بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس: 13 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =
المبحث: النواهي (في اجتماع الأمر والنهي)
التاريخ: الثلاثاء: 18/1/2022 (15/جمادي الثانية/ 1443)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
كان الكلام في اجتماع الأمر والنهي، فذكرنا أنّه تارةً يكون بين متعلّق الأمر والنهي عموم وخصوص مطلق وتارة تكون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه، أمّا إذا كانت النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق:
أ. فتارةً يتعلّقُ الأمر بالعنوان المطلق كالصلاة ويتعلّق النهي بالعنوان المقيّد كالصلاة في الحمّام.
فقلنا: أنّ الارتكاز العرفي يأبى عن قبول اجتماع الأمر والنهي في مثله وإن كان المفاد الاستعمالي لخطاب النهي هو التحريم التكليفي لا الإرشاد إلى المانعيّة.
ب. وقد يتعلّق الأمرُ بعنوانٍ ويتعلّق النهي بعنوان آخر والنسبة الخارجية بينهما عموم وخصوص مطلق مع تغاير العنوان، كما لو ورد في خطابٍ “أكرم عالماً” وورد في خطابٍ آخر “لا تُطعم العالم الفاسق”؛ فهنا النسبة بين الإطعام والإكرام عموم وخصوص مطلق ولكن يوجد تغاير بين المفهومين.
فهنا قد يُقال: كما في البحوث أنّ تغاير العنوان يكفي في اجتماع الأمر والنهي حتى لو كان الأمر على نحو الشموليّة والإنحلاليّة. يعني لا يختصّ جواز اجتماع الأمر والنهي مع تعدد العنوان بما إذا كان الأمر متعلّقاً بعنوانٍ على نحو صِرف الوجود، بل حتى ولو كان متعلّقاً بعنوانٍ على نحو مطلق الوجود أي على نحو الانحلال والشموليّة، فحيث إنّ التكليف لا يسري من العنوان إلى المعنون الخارجي بل يبقى الأمر متعلّقاً بالعنوان نفسه وإن كان يُرى هذا العنوان متحداً تصوراً وفانياً تصوّراً في المعنون لكن لا يسري الأمر من العنوان إلى المعنون الخارجي كما أنّ النهي كذلك، فمجرّد تعدد العنوان يكفي في جواز اجتماع الأمر والنهي حتى ولو كان الأمر على نحو الشموليّة في الوجود، وهذا ما صر ّح به في البحوث الجزء الثالث ص 47.
ولكنّه في الصفحة 103 صرّح بالخلاف، يعني يوجد تهافت بين كلامين من البحوث؛ صرّح في الصفحة 103بأنّه لا يجوز اجتماع الأمر الشموليّ والنهي الشموليّ ولو مع تعدّد العنوان بينما أنّه صرّح في الصفحة 47. وكذا في مباحث الأصول الجزء الثالث أنّ تعدّد العنوان يكفي في اجتماع الأمر والنهي ولو كان الأمر على نحو مطلق الوجود.
وهذا غريبٌ جدّاً، لماذا؟ لأنّه لو كان الأمر على نحو مطلق الوجود والنهيّ على نحو مطلق الوجود، ففي مورد الاجتماع يلزم تعلّق الحبّ والبغض بمعنونٍ واحد ولو مع تعدّد العنوان.
مثلاً: شخصٌ يقول “أنا أحب الطعام اللذيذ وأكره الشيء الأسود” فجاؤوا إليه بطعامٍ لذيذٍ أسود، فهل يصحّ أن يقول “أنا أحب الطعام اللذيذ حتى هذا الطعام” وفي نفس الوقت يقول “أنا أبغض الشيء الأسود حتى هذا الشيء”؟
بعدما يرى الإنسان بالنظر العرفي أنّ المعنون هو المحبوب وهو المبغوض والحبّ لا يسري من العنوان إلى معنونه عقلاً، لكنه بالنظر العرفيّ الحبّ يسري إلى المعنون الخارجيّ بالنظر العرفيّ كما في حبّ الأعيان؛ أنا أحب أمير المؤمنين علیه السلام، الحكماء يقولون أنت تحب الصورة الذهنيّة لأمير المؤمنين وإن كنت تنظر إلى هذه الصورة الذهنيّة لأمير المؤمنين كأنّها هو الوجود الخارجيّ لأمير المؤمنين ولكنّ المحبوب بالنظر العقليّ هو الصورة الذهنيّة لأمير المؤمنين وأمير المؤمنين علیه السلام في الخارج ليس محبوبك إلّا بالعرض والمجاز العقلي، العرض والمجاز يعني كذب، ولكن كذب عقليّ.
