دانلود فایل صوتی soum 001

فهرست مطالب

فهرست مطالب

 

 

 

 

الدرس 1

السبت – 5 شوال المكرم 43

موضوع: البحث عن ماهیة الصوم و ثمراته

 

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة‌ و السلام علی سيدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين.

قال صاحب العروة: كتاب الصوم و هو الامساك عما يأتي من المفطرات بقصد القربة.

الصوم في اللغة

الصوم في اللغة هو الامساك عن الشيء. تارة يقال: امسك الشيء يعني لزمه و حبسه، و لاتمسكوهن ضرارا لتعتدوا. و تارة‌ يقال: امسك عن الشيء، امسك عن الاكل، امسك عن الشرب، و هذا هو الصوم اللغوي. الصوم اللغوي هو الامساك عن الشيء.

ففي كتاب العين بعد ان قال الصوم ترك الاكل و ترك الكلام و قوله تعالي اني نذرت للرحمن صوما، اي صمتا، قال: الصوم قيام بلاعمل. من قام بلا ان يعمل شيئا يقال هذا صائم. اذا قام الفرس و لم‌يعتلف (لم يأكل العلف) يقال: هذا الفرس الصائم. اذا ركد الريح (سكن الريح) يقال: صامت الريح. اذا استوت الشمس في منتصف النهار يقال: صامت الشمس. فالصوم يدل علی امساك و ركود في مكان.

في لسان العرب ينقل عن كتاب التهذيب ان الصوم في اللغة الامساك عن الشيء و قيل للصائم صائم لامساكه عن الطعام و الشراب و النكاح، و قيل للصامت صائم لامساكه عن الكلام، و قيل للفرس صائم لامساكه عن العلف مع قيامه. قال الخليل و الصوم قيام بلاعمل، و قال ابوعبيدة: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم. و عن ابن دريد: كل شيء سكنت حركته فقد صام فالصوم هو الركود، ان يكون راكدا بلاتحرك أو فقل الصوم هو الامساك عن الشيء.

هذا هو معنی‌ اللغوي للصوم.

الصوم في الفقه

و اما الصوم في الفقه فقد عرّف بتعاريف و بعضهم قال كما في الجواهر ان هذا الخلاف ليس بمهم لانها تعاريف علی حد شرح الاسم يعني ليس يراد من هذه التعاريف التعريف الجامع و المانع بل يراد بيان ما يقرب الی ذهن المخاطب كما يقال السعدانة نبت. و لكن هذا ليس صحيحا لانه لو كان غرضهم من هذه التعاريف مجرد تقريب و شرح الاسم فلماذا تنازعوا فيه و اعترض كل منهم علی الآخر بان تعريفك ليس بجامع للافراد أو ليس بمانع للاغيار. و لكن صحيح ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك و كذا السيد الخوئي من ان اتعاب النفس لبيان التعريف الدقيق للصوم في الفقه لا اثر له فينبغي البحث عما هو مؤثر.

الثمرة الاولی للبحث عن حقيقة الصوم: ترک المفطرات من الناسي

البحث المؤثر هو ان نری هل الصوم هو الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الی الليل فان كان الصوم هو ذلك فمن نسي انه صائم و اكل شيئا و لم‌يمسك عن المفطرات، و لاجل ذلك قد يقال بانه ليس بصائم، و لكن عمله مجزئ عن الصوم و الا فهذا ليس بصائم لانه نسي صومه فأكل، نسي انه صائم فتغدی بعد ما شرب الماء و رأی الغداة تذكر انه صائم. بعد ذلك نام فلما استيقظ أكل الفواكه و هو ناس لصومه، بعد ما اكل الفواكه و قال الحمد لله، تذكر انه صائم، يا صوم هذا؟ و لم‌يمسك عن المفطرات. فاذا لم‌يكن هذا صائما و يكون صائما حكما فلابد من الاقتصار علی مورد النص، لو لم‌يرد نص فكيف نقول هذا محكوم بحكم الصائم، لو لم‌يكن صائما حقيقتا كما لو نسي فأكل طعاما مغصوبا، الدليل الوارد هو انه ورد انه رزق رزقه الله، هذا الطعام المغصوب رزق رزقه الله؟! يا رزق رزقه الله؟ هذا لايقال في حقه رزق رزقه الله. و لكن الفقهاء يقولون ان صومه صحيح لانه ناس، حينما أكل الطعام كان ناسيا لصومه. فنری ان هذا صائم حقيقتا و صومه صحيح من باب الصدق العرفي أو انه ليس بصائم حقيقتا بل هو محكوم بحكم الصائم تعبدا حتی نقتصر علی مقدار التعبد لا اكثر.

