بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس: 48 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =
المبحث: المفاهيم (مفهوم الشرط) الدرس: الأصول
التاريخ: الثلاثاء: 24/5/2022 (22/ شوال/ 1443 ه)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
[تنبيهات مفهوم الشرط]
يقع الكلام في عدّة تنبيهات حول مفهوم الشرط:
التنبيه الأول
[الكلام في مفهوم الشرط:
فيما إذا كان الحكم المذكور في الجزاء قابلاً للثبوت عند انتفاء الشرط]
إنّ الكلام في مفهوم الشرط فيما إذا كان الحكم المذكور في الجزاء قابلاً للثبوت عند انتفاء الشرط، فلو لم يكن الحكم في الجزاء قابلاً للثبوت عند انتفاء الشرط فهو خارجٌ عن محلّ البحث، ونذكر لذلك عدّة أمثلة:
المثال الأول: إذا كان الشرط محققاً للموضوع ولم يوجد ما يُحقق الموضوع غير هذا الشرط المذكور في الخطاب.
كما لو قيل “إن ركب الأمير فخذ ركابه”؛ فإنّه إذا لم يركب الأمير فلا ركاب له حتى يجب أخذه.
والمثال المعروف: إن رُزقت ولداً فاختنه” فإنّه مع عدم ولادة الولد فلا موضوع لوجوب ختانه.
وهذا واضحٌ، إنّما الكلام فيما لو ذُكر لهذا الشرط المحقق للموضوع وصفٌ أو شرطٌ، كما لو قيل: “إن ركب الأمير معمّماً فخذ ركابه” أو قيل “إن ركب الأمير وكان معمّماً فخذ ركابه” أو قيل: “إن ركب الأمير فكان معمّماً فخذ ركابه”، فهل يثبت له مفهوم الشرط فيما إذا انتفى ذلك الوصف بأن ركب الأمير ولم يكن معمّماً فهل يُفهم من ذلك الخطاب أنّه لا يجب أخذ ركابه فيما لو ركب غير معمّمٍ؟
السيد الخوئي رحمه الله: فيما إذا ذُكر للشرط المحقق للموضوع شرطٌ ثانٍ التزم بمفهوم الشرط عند انتفاء الشرط الثاني.
السيد الصدر رحمه الله في الفقه: التزم بمفهوم الشرط حتى فيما إذا ذُكر للشرط المحقق للموضوع وصفٌ وانتفى ذلك الوصف، كما في قولنا “إن ركب الأمير معمّماً فخذ ركابه”، والمثال الفقهي لذلك: قوله علیه السلام: “إن أصاب يدك جسد الميت قبل أن يُغسل فيجب عليك الغَسل“، فقال: إصابة اليد جسد الميت شرطٌ محقّقٌ للموضوع؛ فإنّ انتفاء وجوب الغَسل بانتفاء إصابة اليد لجسد الميت من باب السالبة بانتفاء الموضوع، ولعلّه لأجل أنّ الغسل ظاهرٌ في الغسل المطهّر، فالجسد النظيف لا يُستعمل في حقه أنّه يجب غسله.
وعلى أيّ حال، ولكنّه ذكر رحمه الله: أنّه حيث أُخذ في إصابة اليد جسد الميت وصفٌ زائد وهو إصابتها لجسد الميت قبل أن يُغسل، فإذا أصاب اليد جسدُ الميت بعد أن يُغسل فمن باب مفهوم الشرط نقول: لا يجب غسل هذه اليد.
ولكن الظاهر: عدم ثبوت مفهوم الشرط في هذا المثال؛ فإنّ الظاهر من قوله “فقد يجب عليه الغسل” يعني فقد يجب عليك غسله: هذا الجزاء موضوعه اليد الملاقية لجسد الميت قبل أن يُغسل، هذا هو الموضوع لذلك الجزاء، فالجزاء متعلّقٌ بهذا الموضوع، نظير ما لو قيل “إن رُزقت ولداً أبيض فاختنه” فإنّ الضمير في قوله “فاختنه” يرجع إلى ماذا؟ يرجع إلى الولد الأبيض، فيكون انتفاء وجوب ختان الولد الأبيض بانتفاء الولد الأبيض سالبةً بانتفاء الموضوع، وهذا ليس مفهوم الشرط، “إن رُزقت ولداً أبيضاً فاختنه” لا يثبت له مفهوم الشرط؛ نقول: إذا لم يكن الولد أبيض فلا يجب ختانه مطلقاً ولو كان أخضر؟! لا، لعلّ فيه تفصيل: إن لم يكن الولد أبيض فإن كان أسمر لا يجب ختانه أمّا إذا كان أخضر لعلّه يجب ختانه.
