بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس: 45 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =
المبحث: المفاهيم (مفهوم الشرط) الدرس: الأصول
التاريخ: السبت: 21/5/2022 (19/ شوال/ 1443 ه)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
كان الكلام في أنّه هل يثبت للجملة الشرطية مفهوم أم لا؟
[القول الأول (المشهور): ثبوت المفهوم]
ذهب المشهور إلى ثبوت المفهوم لها واستُدلّ لهم بوجوهٍ:
[الدليل الأول]
أولّها: أنّ مفاد أداة الشرط النسبة التوقفيّة.
فمآل قولنا “إن جاء زيدٌ فأكرمه” إلى أنّ وجوب إكرام زيدٍ موقوفٌ ومعلّقٌ على مجيئه، وهذا يعني أنّه لو لم يجيء لم يثبت وجوب إكرامه.
[الجواب على الدليل الأول]
[الجواب الأول]: فأجاب عنه المحقق الأصفهاني رحمه الله بأنّ مفاد أداة الشرط ليس إلّا جعل جملة الشرط واقعاً موقع الفرض والتقدير، فقولنا “إن جاء زيدٌ” حرف “إن” فيه لا يفيد إلا أنّ قولنا “جاء زيدٌ” ليس إخباراً وإنّما صار موقع الفرض والتقدير، كأنّه قيل “اُفرض أنّ زيداً جاء”، وترتب الجزاء على الشرط يُستفاد من حرف الفاء الداخلة على الجزاء.
هذا البيان بهذا النحو غريب؛ فإنّه يقتضي أن يكون قولنا “إن جاء زيدٌ” تامّاً لأنّ معناه “اُفرض أنّ زيداً جاء“ بينما أنّ الوجدان العرفي يأبى عن ذلك، فإذا قيل “إن جاء زيدٌ” فيُتوقع أن يُلحق به الجزاء.
فالصحيح أن نقول: مفاد أداة الشرط النسبة التقديريّة، الربط التقديري، فحرف “إن“ تربط بين جملة الجزاء وجملة الشرط ربطاً تقديريّا فيكون مفادنا قولنا “إن جاء زيدٌ فأكرمه” أنّ وجوب إكرام زيدٍ ثابتٌ على تقدير مجيئه.
والإنصاف: أنّ هذا الإشكال على المشهور متجهٌ؛ فإنّنا لا نفهم من قوله “إذا زُلزلت الأرض فصلِّ صلاة الآيات” أكثر من وجوب صلاة الآيات على تقدير تحقق الزلزال، وأمّا أنّ وجوب صلاة الآيات موقوفٌ على الزلزال بحيث لو لم يتحقق الزلزال لم تجب صلاة الآيات ولو بسببٍ آخر فهذا ممّا لا يُستفاد من هذه الجملة.
ويمكن أن نستشهد على ما ذكرناه: من أنّه لا إشكال ولا خلاف في عدم ثبوت المفهوم للجملة الشرطيّة الخبريّة، فإذا قال شخصٌ “إن كان هذا والد زيدٍ فالذي يمشي معه زيدٌ” هل مفهومه أنّه إن لم يكن هذا والدَ زيدٍ فليس من يمشي معه زيداً؟ لا، هذا المخبر يقول هذا المقدار أنا أُخبر به؛ إن كان هذا والد زيدٍ فالذي معه زيدٌ لا أنّه لو لم يكن والد زيدٍ لم يكن الذي يمشي معه زيداً.
فالجملة الخبرية الشرطيّة لا إشكال في عدم ثبوت مفهومٍ لها، فمن يدّعي ثبوت المفهوم للجملة الشرطيّة الإنشائيّة فيدّعي وجود اختلافٍ بين معنى الجملة الشرطيّة الخبريّة والجملة الشرطيّة الإنشائيّة وهذا دعوى بلا وجه.
[جواب السيد الخوئي رحمه الله وجوابه]
السيد الخوئي رحمه الله أجاب عن هذا الإشكال، فقال:
إن أُريد توجيه هذا الإشكال على المشهور فنحن نقبل على مبنى المشهور من كون مفاد الجملة الخبريّة ثبوت النسبة بين الموضوع والمحمول فأصلاً لا موجب لدعوى ثبوت المفهوم للجملة الشرطيّة؛ لأنّ الجملة الشرطيّة لا تدلّ على عليّة الشرط للجزاء فضلاًً أن تدلّ على علّيّته المنحصرة.
