موضوع: العام و الخاص/ لزوم الفحص عن المخصص
رقم الدرس 32
تاريخ: الاحد 9 جمادي الاولى 1444 ميلادي 04/12/2022
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم اجمعين.
كان الكلام في الوجوه التي أقيمت على لزوم الفحص عن المخصص المنفصل فذكرنا عدة وجوه نذكر ملخصها: الوجه الأول ما ذكره السيد الخوئي من ان الادلة الدالة على لزوم التعلم تشمل تعلم الخطاب المخصص المنفصل فان لم يتعلمه لم يكن معذورا. فاجبنا عن ذلك بان مفاد ادلة وجوب التعلم تعلم أي تحصيل الحجة على الحكم الشرعي فمن يدعي ان العام حجة و لو قبل الفحص عن المخصص المنفصل فيرى ان تعلم الخطاب العام تحصيل للحجة على الحكم الشرعي فالتمسك بهذه الأدلة على الغاء حجية العام قبل الفحص عن المخصص المنفصل تمسك بالعام في شبهته المصداقية.
الوجه الثاني ما يقال من وجود علم اجمالي بالمخصصات في الكتب المعتبرة و هذا مما لا ريب فيه بل قد يدعى دعوى عویصة و هي وجود العلم الإجمالي بصدور بعض الخطابات غير المعتبرة الدالة على تكاليف في الشريعة و هذا العلم الإجمالي ان حصل في ذهن الانسان في دائرة التكاليف التي يبتلى بها هذا المكلف، و لم تكن بعض تلك التكاليف منجزة بمنجز تفصيلي او منجز اجمالي صغير كالعلم الإجمالي بوجوب القصر و التمام الذي هو علم اجمالي في دائرة صغيرة ان لم ينحل هذا العلم الإجمالي بوجود تكاليف او فقل بصدور خطابات في دائرة الكتب غير المعتبرة و الروايات غير المعتبرة اذا علم اجمالا بصدور بعض تلك الخطابات عن المعصومين عليهم السلام في دائرة تكاليف متوجهة الى مكلف واحد و لم ينحل هذا العلم الإجمالي بالمنجز التفصيلي في بعض اطراف هذا العلم الإجمالي و لا بمنجز اجمالي صغير كالعلم الإجمالي بوجوب القصر و التمام، فيصعب الامر و يلزم من ذلك لزوم الاحتياط ما لم يستلزم الحرج و لكن نحمد الله سبحانه و تعالى على اننا لم نصل الى نتيجة وجود هذا العلم الإجمالي و لو لعدم الفحص التام و كيف كان.
فيقال بان العلم الإجمالي بوجود مخصصات منفصلة في الكتب المعتبرة يوجب الفحص عن تلك المخصصات لان هذه المخصصات المعلومة بالاجمال توجب تساقط اصالة العموم في العمومات التي اطراف للعلم اجمالي بالتخصيص فاشكل عليه بان هذا العلم الإجمالي سوف ينحل بالظفر بمقدار معتد به من المخصصات المنفصلة في الكتب المعتبرة و بعد ذلك لا يوجد علم اجمالي.
انكر المحقق النائيني هذا الانحلال بوجه و المحقق العراقي بوجه آخر تكلمنا عن وجه المحقق النائيني و اجبنا عنه بما لا مزيد عليه.