و هذا نظير ما ذكره شيخنا الاستاذ قدس سره في الاستهلاك. المشهور يقولون بانه لو استهلك الدم في الماء، في ماء خارجي أو في ماء فم، فهذا الدم ينعدم عرفا و جواز اكل هذا الماء الذي استهلك فيه الدم (اذا لم‌يتنجس به طبعا، ماء الريق لايتنجس بالدم الخارج من اللثّة و الماء الخارجي اذا كان متصلا بماء الحنفية متصل بالكر لايتنجس بقطرة دم، فاذا استهلكت هذه القطرة من الدم في هذا الماء المشهور يقولون بان جواز شرب هذا الماء) علی القاعدة، ان تشرب الماء و لاتأكل الدم.

الشيخ الاستاذ قدس سره كان ينكر ذلك يقول: لا، الدم لايزال موجودا في هذا الماء. و لاجل ذلك لو تعمد شخص، خلّی قطرة دم في ماء متصلا بماء حنفية، الماء الموجود في هذا الكأس فتح عليه ماء الحنفية و هو متصل بالكر، فالقی فيه قطرة دم و خلطه، فاستهلك الدم في هذا الماء فشرب الماء، من الصبح الی الليل كرر هذا العمل، الشيخ التبريزي كان يقول: الناس يقولون له: انت أكلت الدم هذا اليوم، و ان راح ذالك الدم، فيحرم ذلك الفعل لان العرف يقول اكل الدم. نعم لو كان الاستهلاك الدم في الماء‌ بعوامل قهرية لا بتعمد من المكلف فاستفدنا من الروايات ان شرب الماء الذي استهلك فيه الدم حلال، تعبدا و الا يصدق انه أكل للدم الموجود في هذا الماء كما انه لو كان مقدار ضئيل من فضلة الفأرة في حنطة كثيرة فدقّ الحنطة، صارت الحنطة دقيقا، العرف يقول: استهلك فضلة الفأرة في هذا الدقيق الكثير و لكن هل تلتزمون بجواز أكل هذا الدقيق؟ يستعمل خبزا و يؤكل؟‌ و لايلتزم به الا بعض الفقهاء الذين كان يذكر اسمهم شيخنا الاستاذ و يقول افتوا بجواز هذا الدقيق لاستهلاك فضلة الفأرة و لكن المشهور لايلتزمون به. فالاستهلاك ليس موجبا لانعدام المستهلك في المستهلك‌فيه. و انما حكمنا بجواز شرب ماء الذي استهلك فيه الدم تعبدا و من باب دلالة نص الخاص و الا فالعرف يقول انت اكلت الدم في ضمن شرب هذا الماء.

هنا ايضا يأتي هذا الكلام. هل هذا الذي نسي فأكل أو شرب في اثناء صومه صائم حقيقتا حتی نقول لانحتاج الی تعبد خاص أو انه بحكم الصائم، لانه لم‌يمسك عن الأكل و الشرب في هذه اللحظة فاذا كان بحكم الصائم فيدور الحكم بصحة عمله مدار النص الخاص. فاذاً لابد من البحث عما هو حقيقة الصوم، هل حقيقة الصوم حقيقة تنطبق علی هذا الصوم الذي نسي الصائم فيه فأكل و شرب نسيانا أو لا؟

الثمرة الثانية: نية الصوم مع عدم نیة الامساک لبعض المفطرات للجهل به

و هكذا شخص يقول: انا اصوم هذا اليوم قربة الی الله تعالی و لكنه حيث يجهل ان الارتماس في الماء مثلا مفطر للصوم خلافا للسيد السيستاني، المشهور يقولون بان الارتماس في الماء مفطر للصوم، هذا كان جاهلا بان الارتماس في الماء مفطر للصوم، نوی الصوم لكنه لم‌ينو الاجتناب عن الارتماس في الماء لجهله بان الارتماس في الماء مفطر، هل عدم نية امساكه عن الارتماس في الماء،‌ لم‌ينو الامساك، لم‌ينو الاجتناب عن الارتماس في الماء لانه جاهل بانه مفطر لكنه لم‌يرتمس في الماء لعدم توفر مقدماته، فهل يصدق ان هذا صائم؟

