعارضا بالعموم من وجه “أكرم كلّ عالم” “لا تكرم الفاسق” في العالم الفاسق يتعارضان، المشهور قالوا بتقديم العام على المطلق، فبناءً على مسلك المشهور قبل سلطان العلماء كلا الظهورين مستندان إلى ماذا؟ إلى الوضع، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بخلاف من يقول: بأنّ الإطلاق يستند إلى مقدمات الحكمة ومن مقدمات الحكمة عدم البيان على التقييد والعام يصلح للبيان على التقييد فيقدّم العام على المطلق كما عليه المشهور وإن خالفناهم في ذلك كما سيأتي في الأبحاث القادمة إن شاء الله.

والحمد لله ربّ العالمين.