الدرس السادس عشر
تاريخ: الثلثاء 6 ربيع الثاني 1444 ميلادي 01/11/2022
موضوع: العام و الخاص/ اجمال المخصص
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم اجمعين.
كان الكلام في الصور الأربعة لاجمال المخصص فذكرنا صورتين، الصورة الأولى ما اذا كان المخصص المجمل متصلا و مرددا بين الأقل و الأكثر و قلنا بسريان الاجمال الى العام.
و ينبغي ان نلفت نظركم الى نكتة و هي انه قد يكون المخصص المتصل لبيا كارتكاز العقلاء و لكن ارتكاز العقلاء ليس محددا بحد واضح في مقدار من الارتكاز نحس ان الارتكاز واضح جدا فيكون هذا القدر المتيقن من الارتكاز فلا ينعقد للخطاب العام ظهور في هذا المقدار المتيقن من الارتكاز المخالف للعام، و ما يزيد عليه نحن و ان كنا نحتمل وجود ارتكاز عقلائي على الخلاف لكن هذا الارتكاز ليس واضحا، فاما ان نستدل على عدم وجود ارتكاز عام عقلائي بخفائه فنقول لو كان الارتكاز ثابتا لدى عامة العقلاء لم يختفي، فان المفروض ان العقلاء انفسهم يشكون لا انني اشك في فهم العقلاء و ارتكاز العقلاء اذا انا اشك في ان مرتكز العقلاء خروج العالم العاصي من وجوب اكرام العالم او ان مرتكز العقلاء خروج العالم الظالم من وجوب اكرام العلماء بلا اشكال، لا يمكن التمسك بهذا العام بالنسبة الى وجوب اكرام العالم العاصي غير الظالم لاحتمال احتفاف العام بمرتكز عقلائي على الخلاف.
لكن المفروض ان العقلاء انفسهم قاموا يشكون يقولون نحن نحس ان العالم الظالم الشارع الذي امر بالقسط لا يأمر باكرام العالم الظالم، و اما العالم العاصي غير الظالم العقلاء يقولون نشك في مرتكزاتنا فهل شك العقلاء في مرتكزاتهم يكشف عن عدم وجود الارتكاز، ان كان يكشف عن ذلك فهذا يعني انتفاء الارتكاز و لكن الظاهر انه لا مانع من ان يشك العقلاء في مرتكزهم لان المرتكزات العقلائية قد لا تكون بينة للعقلاء انفسهم و لكن الارتكاز غير البين لا يشكل قرينة متصلة بحيث تمنع عن انعقاد الظهور في العام فهنا لا مانع من التمسك بظهور العام في ما عدى القدر المتيقن الذي وجد فيه ارتكاز بين و هو عدم وجوب اكرام العالم الظالم فنتمسك بالعام لاثبات وجوب اكرام العالم العاصي غير الظالم و هذا يختلف عن المخصص اللفظي المجمل المتصل.
الصورة الثانية ما اذا كان المخصص المجمل دائرا بين المتباينين و كان متصلا، فقلنا بانه يمنع من انعقاد ظهور العام في كل من الفردين تفصيلا كما في قوله اكرم كل عالم الا زيدا و دار امر زيد بين كونه زيد بن بكر او زيد بن عمرو و لكن نتمسك بظهور العام في انه لم يخرج منه الزيدان معا و بذلك نثبت وجوب اكرام احدهما فمن باب الاحتياط يجب اكرام كليهما، نعم لو كان حكم زيد حرمة اكرامه فيكون من دوران الامر بين المحذورين.