السيد الخوئي يقول: لايصدق، حقيقة الصوم الامساك عن واقع المفطرات، واقع المفطرات من ضمنها الارتماس،‌ هو لم‌ينو الامساك، لم‌ينو الاجتناب عن الارتماس في الماء،‌ فهو ليس بصائم. نقول: يا سيدنا الخوئي! هذا نوی الصوم، و لم‌يرتمس في الماء ابدا، لكنه لاجل جهله بان الارتماس في الماء مفطر للصوم ان قيل له هل نويت ان لاترتمس في الماء، يقول لا، انا لم‌انو ذلك لان الارتماس في الماء مو مفطر، و لم‌يرتمس في الماء لانه لم‌يتيسر له مقدمات الارتماس في الماء،‌ يقول السيد الخوئي مع ذلك هذا ليس بصائم. فلابد ان يقضي كل ما صامه بهذه الكيفية.

بينما ان جمعا من الاعلام قالوا بان هذا صائم. السيد الحكيم و السيد السيستاني ذكرا انه هذا لاجل جهله بمفطرية الارتماس في الماء نوی الصوم اجمالا فيقول العرف هذا صائم.

السيد الخميني قدس سره ذكر اشد من ذلك فقال: حتی لو نوی الارتماس في الماء و كان عالما بمفطريته مع ذلك مادام لم‌يرتمس في الماء فصومه باق. اذا قال انا بعد ذلك ما اصوم، نوی قطع الصوم،‌ هذا ليس بصائم، اما اذا قال انا صائم و لكن نويت بعد الظهر اروح ارتمس في الماء و هو عالم بان الارتماس في الماء مبطل للصوم،‌ مادام لم‌يرتكب المبطل خارجا فصومه باق. و لذا لو تندّم أو لم‌يتيسر له، ذهب حتی يرتمس في الماء، فأذّن المؤذن لصلاة المغرب، يقول السيد الخميني صومه صحيح. بينما یقول السيد الخوئي صومه باطل، باطل يعني لا انه صام و صومه باطل، اصلا ليس يتحقق منه الصوم. و هكذا السيد الحكيم و السيد السيستاني في فرض العلم بكونه مفطرا.

فهذا ايضا مما يتوقف حل المشكلة فيه علی البحث عن ماهية الصوم و حقيقته.

الثمرة الثالثة: نية السفر قبل الزوال

و هكذا لو ان شخصا نوی ان يسافر قبل الزوال، فقال: انا هذا اليوم سأسافر قبل اذان الظهر و لكن يقال له لابد ان تنوي الامساك الی ان تخرج من بلدك، نوی الامساك، بقي انتظاره الی ان تجيء سيارة ليذهب الی خارج البلد فتأخرت السيارة فأذّن المؤذن لصلاة الظهر و العصر، أو اصلا تندّم، كان عازما علی السفر قبل الزوال و لكنه قبل الزوال تندم قال لا، تندمت، ما اروح للسفر، حيف ان أسافر في شهر رمضان، فهل يبقی مجتنبا عن الطعام و الشراب الی الليل كالواجب التأدبي أو لا، هو صائم و صومه صحيح.

نسب الی صاحب الجواهر ان صوم هذا الشخص ليس صحيحا لان من ينوي السفر قبل الزوال ليس له ان ينوي الصوم، انما يجب عليه الامساك عن المفطرات الی ان يسافر، هذا ليس بصوم. بينما انه يحتمل كما قوّاه السيد الزنجاني فيقال: بان هذا ينوي الصوم و الان هو صائم و ان كان عازما علی السفر قبل الزوال، هو صائم،‌ فهو نوی الصوم،‌ فاذا لم‌يتفق سفره قبل الزوال فيبقی علی صومه و صومه صحيح.

فكل هذه الابحاث يظهر حكمها و يتضح حكمها بملاحظة البحث عن حقيقة الصوم. و هناك ثمرة أخری اذكرها و اكمل البحث في الليالي القادمة ان‌شاءالله.

