الدرس 5-210
الأثنين – 12 ربيع الاول 46
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن
الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلی اللّه علی سيّدنا محمّد و آله
الطاهرين و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.
وقع الكلام فيما ذكره السيد الخوئي من ان الكافر ليس مكلفا
بالصوم فلو صام لا يكون صومه صحيحا لعدم تعلق الامر به مع غمض العين عما دل
علی بطلان عبادة الكافر.
هذا الرأي خلاف المشهور. المشهور ذهبوا الی تكليف الكفار
بالفروع و استدلوا علی ذلك تارة باطلاق خطابات التكليف، و لله علی الناس
حج البيت، كما استدلوا تارة اخری ببعض الآيات كقوله تعالی ما سلكم في
سقر قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين و كنا نخوض مع الخائضين و كنا نكذب
بيوم الدين. كنا نكذب بيوم الدين يعني بذلك كفر هؤلاء، مع ذلك حينما سئلوا ما سلكم
في سقر قالوا لم نك من المصلين فالكافر كان مكلفا بالصلاة و يعاقب علی تركه
للصلاة. نعم شرط الواجب هو ان يصير مسلما حتی تصح صلاته لكن هذا شرط الواجب
ليس شرط الوجوب.
و هكذا قوله تعالی و يل للمشركين الذين لا يعطون الزكاة.
مشرك، ويل له لانه لا يعطي زكاة ماله.
و هكذا قوله تعالی و اذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت.
من الذي قتلها؟ هؤلاء المشركون. فيعاقبون علی قتل الطفل له المولودة.
السيد الخوئي قال في الجواب اولا:
ابيّن لكم انا انكر ثبوت التكاليف الاسلامية في حق الكافرين اما المستقلات العقلية
كحرمة القتل، حرمة الظلم، حرمة اكل اموال الناس بالباطل، هذه الاحكام تثبت في حق
الكفار. فانا انكر ثبوت احكام مختصة بالشريعة الاسلامية في حق الكفار كوجوب الصلاة
و الصوم و الحج و ما شابه ذلك.
اما دعوی الاطلاق في ادلة التكاليف
فممنوعة لان القرآن يقول يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصلاة، ان الصلاة كانت
علی المؤمنين كتابا موقوتا. افرض انعقد الاطلاق في بعض الآيات كقوله تعالی
لله علی الناس حج البيت لكن هذه الآيات مقيدة بالمؤمنين و يثبت لها مفهوم في
ان هذه التكاليف مختصة بالمؤمنين دون الكفار، فبمفهوم هذه الآيات نقيد اطلاقات
الخطابات في سائر الآيات.
و اما استدلال المشهور بقوله تعالی
ما سلككم في سقر و كذا قوله تعالی ويل للمشركين، هاتان الآيتان تشيران
الی ميزة المسلمين و وصف المسلمين الذين يمتازون به علی غيرهم، يقول
ما سلككم في سقر فيقال في جوابه نحن لم نكن من المسلمين الذين ميزتهم انهم يصلون، يعطون
الزكاة، علامة المسلم ذكرت في هذه الآيات، ويل للمشركين، علامة المشركين انه لا يعطون
الزكاة لان انهم يعاقبون لاجل عدم اعطاء الزكاة.
يقول السيد الخوئي لاحظوا قوله تعالی الزاني لا ينكح
الا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك و حرم ذلك علی المؤمنين
يعني حرم الزنا علی المؤمنين لان النكاح يعني الوطئ و الا فمجرد العقد مع
المشركة ليس من المحرمات. باطل و لكن ليس محرما تكليفيا. الذي يحرم تكليفا
علی المؤمنين هو الزنا أو وطئ المشركة. فبيّن في هذه الآية ان حرمة الزنا
تختص بالمؤمنين.
و الحاصل انه في الاحكام الاسلامية يدعي السيد الخوئي
اختصاص تلك الاحكام بالمسلمين اما الاحكام العقلية كحرمة قتل البریء كما في
قوله تعالی و اذا الموؤدة سئلت، لا، حرمة قتل البریء تثبت في حق الكفار
لانها ليست من الاحكام المختصة بالاسلام بل احكام ثابتة بحكم العقل.
هذا و قد ذكر السيد الخوئي بعد ذلك
اننا نستدل برواية معتبرة لا يمكنكم الجواب عنها. ما هي تلك الرواية المعتبرة؟ يقول
السيد الخوئي ورد في صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قلت له اخبرني عن معرفة الامام
منكم واجبة علی جميع الخلق فقال ان الله بعث محمدا صلی الله عليه و
آله الی الناس اجمعين فمن آمن بالله و بمحمد صلی الله عليه و آله و
صدقه فان معرفة الامام منا واجبة عليه و من لم يؤمن بالله و برسوله و لم يصدقه فكيف
يجب عليه معرفة الامام و هو لا يؤمن بالله و رسوله و يعرف حقهما، معرفة الامام ولاية
الامام المعصوم لا تجب علی غير المسلمين فكيف يجب علی غير المسلمين ما
هو اقل اهمية من الولاية كالصلاة و الزكاة و الحج و الصوم. الولاية اهم كما ورد في
صحيحة اخری لزرارة، الولاية اهم من الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم، مع ذلك
وجوب الايمان بامامة الائمة المعصومين يختص بالمسلمين و لا يجب علی الكفار فكيف
بهذه الواجبات التي اقل مرتبة منها.
