بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني، الاثنين 6 صفر الخير
مسألة 28: إذا لم يكن عنده الماء و ضاق الوقت عن تحصيله مع قدرته عليه بحيث استلزم خروج الوقت و لو في بعض أجزاء الصلاة انتقل أيضاً إلى التيمّم و هذه الصورة أقل إشكالًا من الصورة السابقة و هي ضيقه عن استعماله مع وجوده، لصدق عدم الوجدان في هذه الصورة بخلاف السابقة، بل يمكن أن يقال بعدم الإشكال أصلًا فلا حاجة إلى الاحتياط بالقضاء هنا.
السيد الخوئي اشكل على صاحب العروة فان المراد من قوله تعالى فان لم تجدوا ماءا فتيمموا ليس هو عدم وجدان الماء حقيقة، فان المريض في الآية الكريمة واجد للماء وانما هو غير متمكن من استعمال الماء، فالمراد من عدم وجدان الماء ليس هو عدم استيلاء المكلف عليه خارجا بل المراد عدم التمكن من استعمال الماء لادراك الصلاة الادائية، نعم توجد رواية في خصوص الصورة الثانية وهي رواية الحسين العامري عمن سأله عن «رجل أجنب فلم يقدر على الماء و حضرت الصلاة فتيمم بالصعيد ثم مرّ بالماء و لم يغتسل و انتظر ماءً آخر وراء ذلك فدخل وقت الصلاة الأُخرى و لم ينته إلى الماء و خاف فوت الصلاة، قال: يتيمم و يصلِّي، فان تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل.
لكن الرواية ضعيفة لاجل جهالة الحسين بن العامري ولكون الرواية مضمرة وليس الحسين بن العامري كزرارة ومحمد بن مسلم ممن لم يروا الا عن المعصوم عليه السلام.
اقول الرواية واردة فيمن لايجد الماء من اول الوقت، ولعل نظر صاحب العروة الى العمد اي من يتمكن في اول الوقت من ان يصل الى الماء لكنه تاخر، فتعمد تاخير تحصيل الماء الى ان ضاق عليه الوقت، بينما ان الرواية واردة فيمن دخل عليه وقت الصلاة وهو ينتظر ماءا آخر، في وقت الصلاة لايمكنه تحصيل الماء.
اما بلحاظ ما ذكره السيد الخوئي في تفسير الآية الكريمة، نقول ان تفسير الآية لاينحصر فيما ذكرتموه فان اعتمادكم على قرينة المرضى ففسرتم عدم الوجدان بعدم التمكن، ولاجل ذلك يقيد المرضى بمن كان استعمال الماء في حقه اضرارا محرما، ولكن نحن ذكرنا وفاقا للسيد السيستاني ان المرضى مطلق كل من يضر به الوضوء، فقوله لم تجدوا ماءا ناظر الى بقية المعذورين: او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء، فلو كنتم مرضى فتيمموا، خلاص، ولكن لو كنتم على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماءا، وعليه فتفترق الصورة الثانية عن الصورة الماء، حيث انه لم يكن واجدا للماء اي ليس مستوليا عليه في الصورة الثانية بخلاف الصورة الاولى.
وهذه صحيحة زرارة المسافر اذا لم يجد الماء يطلب الماء في الوقت، ناظر الى من لايجد الماء اي الى الصورة الثانية، ولاتشمل الصورة الاولى.
ولكن هذا المقدار من الفرق لايكفي لوجود ادلة اخرى على مشروعية التيمم حتى في الصورة الاولى، وقد مر ذلك، وقلنا بان مناسبة الحكم والموضوع تعين حمل قوله فلم تجدوا ماءا على عدم التمكن من استعمال الماء، كما انه لو استعمله لقتلوه، او ان الماء في الثلاجة وهي مقفلة، مضافا الى عمومات مطهرية التيمم، الا ان يقال بعدم شمول اطلاق طهورية التراب في حق من عجّز نفسه عن استعمال الماء ويناقش في دلالة الآية الكريمة بان من كان قادرا على صرف وجود الصلاة مع الطهارة فهو خارج عمن لم يكن واجدا للماء، لكن نحن لانرى وجوب الاحتياط لانه لامانع من اطلاق الآية في حق من عجّز نفسه عن استعمال الماء وان كان محرّما، وكذا اطلاقات طهورية التيمم.