نحن: لا ننكر مفهوم الوصف في هذا المثال إنّما الكلام في ثبوت مفهومٍ مطلق كمفهوم شرط لهذه الجملة، نحن لا نقول بذلك خلافاً للسيد الصدر رحمه الله في بحوثه في الفقه.
فنفصّل بينما لو كان الشرط المحقق للموضوع جيء بعده وصفٌ أو جيء بعده شرطٌ:
ـ فإذا جيء بعده شرطٌ فلا بأس أن نقول: إذا انتفى ذاك الشرط الثاني فيثبت مفهوم الشرط كما ذكره السيد الخوئي رحمه الله “إن ركب الأمير وكان معمّماً –أو فكان معمّماً- فخذ ركابه”.
ـ أمّا في مثال “إن ركب الأمير معمّماً فخذ ركابه” لا يثبت له إلّا مفهوم الوصف ومفهوم الوصف ليس مفهوماً مطلقاً بخلاف مفهوم الشرط على مسلك المشهور.
المثال الثاني: ما لو كان الشرط محققاً للموضوع في الخطاب لكن لا ينحصر تحقق الموضوع به عقلاً.
كما لو قيل: “إن كتب الفقيه كتاباً فاقرأه”: “إن كتب الفقيه كتاباً” هذا شرطٌ، انتفائه يكون ماذا؟ إن لم يكتب الفقيه كتاباً؛ فلم يُفرض فيه وجود الكتاب، لم يُفرض في الخطاب وجود كتابٍ فلا يثبت له مفهوم الشرط.
بخلاف ما لو قيل: “الكتاب إن كتبه الفقيه فاقرأه”؛ هنا الكتاب أُخذ مفروض الوجود وشرطه “إن كتبه الفقيه” إذا انتفى -يعني: الكتاب إن لم يكتبه الفقيه فلا يجب أن تقرأه- يثبت له مفهوم الشرط.
ففرقٌ بين أن يقال: “إن كتب الفقيه كتاباً فاقرأه” فلا مفهوم للشرط فيه لأنّه شرطٌ محققٌ للموضوع بخلاف ما لو قيل “الكتاب إن كتبه الفقيه فاقرأه”
ـ ونحو ذلك ما لو قيل “إن أعطاك زيدٌ درهماً فخذه”؛ هذا لا مفهوم مطلق له لأنّ إنتفاء الشرط يعني: إن لم يعطك زيدٌ درهماً، لم يُفرض الدرهم مفروض الوجود فيه.
بخلاف ما لو قيل: “الدرهم إن أعطاكه زيدٌ فخذه”؛ مفهوم الشرط فيه أنّه الدرهم إذا لم يعطك زيدٌ إياه فلا يجب أن تأخذه فيثبت له مفهوم الشرط.
ومن ذلك تبيّن أنّ قوله تعالى ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ لا مفهوم للشرط فيه؛ فإنّه لو قال “النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّنوا” كان له مفهوم الشرط لأنّه أُخذ النبأ مفروض الوجود فيه، النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّنوا يكون مفهومه أنّه النبأ إذا لم يجيء به الفاسق فلا يجب أن تتبيّنوا عنه.
بينما أنّ الآية ليست كذلك، في الآية الكريمة ورد أنّه “إن جاء فاسقٌ بنبأٍ“إذا انتفى الشرط يكون ماذا؟ إن لم يجيء الفاسق بنباً، فلم يُفرض فيه وجود النبأ، إن لم يجيء الفاسق بنبأٍ هل النبأ موجود؟ لم يفرض أنّ النبأ جيء به ولكن لم يجيء به الفاسق، يعني حرف اللام مفقودةٌ في هذه الآية، لو كانت موجودةً لثبت لها مفهوم الشرط بناءً على ثبوت مفهوم الشرط مطلقاً.
حتى لو قيل: “إن جاءكم فاسقٌ بالنبأ” ظاهره أنّ النبأ أُخذ مفروض الوجود فيكون نظير أن يقال “إن أعطاك زيدٌ الدرهم فخذه” فإنّه يثبت له مفهوم الشرط بخلاف ما لو قيل “إن أعطاك زيدٌ درهماً” لأنّ مفهومه أنّه إذا لم يعطك زيدٌ درهماً هل الدرهم موجود ولم يعطك زيدٌ؟ هذا لم يُفرض في الخطاب.