يقول السيد الخوئي يمكننا ان نستدل
ايضا بسيرة المسلمين. لم ينقل في تاريخ ان المسلمين أو ائمة المسلمين اجبروا الكفار
باداء الزكاة، امروهم بالصلاة و الصوم و الحج، نهوهم عن شرب الخمر، لم يثبت ذلك،
لم ينقل في التاريخ ابدا هذا الشيء، و لو كانوا مكلفين بالفروع لوجب امرهم
بالمعروف و نهيهم عن المنكر.
هذا محصل ما ذكره السيد الخوئي. راجعوا الموسوعة الجزء 26
صفحة 120.
الجواب عن كلام السيد الخوئي اما
ما ذكره بالنسبة الی قوله تعالی ان الصلاة كانت علی المؤمنين كتابا
موقوتا فالانصاف ان هذه الآية لا يثبت لها مفهوم لان ذكر المؤمنين فيه نكتة و هو
عدم اهتمام الكفار بخطابات الشارع، فالشارع يخاطب المؤمنين لانهم يقبلون كلام
الشارع. نعم اذا امر الناس بالايمان بالخوف من القيامة، خب شيء آخر، يا ايها الناس
اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم، صحيح، اما يطلب من الناس ان يقيموا الصلاة و
يعطوا الزكاة، الكفار خب لا يقبلون لا يخضعون لهذا الخطاب. اول شيء ان يخضعوا
لخطاب الامر بالايمان و الاسلام ثم يخضعون لهذه الخطابات و لاجل ذلك قد تكون نكتة تخصيص
المؤمنين بالذكر هو هذا المطلب فلا يثبت له مفهوم في عدم تكليف الكفار بالفروع.
او لعل مخاطبة المؤمنين لاجل انهم واجدون لشرط صحة العبادة،
يا ايها الناس اقيموا الصلاة، غير يصير مسلما ثم يقيموا الصلاة؟ و الا لو بقي كافرا
اقام الصلاة، خب صلاته لا تصح.
و اما استدلاله بقوله تعالی و
حرم ذلك علی المؤمنين فالجواب عنه ان الظاهر من النكاح هو العقد لا الوطئ، الزاني
لا يعقد عقد النكاح الا مع من يناسبه، الخبيثات للخبيثين و الطيبات للطيبين و الطيبون
للطيبات، الجنس مع الجنس يميل، الطيور علی امثالها تقع، الزاني لا يتزوج الا
بمن يناسبها اي الزاني أو المشركة و الزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك، و حرم عقد
الزواج مع الزانية أو المشركة علی المؤمنين.
و ثانيا: يحتمل ان يراد من حرم ذلك علی المؤمنين
التحريم التكويني كما في قوله تعالی و حرمنا عليه مراضع من قبل، موسی
عليه السلام حرم عليه المراضع تكوينا لانه ما كان يقبل ثدي امرأة اخری غير
امه، فرددناه الی امه كي تقر عينها و لا تحزن و اوحينا الی ام موسی
ان ارضعيه. تحريم تكويني. حرم ذلك علی المؤمنين من المحتمل ان يكون بمعنی
ان المؤمن بمقتضی ايمانه لا يفعل ذلك، ايمانه يمنعه من الزنا أو وطئ المشركة.
فهل يلتزم السيد الخوئي ان حرمة الزنا لا تثبت في حق الكفار؟ لو زنی كافر
بمسلمة كيف يقتل؟ الكافر اذا زنی بمسلمة يقتل كحكم متسالم عليه في الفقه و
السيد الخوئي يفتي بذلك، كيف يقتل علی عمل مباح، ما تقول يا سيدنا تحريم
الزنا خاص بالمؤمنين، الكافر لا يحرم عليه الزنا و الزنا هذا منه عمل مباح، مو
حرام فليش تقتله؟ تقتله علی ارتكاب لعمل مباح؟ هذا خلاف المرتكز جدا.
و اما حمله تلك الآيتين لم نك من
المصلين و كنا نكذب بيوم الدين يعني لم نك من المسلمين الذين علامتهم انه يصلون، انصافا
خلاف الظاهر. الظاهر من قوله تعالی ما سلككم في قر قالوا لم نك من المصلين، منشأ
عقابهم انه تركهم للصلاة و الا لكان يقول لم نك من المؤمنين، خلاص بعد. ويل للمشركين
الذين لا يعطون الزكاة يعني تركهم الزكاة حرام عليهم.