الصورة الثالثة ما اذا كان المخصص المجمل مرددا بين الأقل و الأكثر كالصورة الأولى لكنه في هذه الصورة الثالثة يفرض كون المخصص منفصلا كما لو ورد في خطاب اكرم كل عالم ثم ورد في خطاب منفصل لا تكرم العالم الفاسق و شككنا في معنى الفاسق هل انه بمعنى الظالم او بمعنى العاصي فالمشهور على وجوب التمسك بالعام في المقدار الزائد عن المتيقن و هو العالم العاصي غير الظالم و الا فالظالم خارج عن العموم قطعا و خالف في ذلك بعض الاعلام كالسيد الزنجاني فقال العرف لا يفرق بين المخصص المجمل المتصل و المخصص المجمل المنفصل فيرى ان المخصص المنفصل المجمل يمنع من كاشفية خطاب العام ثم ذكر مثالا و هذا المثال يكشف عن اشكال اعمق للسيد الزنجاني في مجال المخصص يقول لو راجعنا العروة فراينا في كتاب العروة عموما مثلا في كتاب الطهارة رأينا انه قال كل دم نجس و حرام او ان كل مسلم طاهر، ثم رأينا في كتاب آخر من العروة انه ذكر استثنائات عن نجاسة الدم او ذكر استثنائات عن طهارة كل مسلم، الأول الناصب فهو مسلم ظاهرا و لكنه نجس، الثاني كذا الثالث كذا و سقطت الورقة التي تليها فلا نعلم هل الورقة المذكور فيها استثنائات عن العموم المذكور في كتاب الطهارة، هل ذكر في هذه الورقة الضايعة استثناء آخر عن ذاك العموم ام لا؟ فالعرف يمنع من التمسك بذلك العموم المذكور في كتاب الطهارة، فترى انه مع الشك في وجود المخصص المنفصل منع من التمسك بالعام فضلا عن اجمال المخصص المنفصل الواصل.
اذا سألتم السيد الزنجاني فماذا تصنع في الفقه؟ ضاع منّا كتب رواية ككتب ابن ابي عمير نزل عليه المطر فهلكت، كتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق ضاع، يقول السيد الزنجاني لا تقس هذا المثال بالمثال الذي ذكرناه فاننا نقول بالانسداد في الفقه اذا فحصنا و حصل لنا الظن بعدم وجود مخصص منفصل للعام نعتمد على الظن من باب الانسداد الكبير و الا لولا تمامية مقدمات الانسداد تم الاشكال لعله لو وصل الينا تلك الكتب وجدنا فيها مخصصات على العمومات التي بايدينا.
و هكذا لو وجدنا في مسألة أخرى في العروة كلمة شككنا في مراد صاحب العروة منها و كانت تلك المسألة كاستثناء لمسألة عامة أخرى مذكورة في كتاب آخر من العروة ككتاب الطهارة، فالعرف لا يفرق بين ان يكون تلك المسالة التي رأينا فيها كلمة مجملة لا يفرق بين ان يكون تلك المسالة متصلة بالمسالة التي ذكر فيها العام او كانت منفصلة عنها. يتحير العرف، ذاك الخطاب العام بعد وجود هذا المخصص المجمل لا يصلح للكشف عن مراد المولى.
و حاصل دعوى السيد الزنجاني انه اذا قال لك المولى يجوز لك ان تكرم أي عالم و لكن لا تكرم العالم الفاسق و شككت ان العالم الفاسق يعني العالم الظالم او العالم العاصي لا نتمسك بعموم العام لانه متصل بهذا المخصص المردد بين الأقل و الأكثر. افرض ان المولى قال لك يجوز لك ان تكرم أي عالم و سكت بعد ما رجعت الى البيت او في يوم آخر خابرك قال انا ما كان مصلحة اقل لك في ذاك المجلس لا تكرم العالم الفاسق لانه كان هناك علماء فسقة خفت منهم، اقل لك لا تكرم العالم الفاسق، و قطع التلفن كان بناي أسئل المولى شينو معنى الفاسق، حتى العرب ما يدرون، قطع التلفن كل ما أحاول اخابر المولى يقول الجهاز مغلق او خارج منطقة، يقول السيد الزنجاني ما يفرقون بين ان يكون ذاك الخطاب المخصص المجمل متصلا بالعام او منفصلا عنه يقولون بعدنا ما نكشف مراد المولى شينو.