و لكن ينبغي ان نبسط الكلام في الوجه الذي ذكره المحقق العراقي للمنع من انحلال العلم الإجمالي بوجود مخصصات في الكتب المعتبرة حتى لو ظفرنا بمقدار معتد به من تلك المخصصات، فان المحقق العراقي تبنى في العلم الإجمالي مبنى صعبا فقال اذا علمنا اجمالا بكون احد هذين الانائين نجس، و في نفس الوقت حصل لنا علم تفصيلي بنجاسة احدهما المعين، اخبر المعصوم عليه السلام بخبرين فقال احدهما نجس و هذا الاناء نجس او اخبر معصوم بالخبر الأول و معصوم ثاني بالخبر الثاني، يقول المحقق العراقي يستحيل انحلال ذلك العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي و لو كان مقارنا لحصول ذلك العلم الإجمالي لأننا نحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على الاناء الآخر، ما دمنا نحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على الاناء الآخر فلا يمكن انحلال العلم الإجمالي و وافقه في ذلك صاحب كتاب الأضواء و الآراء فقال هذا الكلام صحيح، لو اخبر معصوم بوجود زيد او عمرو في الدار و رأينا زيدا في الدار في نفس الوقت ألا نحتمل ان ما اخبر به المعصوم ينطبق على وجود عمرو في الدار؟ فان المعصوم قال زيد او عمرو في الدار احدهما في الدار.
ثم قال المحقق العراقي نعم لو كان حدوث العلم التفصيلي و حدوث العلم الإجمالي مقارنا فنلتزم بالانحلال الحكمي لان العلم الإجمالي اذا كان من بدأ حدوثه مبتلى بمنجز تفصيلي في احد اطرافه فهذا العلم الإجمالي لا يصلح للمنجزية لان الواقع المعلوم بالاجمال لو كان في هذا الطرف فلا يتنجز بالعلم الإجمالي لوجود منجز اسبق منه رتبة و هو العلم التفصيلي بكون هذا الاناء نجسا و لكن اذا تأخر العلم التفصيلي و لو بدقيقة او نصف دقیقة خرب كل شيء لان هذا العلم الإجمالي يصلح لمنجزية الواقع المعلوم بالاجمال سواء كان الواقع في هذا الطرف لان منجزه قبل العلم التفصيلي لا يكون الا هذا العلم الإجمالي، هذا العلم الإجمالي يصلح للمنجزية سواءا بالنسبة الی هذا الاناء الذي علمنا بعد دقيقة بكونه نجسا كما يصلح لمنجزية الواقع المعلوم بالاجمال اذا كان في الاناء الآخر فهنا يكون هذا العلم الإجمالي منجزا فلا يجوز ارتكاب الاناء الآخر الى الابد ما لم تطهره.
سوال و جواب: المحقق العراقي صاحب مسلك العلية يرى ان العلم الإجمالي اذا كان منجزا فهو علة تامة لوجوب موافقته القطعية و لا يجوز للشارع ان يخالف هذا الحكم العقلي باجراء اصل بلا معارض في احد الطرفين.
نعم لو دل دليل خاص على ان الشارع اجرى اصالة الطهارة في هذه الاناء الآخر فنستكشف بدلالة الاقتضاء العقلي ان الشارع جعل الاجتناب عن الاناء الأول امتثالا تعبديا للامر بالاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال و المحقق العراقي لا يمكن جعل البدل في مقام الامتثال.
و من الغريب ان السيد الخوئي نقض على المحقق العراقي بقاعدة الفراغ و التجاوز قال هل العلم الإجمالي احسن حالا من العلم التفصيلي بالتكليف و الذي امكن للشارع الاكتفاء فيه بالموافقة الاحتمالية كما في موارد جريان قاعدة الفراغ و التجاوز.
نقول يا سيدنا الخوئي المحقق العراقي ملتفت الى هذه المطالب قاعدة الفراغ عند المحقق العراقي تعبد بالامتثال، بلي قد ركعت، و اين هذا من التمسك باطلاق دليل الأصل في احد طرف العلم الإجمالي و الذي يعني الترخيص في المخالفة الاحتمالية لهذا العلم الإجمالي بلا ان يدل على التعبد في مقام الامتثال. نعم نحن نرى ان دعوى المحقق العراقي خلاف الوجدان فالعقل -لا تتكلم قدام المحقق العراقي عن العرف- فالعقل لا يفرق بين ان يقول الشارع هذه الصلاة المشكوك الركوع فيها امتثال تعبدا بلى قد ركعت او يقول لا الزمك باحراز الامتثال اقبل منك هذا الامتثال الاحتمالي بلا تعبد بانه امتثال بلا جعل البدل فحق الطاعة حق للمولى فبامكانه ان يرفع يده عن حقه و ليس حقا على المولى بحيث العقل يقبح ترخيص المولى في ترك الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالتفصيل او المعلوم بالاجمال، و كيف كان.