و قد ورد في بعض الروايات المعتبرة صحيحة محمد بن مسلم عن
خراج اهل الذمة و جزيتهم اذا ادوها من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم هل يحل ذلك
للامام و المسلمين فاجاب عليه السلام ثمن ذلك للمسلمين حلال و وزر ذلك عليهم. السيد
الخوئي يقول ابد ماكو وزر، ابدا ماكو اثم، يقول وزر ذلك عليهم يعني هم يحملون وزر
بيعهم للخمر و الخنزير و الميتة.
اما صحيحة زرارة اولا: لا ملازمة بين
عدم تكليف الكفار بمعرفة الامام المعصوم و بين عدم تكليف الكفار بسائر التكاليف
لان معرفة الامام تتقوم بمعرفة النبي، الذي لا يؤمن بالنبي يؤمن باميرالمؤمنين؟
بهذا العنوان ان علی صوت عدالة الانسانية، نعم صحيح، الجرج جرداق كاتب ان
الامام علی صوت العدالة الانسانية مع انه لا يعترف بالنبي اما من يعترف بان
اميرالمؤمنين عليه السلام ولي الله غير ان هذا يتقوم بان يعترف بان النبي نبي الله
و هو وصيه و خليفته من بعده؟ فممكن ان يكون وجوب معرفة الامام متاخرا عن الاسلام
لا ملازمة بين الامرين.
و ثانيا: صحيحة محمد بن مسلم التي
دلت علی ان وزر ذلك عليهم اثبت تكليف الكفار بالفروع فمقتضی الجمع
العرفي بين تلك الصحيحة و صحيحة زرارة ان نقول الاسلام شرط الواجب وجوب معرفة الامام
وجوب معلق يجب علی كل انسان ان يسلم و يؤمن بالامام بعد اسلامه فالوجوب فعلي
و الواجب استقبالي. و هذا هو مقتضی استنكار الامام عليه السلام لان يعرف
الامام و هو لا يؤمن بالله و رسوله، الواجب المعلق ليس مستنكرا، المستنكر هو ان يكون
الواجب منجزا. لاحظوا الرواية ! و من لم يؤمن بالله و رسوله كيف يجب عليه معرفة الامام
و هو لا يؤمن بالله و رسوله، لا يظهر من الاستنكار وجوب معرفة الامام كوجوب منجز
اما كوجوب معلق ليس امرا مستنكرا، هل من المستنكر ان نقول كيف يجب في الليل صوم
النهار، الوجوب من الليل و لكن الواجب استقباله في النهار، هذا ليس امرا مستنكرا،
المستنكر ان يكون الواجب في الليل صوم النهار في نفس الليل، هذا مو معقول، هنا ايضا
كذلك، ليس من المستنكر ان يجب علی الكافر ان يسلم ثم بعد ان يسلم يؤمن
بالامام، هذا ليس مستنكرا.
فاذن نحن نلتزم بان الكفار حسب
اطلاق الادلة، ان تم اطلاق الادلة يكونون مكلفين بالفروع نعم اذا لم يكن هناك
اطلاق في دليل تكليف بالنسبة الی الكفار نلتزم بعدم ثبوت ذاك التكليف في حق
الكفار لكن الحج واجب مطلق، الصلاة واجب مطلق، لا يختص بالكافر، الی غير ذلك
من التكاليف، خصوصا التكاليف التحريمية، الكذب حرام علی الكل، سواء كان
مسلما ام كافرا.
و اما السيرة علی عدم النهي
عن المنكر هذا لا يعني عدم تكليف الكفار بالفروع، غايته ان وجوب النهي عن المنكر
مختص بالمسلم، لايجب النهي عن المنكر بالنسبة الي الكفار التاركين للفروع، شنو
علاقة بعدم تكليف الكفار بالفروع.
فاذن يتم مبنی المشهور من تكليف الكفار بالفروع الا
اذا لم يكن هناك اطلاق في دليل التكليف.
و ثمرة ذلك انه لا يجوز تسبيب الكافر
الی ارتكاب الحرام. لا تطلب من الكافر ان يكذب، انت ما تقدر تكذب فشخص صديقك
كافر تقول له انا ممنوع من الكذب لكن انت مو مكلف بالفروع ارجو تجيء تكذب فمرّ
قربة الی الله، لا، ميصير، تسبيب الی الحرام لان الكذب علی الكافر
حرام، نعم لو كان عملا مباحا جاز ذلك و لكنه ليس مباحا.
هذا تمام الكلام في هذا الفرع، ننتقل
الی بحثنا في الصوم، شرطية الاسلام و الايمان، فرغنا عنهما، وصلنا الی
الشرط الثالث و هو العقل. هل العقل شرط في صحة الصوم أو ان المخابير هم يمكنهم ان
يكون صومهم صحيحا، نتكلم عن ذلك في الليلة القادمة انشاءالله.
و الحمد لله رب العالمين.