الثمرة الرابعة: نية الامساک لا بنیة الصوم

شخص نوی الامساك عن الاكل و الشرب و الجماع و ما عدا ذلك من المفطرات، لكن لا بنية الصوم، قال: اليوم يوم الثلاثين من شعبان و لكن حتی احضر روحي امهد نفسي لصوم شهر رمضان اليوم أُمسك عن جميع المفطرات، قالوا لي: لاتصم يوم الشك، انا ما اصوم، لكن امسك عن جميع المفطرات حتی اتهيأ، اتحضر، اصوم في شهر رمضان صوما كاملا. فنوی الامساك عن المفطرات. و افرض كان قاصدا للقربة‌ لانه يريد ان يتحضر لامتثال الواجب الالهي و هذا دائما قربي. أو شخص اضرب عن الطعام و الشراب في السجن، تحديا علی سلطة جائرة و نوی القربة لانه يريد ان يعارض السلطة الجائرة فنوی الاضراب عن الطعام و الشراب و كل شيء، لكنه لم‌ينو عنوان الصوم، نوی‌ الامساك، هو من الاول قال: سأمسك هذا اليوم، لاآكل طعاما، لااشرب ماءا، لااجامع اهلي، أو افرض انه لايتمكن من ذلك لانه في السجن، افرض داعيه داع قربي، هل هذا صائم؟ اذا كان هذا صائما و تمشی منه قصد القربة، فلو اتفق ان هذا اليوم أو رمضان صح صومه و اذا كان يوم عيد فطر حرم صومه. و لكن اذا قلنا بان الصوم حقيقته تشتمل علی اكثر من الامساك عن المفطرات فهو امساك خاص، عنوان قصدي، يمسك بنية ايجاد هذه الماهية الشرعية و هي الصوم، و الا مجرد امساكه ليس صوما، فان قلنا بذلك فلم يتحقق منه الصوم. كما يقال مجرد الانحناء الی حد الركوع ليس ركوعا،‌ الركوع هو الانحناء بقصد عنوان الركوع، العنوان القصدي لاينطبق علی الانحناء الخاص الا اذا قصد هذا العنوان و هو عنوان الركوع و هكذا عنوان السجود. فهكذا يقال في المقام مجرد الامساك عن الاكل و الشرب و نحو ذلك لايعد صوما في الكتاب و السنة لا في اللغة.

السيد الروحاني في كتاب المرتقی في الصوم ذكر انه لم‌يتوهم احد قيام الدليل علی ان الصوم من العناوين القصدية. يعني ابدا ليس مجالا لتوهم ان يقال بان الصوم زائدا عن الامساك عن المفطرات عنوان قصدي يحتاج الی القصد، اذا نويت الاجتناب عن هذه المفطرات انت صائم، نويت الصوم ام لا. بينما انه في غير هذا المجال، مثلا في غسل الجنابة،‌ من بنی ان يغسل تمام جسده و كان قاصدا للقربة، غسل تمام جسده حتی يكون نظيفا، و الله يحب النظيف، ان الله يحب المتطهرين، من جملته لعله ان الله يحب النظيفين، ان الله جميل يحب الجمال فتجمل، و هو يريد يصير نظيفا، ما يصير وسخا، قربة الی الله تعالی‌،‌ يريد يسبح في الحمام و هو جنب، يقولون لا،‌ لماذا لم‌تنو غسل الجنابة؟ مادام لم‌تنو غسل الجنابة،‌ فانت لم‌تغتسل من الجنابة. يقول السيد الروحاني في الصوم: لم‌يتوهم احد ان الصوم عنوان قصدي يعني لاحاجة‌ الی قصد عنوان الصوم.

بينما ان السيد سعيد الحكيم قدس سره في كتاب منهاج الصالحين ذكر ان الواجب في نية الصوم امور، يشترط في صحة الصوم النية و تتقوم بامور: الاول نية ترك المفطرات، الثاني ان ينوي بتركها الصوم لا ان ينوي ترك المفطرات محضا، لا، ينوي بتركها ان يكون صائما. الثالث ان يكون الداعي للصوم هو التقرب الی الله تعالی.

فنحتاج الی البحث ان حقيقة‌ الصوم هل تزيد علی نية الامساك عن المفطرات فنحتاج الی نية ماهية شرعية تسمی بالصوم ام لا؟ فاذاً لابد ان نبحث عن ماهية الصوم و ليس هذا مجرد اتعاب نفس لتعريف لااثر له، لا، هذه الابحاث ابحاث تترتب عليها آثار عملية. فنتكلم عن ذلك في الليالي القادمة ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.