المحقق العراقي طبق هذا المبنى على المقام فقال نحن نعلم اجمالا بوجود مثلا مخصص منفصل لهذين عامين عام يقول اكرم كل عالم و عام آخر يقول اكرم كل هاشمي نحن نعلم اجمالا بوجود مخصص منفصل لاحدهما و نحتمل وجود المخصص لكليهما لكن هذا زائد عن مقدار علمنا، فحتى لو تقارنا هذا العلم الإجمالي بعلم تفصيلي بالمخصص لخطاب اكرم كل عالم فلا ينحل ذلك العلم الإجمالي لاحتمال ان يكون ذلك المخصص المنفصل المعلوم بالاجمال في طرف اكرم كل هاشمي، نعم لو كان العلم التفصيلي بالمخصص المنفصل لخطاب اكرم كل عالم مقارنا للعلم الإجمالي بالمخصص المنفصل لاحد عامين لم يصلح هذا العلم الإجمالي لتنجيز الواقع على أي تقدير فلم يمنع من اجراء اصالة العموم في العام الآخر و لكن اذا تأخر العلم التفصيلي بوجود المخصص المنفصل لخطاب اكرم كل عالم فهذا العلم الإجمالي بالمخصص المنفصل لاحدهما صالح لتنجيز الواقع على أي تقدير ان كان المخصص المنفصل المعلوم بالاجمال في طرف اكرم كل عالم فالمنجز له قبل العلم التفصيلي بالمخصص المنفصل له هذا العلم الإجمالي و ان كان في طرف اكرم كل هاشمي فهذا العلم الإجمالي منجز له و هذا العلم الإجمالي يمنع من حجية العام في كلا الطرفين فلابد من استقراء الفحص تطالع هذا الكتب المعتبرة من أولها الى آخرها حتى بعد ذلك لا يوجد ما يحتمل انه مخصص منفصل في دائرة الكتب المعتبرة اما احتمال وجود مخصص في غير دائرة الكتب المعتبرة فمن الأول لم يكن متعلقا لعلم اجمالي اسبق زمانا على العلم الإجمالي بوجود مخصصات منفصلة في دائرة الكتب المعتبرة.
هذا محصل ما ذكره المحقق العراقي. الاشكال المبنائي عليه واضح و نتعجب عن صاحب الأضواء و الآراء كيف اقتنع بكلام المحقق العراقي، اذا لم يكن للمعلوم بالاجمال عنوان و علامة فانطباق هذا المعلوم بالاجمال على هذا الفرد المعلوم بالتفصيل محرز و متيقن، انا كنت اعلم بان احد الانائين نجس بلا عنوان لهذا المعلوم بالاجمال لم اقل كنت اعلم بان اناء زيد بينهما نجس لا، اعلم بان احدهما نجس لاخبار المعصوم بذلك ثم بعد ساعة علمت بان الاناء الشرقي نجس و المعلوم بالتفصيل زمانه مقارن لزمان المعلوم بالاجمال لا انه متأخر عنه زمان العلم التفصيلي متأخر فانا اعلم بانطباق عنوان الاناء النجس المعلوم بالاجمال على هذا الاناء الشرقي هذا اناء نجس ليس للمعلوم بالاجمال علامة احتمل عدم انطباق تلك العلامة على هذا الاناء الشرقي، لا.