لكن نحن قلنا بأنّ: مفاد الجملة الخبرية هو قصد الإخبار ومفاد الجملة الإنشائية إبراز الاعتبار، فقولنا: “زيدٌ قائم“ موضوعٌ لإبراز قصد الإخبار عن كون زيدٍ قائماً، كما أنّ قولنا “صلِّ” موضوعٌ لإبراز اعتبار الفعل على ذمّة المكلّف، وحينئذٍ يتمّ الفرق بين الجملة الشرطيّة الخبريّة والجملة الشرطيّة الإنشائيّة:
أ) فإذا قلنا: “إن كان هذا والد زيدٍ فزيدٌ يمشي معه” يعني إن كان هذا والد زيد فأنا أُخبر بأنّ زيداً يمشي معه، لولا كونه والد زيدٍ لم أُخبر لا أنّه ليس بزيدٍ، لم أخبر بأنّه زيدٌ، فمفهوم الجملة الشرطيّة الخبريّة انتفاء الإخبار عند انتفاء الشرط لا انتفاء الواقع.
ب) وفي الجملة الشرطيّة الإنشائيّة مفهوم هذه الجملة: انتفاء الإنشاء عند انتفاء الشرط “إن جاء زيدٌ فأكرمه” يعني إذا انتفى مجيء زيدٍ فلا أعتبر وجوب إكرامه، ومن الواضح أنّ الشارع لو لم يعتبر وجوب الإكرام انتفى وجوب الإكرام؛ لأنّ أمر وجوب الإكرام بيد إنشائه بينما أنّ المخبر لو لم يخبر عن مفاد الجزاء عند انتفاء الشرط لا يعني هذا انتفاء الواقع وإنّما يعني انتفاء إخباره.
ولكنّ الإنصاف: عدم تماميّة هذا الجواب؛ لأنّنا ذكرنا في بحث الوضع أنّ الجملة الخبريّة لم توضع لإبراز قصد الإخبار، فهل إذا سمعتَ من موج الهواء “زيدٌ قائمٌ” فيخطر ببالك قصد الإخبار عن كون زيدٍ قائماً؟ أبداً.
[الجواب الثاني] وهو الصحيح: أنّه لا فرق بين الجملة الشرطيّة الخبريّة والجملة الشرطيّة الإنشائيّة؛ فإن قلنا بمفهوم الجملة الشرطيّة الإنشائية فلنا أن نقول:
أ. بثبوت المفهوم للجملة الخبرية الشرطيّة فيما إذا كان المخبر محيطاً بالواقع كما لو أخبر عن فعل نفسه فقال:”إن جاء زيدٌ فأنا أكرمه”؛ فلو قلنا بأنّ “إن جاء زيدٌ فأكرمه“ يثبت له مفهوم فكذلك يثبت المفهوم في قولنا “إن جاء زيدٌ فأكرمه”.
ب. نعم، فيما لم يكن المتكلّم محيطاً بالواقع فتوجد قرينةٌ عامّة على أنّه يأتي بالشرط لأجل تقييد الإخبار، فيقول: إن كان هذا والدَ زيدٍ فالذي يمشي معه زيدٌ؛ لأنّه لا معرفة له بالواقع تماماً، فهذا يُشكّل قرينةً نوعيّةً على أنّه بصدد تضييق الإخبار.
أما لو كان محيطاً بالواقع: هذا المتكلم محيطٌ بالواقع “إن جاء زيدٌ فأنا أكرمه” أيّ فرق بينه وبين قوله “إن جاء زيدٌ فأكرمه”؟
فإذاً هذا الإشكال على المشهور قابلٌ للجواب فنقول: لا فرق بين الجملة الخبريّة الشرطيّة والجملة الخبريّة الإنشائيّة إلّا أنّه في الجملة الخبريّة الشرطيّة الصادرة من الإنسان غير المحيط بالواقع يوجد فيه قرينةٌ نوعيّة على أنّ الشرط يكون بصدد تضييق الإخبار لا بصدد بيان انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط.