مسألة 29: من كانت وظيفته التيمّم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء إذا خالف و توضأ أو اغتسل بطل لأنه ليس مأموراً بالوضوء لأجل تلك الصلاة، هذا إذا قصد الوضوء لأجل تلك الصلاة، و أما إذا توضأ بقصد غاية أُخرى من غاياته أو بقصد الكون على الطهارة صح على ما هو الأقوى من أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه. و لو كان جاهلًا بالضيق و أن وظيفته التيمّم فتوضأ فالظاهر أنه كذلك، فيصح إن كان قاصداً لإحدى الغايات الأُخر و يبطل إن قصد الأمر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة.
هذه المسالة تشتمل على اربع صور الصورة الاولى ان يعلم المكلف بضيق الوقت ومع ذلك راح واغتسل بقصد الصلاة في الوقت مع انه مامور بالتيمم، فهنا افتى صاحب العروة ببطلان الغسل وهكذا الوضوء، لانه ليس مامورا بالوضوء والغسل لهذه الصلاة فقد امرا ليس مطابقا للواقع.
الصورة الثانية ان يغتسل مثلا ولكن لابقصد الصلاة الادائية بل بقصد الكون على الطهارة او بقصد ان يغتسل ويقرأ القرآن، فهنا ايضا افتى بصحة الغسل لان الامر بالتيمم لايقتضي النهي عن الغسل.
الصورة الثالثة ان يكون جاهلا بضيق الوقت فتبين خلافه وان وظيفته التيمم، وكان قصده الغسل للصلاة الادائية، فهنا افتى ببطلان غسله، لانه قصد الغسل لصلاة ليس مامورا بها واقعا.
الصورة الرابعة ان يكون جاهلا بضيق الوقت لكنه اغتسل للكون على الطهارة او لغاية اخرى، فيكون غسله محكوما بالصحة.
اما بالنسبة الى الصورة الاولى فهل مشروعية غسل الجنابة في حق هذا المكلف منحصرة بان يقصد به الاتيان لاجل غاية، وحيث انه لم يقصد غاية اخرى وقصد الصلاة في الوقت ولم تكن هذه الغاية مامورا بها، فنحكم ببطلان غسله؟! لماذا؟ غسل الجنابة إما مستحب نفسي كما عليه السيد الخوئي او مستحب غيري من باب كونه سببا توليديا للطهارة، التي هي مستحب نفسي كما عليه السيد السيستاني، ولولم يقصد بالغسل اية غاية من الغايات، فهذا الغسل مشروع.
نعم اذا كان مشرّعا، فقصد امتثال الامر الغيري الناشي عن الامر بالصلاة الادائية، فهو مشرع، ولكن لادليل على ان التشريع مبطل للعمل اذا تمشى منه قصد القربة، فشرّع في كيفية امر المولى سبحانه وتعالى فهو منبعث عن الامر الواقعي المتوجه اليه والامر الواقعي بالنسبة الى غسل الجنابة موجود وهو الامر الاستحبابي بنفس الغسل او بغايته، ولكنه يشرّع في كيفية هذا الامر، وعنوان التشريع لاينطبق على العمل بخلاف عنوان البدعة، كصلاة التراويح، فان التشريع بمعنى ان يلتزم ويدين الله بما لايعلم، فعنوان التشريع منطبق على التدين القلبي ولاينطبق على العمل الخارجي.
ولكن المهم في المقام ما سبق منا انه لايوجد اطلاق نتمسك به لاثبات ان هذا الغسل من الجنابة او ان هذا الوضوء مستحب او ان الكون على الطهارة يترتب على هذا الغسل الذي اتى به المكلف وهو عالم بضيق الوقت، وما ادري لما اغفل الاعلام عن البحث عن هذا المطلب، وجعلوا استحباب غسل الجنابة او استحباب الكون على الطهارة وترتب هذا الكون على الغسل امرا مفروغا منه، ما هو دليلكم على ان هذا غسل الجنابة او هذا الكون على الطهارة مستحب؟ هل يوجد اطلاق؟ والآية الكريمة ناظرة الى مشروعية غسل الجنابة في حق من يتمكن من الصلاة الادائية في حقه.