هذا الاشكال لا يخلو عن وجه لكن انا اشوف في الموارد التي تكون صدقت شبهة مفهومية لا الموارد التي تسمى في عرف المشهور شبهة مفهومية، الالفاظ التي لا يعلم معناها و لكن مراد المولى عنده واضح، اذا لم يتمكن المكلف من الفحص فلا يرونه معذورا في ترك العمل بالعام يعني العقلاء ما يفرقون، السيد الزنجاني ادعى شيئا انا ادعي شيئا آخر في قباله أقول العقلاء لا يفرقون بين ان يقول المولى في مجلس يجوز ان تكرم أي عالم او يجب ان تكرم أي عالم ثم ينقل عنه في انه قال في مجلس آخر كلام اختلفوا فيه ثقة يقول المولى اليوم ورى ذاك اليوم الذي قال يجوز اكرام أي عالم او يجب اكرام أي عالم ورى ذاك اليوم يوم آخر، يجيء فرد ثقة قال المولى اليوم قال لا يجوز اكرام العالم العاصي، صديقه أيضا ثقة قال لا انت مشتبه انا کنت عند المولى قال لا يجوز اكرام العالم الظالم، انت مشتبه ما قال عاصي قال ظالم. انا ما أتمكن من الفحص فتركت اكرام العالم العاصي غير الظالم و قد قال المولى في خطاب عام يجب اكرام كل عالم فهل المولى يعذرني او لا؟ يقول انا أعطيت بيدك خطاب عام يجب اكرام كل عالم اختلف ثقتان فالواحد منهما قال المولى قال لا يجوز اكرام العالم الظالم و الثاني قال لا يجوز اكرام العالم العاصي خب بالنسبة الى العالم الظالم اطمئنت بانه خارج عن ذاك العموم اما العالم العاصي غير الظالم خب ما اطمئنية انه خارج عن ذاك العموم و ما اكرمت ذاك العالم، اني ارتكب ذنوب و لكنه لا اظلم أحدا لا يظلم الا نفسه، مو ظالم عرفا، هنا العقلاء يعملون بالخطاب العام بالنسبة الى المقدار المشكوك فاي فرق بين هذا و بين ان يأتي ثقة و يقول المولى قال لا تكرم العالم الفاسق و انا ما اعرف معنى الفاسق شينو، اسأل الأصدقاء يقولون ففرد يقول فاسق لعله بمعنى العاصي وفرد آخر يقول فاسق يعني الظالم فانا تحيرت هل يوجد فرق بينهما؟ الظاهر انه لا يوجد فرق بينهما فالمولى يقول لي خب انت اطمئننت بان الظالم خارج عن عموم اكرم كل عالم و اما بالنسبة الى غير الظالم خب انت ما اطمئننت بتخصيص ذلك العام و لم تعمل به او في ما اذا كان العام ترخيصا قال يجوز ان تكرم أي عالم فانا اكرمت العالم العاصي اعتمادا على ذلك العام، انا احتج على المولى أقول للمولى قلت يجوز ان تكرم أي عالم شئت فاذا قال لي ألم تسمع ذاك الخطاب الآخر الذي يقول لا تكرم العالم مثلا الفاسق؟ يقول خب المعنى الفاسق مو واضح فالكلمة غير واضحة حتي انا افهم مرادك شينو.
نعم ذكرنا مرارا ان ما يسمى عند المشهور بالشبهة المفهومية كثير منها شبهة مصداقية لان ضابط الشبهة المفهومية ان لا يمكن للمولى ان يقول انا جاهل و لست عالما به، مثلا هذا المثال لا تكرم العالم الفاسق، خب يا مولاي الفاسق ليس له موضوعية، هذا اللفظ ليس له موضوعيا مرادك شينو؟ مرادك من الفاسق هذا اللفظ المجمل مرادك لا تكرم العالم العاصي او لا تكرم العالم الظالم مي سير يقول ما ادري … اشلون ما تدري. لا تتيمم الا بالصعيد، شينو مقصودك من الصعيد، الصعيد هو التراب او مطلق وجه الأرض؟ يقول المولى ما ادري، مو یسير لانك لم تجعل هذا اللفظ كاشفا عن مرادك لنفسك، مرادك لنفسك واضح و كان بامكانك ان تعبر عن مرادك بكلام واضح لكن انت او الراوی عنك استخدمك لفظا مجملا فلم ينكشف مرادك بالضبط و لكن مرادك لنفسك واضح مي سير يقول انا ما ادري انا مثلك و لكن كثير من الشبهات نسبة المولى و العبد اليهما اليها على حد سواء المولى كعالم الغائب لا تتكلم عنه، لا، المولى كمتكلم عرفي.