هذا الكلام للحكماء والذي هو مقبولٌ لدى المتأثّرين من الحكماء من الأصوليين، الذين هم متأثرون من الحكماء لا نتكلم عنه، صحيح أم ليس صحيحاً؟ البحث عنه موكولاً إلى مجالٍ آخر. لكن نحن نتكلم بالنظر العرفيّ، فنقول:
في النظر العرفيّ لا إشكال في أنّ الوجود الخارجيّ لأمير المؤمنين هو المحبوب وهكذا حبُّ الأفعال، كلّ زيارة لأبي عبد الله علیه السلام أنا أحبها، تحبُّ ماذا؟ [أحبُّ] الوجود الخارجي للزيارة لا الصورة الذهنيّة للزيارة.
فإذاً كيف يجتمعان حبُّ عنوانٍ وبغض عنوانٍ مع الإلتفات إلى كون المعنون لهما في هذا المورد واحداً؟ فكيف نقبل أنّه لا مانع من اجتماع الحب والبغض، حبُّ عنوانٍ وبُغض عنوانٍ آخر ولو مع الالتفات إلى أنّه في موردٍ المعنون لهما واحد؟
نعم، لا ينكر في البحوث وهكذا من قبل كلامه كصاحب الأضواء والآراء:
لا يُنكر أنّ الأمر بمطلق الوجود بالنسبة إلى عنوانٍ والنهي عن مطلق الوجود بالنسبة إلى عنوانٍ آخر مع كون المعنون لهما واحداً في موردٍ، لا ينكران أنّ هذا يوجب طلب ما لا يُطاق، طلب فعل شيءٍ وطلب تركه.
لكن يقولون أنّ هذا طلب المحال كطلب الضدين، وليس طلباً مُحالاً. طلب الضدين طلب المحال، ولأجل ذلك لا مانع من حبّ الضدين، الطلب لأجل أنّه طلب غير المقدور في طلب الضدّين لا يصحّ التكليف بغير المقدور، ولكن حبّ غير المقدور لا مانع منه، ولأجل ذلك أنا أحبّ أن أكون في ليلة الجمعة في كربلاء وأحبّ أن أكون في مشهد، أحبّ كلا الأمرين ولكنهما ضدان لا يمكن الجمع بينهما عادةً. ولكن لا مانع من تعلّق الحبّ بالضدّين، وكذا لا مانع من تعلّق الحبّ بمتلازمٍ والبغض بمتلازمه الآخر، أنا أحبّ أن أستقبل القبلة وأبغض أن أستدبر الجُدي، ولكن استقبال القبلة متلازمٌ في بلادنا مع استدبار الجُدي، لا مانع من ذلك، أحب هذا المتلازم وأبغض المتلازم الآخر له.
لكن إذا كان المعنون واحداً والإنسان ملتفت إلى أنّ المعنون الواحد ينطبق عليه عنوانان، يحبّ هذا العنوان على نحو الشموليّة ويبغض ذلك العنوان على نحو الشموليّة، كيف يصير؟ يحبُّ إكرام أيّ عالمٍ ويبغض إكرام أيّ فاسقٍ مثلاً،ويعلم بأنّه هناك علماء فسقة، لو سألناه وقلنا: هل تحبّ إكرام هذا وتبغض إكرام هذا؟ هل يقول نعم، أحبّ إكرامه وأبغض إكرامه، أو مثلاً: لو أنّ المولى قال “توضأ من كلّ ماءٍ من المياه الموجودة في الدار” وقال “لاتغصب”، وكان جزء من هذه المياه مغصوب فهل المولى يُتعقّل أن يقول أحبّ أن تتوضأ من هذا الماء -مشيراً إلى الماء المغصوب- وأبغض أن تغصبه؟ أصلاً لا يترشّح في نفس الشخص الملتفت هذا الحبُّ والبغض معاً.