و ان شئت قلت العلم الإجمالي لا ينشأ من العلم بالجامع فقط و انما ينشأ من العلم بالجامع و تردد ذلك الجامع بين انطباقه على هذا الطرف او الطرف الآخر، و الا فانا رأيت انسانا في الدار رأيت زيدا في الدار قام البرهان على وجود انسان في الدار او قام خبر المعصوم على ذلك و قام خبر آخر او برهان آخر على وجود زيد في الدار فلو بطل البرهان على وجود زيد في الدار بقي البرهان على وجود انسان في الدار صحيح، العلم بالجامع سببه باق و مطلق من حيث خطأ سبب العلم التفصيلي او عدم خطأه هذا صحيح لا يندك العلم بالجامع مع العلم بهذا الفرد لان لكل منهما سببا يخصه، فالعلم بالجامع من حيث العلم مطلق، انا اعلم بالجامع سواءا صدق سبب العلم التفصيلي بالفرد او لا سواءا كان سبب العلم التفصيلي بالفرد خطأ او لم يكن خطأ لكن مجرد العلم بالجامع لا يكفي في تحقق العلم الإجمالي فان العلم الإجمالي ينشأ من العلم بالجامع و تشكل قضيتين مانعتين الخلو اما هذا نجس او ذاك نجس و ان شئت قلت بقاء العلم الإجمالي مرهون لامر و هو كون انطباق العلم الإجمالي على احدهما المعين دون الآخر ترجيحا بلا مرجح و بعد العلم التفصيلي بكون هذا الاناء الشرفي نجسا فينحل العلم الإجمالي بعد ذلك لا يمكننا ان نقول اما هذا نجس او ذاك، و هكذا لو علمت بان احد هذين الخبرين كاذب لان احدهما قال هذا الانسان في الدار زيد و قال الآخر هذا الانسان في الدار عمرو اعلم بكذب احدهما لانه لا يمكن انسان واحد زيد و عمرو، ثم رأيت زيدا خارج البيت رأيته او اتصل بی زید، فعلمت تفصيلا بكذب ذلك الخبر الذي قال هذا الانسان الذي في البيت زيد، ينحل العلم الإجمالي بكذب احدهما فيوجد علم تفصيلي فيتحقق العلم التفصيلي بكذب الخبر الدال على ان هذا الموجود في الدار زيد و يبقى الخبر الآخر الدال على ان هذا الموجود في الدار عمرو محتمل الصدق و الكذب و هذا واضح جدا و لا ينقضي عجبي واعید ذلك مرة أخرى و لا ينقضي عجبي من صاحب كتاب الأضواء و الآراء كيف التبس عليه الامر.
نمضي علی هذا الاشكال المبنى نفرض وجود علامة للعلم الإجمالي نقول هناك عامان اكرم كل عالم و اكرم كل هاشمي علمنا بصدور مخصص منفصل لاحدهما عن الامام الصادق عليه السلام صار ذا عنوان ثم علمنا تفصيلا بوجود مخصص منفصل لخطاب اكرم كل عالم من معصوم لا ادري هل هو الامام الصادق عليه السلام او غيره، هنا لا يسعنا الاشكال المبنائي على المحقق العراقي، العلم الإجمالي لا ينحل ابدا لان له عنوان و علامة لا يعلم بانطباق ذلك العنوان على هذا المخصص المعلوم بالتفصيل لان المعلوم بالاجمال كان صدور مخصص منفصل لاحد عامين من الامام الصادق عليه السلام بينما ان هذا المخصص المنفصل لخطاب اكرم كل عالم مخصص منفصل “لا يجب اكرام زيد العالم” لكن لا يعلم انه هل صدر من الامام الصادق عليه السلام او من امام آخر هنا يستحيل انحلال العلم الإجمالي فهنا نلحظ هل يوجد اشكال بنائي على المحقق العراقي او انه لا يوجد اشكال بنائي عليه و يتم كلامه من ان هذا العلم التفصيلي بالمخصص المنفصل لعموم اكرم كل عالم لا يوجب انحلال ذلك العلم الإجمالي و يبقى ذلك العلم الإجمالي منجزا فيجب الفحص عن المخصص لخطاب اكرم كل هاشمي و قبل الفحص لا يجوز العمل بالعموم اكرم كل هاشمي بالنسبة الى عمرو الهاشمي.
تأملوا في ذلك في الليلة القادمة ان شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.