اغسل ثوبك بالماء جئنا بکأس ماء و خلينا به قاشقتين ملح و مزجنا الملح بالماء فصار هذا الماء ماء ملح يتحيرون فالواحد يقول هذا الماء فالواحد يقول هذا ماء ملح ثالث فراجعنا المولى، المولى كمولى عرفي مو مولى عالم بالغيب يقول انا مثلكم يقول ارجع الى العرف اشوف شينو معنى هذا، هذا ماء او ماء ملح لان الماء هو ما يصدق عليه الماء عرفا … انه ماء عرفا ام لا، و لعل المولى يقول لاحدهم انت حينما نذرت في ذاك السفر لله عليّ ان لا تشرب ماءا، انت بالنسبة الى نذرك كنت مولى مقنن انا هم مثلك، انا مقنن القانون العام، قلت لكم اغسلوا ثوبكم بالماء، انت قلت في ذلك الوقت لله عليّ ان لا تغسل وجهي الا بالماء، هل هذا ماء؟ تقول يكن راجع الى العرف خب انا هم يكون راجع الى العرف فيكون ظاهر اغسل وجهك بالماء اغسل وجهك بما يصدق عليه الماء عرفا فاذا كان هناك خطاب منفصل، اغسل وجهك و خطاب منفصل يقيده يقول لا تغسل وجهك الا بالماء فلا يجوز ان نقول باننا نرجع الى ذاك الخطاب العام او المطلق الذي يقول اغسل وجهك لاثبات جواز الغسل بهذا المايع المشكوكة انه شبهة مفهومية للمخصص المنفصل، لا مراد المولى واضح اغسل وجهك بما هو مايع عرفا.
و من الغريب انه في البحوث في بحث الخروج عن محل الابتلاء اعترف بان الشبهة المفهومية هي ما اختلفت نسبة المولى فيها عن العبد حسب التوضيح الذي ذكرناه، لا ما كان نسبة العبد و المولى اليها على حد سواء و لكنه في الفقه لم يلتزم بذلك، في مناسكه قال اكو مناطق المشكوك لمنى سفح الجبل الناس يقولون ما ندري هذا جزء من مني ام لا، ليس شبهة مصداقية خب شبهة مفهومية لان منى هذا اللفظ وضع لمعنى كوضع خاص و موضوع له خاص فاذا كانت منطقة منى منطقة واسعة كان الموضوع له للفظ منى واسعة يعني كان الواضح لاحظ منطقة كبيرة فسماها منى او منطقة صغيرة فسماها منى. المولى حينما يقول لا ذبح الا بمنى كانه لاحظ تلك المنطقة اذا كانت المنطقة كبيرة فقال لا ذبح الا في هذه المنطقة الكبيرة و اذا كان منى موضوع لمنطقة صغيرة كانه قال لا ذبح الا في هذه المنطقة الصغيرة فنشك في سعة جعل المولى فاذا كان مراد المولى من جعله انه لا ذبح في هذه المنطقة الصغيرة لم يجز الذبح في هذه المكان المشكوك لان هذا المكان المشكوك خارج عن تلك المنطقة الصغيرة و اذا كان مراد المولى انه لا ذبح الا في تلك المنطقة الكبيرة فهذا المكان جزء من تلك المنطقة الكبيرة التي هي أوسع من المنطقة الصغيرة، يقول نتمسك بعموم او باطلاق قوله تعالى “فما استيسر من الهدي” كانه قال يجوز ذبح الهدي في أي مكان، القدر المتيقن من تخصيصه انه خصص عنه و خرج عنه ما عدى المنطقة الكبيرة غير المنطقة الكبيرة من منى خرج عنه المشعر خرج عنه عرفات، اما المنطقة الكبيرة لا ندري هل أخرجت عن ذاك العموم ام لا نتمسك بالعموم نقول المنطقة الكبيرة كلها باقية في عموم فما استيسر من الهدي.
و لكنكم ترون أولا شينو هذا العموم الذي اخرج عنه كل مناطقة العالم و بقي تحته منى فقط، غير ان العرف يقول ذاك لم يكن في مقام البيان، هذا أولا يعني العرف يقول فما استيسر من الهدي نكشف انه لم يكن في مقام البيان من ناحية مكان الذبح بعد ان ورد لا ذبح الا في منى و ثانيا ذكرنا ان نسبة المولى الى منطقة منى و العبد اليها على حد سواء، المولى كمولى عرفي لایدری هذه المنطقة اشكت سعتها غير يسأل اهل العرف؟ افرض مسافر يجيء قم و وضعنا قانون انه في شارع كذا بلوار امين ما يخلون سيارتهم بالشارع، سألوا قال بلوار امين الى وين؟ بلوار امين الى برديسان كل بلوار امين او الى مثلا کذا يقول لاادری انا رجال یجد من اذربايجان ما ادري وين سوونی، ففی هذا لا يمكن التمسك بالعام.
و بقية الكلام في الليالی القادمة ان شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.