ولأجل ذلك نحن نؤيّد ما ذكره في البحوث في الجزء الثالث الصفحة 103، فإذاً إنّما نقبل تعدّد العنوان ونراه كافياً في اجتماع الأمر والنهي في الأمر بصِرف الوجود دون الأمر بمطلق الوجود.
[المثال الثالث]
والمثال الثالث لفرض تعلّق الأمر والنهي مع كون النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق: أن يتعلّق الأمر بشيء ويتعلّق النهي بعرضه المتحد معه خارجاً:
يأمر المولى برسم خطٍ على نحو صِرف الوجوديّة وينهى عن إيجاد الإنحناء في الخط، لا مانع منه وإن كان في البحوث يقول مثل المحقق النائيني قدس سره الذي يرى لزوم تعدّد المعنون في الخارج في جواز اجتماع الأمر والنهي، بأنّ يكون التركيب بين الحرام والواجب في الخارج تركيباً انضمامياً، يكون وجود الواجب في الخارج غير وجود الحرام، لا بدّ أن يرى امتناع الأمر برسم خطٍ والنهي عن إيجاد إنحنائه، ولكنه يقول أنا حيث أرى كفاية تعدد العنوان في جواز اجتماع الأمر والنهي أرى جواز ذلك.
أقول: لا، حتى المحقق النائيني بالنظر العرفي لا بدّ أن يقول العرف يرى أنّ العرض وجوده غير وجود الجوهر، بالنظر العرفي هكذا.
ولأجل ذلك لو امرأة قرأت في صلاتها جهراً أمام الأجانب وقلنا بأنّ إجهار صوتها أمام الأجانب حرام إمّا مطلقاً كما عليه جمعٌ من القدماء بل لعلّه المشهور بينهم أو أنّ الإجهار للمرأة أمام الأجانب إذا كان بشكلٍ خاص، بنحو الخضوع فهو حرام، لا مانع من شمول إطلاق الأمر بالقراءة لهذه القراءة الجهريّة مع تعلّق النهي بالجهر فيها، لأنّ النهي تعلّق بالعرض، والعرض بالنظر العرفي وجوده غير وجود الجوهر وإن كان عارضاً عليه، هذا كلّه في اجتماع الأمر والنهي مع كون النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق.
أمّا اجتماع الأمر والنهي مع كون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه:
فله مثالان:
المثال الأول: تعدّد العنوان، “صلِّ” “لا تغصب”، فصلّى المكلّف في مكانٍ مغصوب فهل يمكن اجتماع الأمر والنهي فيه؟ ونؤكد أنّ الأمر لا بد من أن يكون على نحو صرف الوجود.
المثال الثاني: فيما إذا كان العنوان واحداً ولكن تعددت الإضافة، كقوله “أكرم عالماً” وقال “يحرم إكرام الفاسق”؛ فالإكرام واحداً في كِلا الخطابين لكن تعدّدت الإضافة، “أكرم عالماً” “لا تكرم الفاسق”، فاجتمع في موردٍ بحيث اختار الشخص لإكرام العالم عالماً فاسقاً فأكرمه، فهل يجوز اجتماع الأمر والنهي فيه فيكون عاصياً للنهي عن إكرام الفاسق وممتثلاً للأمر بإكرام عالمٍ؟ أو أنّه لا يمكن اجتماعهما كما عليه جمعٌ من الأعلام كالسيّد الخوئي رحمه الله في كِلا المثالين؟ بينما أنّ السيّد السيستاني = يرى جواز الاجتماع في كِلا المثالين.
فنلحظ في الليالي القادمة هذا الخلاف بين المرجعين الكبيرين، هل نتخذ موقفاً بصالح السيّد الخوئي أو نتخذ موقفاً بصالح السيّد السيستاني؟ نتكلّم عن ذلك في ليلة الأحد إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.