والحاصل: أنّنا بوجداننا العرفي لا نُحسّ بمفهومٍ مطلقٍ للجملة الشرطيّة، لا نُحسّ بأنّ مفاد الجزاء ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ثبوتاً مختصّاً بذلك الشرط بحيث لا يوجد له بديل.
ويمكن أن نستشهد على ذلك بقوله “ليس إن جاء زيدٌ فيجب إكرامه”؛ توضيح ذلك:
لو كانت الجملة الشرطيّة تدلّ على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط فإذا كان وجوب إكرام زيدٍ مترتباً على أحد أمرين: إمّا أن يجيء أو يتضرر، لا يختصّ وجوب إكرام زيدٍ بفرض مجيئة بل ولو مرض يجب إكرامه أيضاً، إن كان هكذا فلا بدّ أن يصحّ أن أقول: “ليس إن جاء زيدٌ فيجبُ إكرامه” يعني ليس وجوب إكرام زيد موقوف على مجيئه؛ لماذا؟ لأنّه مترتبٌ على مرضه أيضاً.
أُعيد هذا البيان:
لو كان وجوب إكرام زيد مترتباً على مجيئه أو على مرضه، هذا يعني أنّ وجوب إكرام زيدٍ ليس موقوفاً على مجيئه، سهلة أو لا؟ فإن كان مفاد قولنا “إن جاء زيدٌ فأكرمه” أنّ وجوب إكرام زيدٍ موقوفٌ على مجيئه والحال أنّه ليس موقوفاً على مجيئه بل إذا مرض فيجب إكرامه أيضاً فكان يصحّ أن نقول “ليس إن جاء زيدٌ فيجب إكرامه” يعني ليس وجوب إكرام زيد موقوف على مجيئه؛ لأنّه لو مرض فيجب إكرامه أيضاً بينما أنّ الوجدان العرفي يستقبح هذا التعبير، بمجرّد أن يجب الإكرام يجب إكرام زيدٍ عند مجيئه ولو كان يجب إكرامه عند مرضه أيضاً يصحّ أن أقول “إن جاء زيدٌ فيجب إكرامه” فإن قلت “ليس إن جاء زيدٌ فيجب إكرامه” أُعدُّ كاذباً.
بينما أنّه على مسلك المشهور لماذا أُعدّ كاذباً؟ كلامي صحيح؛ ليس وجوب إكرام زيدٍ موقوفاً على مجيئه؛ لكفاية مرضه في وجوب إكرامه، وهكذا.
لو كان المكلّف يُكرم زيداً عند مجيئه تارةً ولا يكرمه عند مجيئه أخرى، يوم يجيء زيد يكرمه ويوم يجيء ولا يكرمه هذا المكلّف، فلو سُئلَ هذا المكلّف: هل إن جاء زيدٌ فتكرمه؟
لا يصحّ أن يقول: لا؛ بل لا بدّ أن يقول قد أكرمه وقد لا أكرمه، هذا المكلّف الذي يكرم زيداً تارةً عند مجيئه ولا يكرمه تارةً أخرى عند مجيئه لو سُئل فقيل له: هل إن جاء زيدٌ فتكرمه؟ لا بدّ أن يقول: أُكرمه تارةً ولا أُكرمه أخرى، أمّا لو قال: لا، يكون كاذباً فهذا نفيٌ كليّ، يُقال له يا كذاب أنا بالأمس رأيتك عندما جاء زيد أكرمته إكراماً كاملاً لماذا تقول في الجواب لا، قل في الجواب أكرمه تارةً ولا أكرمه أخرى.
بينما أنّه على مذهب المشهور كلامه ليس كاذباً؛ لأنّه سُئل: هل إكرامك لزيد موقوف على مجيئه وثابت عند مجيئه مطلقاً؟ هو يقول لا؛ لأنّه ليس كلما جاء فيكرمه هذا المكلّف.
فإذا لم تتم دعوى أنّ مفاد الجملة الشرطيّة النسبة التوقفيّة بحيث تدلّ على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، ونتكلم عن بقيّة الأدلّة في الليالي القادمة إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين.