بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس: 26 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي
المبحث: النواهي (تنبهات اجتماع الأمر والنهي)
التاريخ: السبت: 19/2/2022 (17/ رجب/ 1443 ه)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
يقع الكلام في تنبيهات اجتماع الأمر والنهي:
1. التنبيه الأول: [في كونها مسألةً أصوليّة]
ذكر صاحب الكفاية رحمه الله أنّ مسألة اجتماع الأمر والنهي من مسائل علم الأصول؛ لأنّ نتيجتها تقع في طريق استنباط الحكم الشرعيّ الكلّيّ.
وأورد عليه المحقق النائيني رحمه الله فقال: ضابط المسألة الأصوليّة أن تكون آخر كبرى قياس استنباط الحكم الشرعيّ الكليّ بحيث لا تحتاج إلى توسيط مسألة أصوليّة أخرى، ومسألة اجتماع الأمر والنهي ليست من هذا القبيل؛ فإنّه لو:
أ. كانت نتيجة البحث القول بجواز اجتماع الأمر والنهي: فتندرج المسألة تحت كبرى التزاحم.
ب. وإن كانت نتيجة البحث القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي: تكون المسألة صغرى لكبرى التعارض.
ولكن نحن ذكرنا في أول الأصول: أنّه لا يلزم أن تكون المسألة الأصوليّة آخر كبرى قياس استنباط الحكم الشرعيّ الكلّيّ، فلا نقبل ما ذكره المحقق النائيني من أنّ هذه المسألة خارجةٌ عن مسائل علم الأصول وتكون من المبادىء التصديقيّة لها حيث يقع البحث في هذه المسألة عن تحقق صغرى لكبرى التزاحم أو لكبرى التعارض.
2. التنبيه الثاني:
[في أنّ المراد من الواحد هو الواحد الوجوديّ]
وقع الكلام في المراد من الواحد في قولهم: “هل يجوز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد؟“، فقيل:
أ. إن كان المراد من الواحد هو الواحد الشخصيّ: فيلزم خروج البحث عن الصلاة في المكان المغصوب عن هذا البحث؛ لأنّ الصلاة في المكان المغصوب واحدٌ نوعي وليس واحداً شخصيّاً لأنّ هذا العنوان كليٌّ يقبل الانطباق على كثيرين.
ب. وإن كان المراد من الواحد الواحد النوعي: فيلزم اندراج السجود تحت كبرى جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه، بينما أنّ السجود على نحوين: السجود خالصاً لله فهو واجب والسجود لغير الله حرام ولا يجتمع الأمر والنهي في محلٍّ واحد.
فالجواب عن ذلك:
أنّ المراد من الواحد هو الواحد الوجوديّ؛ أي ما يكون المعنون واحداً وجوداً بالنظر العرفي ولو بنظر مسامحيّ، فيخرج بذلك الصلاة التي وقع فيها النظر إلى الأجنبيّة مثلاً؛ فإنّ النظر إلى الأجنبيّة حرام والصلاة واجبة، وحتى بالنظر المسامحيّ العرفيّ لا يتحدّ وجود الحرام والواجب.
بخلاف الصلاة في المكان المغصوب؛ فإنّ الموجود في الخارج واحدٌ بالنظر العرفيّ المسامحيّ وإن اقتضى البرهان أحياناً إلى القول بكون التركيب بين الصلاة والغصب تركيبياً انضماميّاً كما ذهب إليه المحقق النائيني.
3. التنبيه الثالث:
وقع الكلام في المائز بين مسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة النهي عن العبادة
فقيل: بأنّ مسألة النهي عن العبادة صغرى لمسألة اجتماع الأمر والنهي وليست مسألةً مباينةً لها؛ فإنّه في بحث النهي عن العبادة يتكلّم أنّه هل يجتمع النهي عن العبادة مع الأمر بها فتصحّ العبادة أو لا يجتمع مع الأمر بها فتفسدُ العبادة؟ وهذا البحث من مصاديق البحث عن اجتماع الأمر والنهي بشكلٍ عام.