ولأجل ذلك ترون أنّه في البحوث في متن البحوث لم يكن ملتفتاً إلى هذه النكتة في بحث التمسّك بآية النبأ، فقال: نتمسّك بمفهوم الشرط في آية النبأ.
في تعليقة البحوث نقل عن السيد الصدر رحمه الله أنّه عدل عن ذلك فقال: لا مفهوم للشرط في الآية لنفس هذه النكتة التي أشرنا إليها؛ لأنّه لم يقل في الآية “النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّنوا عنه” أو لم يرد في الآية “إن جاءكم فاسقٌ بالنبأ فتبيّنوا عنه”.
هذا هو التنبيه الأول.
التنبيه الثاني
[عند دلالة حكمٍ عام أو مطلق
فهل مفهومه: سلب العموم أم عموم السلب؟]
وقع الخلاف في أنّه لو دلّت الجملة الشرطيّة على حكمٍ عام أو حكمٍ مطلق فهل مفهومه سلب العموم أو عموم السلب؟
ما هو الفرق بينهما؟
أذكر لكم مثال: “إذا جاء ولدك من السفر فأكرم كلّ عالمٍ” ماذا يكون مفهوم هذه الجملة؟
ـ أنّه إذا لم يجيء ولدك من السفر فلا يجب إكرام أيّ عالمٍ أبداً؟ هذا يكون عموم السلب.
ـ أو أنّ مفهومه أنّه إذا لم يجيء ولدك من السفر فلا يجب إكرام كلّ عالمٍ ولكن قد يجب إكرام العالم العادل، هذا يكون سلب العموم.
مثلاً: في المثال العرفي تقول: إذا غضب الأمير فلا يحترم أيّ إنسانٍ، ما هو مفهومه؟ مفهومه أنّه إذا لم يغضب الأمير فيحترم كلّ إنسانٍ؟ لا، هذا يصير عموم السلب، لا. إذا لم يغضب الأمير فيحترم بعض الناس، في قبال أنّه: إذا غضب فلا يحترم أيّ إنسانٍ، إذا لم يغضب لا غير صحيح أن نقول “لا يحترم أيّ إنسانٍ”، إذا غضب الأمير لا يحترم أيّ إنسانٍ حتى لا يحترم أبوه ولا أمه أمّا إذا لم يغضب لا ليس كذلك، يحترم بعض الناس وإن لم يحترم جميع الناس، هذا يكون سلب العموم.
الإنصاف: أنّه إذا كان الجزاء بنحو العموم فيكون مفهومه إنتفاء العموم –سلب العموم- لا عموم السلب.
المثال الفقهي لذلك: “إذا بلغ الماء قدر كرٍّ لا ينجّسه شيء” مفهومه ماذا؟
ـ إذا لم يبلغ الماء قدرَ كرٍّ ينجّسه كلّ شيءٍ؟! لا، هذا يكون عموم السلب يعني لا ينجّسه شيء ينجّسه كلّ شيء، هذا غير صحيح.
ـ إذا لم يبلغ الماء قدر كرٍّ ذاك الجزاء –لا ينجّسه شيء- منتفي، وانتفاء السلب الكلي قد يكون بنحو الإيجاب الجزئي، نقيض السالبة الكليّة ماذا؟ الموجبة الجزئيّة.
السالبة الكليّة أنّه لا ينجّس الماء الكر شيءٌ نقيضها الموجبة الجزئيّة: الماء القليل ينجّسه شيء، والقدر المتيّقن ينجّسه عين النجس أمّا المتنجّس فهل ينجّسه؟ غير معلوم.
[فالحاصل] فإذا كان الجزاء بنحو العموم فمفهومه ماذا؟ سلب العموم لا عموم السلب، “إذا جدّ زيدٌ في الدرس فلن يفوقه أحدٌ” مفهومه ماذا؟ إذا لم يُجد زيدٌ في الدرس –تكاسل- فيفوقه كلّ أحدٍ حتى الأغبياء في المدرسة؟ لا، ذاك الجزاء –فلن يفوقه أحد- منتفي، يفوقه بعض الناس لا كلّ الناس يفوقون عليه.
وبقية الكلام في ليلة الأحد في الأسبوع القادم الذي هو آخر أسبوعٍ من سنتنا الدراسيّة.
والحمد لله ربّ العالمين.