والجواب عن هذا التوهّم بعدّة وجوه:
الوجه الأول: ما ذكره صاحب القوانين رحمه الله ؛ من أنّ المائز بين المسألتين هو أنّ:
أ. موضوع مسألة اجتماع الأمر والنهي: العنوانان الّلذان تكون نسبتهما نسبة العموم والخصوص من وجه كالغصب والصلاة،
ب.بينما أنّ موضوع مسألة النهي عن العبادة: العنوانان اللذان تكون النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق كالأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمّام.
وسيتبيّن إشكال هذا الوجه.
الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الفصول كاعتراضٍ على صاحب القوانين ‚ من أنّه:
لا يختصّ بحث الاجتماع بما إذا كانت النسبة بين العنوانين عموم وخصوص من وجه، بل يشمل ما إذا كانت النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق لكن مع فرض تعدد العنوان، ويمثّل لذلك بما إذا أمر المولى بالحركة ونهى عن التدنّي إلى مكانٍ خاص، فالتدنيّ إلى مكانٍ خاص عنوانٌ مغايرٌ لعنوان الحركة ولكنّه أخصّ مطلقاً من الحركة بينما أنّ البحث عن النهي عن العبادة يختصّ بما إذا اتحدّ العنوان المتعلّق للأمر والنهي وإنّما كان تغايرهما بمجرّد الإطلاق والتقييد، كالنهي عن الصلاة في الحمام والأمر بطبيعيّ الصلاة.
وأُورد عليه: بأنّ البحث عن النهي عن العبادة لا يختصّ بفرض اتحاد العنوان المتعلّق للأمر والنهي بل يشمل حتى إذا تعلّق النهي بالعبادة من خلال عنوانٍ آخر، كما لو:
أ. بنينا على امتناع اجتماع الأمر والنهي وقدّمنا النهي عن الغصب على الأمر بالصلاة، فيندرج تحت كبرى اقتضاء النهي عن العبادة للفساد.
ب. أو قلنا بالجواز ولكن يقع البحث في أنّ النهي عن هذه الصلاة بعنوان الغصب هل يقتضي فسادها أو لا.
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق النائيني من أنّ البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي عن كون التركيب بين متعلّق الأمر والنهي اتحاديّاً حتى يمتنع اجتماع الأمر والنهي أو انضماميّاً حتى يجوز اجتماع الأمر والنهي؟ فإذا ثبت كون التركيب اتحاديّاً وقلنا بتقديم خطاب النهي على خطاب الأمر فبذلك يتنقح موضوع لمسألةِ اقتضاء النهي عن العبادة للفساد.
وفيه: أنّه قد مرّ في أول بحث الاجتماع أنّ البحث عن جواز الاجتماع وامتناعه لا يختصّ بالبحث عن كون التركيب بين العنوانين اتحاديّاً أو انضماميّاً، بل حتى لو كان التركيب اتحاديّاً كالوضوء بالماء المغصوب فيقع البحث في أنّ الأمر بعنوانٍ والنهي عن عنوانٍ آخر هل يسريان إلى معنونهما أو لا يسريان إلى معنونهما؟
فبناء على عدم السريان يقال لا مانع من تعلّق الأمر بعنوان وتعلّق النهي بعنوان آخر وإن كان المعنون لهما في مورد الاجتماع واحداً كما هو الظاهر من الكفاية حيث قال: إنّ القائلين بجواز الاجتماع يقولون بعدم سراية الأمر والنهي عن العنوان إلى معنونه.
فإذاً لا يتمّ هذا الوجه الثالث أيضاً.
الوجه الرابع: ما يُقال من أنّ النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي في الحكم العقليّ وفي مسألة اقتضاء النهي عن العبادة للفساد في الظهور اللفظيّ لخطاب النهي، فهنا يُبحث هل يجوز اجتماع الأمر والنهي عقلاً أم لا وفي بحث النهي عن العبادة يُبحث هل ظاهر النهي عن العبادة فسادها أو لا؟
وأورد عليه في الكفاية:
أولاً: بعدم اختصاص النزاع في النهي عن العبادة في الظهور اللفظيّ، بل يقع الكلام في اقتضاء العقل، فقد يقال بأنّ النهي عن العبادة يقتضي عقلاً فسادها.
مضافاً إلى أنّ تعدد الدليل لا يقتضي تعدد المسألة، إذا كانت مسألة النهي عن العبادة من مصاديق مسألة اجتماع الأمر والنهي فلا بدّ أن تنعقد مسألةٌ واحدة للبحث عنهما وإن تعدد الدليل، وما ذكره صاحب الكفاية متينٌ جدّاً.
الوجه الخامس: ما ذكره صاحب الكفاية بتقريبٍ منا، وهو:
أنّ المائز بين المسألتين في الجهة المبحوث عنها فيهما؛ الجهة التي هي مورد النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي هو أنّ النهي عن شيٍ هل يمنع من الأمر به ولو بعنوانٍ آخر أم لا وفي مسألة النهي عن العبادة تكون جهة البحث في أنّ النهي عن العبادة هل يمنع من صحتها أم لا؟
فقد يُقال: بأنّ النهي عن العبادة لا يمنع من الأمر بها مع تعدد العنوان ولكنّه يمنع من صحتها.
كما قد يُقال بأنّ الأمر بشيءٍ يمنع من الأمر به ولو بعنوانٍ آخر ولكنه لا يمنع من صحّته كما عليه المشهور في مورد الجهل القصوري في العبادة بل مطلقاً في غير العبادة.
فالمهمّ تغاير الجهة المبحوث عنها في المسألتين، ففرقٌ بين أن نبحث هل النهي عن شيء يمنع من تعلّق الأمر به ولو بعنوانٍ آخر أو لايمنع عن ذلك، وهذا هو الجهة المبحوث عنها في مسألة اجتماع الأمر والنهي.
ففرق بين هذا وبين أن تكون جهة البحث في أنّه هل النهي عن العبادة يمنع من صحتها أو لا يمنع من صحتها؟ وهي الجهة المبحوث عنها في مسألة النهي عن العبادة.
4. التنبيه الرابع:
وقع الكلام في أنّه إذا كان هناك أمرٌ تخييريٌّ ونهي تخييريّ
كما لو أمر المولى بالصلاة والصوم تخييراً ونهى عن الصلاة والمجالسة مع الأغيار تخييراً، قال: يجب عليك إمّا أن تصلّي أو تصوم ويحرم عليك الجمع بين الصلاة وبين مجالسة الأغيار.
فهذا المكلّف اختار الصلاة، فهذا الفعل مصداقٌ للواجب التخييري وحيث جمع بين الصلاة وبين مجالسة الأغيار فيُقال بأنّه صار مصداقاً لمسألة اجتماع الأمر والنهي.
وإذا أردتم تغيير العنوان فقولوا هكذا: أمر المولى بالصلاة أو الصوم تخييراً ونهى عن التصرّف في دار الغير أو مجالسة الأغيار، فصلّى المكلّف في هذه الدار وجالس الأغيار، فانطبق على صلاته عنوانُ الواجب التخييري كما أنّه جمع بين التصرّف في الدار في الصلاة فيها مع مجالسة الأغيار فصار مصداقاً للحرام التخييري أيضاً.
فذكر صاحب الكفاية أنّ البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي يأتي فيه وأنكر السيد الخوئي رحمه الله ذلك فقال لا يأتي فيه بحث جواز الاجتماع وامتناعه؛ فإنّ جواز الاجتماع فيه واضحٌ لا يقبل النقاش والنزاع، وسنوضح ذلك في الليلة القادمة إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين.